OGB_123755__T1_1170

نسرين ميتياس، تستخدم شمعة لإضاءة غرفتها أثناء انقطاع التيار الكهربائي. بيروت، 18 أغسطس 2021. جميع الصور من تصوير سام تارلينج/ أوكسفام.

اقتصاد

كيف يعيش اللبنانيون اليوم؟

"تشعر كل يوم أن هناك من يدوس على أحلامك وعليك. لهذا السبب أفكر في مغادرة البلاد"

لم ينج أحد من آثار الأزمة الاقتصادية التي يعيش اللبنانيون تحت وطأتها منذ عام ٢٠١٩. فمع ازدياد سوء الأحوال السياسية والاقتصادية، تتفاقم الأزمة الإنسانية بشكل كبير تاركة أثرها على كل تفاصيل الحياة بداية من الانقطاع شبه التام للتيار الكهربائي إلى أزمة الوقود وانقطاع الأدوية وشح المياه. 

منذ بدء الأزمة الإقتصادية  فقدت الليرة اللبنانية أكثر من ٩٠ بالمئة من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، فيما يعيش أكثر من نصف السكان الآن تحت خط الفقر. وفي المقابل ارتفعت أسعار المواد الأولية بشكل كبير وصل لأكثر من 700 بالمئة في لم يتم إجراء أي تعديل على الأجور. ويساوي الحد الأدنى للأجور 675 ألف ليرة، أي ما يعادل 450 دولارا قبل الأزمة و30 دولاراً بحسب سعر الصرف في السوق السوداء، ويحصل أغلبية اللبنانيين على أجورهم بالعملة المحلية.

إعلان

في ظل كل هذه الصعوبات، السؤال الذي يطرحه الجميع، كيف يعيش اللبنانيون اليوم؟ هذه الشهادات والصور التي ننشرها بالتعاون مع أوكسفام الشرق الأوسط تظهر جانب من المعاناة اليومية التي يعيشها السكان في ظل الأزمة الاقتصادية التي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً، مما يعني أن الحل الوحيد أمام كثيرين هو الهجرة.

OGB_123764__T1_0943.jpg

مايا سبيتي مع أحمد يوسف يجلسان في مقهى في بيروت بدون كهرباء. بيروت، 14 أغسطس 2021.

"لا أستطيع النوم بالليل لأنه لا يوجد كهرباء. لم تعد ثلاجتنا تعمل، لذا فإن الطعام يفسد،" تقول مايا سبيتي، 19 عامًا وتضيف: "كنت أعتقد أنه يمكنني البقاء هنا على الرغم من علمي أن الأمور ستزداد سوءًا. كل يوم رأيي يتغير. أحيانًا أعتقد أنني أريد البقاء، وأحيانًا أعتقد أنني بحاجة إلى المغادرة الآن. هذا ما يحدث كل يوم."

يتفق معها أحمد يوسف، 20 عامًا: "كلما وصلت الأمور إلى الحضيض، أخترع طريقة للتعايش معها. الآن أنا أحاول التعامل مع الوضع. أعلم أنه مع الوقت ستزداد الأمور سوءًا، لكني أعيش الآن. سأفكر بالقادم لاحقًا. بالطبع أخطط للمغادرة. لم يعد الأمر حتى سؤالاً بعد الآن."

تمكنت شركة الكهرباء الحكومية اللبنانية في شهر أغسطس من توفير 750 ميغاواط فقط من الـ 3،000 ميغاواط التي يحتاجها البلد، كما أن النقص في الديزل اللازم لتشغيل المولدات الاحتياطية ترك الكثير من لبنان في الظلام.

OGB_123763__T1_0950.jpg

أحمد حمد يستخدم ضوء هاتفه لتسجيل المدفوعات النقدية أثناء انقطاع التيار الكهربائي في مقهى في بيروت. بيروت، 17 أغسطس 2021.

تخرج أحمد حمد، 25 عاماً، من الجامعة اللبنانية بشهادة بكالوريوس محاسبة، وهو يعتبر نفسه محظوظًا لأنه لا يزال يحتفظ بوظيفته كـ باريستا في مقهى في بيروت، منذ ثلاث سنوات. يقول حمد أن راتبه بالكاد يغطي تكلفة المواصلات. ويضيف: "إنها أسوأ أزمة على الإطلاق. لا توجد كهرباء ولا أمن مالي. كان لدي سيارة لكنني لم أعد أستخدمها بسبب أزمة الوقود. في منزلي، لا نحصل على أي كهرباء من الدولة وليس لدينا مولدات خاصة، لذا أتيت إلى العمل قبل ثلاث ساعات من مناوبتي لشحن هاتفي والجلوس في مكيف الهواء وإنهاء بعض الأعمال."

إعلان

مثل الكثير من اللبنانيين، سئم حمد من انتظار تحسن الأمور، وهو يبحث عن فرصة للعمل بالخارج: "سيستغرق الأمر شهورًا أو سنوات قبل أن نتوصل إلى حل للوضع الحالي. يمكنك رؤية الفوضى في كل مكان. أنا أتقدم لوظائف بالخارج وأنتظر الحصول على تأشيرة."

OGB_123727__T2_1032.jpg

سامي عزام، يصلح مولد كهرباء الجيران أثناء انقطاع التيار الكهربائي. بيروت، 18 أغسطس 2021.

يقوم سامي عزام، 46 عامًا، بإصلاح الكثير من مولدات الكهرباء لجيرانه مجاناً. وهو يشير إلى تعطل الكثير من المولدات بسبب الإفراط في الاستخدام. ويقول: "الوضع سيء للغاية، راتبي لا يغطي مصاريفي للوقود والطعام أو أي شيء آخر."

OGB_123753__T1_1213.jpg

نسرين ميتياس، تستخدم شمعة لإضاءة مطبخها أثناء انقطاع التيار الكهربائي. بيروت، 18 أغسطس 2021​.

تدير نسرين ميتياس، 40 عامًا، شركة catering ولكن اضطرت إلى إغلاق مطبخها الصناعي بسبب نقص الكهرباء. وهي الآن تطبخ ما تستطيع من مطبخها الصغير في المنزل خلال الساعات القليلة التي تحصل عليها من الكهرباء في اليوم.

وتقول: "إذا كنت أصنع العجين، يجب أن أدير وقتي بعناية شديدة لأنه من الصعب حقًا إبقاء الأشياء في الثلاجة. اعتدت على شراء السلع الطازجة بكميات كبيرة والاحتفاظ بها في المخزن، لكن هذا مستحيل الآن، لهذا يتعين علي شراء كميات أقل وسعرها أغلى بكثير."

تضررت أعمال ميتياس بشدة من جراء الأزمة الاقتصادية في لبنان. وتضيف: "في وقت عيد الميلاد، كانت تصلني طلبات لتحضير حوالي خمسين ديكًا روميًا. اعتدت أن أحصل على ما بين 400-500 طلبًا لكعكات الكريسماس، ولكن هذا العام لم يكن هناك أي من هذه الطلبات. أنا المعيلة الوحيدة للعائلة لذلك لا يمكنني إيقاف عملي على الرغم من أنه يشكل 15 في المئة فقط مما كان عليه في السابق."

نسرين جزء من مجموعة صغيرة من المتطوعين الذين يتبرعون بالأدوية وغيرها من الضروريات لمن هم في أمس الحاجة إليها: "أرى حياتي الآن من خلال مساعدة ضحايا الانفجار ومن خلال دعم الآخرين المحتاجين - مثل تزويد الأطفال بالحليب والحفاضات."

إعلان

وتضيف: "تشعر كل يوم أن هناك من يدوس على أحلامك وعليك. لهذا السبب أفكر في مغادرة البلاد. قبل الأزمة كنت أقول دائمًا إنني لا أريد مغادرة البلاد، ولكني أشعر بالقلق باستمرار على سلامة عائلتي وأحبائي. ماذا لو قام أحدهم بإخفاء الوقود بين المنازل وتسبب بانفجار كما حدث مؤخرًا في عكار؟"

وكان انفجار صهريج وقود في بلدة التليل في عكار شمالي لبنان في أغسطس قد تسبب بمقتل 30 شخصًا وإصابة المئات.

OGB_123759__T1_1049.jpg

أبو محمود يعمل في متجر يبيع الفحم الذي يستخدم لتدخين الشيشة في بيروت. بيروت، 18 أغسطس 2021.

أبو محمود، 37 عامًا، من سوريا، يعيش في لبنان منذ عام 2000. يعمل في متجر يبيع الفحم الذي يستخدم لتدخين الشيشة، وهو أب لخمسة أطفال (تتراوح أعمارهم بين 3 و12 عامًا). يقول أبو محمود إن قيمة أجره من العمل كبواب مبنى وفي متجر الفحم قد انخفض بشكل كبير منذ بدء الأزمة الاقتصادية.

ويضيف: "من الصعب بالنسبة لي أن أرى أطفالي يعانون من هذا الوضع. في السابق، كان بإمكاني شراء وجبات خفيفة لأطفالي مثل الشيبس ولكن هذا مستحيل الآن. خلال أسبوع واحد زرت جميع المخابز من الساعة 7 صباحًا ولم أجد أي خبز. أتمنى السفر إلى كندا لأنني سمعت من أقاربي أن الحياة أسهل وهناك تعليم مجاني للأطفال. هنا يمكنني فقط إرسال اثنين من أطفالي إلى المدرسة."

OGB_123737__T1_1760.jpg

ياسمين يارد تقف بجانب الرفوف الفارغة في المستوصف في مستشفى الجعيتاوي. بيروت، 19 أغسطس 2021.

تتحدث ياسمين يارد، كبيرة الصيادلة الإكلينيكية، عن النقص الكبير في الأدوية في لبنان منذ بداية الأزمة. وتضيف: "الشيء الوحيد الذي نحصل عليه الآن هو التبرعات. إنه أمر مروع. يأتي إلي مرضى يبكون وليس لدينا الأدوية لنعطيها لهم. كان الأمر أسوأ عندما بدأت الأدوية بالانقطاع. الآن يعلم الجميع أننا لا نملكها."

في الآونة الأخيرة، كان من الصعب العثور حتى على الأدوية الأساسية مثل الباراسيتامول في صيدليات لبنان، وحتى في المستشفيات الكبرى مثل مستشفى الجعيتاوي حيث تعمل يارد. أدت التعقيدات البيروقراطية وانهيار العملة ونقص الاحتياطيات الحكومية لدفع ثمن الدواء إلى عدم قدرة المستوردين على إدخال الأدوية إلى البلاد.

إعلان

وتوضح ياسمين: "تستورد الشركات الأدوية بسعر السوق السوداء، لكن لا يمكنها بيعها بذات السعر لأنها ستخسر. الفقراء يدفعون الثمن في النهاية." وتشير ياسمين إلى إن المستشفى غيّر سياسته مؤخرًا للسماح للمرضى بإحضار أدويتهم التي حصلوا عليها من الأصدقاء والأقارب في الخارج: "ليس لدينا أدوية للعلاج الكيميائي على الإطلاق. إذا لم يحضر المريض أدوية خاصة به، فلن يتلقى العلاج."

غادر العديد من المتخصصين في الرعاية الصحية البلاد، وتقول ياسمين: "إذا تمكنت من النجاة فسأبقى هنا، وإلا سأرحل. أخذوا أموالنا، وليس لدينا ما يكفي من المال للمغادرة. نحن محاصرون."

OGB_123738__T1_1721.jpg

الدكتورة ليال عليوة تقف في وحدة العناية المركزة المؤقتة في مستشفى الجعيتاوي. بيروت، 19 أغسطس 2021

تعمل الدكتورة ليال عليوة، 30 عامًا، طبيبة وحدة العناية المركزة المؤقتة في مستشفى الجعيتاوي في بيروت، بعد أن تم تدمير وحدة العناية المركزة الأصلية أثناء انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020. لم تسلم مستشفيات لبنان من الانقطاعات الوطنية الحالية للتيار الكهربائي، وهي تكافح للعثور على الديزل لتشغيل مولداتها الاحتياطية مع نفاد الأموال من الدولة للحفاظ على وارداتها المدعومة.

تقول عليوة: "لدينا حاليًا 25 مريضًا في حالة حرجة في وحدة العناية المركزة، إذا انقطعت الكهرباء. سيموت هؤلاء الـ 25 بالتأكيد. إنه نفق لا نعرف أين ينتهي. إنه أمر مخيف. نأمل أن نجد بعض الوقود الذي سيساعدنا على مواصلة العمل الذي نقوم به."

إعلان

تواجه المستشفيات كذلك عودة ظهور لحالات فيروس كورونا، وعن ذلك تقول: "إذا حدثت ذروة في حالات الإصابة بكوفيد مثل تلك العام الماضي، فلن يكون لدينا أي علاج لمرضانا. في ذلك الوقت كنا مستعدين مالياً وحتى عاطفياً. ولكن الآن، لقد مررنا بالكثير من المعاناة عاطفياً ومالياً، لقد تعامل الطاقم الطبي مع الكثير، داخل وخارج المستشفى. الأمر ليس سهلاً. إذا حدثت أزمة جديدة، فمن المؤكد أنها ستكون أسوأ من ذي قبل."

غادر العديد من المتخصصين في الرعاية الصحية لبنان بالفعل، لكن عليوة تقول إنها ستبقى: "لقد درست الطب لعلاج مجتمعنا، وعلاج عائلاتنا. إذا غادرنا جميعًا، فمن سيكون هنا لعلاجهم؟"

OGB_123731__T1_1960.jpg

جانيت تقف مع اثنين من أطفالها الثلاثة خارج شقتهم في بيروت. بيروت، 19 أغسطس 2021.

تضررت جانيت، 47 عامًا، أم لثلاث أطفال أصغرهم عمره ٢٠ شهراً، بشدة من الأزمة الاقتصادية. زوجها يعاني من مرض في القلب لذا فهو عاجز عن العمل: "ينفطر قلبي لأنني لا أستطيع تأمين الأساسيات لأولادي. لقد مرت شهور منذ كسبنا أي أموال. نحن نعتمد على الأعمال الخيرية من كنيستنا وجيراننا ومبادرات فردية. أرسل أطفالي إلى الكنيسة ثلاث مرات في الأسبوع لتناول الطعام هناك. تقدم الكنيسة طعامًا مجانيًا للمحتاجين. هذا العام، لا يمكنني إرسال ابني البالغ من العمر 15 عامًا إلى المدرسة. لا يمكننا شراء الملابس والأدوات المكتبية له."

وتضيف: "حُلمي هو الحصول على ملابس جديدة لأولادي، أتمنى أن أتمكن من شراء فستان جديد لابنتي. مع ارتفاع أسعار الفوط الصحية، تحولت إلى استخدام قطع من المناشف القديمة. ستكلفني الفوط حوالي 120،000 ليرة لبنانية، إذا كنت كان لدي هذا المبلغ، أفضل شراء الحليب لطفلي."

وكانت دراسة إحصائية نفذّتها منظمة "FE-MALE" أشارت إلى أن ٧٦.٥ بالمئة من النساء في لبنان يعانين من صعوبة في الوصول لمنتجات الدورة الشهرية، بعد ارتفاع أسعار الفوط الصحية المستوردة ما بين 66% و409% فيما ارتفعت أسعار المنتجات الوطنية من 98% إلى 238%.

OGB_123721__T2_1175.jpg

حسين جقمرة يساعد في تنظيم طابور من السائقين ينتظرون خارج محطة بنزين في بيروت. بيروت، 19 أغسطس 2021.

حسين جقمرة، 24 عامًا، سائق شاحنة، وصل الساعة الثالثة صباحًا لمحطة البنزين لملء شاحنته وقرر البقاء لمساعدة السائقين الآخرين بمجرد فتح المحطة. يشير جقمرة إلى إنه يضطر إلى الانتظار في طابور كل يوم لملء شاحنته لمدة ست إلى سبع ساعات. الكثيرون يحاولون منذ ساعات الصباح الأولى تأمين مكان في الطابور. وقد قامت الحكومة بإلغاء الدعم الحكومي للوقود، مما يعني أن معظم اللبنانيين لم يعودوا قادرين على تحمل تكاليف ملء سياراتهم بالبنزين.

OGB_123739__T1_1645.jpg

جهاد عوض يدفع شاحنته الصغيرة باتجاه محطة بنزين في بيروت. بيروت، 19 أغسطس 2021.

جهاد عوض، 58 عامًا، متقاعد ولكنه لا يزال يستخدم شاحنته لكسب بعض المال في عمليات التسليم. يشير عوض إلى أنه ينتظر افتتاح المحطة منذ الساعة الثالثة صباحًا: "هناك أزمة عالمية تحدث لكنها أكثر وضوحًا في لبنان لأنه بلد هش للغاية." ويضيف: "الحياة أصبحت أكثر صعوبة الآن كما كانت عليه من قبل. الشيء الوحيد الذي يمكنك فعله هو الكفاح."