شباب

قصص 3 فتيات تحررن من عقدة "سافري مع زوجك" وهاجرن دون محرم

البقاء في بيت العائلة انتظارًا لـ"العريس" لم يعد خيارًا
Untitled-1
من اليمين لليسار: منة، آية، هدير

في زمن ليس ببعيد، كانت الكثير من أحلام الفتاة العربية مؤجلة إلى ما بعد الزفاف. لم يكن الفستان الأبيض مجرد رداء لحضور حفل الزواج، بل كان الرداء الذي اعتقدن أنه سيفتح لهن بوابة الدنيا؛ فالكثير من العائلات العربية كانت تقابل طلبات بناتهن بالسفر للعمل أو التنزه بالرفض المذيل بالجملة الشهيرة: "سافري مع زوجك". لم يعد لتلك الجملة صدى مقنع، ولم تعد شنطة سفر الفتاة رهنًا بتوقيع المأذون، كما لم تعد الهجرة بحثًا عن وظيفة للشباب فقط. تحدثنا مع مهاجرات عربيات تركن محطة انتظار العريس وسافرن غير مثقلات بحلم ركوب الحصان الأبيض، إلى طموحاتهن المهنية والحياتية.

إعلان
1560936152872-Screen-Shot-2019-06-19-at-11918-PM

هدير

مجرد طرح فكرة السفر منفردة بعد تخرجها من كلية الزراعة، كان حلمًا مستحيلاً لدى هدير حسين، 28 سنة، لكن الحال تبدل خلال الخمس سنوات الأخيرة. تعمل هدير مصرية الجنسية، كمهندسة جودة بإحدى شركات الأغذية المصنعة بدبي. وعن تجربتها في الهجرة تقول:"بعدما تخرجت لم تكن أمي توافق على سفري وحدي وكانت طبعًا تقابل الفكرة بالرد الشهير: لما تتجوزي ابقى سافري مع جوزك، لكن الحال تبدل في عامي السادس والعشرين حين استطعت الحصول على فرصة عمل في دبي". تضيف هدير:"في بداية الأمر كانت أمي قلقة لكن صديقاتها المقيمات في دبي شجعنها على الموافقة المشروطة بالعودة سريعًا حتى أعوض فرص الزواج الضائعة، لكن تلك الفكرة تغيرت تمامًا لديها مع مرور الوقت، خاصة بعدما رأت أن معظم الفتيات اللاتي في مثل سني أصبحن مطلقات ولم يحقق لهم الزواج السعادة والأمان كما كانت تعتقد".

الثقة في مقابل الخوف من الأقاويل التي كانت سلاح هدير للحصول على موافقة أهلها على قرارها بالعمل في الخارج:" هم يثقون بي كلياً ويعلمون أنني قادرة على إدارة نفسي وحياتي ولست في حاجة لمراقبة من أحد".

المقارنة محسومة لدى هدير فالعمل مقدم لديها على الزواج: "إذا تقدم لي عريس في مصر وطلب مني العودة بالطبع سأرفضه هو وسيكون لعملي الأولوية". الحرية والاستقلالية التي تنعم بها هدير، لا يعكر صفوها سوى الاشتياق للعائلة وعدم استقرار الأوضاع الإقتصادية في الغربة، فهذه الأسباب، وفقاً لها، ربما تدفعها للعودة يوماً ما، لكن أمر الزواج لا يشكل دافعًا على الإطلاق.

1560936057137-unnamed-2

آية

عندما التقطت المصرية أية عبد الله، 31 سنة، أول صورة لها بجوار تمثال الحرية في الولايات المتحدة الأمريكية بمفردها، تذكرت عندما كان أبيها يرفض أن تسافر بلا محرم إلى محافظة الإسكندرية، التى تبعد عن مسكنها بالقاهرة بحوالي 225 كليومترًا. تعمل آية في إحدى المؤسسات الإعلامية بأمريكا وتعيش بمفردها في بلد بعيد عن أب وأم محافظين.

إعلان

الثورة والعمل كانا لهما الفضل في تحرر آية من حصار المجتمع الممثل في أسرتها. تحكي الفتاة الثلاثينية:" أشياء كثيرة كسرت بيني وبين بابا الرجل المتحفظ دينيًا، بعدما نزل معي الثورة ورأي أصحابي وأدرك فروق الأفكار بيننا، وعندما بدأ عملي يكلفني بالسفر للخارج، حاولت إقناع أهلي بأنني سأكون في أمان خاصة أن أول سفرية كانت بصحبة أناس يعرفونهم فأطمئنوا نوعاً ما، ومرة تلو الأخرى بدأوا يعتادوا الأمر".

لم تكن الهجرة أمراً سهلة على أية أو والدتها، تقول: "أمي كانت تبكي لأني سأبعد عنها وهذا تحديدًا ما صعب علي الأمر، لكن نجاحي في عملي كان له الأولوية لدي ولدى أهلي". ربما لو كان أمر الهجرة قد طرح على أية وأهلها قبل سنوات قليلة لكانوا رفضوا، إلا أن تجارب فتيات العائلة أثبتت لهم أن المكوث في بيت العائلة في انتظار العريس ليس الخيار الأفضل. تواصل آية:"أهلى أصبحوا على قناعة تامة بأن ضل الرجل ليس أفضل من ضل عملي ونجاحي واستقلالي المادي، لذلك لم تعد تشغلهم فكرة زواجي، حتى أن أمي أصبحت تجيب على من يقلن لها "عقبال ما نفرح ببنتك" قائلة: "أنا فرحانة ببنتي فعلاً".

تفهم عائلة آية لاستحقاقها النجاح والاستقلال لا يعني أنها سلمت من أحكام المجتمع وتدخل أطراف أخرى من العائلة في شئونها "منذ أن خلعت الحجاب وأنا أواجه مضايقات من بعض أسر عائلتي لكن ما يميز أسرتنا هي أننا نتحاور، ونتيجة هذا الحوار أقنعت أمي أننا كأسرة من حقنا أن نرتضى قوانيننا الخاصة ونقول لمن يحاول التدخل في شؤوننا "انت مالك". وتضيف:"عندما يسأل أحدهم أمي كيف تتركونها تعيش بمفردها في بلد غريب، تجيب: إحنا عارفين بنتنا بتعمل إيه".

1560936119898-Screen-Shot-2019-06-19-at-12137-PM

منة

نظرة بعيدة خالية من الأمل هي ما دفعت منة حسام، 30 سنة، للتفكير في الهجرة وهي في عمر 26 سنة. نظمت مقابلات على مدار أسبوع بكل أصدقائها لتودعهم ولتبلغهم بقرار الهجرة المفاجئ ثم حزمت أمتعتها وابتعلت بمرارة دموع والدتها لتطير من مصر إلى تركيا.

قبل سنوات من هذا القرار كانت منة تفكر في استكمال دراستها في الخارج لكن أمالاً في البقاء بجانب العائلة والأصدقاء وتكوين أسرة مع حبيب رجحت كفة بقائها في وطنها وبعد سنوات قضتهم في دوامة استهلكت سنوات عمرها دون إحراز أهدافها المنشودة قررت الرحيل، تحكي منة: "كنت زهقانة، بيئة العمل مرتبكة، الظروف العامة لم تكن مبشرة على الإطلاق، شعرت أنني مستنزفة نفسيًا وبدنيًا وذهنيًا دون عائد مادي مجزي ودون الحصول على جودة الحياة التي أتمناها لنفسي والأهم لأبنائي في المستقبل".

تضيف منة:"في كل البلدان نحن نعمل ونتعب وندور في دوامة الحياة اليومية، لكن المهم أن نتطور في الحياة المهنية وننعم بهدوء وسكينة في نهاية اليوم،لكن في ظل الزحام وسوء الوضع الإقتصادي للبلاد وقت قراري بالرحيل، كنت فقط أدور في دوامة الحياة المرهقة المملة بدون تقدم خطوات مرضية للأمام في مقابل الجهد المبذول، بل و رغم كل ذلك لا استطيع الاستغناء عن مساعدة أهلي ماديًا".

رغبة منها في الهروب من دوامتها المعتادة، قصدت منة منحة دراسية في إحدى الجامعات التركية وهناك استطاعت الحصول على عمل مناسب، بل وعلى عريس أيضًا، إذ أنها كانت ترفض الزواج في مصر دون الحصول على وظيفة تضاهي وظيفتها في تركية ومسكن في كمبوند سكني لا يخلو من الخضرة والنفس النقي التي تعودت على استنشاقه في نهاية كل يوم في اسطنبول. لا تعتبر منة ذلك مبالغة في طلب الرفاهية فهي، على حد قولها، لا تطلب ذلك من أجل نفسها ولكن من أجل أبنائها،تقول: "مش هجيب أولاد في أي مكان، لابد أن أتأكد مسبقاً أنهم سيعيشون حياة حلوة بجودة مرضية، من الآن أخطط لحياة أبنائي، لا أريد أن أنجب أبناءً اليشقوا دون قرار منهم أو ذنب".