FYI.

This story is over 5 years old.

مجتمع

في دائرة حكي مغلقة: ماذا تخبرنا فتيات تعرضن للعنف الأسري؟

6 قصص تلخص معاناة المعنفات خلف الأبواب المغلقة من قسوة الأب والأخ وصولًا إلى الأزواج

دعوة عبر موقع التواصل الاجتماعى، لورشة حكي نسائية، تنظمها إحدى المنظمات النسوية، إستمارة للمشاركة تتضمن شرطين لا ثالث لهما، أن تكون المشاركة أكبر من 18 عامًا، وأن تكون قد تعرضت لعنف أسري وحبس منزلي، ومن ثم إرسال الاستمارة على البريد الإلكتروني ثم تأكيد الحضور بعد يومين في خطوة أخيرة تجريها قبل أن تدخل إلي دائرة الحكايات، وفي رأسك سؤال واحد: "هل يمكن أن ننسى؟، هل نستطيع أن نسامح من ساهم عمدًا في قتل أرواحنا؟" تبدو المحاولة أمرًا سهلاً، لكنها في الحقيقة ليست بهذا القدر من اليسر، فداخل الدائرة لا مجال للنسيان، وقد استحضرت مع حكايات أفعالهم كل الآلام التي عانيتها بسببهم، ليس عليك أن تحاسبينهم، لكن يمكنك على الأقل البوح واسترجاع بعض مما علق بذاكرتك، تأخذين نفسًا عميقًا عله يهدهد روحك المتعبة، ويلقي بك في جب الذكريات، فتحكى عن قسوة أب، أو عنف شقيق، أو ربما تتذكرين أم ليست مثل سائر الأمهات، أو تكونين أتعس حظًا وتشكين من عنف أسري مستمر، لكنه انقسم لمرحلتين، ماقبل الزواج، وما بعده.

إعلان

داخل دائرة الحكي، الأسماء لا تهم، السن لا يُعيب أحدًا، ولا اللون، الجنسية فقط تمنحك قدرًا أكبر من التعاطف، فيكفى أن تكوني فتاة شرقية لتنالى نصيبك من المعاناة، على اختلاف أشكالها، فقط وحدها الفتاة التونسية نالت الاهتمام قبل الدعم، فهذه هي المرة الأولى التى ندرك فيها أن "الإجابة ليست دائمًا تونس." عشرون عامًا قضتهم التونسية عطاف (اسم مستعار) في بلدتها الواقعة خارج نطاق العاصمة، قبل أن تقرر الهرب إلى أم الدنيا بحثًا عن براح أكبر، يُشاركها العيش فيه ثلاث فتيات، تجمعن داخل شقة مؤجرة في ميدان الفلكي، جاءت عطاف إلى القاهرة من بعد تونس، ومعها غربتها وقصة قهرها.

وأد البنات في القرن الـ21
تحكي عطاف عن مدينة أخرى غير تلك الخضراء التي نعرفها، الأب لم يكن يريد إناثًا من الأساس، بذرة ملعونة وأنبتت شرًا مستطيرًا، هكذا كان دوما يردد "آه لو كانت الأيام تعود ويرجع وأد البنات، كنت حطيتك بالتراب من أول لحظة." لكن الأيام لا تعود، ووأد البنات بالتراب قد يضعه تحت طائلة القانون، أما التعذيب والضرب والحبس، فقد يمرون دون عقاب، فهو الأب المقدس وله حق التربية. "لا أزال أتذكر أول صفعة على وجهي، كان عمري ثلاثة أعوام، اهتزت يدي وسقط كوب الماء؛ فهوت يد أبي على وجهي في صفعة عنيفة، أصبحت فيما بعد أشبه بـ "روتين يومي" بضع قطرات ماء، كانت سببًا في صفع طفلة ذات ثلاثة أعوام، ثم توالت الأسباب، ضرب واحتجاز منزلي ومنع من استكمال التعليم، ثم إجبار على زواج. "كان الموت أهون لي عن أن اتزوج برجل يكبرني بخمسة وعشرين عامًا. وكان على أن أختار بديلاً من اثنين إما الموت أو الهرب؛ فهربت." تستعين عطاف بإخصائي نفسي وجلسات الحكي النسائية لاستعادة توازنها النفسي والعصبي، بعد أن استقرت في عمل لم تود التحدث عنه، "ربما سيحتاج الأمر لجلسة أخرى يومًا ما لأتحدث عن عملي."

إعلان

الحبس عقوبة الحب
"كان الحب هو سبب العنف الذي تعرضت له من أسرتي،" في أسرة متشددة دينيًا، نشأت يمنى، 22 عاماً، مع شقيق أكبر ملتزم بالشعائر الدينية، ويؤدي فرائضه بانتظام، لا تعترف الأسرة بالحب، فكيف للصغيرة أن تعشق، وأن يكون لها حبيب يبادلها حبًا بحب، تسرب الخبر إلى شقيقها وبدأت اللعنة، تعنيف وحبس ومنع من التواصل مع أصدقائها واستخدام الإنترنت، هو فريضته اليومية التى لا ينساها. يذكر الله كل صباح، وهو يستمتع بتفتيش أغراضها الخاصة، أو تصفح صفحتها الشخصية على فيسبوك من أجل متابعة محادثاتها مع الغرباء. طوال ستة أشهر حُبست يمنى في المنزل، لم تر الشمس، ولم تسمع صوت أحد سوى أمها وشقيقها، حتى الجامعة لم يكن يُسمح لها بالذهاب، فقط يذهب هو لإحضار الملازم والمراجع وعليها أن تستعد منزليًا للامتحانات. استعدت الفتاة العشرينية جيدًا، لامتحانات عامها الدراسي الأخير وليوم الهرب. "تخرجت من الجامعة، وحصلت على وظيفة، ومن بعدها قررت الخروج من هذا المنزل كي استعيد حياتي." استقلّت يمنى بحياتها منذ شهرين، خرجت من المنزل ذات صباح ولم تعد إليه، تاركة خلفها خطابًا لوالدتها "سأراك حينما تستحقين أن تريني مرة أخرى."

أبي متحرش وأنا الضحية
داخل دائرة الحكي، ليس ضروريًا أن تكون ضعيفًا، ولا محتمًا عليك أن تحكى عن هزيمة، فها هي يسرى (اسم مستعار)، 24 عاماً، المنتصرة على تحرش أبيها، وعلى نفاق المجتمع، تحكي عن محضر عدم التعرض الذي حررته ضد والدها، بعدما أنهت دراستها الجامعية، واستطاعت أن تقف أمامه لتخبره أنها منذ هذه اللحظة لن تقبل بنظراته المخترقة لمفاتنها، ولا لمساته التى تتحسس جسدها بين الحين والآخر، فهى لم تعد طفلة، وهو لم يعد والدها: "كان بيسافر ولا نراه غير كل عام مرة، غاب أربع سنوات ثم عاد ليفاجأ بأني لم أعد طفلة، وأن أمي قد خط الشيب رأسها بسبب الهم الذي تركه لها، وكنت أنا البديل الآمن عنها." لسنوات لم تستطع يسرى أن تخبر أحداً، كان الهروب من أمامه هو الحل الوحيد، لكنه لم يكن ليعطها الفرصة أبدا، يضربها ضربا مبرحا إذا غَربت الشمس ولم تكن في المنزل، يسبها بأفظع الشتائم، يلعنها ويخبر الجيران أن الرجال يسعون إليها لينالوا نصيبهم منها بعد ترحيبها، الإذعان والصمت كان شرط استمراره في دفع مصروفات جامعتها الخاصة، انتهت الجامعة وبدأ التمرد: "لم أفكر في الهرب من المنزل، فسأترك له شقيقاتي الأصغر يكمل معهن ما بدأه معي، كان علي أن أوقف ما يفعله معي ومعهن للأبد، فلجأت للشرطة." لم يحكم عليه بحبس و لم يؤذ داخل قسم الشرطة، لكنه تلقى تعنيفًا شديدًا من مأمور القسم، وخوفه من الفضيحة، جعلاه يعود أبًا من جديد، وأعادا للإبنة الكبرى وشقيقاتها الأصغر أمانهما المسلوب.

هاربة من قسوة الأب
"تخرجت من الكلية منذ سنوات، لكنني هربت من المنزل وأعمل الآن جليسة أطفال كي أجد قوت يومي وإيجار غرفة في مسكن مشترك." في إحدى محافظات صعيد مصر، نشأت عاليا، 26 عاماً، بين جدران منزل محافظ، قوامه أب صعيدي، وأم لا حول لها ولا قوة، وأخ أكبر يُعالج الآن في إحدى المصحات النفسية. علامة بارزة في الوجه يخفيها الشعر المنسدل، وعلامات أخرى على الجسد تداريها الملابس، إرث أبيها الذي تحتفظ به منحوتًا على جسدها الصغير، ليذكرها دومًا بأن البنات لا يحق لهن الذهاب لمصففي الشعر، أو وضع طلاء الأظافر، أو حضور أعراس الأقارب والأصدقاء. مهارات عدة اكتسبتها عاليا، جراء العنف الذي مارسه والدها عليها، وحبسها أيامًا في المنزل: "اتعلمت إزاي اعيش جوه السجن، أقسم اللقمة عشان لما اجوع بالليل ما اضطرش أخرج من الأوضة. اتعلمت أقضي حاجتي في أكياس وأقفلها كويس لحد ما أعرف أرميها." هربت عاليا في النهاية، استقرت بالقاهرة، لا تصل أبدًا رحمها المقطوع، إلا في زيارات منتظمة لمصحة شقيقها: "هو كان مضطر يكمل في منزل العائلة واتجوز وخلف لكن في النهاية مفيش حاجة رحمته وانهار."

انكسار دون عنف
تكاد الدائرة أن توشك على الانغلاق، أعاد البعض سرد حكايات جديدة عن تفاصيل تذكروها، إلا هي بقيت صامتة، فلا أحد يعنفها، ولم يحبسها أحد بالمنزل من قبل، لكن هي فعلت. طوال 33 عامًا، ظلت هبة، حبيسة جدران منزل العائلة بالسيدة زينب، مات الأبوان، وتزوج الأشقاء، بقيت هي، وحيدة في منزل فارغ إلا من أنفاسها، وحين همت بالخروج جاءها شقيقها مطلقًا، يطلب منها مراعاة أبناءه من زيجة فاشلة، تقبلت الأمر الواقع ورضخت، لم تكمل دراستها العليا، كما تمنت، ولم تنزل للعمل كما شاءت، حتى الزواج لم يعد يهمها أمره، بعد أن أخبرها أحدهم: "سأتزوجك رغم سنك لأنك لن تغالي في طلباتك ويادوب تلحقي نفسك." انكسار النفس، كان أشد وطأة من العنف الجسدي، أو الحبس المنزلي، لن تهرب هبه، ولن تبحث عن استقلال، ممن تهرب، ولماذا تستقل، قدرها أن تبقى في المنزل الكئيب، وقدر المنزل أن تبقى فيه بلا روح.

بين شقيق وزوج
حكايات العنف الأسري قبل الزواج شئ، وما عانته ياسمين قبل زواجها وبعده شئ آخر، فاللعنة قد أصابتها مرتين، أذاقتها الظروف مرارة اليتم مرتين، مرة قبل الزواج، حين اعتبرها شقيقها ملكيته الخاصة، يمنحها حريتها حين يريد، ويمنعها عنها حين يشاء. أجبرها على ارتداء الحجاب مبكرًا، فكانت تخلعه حين تبتعد قدماها وروحها عن المنزل، كان لزامًا عليها أن تغسل له ملابسه وتحضر طعامه، وتنتظره كل ليلة ، كي تضع قدماه المتعبة في الماء الساخن والملح، وإن لم تفعل فعليها انتظار السبب الذي سيخترعه كى يلقن جسدها درسَا لن ينساه، حتى تغادره العلامات. تقدم الزوج المنتظر لياسمين، وافقت رغم ظروفه الصعبة، أحبته وعشقها، ودفعت هي ثمن العشق. شك وغيرة وأوامر ومنع من الخروج وتحايل كي لا تذهب لأمها و أقاربها، عاشت ياسمين حبيسة الجدران، بدعوى الحب: "كان يعتقد أني لا أريد شيئا في الحياة سوى الطعام والشراب والجنس، وحين أخبره عن أحلامي، يعنفنى قائلا أنتِ لا ترضين أبدًا، لم ترض ياسمين، وخرجت للعمل بعد سنوات من الزواج، أصبح عليها أن تدفع من راتبها نظير وقتها الذي حرمت المنزل منه، دفعت راتبها وقتها وصحتها، ثم طلبت الطلاق.