Ana Mama Yalla
مرأة

أنا ماما يالا.. عندما تصبح السخرية أداة نسوية

السخرية تسهل الوصول للناس اللي مش مهتمة بمقالات أكاديمية ولا محاضرات طويلة. النكتة فعل مستفز صعب تجاهله

ماما التي تقوّر البتنجان وتلفلف ورق العنب لتخرج أفضل ما لديها في حلّة محشي، وماما التي تركناها سنوات في المطبخ أو أمام المسلسلات وأقصى ما وصلته من التكنولوجيا هو شير على فيسبوك أو صورة خروف عيد الأضحى على جروب العائلة للواتساب، ماما التي أعمتها النمطيّة وأغرقتها الأبوية في دور الأمومة وقالت لها أفنِ نفسك فيها، ماما بقت النهاردا عندها صفحة ميمز وكوميكس نسوية.

ماما اليوم تتحدث عن ثقافة الاغتصاب، وتسطو على التريند الذكوري، فتطرحه أرضًا. ماما اليوم على انستغرام وتويتر وفيسبوك تتحدث عن الجنس والأورغازم بعلانية. لم تعُد مشكلات ماما الجنسية مكانها جروبات فيسبوك المغلقة أو صديقاتها المقربات. ماما اليوم تُعطى دروسًا وتُلقنّها بقوّة النُكتة وتُمررها بإصرار امرأة ذاقت المُر حتى فاض كيلها وقبل أن تخنقها الأبوية، قررت أن تصنع من مأساتها اليومية مسخرة يومية. مسخرة مُثيرة للضحك كما أثارت جنون "كل ماما" وكل مَن هي "ليست ماما" لقرون.

إعلان

اليوم، تقتحم ماما الميمز وتفرض نفسها.

أنا ماما يالا... اسم اتخذته مجموعة شابات مصريات لصفحاتهنّ على مواقع التواصل والمُخصصة للميمز النسوية. تقول القائمات عليها (فضلن عدم الكشف عن أنفسهن) أن الفكرة بدأت عام ٢٠٢٠ وبالأخص بعد أغنية تميم يونس "سالمونيلا" والتي اتُهم بسببها نسويات كثيرات أنهنّ لا يفهمنّ النُكتة وثقيلات الظل. ومع تطور أحداث العنف الجنسي خلال العام ولجوء النساء للإفصاح عن وقائع الاغتصاب، أصبح الواقع أكثر الظلال ثقلًا. ومنه ظهرت الحاجة إلى وجود مُتنفّس لغضب النساء وثقل هذا الواقع عليهنّ.

"اسم أنا ماما يالا، هو إيفيه مصري مأخوذ من فيلم "الحرب العالمية الثالثة" والذي تظهر فيه  الممثلة أنعام سالوسة ربة بيت تتابع الشيف على التلفاز، وتُجهّز للمحشي، بينما تُدير بنفس الوقت عصابة شريرة هدفها السيطرة على العالم. يُذكر أن المشهد نفسه مقتبس من الفيلم المصري "تيتو" عندما يسأل أحمد السقا خالد صالح عن هويته، فيرد الأخير بثقة: "أنا بابا يالا." وتُتداول العبارة لسنوات حتى جاءت أنعام سالوسة مُعلنة أن هذا الوقت بالذات، هو وقت ماما.

أنا بابا يالا... أنا ماما يالا
كما اقتحمت ماما عالم الشر والعصابات بخفة مُندمجة بسلاسة مع الصورة النمطية للأم والمحشي، تقتحم اليوم عالم النكتة (ليست المحاولة النسائية الأولى طبعًا). كلا العالمين، عالم الشر وعالم النكتة مُهيمن عليه من الرجال. ففي الأفلام نجد رئيس العصابة رجُل مرّ بتجارب صعبة جعلته جديرًا بمنصب رئيس العصابة الشرير. الرجال يحتكرون عالم الشر في الأفلام (وفي الحقيقة هاهاها. سوري)، وعندما تحاول النساء التمرّد أو أن يكُن لها عصابة أو تُدير عملًا مُستقلًا كأفلام شادر السمك والمدبح والباطنية، فإن مصيرها القتل أو الإفلاس والخسارة.

إعلان

 أما عالم النُكتة، فلا يختلف كثيرًا عن الأفلام والسينما التي تظهر بها الشخصية النسائية مُساندة للبطل الرجل، ليُزيد الإنترنت الطين بلّة ويكون أغلب الكوميكس والميمز من الرجال أو مَن يُسمون أنفسهم "ميم لوردز." لم يكُن ذلك لأن النساء لسنّ موهوبات في صناعة الميمز والكوميكس، بل لأن المساحات التي يتم فيها تداول التيمبليت أغلبيتها من رجال وفتيّة يتفشى بينهم اعتقاد أن النساء دمهنّ ثقيل، ويتعرّضنّ للتحرش والملاحقة الإلكترونية والتنمر.

152256444_173024604583798_8971076562016483398_n.jpg
152926836_172323364653922_3364938047157731213_n.jpg

ما يُميز النُكتة في صفحات الماما، هو أنها نابعة من واقع نسائي مُشترك، مأساة جماعية تحتاج إلى ثقب للترويح عن نفسها. في كل ميم تنشره الماما، هناك عشرات النساء يجدنّ أنفسهنّ وأفكارهنّ في صورة من فيلم عربي مع تطويع الماما له ليُصبح من الممكن تصديقه والتفاعل معه بشكل شخصي. 

تقول الماما: "اعتقدنا في البداية أن الأفكار الراديكالية التي ننشرها قد تناسب فئة صغيرة ودائرة قريبة منا كصديقات فقط. لكننا فوجئنا بنساء أخريات يُشاركن نفس الأفكار ونفس الكيل الطافح في وجه الظلم. يعني ماصدقوا لقوا مساحة تجمع بين الجد والنكتة. السخرية تسهل الوصول للناس اللي مش مهتمة بمقالات أكاديمية ولا محاضرات طويلة. النكتة فعل مستفز صعب تجاهله."

ما يُميز النُكتة في صفحات الماما، هو أنها نابعة من واقع نسائي مُشترك، مأساة جماعية تحتاج إلى ثقب للترويح عن نفسها. في كل ميم تنشره الماما، هناك عشرات النساء يجدنّ أنفسهنّ وأفكارهنّ في صورة من فيلم عربي مع تطويع الماما له ليُصبح من الممكن تصديقه والتفاعل معه بشكل شخصي. 

تقول الماما: "اعتقدنا في البداية أن الأفكار الراديكالية التي ننشرها قد تناسب فئة صغيرة ودائرة قريبة منا كصديقات فقط. لكننا فوجئنا بنساء أخريات يُشاركن نفس الأفكار ونفس الكيل الطافح في وجه الظلم. يعني ماصدقوا لقوا مساحة تجمع بين الجد والنكتة. السخرية تسهل الوصول للناس اللي مش مهتمة بمقالات أكاديمية ولا محاضرات طويلة. النكتة فعل مستفز صعب تجاهله."

122762628_113453110540948_8619463138913694513_n.jpg
136950953_149317820287810_204228937787984999_n.jpg

لماذا لجأت الماما للميمز؟
بجانب أنها فعل مُستفز، للماما فلسفة نسوية في اعتماد النكتة كأداة مقاومة يومية، كما يقلن: "جميع الأدوات مطلوبة في مواجهة الأنظمة المستبدة ومنها الأبوية. الماما لا تُقدم حل أو خطاب جاهز. إنما تتفاعل مع جمهورها بالضحك. تُلخص فكرة نسوية في صورة بدلًا من مقال أو كتاب. الأهم هو أن تكون تلك الفكرة مسموعة ويمكن الوصول إليها والتفاعل معها. الإنتاج المعرفي يجب أن يخرج من دوائر الأكاديمية والحراسة الثقافية على المصطلحات، خاصة تلك المُترجمة إلى العربية بشكل صعب تداوله في الحياة اليومية." 

إعلان
132040165_135746101644982_37232796582765996_n.jpg
151884465_171798451373080_5010586895755684849_n.jpg

نجد الماما تنشر ميم عن الطبقية، وآخر عن آليات العدالة في قضايا العنف الجنسي، دون الحاجة إلى شرح أو إسهاب فيما تتفاعل معها العضوات: الله عليكي ياماما. "دة هاني" أحد أمثلة الترندات الذكورية المُنتشرة مؤخرًا والمأخوذ من مسلسل "هذا المساء." يدخل الزوج المُتشكك في زوجته، فيجد صديقها في المنزل. يتهمها بالخيانة، فترد بثقة: "أنت اتجننت؟ دة هاني."

ورغم أن المسلسل أُنتج منذ أربع سنوات تقريبًا، إلا أن الميم ظهر فجأة في يناير ٢٠٢١، ويتم استخدامه للتقليل من شأن الرجال الذين يثقون في زوجاتهم. يُتهمون بالدياثة، وهو شيء آخر يتم استغلاله ضد الرجال ليُمارسوا العنف ضد النساء تحت مُسمى الرجولة. نشرت الماما نفس الميم، وأشارت أن الزوج عليه أن يضرب زوجته أو يقتلها إن شككّ في سلوكها، وسيفلت من المسؤولية القانونية تحت شعار ممارسة الرجولة. تُعيد ماما إنتاج مصطلح "دياثة" من منظورها النسوي الساخر. وتقول أن احترام الرجال للنساء يتبعه وصم لهؤلاء الرجال. وإن كانت معاملة النساء بإنسانية دياثة، فليكُن. 

3BDBE445-FFFC-43A1-B23F-B82FA9C1B39B.png
7FCD39DE-417A-440D-887F-B5814A093A7E.png

الماما وإيجابية الجنس
أعتقد أن قلة قليلة منّا سمعت أمهاتنا تتحدث عن رغباتها الجنسية، أو تشتكي من إحباطاتها الجنسية بعد الزواج. لكن الماما اليوم تتحدث عن حقها في الأورغازم، وتنتقد الرجال الذين لا يضعون رغبات النساء الجنسية ركن أساسي لنجاح العلاقات والزيجات. تخرج الماما من مركزية الجنس حول الرجال وأدائهم الجنسي (ههه معلش)، وتضع النساء في بؤرة المتعة (يس!). تقول الماما لفايس عربية: "لدينا منظور نسوي للنكتة. لو هنتكلم عن الرغبة الجنسية للست من منظور أبوي حتحصريها في دور العاهرة أو المُتلقي السلبي ودي تيمة بتضحك، بس احنا هنضحك على أن المفاجأة المضحكة إن ستات عادية وبتحب الجنس وممكن تكون الام والاخت والصديقة."

AB0575E6-708B-4D38-B817-1D99AA6E85F6.png
131344512_130857775467148_4851555563625657189_n.jpg

لا تسلم الماما من التعليقات السخيفة بالذات إن تحدثت عن المواريث في الإسلام، أو عن التناقض بين إدعاء الرجال للتحرر وبين استغلالهنّ الجنسي والعاطفي للنساء واتهامهن بالهسترة والجنون. مازال المعلقون الرجال يجدون الماما صفحة خارجة عن المألوف. يُزعجهم ذلك وكالعادة الأبدية، يتهمونها بالإلحاد وعمالة الجنس والسعي لخراب المجتمع. 

الجميل في الموضوع أن الماما تسعى بالفعل لتخريب المجتمع لأنه مبنٍ على العنف. تنتقد قانون يستهدف النساء تحت شعار حماية قيم الأسرة، وتضرب عرض الحائط بالصور النمطية عن النساء وأدوراهنّ الاجتماعية. تقدم الماما هذه المساحة على الإنترنت للنساء كما تقدم المحشي، بالود والحب الممزوجان بالرغبة في الوجود. هذا الميم مصنوع بالسمن البلدي، وبالهنا والشفا للذكوريين والذكوريات.