FYI.

This story is over 5 years old.

مجتمع

إهدار الطعام، إبدأ بتغيير نفسك

مليار شخص على مستوى العالم ينامون جائعين
طعام

Katie Campbell EarthFix

"ليس سرا أننا نعيش في ثقافة الفائض في دولة الإمارات العربية المتحدة، المزيد دائما أفضل، والطعام ليس استثناءً من هذا الأمر،" تقول أحلام التعمري، 28 عاماً، مدوّنة أغذية ومؤسسة Straight-up Bananas التي تقدم وصفات يومية باستخدام مكونات طازجة وطبيعية. أحلام باعتبارها شاهد مباشر على المشهد الغذائي في دبي. تربط أحلام بين هذه المشكلة الكبيرة وثقافة حفلات الطعام والبوفيهات المفتوحة، فضلاً عن بعض العادات الغير صحية التي تركز على طلب كميات كبيرة من الطعام في المطاعم، في معظم الأحيان لا يتم تناولها كلها. "هناك دورة متكاملة من إهدار الطعام، فعندما نخرج لتناول الطعام، يقوم معظمنا بإختيار المطعم الذي يقدم لنا المزيد، والذي نرى أنه يعطينا قيمة لما ندفعه، ولكن على الأرجح لن يكون بمقدورنا تناول كل ما يقدم إلينا من طعام. هذا الطعام المتبقي يذهب سدى، مرة بعد أخرى، نقوم بطلب كميات من الطعام، ينتهي معظمها بالنفايات."

إعلان

لاشك أن الحياة في الإمارات لها مميزاتها، والتي من بينها، توافر أنواع مختلفة من المطابخ العالمية والكثير من الخيارات الأخرى المتاحة في خدمات توصيل الطعام. إلا أن هناك جانب سلبي لهذا الترف، وهو أن الكثير من هذا الطعام يتبقى ويتم إهداره في النهاية، حيث يشير الشيخ الدكتور ماجد سلطان القاسمي، الوكيل المساعد بالوكالة لقطاع التنوع الغذائي ومدير إدارة الصحة والتنمية الحيوانية في وزارة التغير المناخي والبيئة في دبي، الى أن تقديرات إهدار الطعام تتراوح بين 1.8 و2.4 مليون طن/سنوياً، مع قيمة تقديرية تبلغ حوالي 14 إلى 26 مليار درهم سنوياً (7 مليار دولار)، وهو ما يعادل ثلث المواد الغذائية التي يتم شرائها. "بالإضافة إلى الأثر الاقتصادي والاجتماعي الذي تسببه نفايات الطعام في دولة الإمارات فهي أيضًا قضية بيئية، لأن الطعام الذي ينتهي في مدافن النفايات ينبعث منه غاز الميثان الذي يساهم في الاحتباس الحراري،" يضيف القاسمي.

المستهلكين الذين يتسوّقون دون قائمة تسوق في متناول اليد غالبًا ما يميلون إلى شراء مواد غذائية غير ضرورية لا يحتاجونها

مخلفات الطعام الفاسدة التي ينتهي بها المطاف في مدافن النفايات تنتج كميات كبيرة من غاز الميثان، ثاني أكثر الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري بعد ثاني أكسيد الكربون، كما أنه أكثر خطراً منه بنحو 25 مرة، والسيطرة عليه ضرورية لمنع ارتفاع حرارة الأرض. وبحسب تقرير منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة عن تأثير نفايات الطعام فأن 1.3 مليون طن من الأغذية تهدر في جميع أنحاء العالم خلال العام الواحد (في وقت يرتفع فيه عدد المتضورين جوعا إلى مليار شخص) مما يعود يؤثر سلباً على المناخ والمياه واستصلاح الأراضي والتنوع البيولوجي. وحين نتحدث عن إهدار الطعام، العالم كله يتشابه في هذا، فبحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، تُهدر الدول النامية والدول الصناعية نفس الكمية من الطعام تقريبا، حيث تهدر الدول النامية نحو 630 مليون طنا من الطعام سنويا، فيما تهدر الدول الصناعية 670 مليون طنا.

إعلان

أحلام ترى أن نمط الحياة سريع الوتيرة في الإمارات ودبي خاصة، يرفع من احتمالية طلب شراء الطعام من خلال تطبيق إلكتروني بدلاً من طهي الطعام بأنفسهم، مما يؤدي أيضًا إلى تواجد وفرة من بقايا الطعام التي تتراكم في الثلاجة طوال الأسبوع. "المشكلة الأخرى هي أنه يوجد شعور بالخجل من طلب تعبئة الطعام المتبقي من أجل أن يتم أخذه عند مغادرة المطعم،" تضيف أحلام.

أحلام التعمري -تصوير كاترينا فاسيلج

لا ينطبق هذا المفهوم فقط على طريقة تناول الطعام، ولكن أيضًا عند التسوق من محلات السوبر ماركت أسبوعياً. كوليت شانون، مديرة الاتصالات في شركة سبينس، سلسلة محلات السوبر ماركت منتشرة في الشرق الأوسط، تشير إلى أن ميل المستهلكين إلى الشراء بكميات كبيرة يؤدي أيضًا إلى ترك كميات كبيرة من فضلات الطعام: "إن ما قد يمكن توفيره من مال على المدى القصير غالباً ما يؤدي إلى نفايات شخصية وبيئية على المدى الطويل،" تقول شانون مشيرة الى أن المستهلكين الذين يتسوّقون دون قائمة تسوق في متناول اليد غالبًا ما يميلون إلى شراء مواد غذائية غير ضرورية لا يحتاجونها، "وكذلك أولئك الذين يتسوّقون على معدة فارغة قد تقودهم نحو الطعام الذي يشتهونه بدلاً من المواد الغذائية التي يحتاجون إليها بالفعل."

كوليت شانون -الصورة من House of Comms

بالإضافة إلى سلوك المستهلك، فإن 30٪ من مخلفات الطعام تحدث في المزارع، وفقا لشانون، حيث يتخلى المزارعون عن بعض المنتجات الزراعية المشوهة. ومن أجل المساعدة في مكافحة هذه الأمر، أطلقت سبينس فكرة بعنوان (Naturally Imperfect) لعرض الخضار والفواكه الغير جميلة المظهر أو "غير مثالية" لمساعدة المزارعين المحليين على تجنب عملية هدر هذه الخضروات والفواكه من خلال القيام ببيعها في متاجر سبينس بسعر أقل، كما تقول شانون: "تشتمل تلك المجموعة على أصناف مختارة من الخضروات ذات الأشكال المختلفة والتي لا تراها بالعادة، ولكن بنفس القيمة الغذائية مثل المنتجات العادية، وسوف يتم بيعها بتكلفة تقل بنسبة 45٪ تقريبًا عن المنتجات التقليدية من المصدر نفسه."

إعلان

حكومة الإمارات العربية المتحدة تبذل أيضاً جهودًا في سبيل التبرع بفائض الطعام بدلاً من إهداره، فضلاً عن زيادة الوعي بمسألة نفايات الطعام، حيث أعلنت إمارة دبي أنها تهدف إلى إعادة تدوير 75٪ من نفايات الطعام بحلول عام 2021 بحيث تصبح أول مدينة في المنطقة تحقق نسبة صفر في فقدان الغذاء أو إهداره، إما عن طريق التبرع بالغذاء أو إعادة تدوير مخلفات الطعام من خلال صناعات مثل الأسمدة والكيماويات أو الأبحاث الطبية.

أقوم بطهي الكمية المناسبة لتناول الوجبة المحددة التي أقوم بطبخها، وإذا كانت هناك بقايا طعام، أقوم بتدوير هذه البقايا بإضافة مكونات جديدة وبعض التوابل وصنع طبق جديد بالكامل

وتشير ميساء ثاني المري، كبيرة مسؤولي التفتيش على سلامة الأغذية في إدارة سلامة الأغذية في بلدية دبي، الى أن البلدية تسعى ليس فقط للحد من فضلات الطعام بل التخفيف أيضا من حاجة الفقراء للطعام، "افتتحنا أول فرع تشغيلي لبنك الطعام الإمارتي في منطقة القوز، في حين أن الفرع الثاني قيد الإنشاء حالياً في منطقة البدع. نحن نقوم بحفظ وجمع المواد الغذائية الآمنة التي لم يمسها شيء من خلال وجود حاويات في عدة مواقع في دبي، ويتم التبرع بالطعام من شركائنا، ويتم تخزينها في البنك، ومن ثم جمعها وتوزيعها من خلال دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري." وأشارت المري إلى أن معظم المواد الغذائية التي يتلقاها بنك الطعام تكون بتاريخ قريب من انتهاء الصلاحية، وبه أخطاء في الملصقات على المنتجات الغذائية أو كميات من الطعام الفائضة التي لم يتم استهلاكها. ويعمل بنك الطعام الإماراتي كذلك مع الهايبر ماركت ومصانع الأغذية والمزارع ومحلات السوبرماركت ومنهم سبينس والذي يشجع أيضاً لموظفيه على أخذ الطعام المتبقي في نهاية كل يوم.

الدنمارك هي واحدة من الدول التي نجحت بتقليص الكميات المهدورة من الطعام إلى الربع تقريباً من خلال تطبيق على الهاتف المحمول اسمه "طعام أثمن من أن يلقى في القمامة" "Too Good to Go" الذي يسمح للكثيرين شراء الطعام الذي لم يبع في المطاعم بأسعار مخفضة. وبدأت بعض البلدان تحذو حذو الدنمارك، حيث سنّت فرنسا وإيطاليا، على سبيل المثال، قوانين جديدة تمهد السّبيل للشّركات، والمزارعين أيضا، للتبرع بالفائض من الطعام للمؤسسات الخيريّة، كما أُطلقت تطبيقات جديدة على الهواتف الذكية في بعض البلدان، ليستدل بها الباحثون عن الطعام على الأماكن التي تبيع الفائض منه.

"أعتقد أنه من واجبنا بالتأكيد كمستهلكين أن نكسر الحلقة المفرغة التي تتسبب في ترك الكثير من فضلات الطعام،" تقول أحلام: "إذا لم يكن هناك طلب على كميات مهولة من الطعام موجودًا بالفعل، فعندئذ لن يضطر السوق إلى توفيره." ويشارك الدكتور القاسمي أحلام الرأي، ويضيف: "نحن بحاجة إلى أن نكون منتجين وبائعين ومستهلكين للغذاء وواعيين بأهمية تقليل نفايات الطعام،" مشيراً الى أن المستهلك قد يبدأ بإدراك خطورة نفايات الطعام إذا كان مُدرك للفوائد التي قد تعود عليه من إزالة فضلات الطعام، سواء من حيث التكلفة أو من الناحية البيئية.

لا شك أن التغييرات السلوكية تستغرق بعض الوقت، لذا من المهم البدء في وقت مبكر لتعزيز تقدير الأجيال القادمة للطعام. أحلام تؤكد أن الأمر ليس صعباً، فهي تسعى دائمًا لاستخدام المكونات الطازجة وتتبع بعض القواعد البسيطة في طهيها والتي تساعدها على الالتزام بسياسة عدم تواجد مخلفات شخصية. "أقوم بطهي الكمية المناسبة لتناول الوجبة المحددة التي أقوم بطبخها، وإذا كانت هناك بقايا طعام، أقوم بتدوير هذه البقايا بإضافة مكونات جديدة وبعض التوابل وصنع طبق جديد بالكامل." بالإضافة إلى ذلك، إذا كان الطبق يحتوي على بعض الفواكه والخضروات التي بدأت في التلف، تقوم أحلام بتقطيعها وتجمدها لعمل الحساء أو العصائر أو ربما مخزون الخضروات، كما أنها تشجع الناس على الحصول على مزيد من التجارب في منتجاتهم التي تبقى معهم، مثل فكرة إنشاء صندوق تسميد لحديقة أعشاب صغيرة. إيجاد طرق لتقليل وتدوير الطعام ليس صعباً، ولكن الصعوبة تكمن في تغيير طريقة التعامل مع الطعام، سواء تلك الخضراوات الغير مثالية، أو ذلك الطعام الإضافي الذي وضعته في صحنك على البوفيه، وأنت تعلم أنك لن تنهيه. وتذكر بأن نحو مليار شخص على مستوى العالم ينامون جائعين.