Vice Clubhouse
مقال رأي

من الانبهار إلى النفور -تجربتي مع تطبيق "كلوب هاوس"

الغرف الفلسطينية هي الأفضل من حيث تناول المواضيع وتنظيم النقاش

قمت قبل أكثر من أسبوع بوضع رأسي بين الرؤوس وتحميل التطبيق الذي أصبح فجأة حديث العالم، تطبيق "كلوب هاوس" الذي يشعرك الدخول إليه بالفوز بجائزة كبرى، فأنت لن تستطيع الدخول إليه إلا لو كنت من مستخدمي آيفون، وبعد أن تحصل على دعوة من شخص موجود على التطبيق للدخول إلى هذا العالم الغامض. 

دخلت وأنا لا أعلم كثيراً ما الذي ينتظرني، وسرعان ما وقعت في الفخ، فخ الانبهار بالتطبيق المخلّص الذي سيخلصني من الاكتئاب الذي سببه العزل المنزلي، تطبيق سيعطيني المساحة كي أسمع وأتحدث مع غيري من البشر في شتى أصقاع الأرض في شتى المواضيع التي تهمني، بأسلوب منظم ومهذب ومسلّي، أو هكذا اعتقدت. قضيت الليلة الأولى بعد تحميل التطبيق حتى الساعة الثالثة فجراً (أنام عادةً قبل العاشرة مساءً) أتنقل بشغف بين "غرف" الكلوب هاوس المتنوعة التي تتحدث عن الصحافة، السياسة، النباتية، وحتى أخبار الفنانين وصِفات حيوان الكوالا.

إعلان

بدأت أشارك إعجابي في التطبيق مع أصدقائي الذين لاحظت وجودهم أونلاين أغلب الأوقات، فقال لي واحد منهم بعفوية "إنبسطي فيه قبل ما ينسرق منّا." لم أفهم كيف يمكن للتطبيق أن "ينسرق منّا" وتابعت النقاش في الأمور التي لطالما أردت أن أتحدث عنها. الغرفة الأولى التي شاركت بها كانت تتحدث عن أسباب رحيلنا من بلادنا، أغلب من في الغرفة كان من فلسطين المحتلة. قضيت أكثر من ساعتين من الاستماع للأسباب المتنوعة التي تدفع الإنسان لترك عائلته وذكرياته ليبحث عن حياة أفضل في المنفى، ومشاركة تجربتي الشخصية في نفس الموضوع، بدأت أشعر بثقل على صدري، وكلما زادت التجارب، كلما زاد الثقل، حتى خرجت من الغرفة وذهبت للنوم وأنا أبكي.

ورغم أن موضوع الغرفة ضرب على أوتاري الحساسة، أعترف بدون انحياز -أو ربما بانحياز مشروع- أن الغرف الفلسطينية هي الأفضل من حيث تناول المواضيع وتنظيم النقاش. ربما يجد الفلسطينيون هناك مساحة حرة للتعبير عن قضاياهم ومشاكلهم بدون رقابة -على الأقل لحد اللحظة. الجزء الأهم هو أن هذه الغرف تجمع الفلسطينيين الذين تشتت رحالهم في كافة بلاد المعمورة، ولكنهم وجدوا هذه المساحة التي توحدهم كي يناقشوا الانتخابات الفلسطينية المقبلة، سياسة الرئيس أبو مازن، ومستقبل القضية الفلسطينية من وجهة نظرهم.

في المقابل، أنشأت غرف أخرى تدعم تطبيع الدول العربية مع اسرائيل، بالإضافة إلى الكثير من الحسابات الوهمية التي دخلت الغرف التي ناقشت تقرير الاستخبارات الأمريكية بخصوص مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، حتى بدأت تشعر أن بعض الأنظمة أصبحت تخشى الغياب عن هذا السباق الشعبي الذي أصبح بين ليلة وضحاها يشارك فيه الجميع.

التطبيق ليس مساحة آمنة على الإطلاق

إعلان

مؤخراً، بدأ رواد التطبيقات المختلفة بالانتباه لسياسات الخصوصية، خاصة بعد قيام تطبيق واتس آب مؤخراً بالإعلان عن نيته تغيير سياسة الخصوصية الخاصة به، مما تسبب بموجة هجوم حادة على التطبيق، ودعوات كبيرة لمقاطعته. تعرض "كلوب هاوس" لنفس الهجوم. كما غيره من التطبيقات، يقوم "كلوب هاوس" يقوم بالوصول إلى جهات الاتصال الخاصة بك، وسيحثك أيضًا على دعوة مستخدمين آخرين، وإعلامك بمجرد انضمام شخص ما في جهات اتصالك. كذلك يدعوك التطبيق لإضافة حسابك على تويتر وانستغرام، وهي طريقة أخرى لاستهداف مستخدمين جدد.

في حين أن التطبيق لديه بعض الإجراءات لمنع إساءة الاستخدام وامكانية حظر المستخدمين، وجعل الغرف خاصة، إلا أنه لا يوجد حماية كافية بخصوص تسجيل المحادثات التي تتم في هذه الغرف، بمعنى أن أي مستخدم  داخل الغرفة يستطيع تسجيل المحادثات حتى ولو يقم التطبيق بذلك، لذلك أؤكد: التطبيق ليس مساحة آمنة على الإطلاق. لذلك، اتخذت قراراً بأنني لن أدخل الغرف التي تتحدث عن الأمور الشخصية، كي لا أشحن بمشاعر سلبية أولاً، وكي لا أقع في فخ التحمس ومشاركة تجاربي الشخصية والفضفضة للغرباء.

إعلان

شاركت في الغرف التي تتحدث عن صحافة الفريلانس، الصحافة الاستقصائية، صناعة البودكاست، وغيرها من المواضيع التي تثير اهتمامي. ولكن الشيء الوحيد الذي أثار قلقي هو سيطرة أسماء إعلامية كبيرة على هذه الغرف، شعرت أنني أريد مساحة أكثر بساطة، لا أن أبدو وكأنني أشاهد برنامجاً تقدمه هذه الشخصيات على التلفاز وتحاورني وتحاور الحضور بنفس الطريقة التقليدية. ولكن حسناً، ربمّا -لست متأكدة- وجود هذه الشخصيات يعطي طابعاً أكثر جديّة للغرف، فتجعل مستوى حديث الحضور أكثر جديّة ومهنية.

اللافت أيضاً هو وجود المصريين بشكل بارز سواء كانوا داخل مصر أو خارجها. المصريون في الخارج ينتقدون النظام ويتحدثون عن أي شيء وفي أي وقت حتى وصف المقدم المصري أحمد موسى التطبيق بأنه "إخوان" وأنه استطاع اختراق الغرف والاستماع لما يدور فيها، مع أن الاستماع لما في الغرف لا يحتاج أي اختراق، إنما يحتاج حساب على التطبيق فحسب. بينما بعض المصريين في الداخل أسسوا غرف لتوجيه التحية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي "باني مصر الحديثة" ولكن ما يهم حقاً هنا هو أن هؤلاء كلهم تجمعوا في تطبيق واحد اسمه كلوب هاوس.

سيأتي اليوم الذي تغلق فيه النساء هذه الغرف التي لا زالت تعرّف حقوقها. ستغلقها واحدة تلو الأخرى، وللأبد

بعد ذلك، بدأت الغرف التي تتحدث عن النسوية وحقوق المرأة بالازدياد كما النار في الهشيم، ربمّا لأنها تجلب العدد الأكبر من الحضور إلى الغرف. بعض مؤسسي هذه الغرف أصبح يضع أسماءً مستفزة كي يحصل على عدد أكبر من الحاضرين، فأول غرفة من هذا القبيل كانت تحمل إسم "معاً لضرب النسوية بيد من حديد." أخطأت وقمت بالدخول لهذه الغرفة والاستماع لمحاججات ذكورية كنت نسيت أنها موجودة أصلاً. اتخذت قبل سنتين قرار إلغاء حسابي على فيسبوك بسبب هذا النوع من الآراء الذكورية، والتي كانت دوماً تردي بي وبصحتي النفسية إلى الويل. منذ ذلك الحين، أصبحت لا أتحدث إلا مع زوجي وعدد قليل من أصدقائي وصديقاتي الذين يعيشون داخل فقاعتي الاجتماعية. 

إعلان

أعادتني الغرفة لكل ما تركته ورائي، فسمعت جملاً مثل "نحن ضد النسوية التي تدعو إلى الانحلال"، "نحن ندعم المرأة بما لا يتعارض مع الدين والعادات والتقاليد" وصدمت بأحد المتحرشين موجود في الغرفة ويحاضر في حقوق المرأة، وعندما اتخذت قراراً بالمشاركة ومناقشة هؤلاء بالقول أن مفهومهم للنسوية خاطئ ومضلل، فوجئت بأحدهم يسألني "انتي عندك بنت؟ بتقبلي تعيش ع كيفها؟"

خرجت من الغرفة وذهبت لمشاهدة حلقة من مسلسل سوري بدأت بمشاهدته مؤخراً اسمه "شبابيك" المسلسل يعرض قصصاً لأزواج يتعرضن لتحديات كبيرة تجعل الاستمرار بينهم صعب. كانت الحلقة في هذا اليوم تحكي قصة امرأة تتعرض للعنف المنزلي، لكنها تجد صعوبة في اتخاذ قرار الانفصال بسبب عدم دعم والدتها للقرار. في مشهد من المشاهد، وبعد أن تعرضت البطلة – ديما قندلفت في هذه الحلقة- للضرب المبرح على يد زوجها، تقول لصديقتها أنها تشعر بالخجل من الخروج للشارع بعد أن ضربت، "خجلانة شوف العالم، حاسة كل اللي بالشارع شافوني وأنا عم بنضرب." انتهت هذه الجملة، وبدأت أنا حالة بكاء هستيري كان محفزها الأساسي كل ما سمعته في غرفة الكلوب هاوس الافتراضية، فكل ما سمعته هناك يؤكد أن هذا ليس مشهداً تمثيلياً، هذا مشهد حقيقي يحصل كل يوم في غرفة واقعية.

استمريت في دخول التطبيق، لأجد أن مثل هذه الغرفة بمحتواها المقيت تتكرر بشكل يومي لأكثر من مرة. إستمريت بالدخول لعلّي أسمع شيئاً جديداً يخبرني أن الكون لا زال يتسع للنساء، ولكن هذا لم يحدث. العبارات نفسها، أحياناً نفسها بالحذافير، تتكرر في كل هذه الغرف. في المقابل، النساء اللواتي يتصدين هذه العبارات والأفكار هن ذاتهن في جميع الغرف حتى حفظت أسمائهن وصورهن: مروى، أمل، عبير، ديانا، ميسون، وغيرهن الكثير. 

في الغرفة الأخيرة -والتي ستكون الأخيرة فعلاً-التي دخلتها وكانت تحمل اسم "لماذا يخشى بعض الرجال المساواة مع المرأة" سمعت للعشرات من الآراء الذكورية التي تشبه غيرها في باقي الغرف، ولكن كانت هناك امرأة أصرت على المشاركة وقالت بصوت غاضب جداً ومؤثر جداً: "رجاءً، لما يتعلق الموضوع بحقوق المرأة، المرأة هي بس اللي تحكي، لأنها المعنية أولاً وأخيراً بحقوقها، نحن لا نحتاج مجموعة من الذكوريين أن يخبروا المرأة أين وكيف ومتى تقاتل من أجل حقوقها، هي تعرف جيداً كيف تفعل ذلك." 

خرجت من الغرفة مباشرة بعد هذه المداخلة وأنا كلي إيمان، أن المرأة فقط هي من تحمل وستحمل سيفها، وحتماً سيأتي اليوم الذي تغلق فيه النساء هذه الغرف التي لا زالت تعرّف حقوقها. ستغلقها واحدة تلو الأخرى، وللأبد.