السعودية

عبد الله المشرّف

كوميديا

مقابلة مع الممثلة وصانعة المحتوى السعودية إيمي روكو

وصف منقبّة يعني تهميش حياة كاملة. أنا فتاة طبيعية وحياتي تشبه حياة أي فتاة أخرى بالكوكب

"على رصيف الشارع تصحو من نومة عميقة بعد منتصف الليل، لتكتشف أنه لم يأت أحد ليوصلها حتى اللحظة،" سكتش كوميدي ساخر من حظر القيادة ومعاناة النساء معها نشرته الشابة السعودية المَرحة المعروفة باسم "إيمي روكو" والتي بدأت منذ سبع سنوات بتصوير العديد من السكتشات العفوية الكوميدية على حسابها بمنصّة Vine الذي عُرفت منه ثم على انستغرام بعد ذلك. تضمنت تلك الفيديوهات انتقادات لبعض العادات الاجتماعية، وسخرية من تصرفات الشباب وتوصيف لوضع المرأة في السعودية. إيمي، 27 عاماً، من مدينة جدة، نشأت وعاشت حياتها بالرياض ودرست pre medicine وعملت به لمدة سنتين ثم قررت أن تلحق شغفها وحبها لعالم الفن والكوميديا. تحدّثت وإيمي روكو هاتفياً في حوارٍ تخلله الكثير من الضحك.

إعلان
1572508639478-dscf8172

الصور: عبد الله المشرّف

VICE عربية: كيف دخلت عالم الكوميديا من الطب؟
إيمي روكو: أنا إنسانة عفوية بطبيعتي، عندما بدأت بتصوير بعض السكتشات، لم أفكر بالموضوع من ناحية العمق والهدف أو الشهرة، كان الهدف هو المرح والتسلية فقط. في البداية، كنت أقوم بتصوير بعض المواقف والتعليق عليها، وإرسال المقاطع لصديقاتي وأهلي وتلقيت الكثير من التفاعل والإعجاب. في تلك الفترة انتشرت سكتشات لشباب يقومون بتقليد ساخر لتصرفات البنات، فقررت أن أقدم الوجه الآخر، وفي معظم فيديوهاتي ركزّت على السخرية من تصرفات الشباب، لإيصال رسالة بأننا نحن النساء نستطيع أيضاً أن نصنع محتوى ساخر ومضحك. أول فيديو اشتهرت به كان عام 2012 وكانت منه انطلاقتي حيث قمت بتصوير ثنائي يجلسون بشكل حميمي في المقعد خلفي وقمت بعمل حركة "كش على وجهي" – هي حركة باليد تعبّر عن الاستياء وندب الحظ بالمجتمع السعودي.

لماذا اخترت اسم إيمي روكو؟
اختياري للاسم كان بالصدفة. إيمي هو مجرّد اسم خطر ببالي، أما روكو فكان هناك دفتر بقربي يحمل ماركة روكو ووقت عيني عليه فقررت أن يكون اسمي إيمي روكو. كل ما رغبت به، هو تقديم محتوى ترفيهي مختلف، الأمر لا يتعلق بي شخصياً. هناك شيء رائع بالخصوصية، العيش دون أن يعرف الجمهور عنك أي معلومة، ولكنك في ذات الوقت أنت شخص مشهور - أنه أمر رائع. عائلتي لا تمانع من الإفصاح عن هويتي أو مشاركة صوري العائلية، ولكني أفضل الخصوصية والعيش براحة بال. ما يهمني ويريحني هو أن الناس تنتقدني كإيمي وليس كشخصيتي الحقيقية.

كيف استطعت البقاء متخفّية كل هذه السنين، وهل لازالت الناس تسعى لمعرفة من هي إيمي؟
على مر سنين عملي لم يعرفني شخصياً إلا عشر أشخاص تقريباً. بالسابق حينما أصادف شخص يَعرفني، كان يلحّ عليّ لرؤية وجهي، أمّا الآن، فأشعر أن الناس بدأت تتفهم معنى الخصوصية، وأصبحوا يكتفون بالسلام، وتقبّلي كما أنا دون أية أسئلة شخصية وهذا شيء جميل جداً.

إعلان
1572509373819-IMG-20191020-WA0006

عبد الله المشرّف

كيف كان تحدي الظهور على مواقع التواصل كسعودية تقدّم محتوى كوميدي؟
بالنسبة لعائلتي، تلقيت الدعم والتشجيع منهم، كان والدي يقول لي "أي أحد يقولك شي تعاليلي، ولا تهتمي لكل الانتقادات." بداية لم تأخذ عائلتي ظهوري وشهرتي بعين الاعتبار. في الواقع، على صعيد الكوميديا، لم يجدوا ما أقدمه مضحكاً في كثير من الأحيان، كونهم يمتلكون حس كوميديا عالي ويجيدون صناعة النكتة أكثر مني -لدي أفضل عائلة مرحة بالعالم. ولكنهم شعروا بجدّيه الوضع حين بدأت بالظهور في مقابلات وقنوات عالمية.

بالنسبة للمجتمع السعودي، تلقيّت الكثير من الهجوم في البداية، شتائم وقذف وتهديد بالقتل، كنت أتحاشى قراءة التعليقات تماماً، لتجنّب رؤية أي تعليق مسيء كوني شخص حساس. لكن لم أدع هذا الأمر يوقفني، فقد أردت الاستمررار في هذا المجال لأنني أحبه ببساطة. في الفترة الأخيرة، لاحظت حجم التغيير الحاصل في المجتمع. فترة دخولي للمجال كانت فترة حساسة وكان يتم توجيه الانتقاد لأي شخص مختلف عن العادي، ولكن ذلك تغير. الجيل السعودي الشاب الجديد هو مثقف ومبتكر وأنا أكبر معجبيهم، وأتمنى ظهور شابات وشبّان موهوبين أستطيع العمل معهم.

ما الذي تحاولين تغييره في مجال الكوميديا في السعودية؟
أحاول أن أدعم دخول النساء هذا المجال بمحتوى يرفع من صورة الكوميديا بعيداً عن الستايل الكوميدي القديم الذي يركزّ على التمثيل فقط دون هدف أو محتوى للقصة. أنا فخورة بكل إمرأة دخلت هذا المجال وتقدّم محتوى راقي. في السعودية، شهدنا نقلة نوعية كبيرة في مجال الكوميديا، مررنا بمرحلة كان فيها اعتماد على الكوميديا المكررة واستنساخ الأفكار "كنت أشوف رسائل جروبات الواتساب تضحّك أكثر منهم." الآن بدأ هناك اهتمام أكثر بالمحتوى، وأعتقد أنه سيتغير للأفضل عند دخول النساء بشكل أوسع. هناك معلومة مغلوطة منتشرة بأنّ الكوميديا هي للرجال، وتأثرت النساء بتلك النظرة فابتعدن عنه، ولكن هناك العديد من كاتبات المحتوى الكوميدي من النساء واللواتي يعملن حالياً خلف الكواليس، وتبقى المشكلة الأساسية هي الخوف من الظهور على المسرح والخجل.

إعلان

هل ذلك ما يمنعك من دخول عالم ستاند أب كوميدي؟
الستاند أب يحتاج لشخصية لديها حضور مسرحي رهيب، وأنا جداً خجولة - ولكنني قد أخوض التجربة يوما ما.

هل يتم انتقادك كونك تعلمين بمجال الفن ومنقبة؟
(تضحك) نعم، طوال الوقت، أسمع العديد من التعليقات: كيف داخلك غير متّصل بخارجك كونك مثقفة وتتحدثين الإنجليزية وتعملين بالفن ومُنقبة؟ فأجيب ليش لأ؟ لا أفهم ما الرابط بين لبس النقاب وكوني بستايل معيّن أو في علاقة ذلك بعملي في الكوميديا والفن. من وجهة نظري، وصلنا لمرحلة من الانفتاح تسمح للجميع التصرّف بحريته. لقد رفضت الكثير من العروض طلبت مني خلع النقاب، أنا أؤمن بمبدأ أن من يريد محتواي سيقبل بي كما أنا. تربيت على أن يكون لديّ دائماً الخيار. لبس العباءة والنقاب كان خيار شخصي، لم أجبر على ذلك، بالرغم من أن والدي لا يفضل أن أرتدي النقاب. لا أفرض رأيي على أي أحد وأحترم من يرغب بخلع النقاب، هذه خيارات شخصية بالنهاية. ولكن المشكلة، أن نحن المنقبات لا يُنظر إلينا في الخارج ككيان مستقل، كإنسان يحمل مشاعر يحب ويكره، له حياة يومية طبيعية وعادية. وصف منقبّة يعني تهميش حياة كاملة وإلغائها. أنا فتاة طبيعية وحياتي كأية فتاة أخرى بالكوكب، أرقص وأركب الدراجة، أهتم بالموضة وووو.

كيف تغيرت السعودية بالآونة الأخيرة؟
"نحن شعب لا يتقبّل التغيير ولا أمل منه" هي صورة نمطية فُرضت على الشعب السعودي وصدقناها، ولكننا أثبتنا العكس. نحن نحب التغيير ونسعى إليه، والدليل ما يجري حالياً. الانفتاح والتغيير الحاصل في المملكة ساعدنا كثيراً كنساء. في السابق كانت تقع خيارات العمل عليّ، لأن وجود النساء في المجال العام محدود جداً -بغض النظر عن كون الشخص موهوب أم لا. اليوم أصبح هناك انتقاء للمواهب، فمن يختارني سيختارني بسبب المحتوى الذي أقدمه، وليس لأني فتاة أو لأنني الوحيدة بالمجال. بالنسبة لي هذا هو انتصار بحد ذاته. لم يكن التغيير متأخراً بل أخذ وقته ومجراه. ولكنه كان تغييراً سريعاً بلا شك، قرار سياقة المرأة للسيارة، تبعته قرارات مهمة أخرى تم تنفيذها في فترة قياسية.

لماذا توقفت عن نشر سكتشات على انستغرام؟
عملت في مشفى لمدة عامين فأردت أن أفصل بين حياة الشهرة والعمل، والتركيز على عملي، فانقطعت لتكوين نفسي وترتيب أولوياتي وقياس مدى نجاحي في مهنتي. حين أثبت ذلك لنفسي، استقلت وقررت للتفرغ للكوميديا وتحدي ذاتي وبلوغ أهدافي في هذا المجال. توقفت عن سكتشات على انستغرام لأنني انتقلت للمرحلة التي تليها، وهو دخول مجال التمثيل، وحاليًا أتعلم كتابة السيناريو، ما أكتبه حالياً هو ما يعبّر عني، لا يوجد كتّاب يستطيعون كتابة محتوى يتناسب مع إيمي كشخصية ويعبّر عنها ويُبزرها، وهذا ما دفعني لتعلم الكتابة. كما أني أنوي دخول عالم الإخراج. وهناك تجربة تمثيل لي ستعرض قريباً وستكون مهمة بمسيرتي.

1572509475865-_CED9908

Cedric Ribeiro

ماهي خطوطك الحمراء كإيمي، وماهي قيود المرأة بشكل عام في مجال الكوميديا بالسعودية؟
سلطة الأهل التي لا يستطيع أحد الهرب منها سواء شاب أو فتاة. أنا كإيمي لم أواجه أية مشاكل مع أهلي، ولديّ حدودي الخاصة التي أضعها بنفسي وهي مظهري كمنقبة الذي سأبقى عليه. كما أن لكل نكتة حدود ويجب أن يتم قياس أبعادها بدقة، لأنه من السهل أن يساء فهمك. وهذا هو أصعب جزء في مجال الكوميديا.

أحاول بقدر الإمكان أن أعطي المرأة أحقية في محتواي وأتفاعل مع المواضيع التي تعنيها، كانت المرأة مظلومة كثيراً في مجتمعنا ولكن ليس بعد اليوم. ما يحدث بالمملكة اليوم هو نقلة نوعية للنساء. قانون السماح بالسفر هو أهم ما حدث من وجهة نظري. قبل أسبوعين عدت من دبي، وكانت الطائرة مليئة بالنساء المسافرات، فقلت في نفسي " أخيراً، هذا الشي اللي كل عمري حلمت أشوفو." المرأة السعودية هي باختصار إمرأة مٌحاربة، وستبقى تحارب في شتى المجالات. كوني متأكدة أن عالم الفن في السعودية سيصبح مليئاً بالمصورات والممثلات والمخرجات مستقبلاً، على النساء دعم بعضهن البعض.