"عَقْلِي كَيْشْطَحْ تَحْتْ مَنْ النْجُومْ" -عقلي يرقص تحت النجوم، هكذا يصف الفنان المغربي الشاب حمزة البصيري، 26 عامًا، حسابه Nejma’s Salt على إنستغرام. قد يُخَيّل لكم من الوهلة الأولى أن الحساب يهتم بعلم الفلك والنجوم. أنتم لستم مخطئون تمامًا، فجميع الصور هي عبارة عن تذكرة سفر إلى مجرة بعيدة. أتحدث هنا عن عالم موازٍ يسكن عقل حمزة والذي يظهر من خلال أعماله الفنية.
امرأة تمسك بيد طفلها وهما يقفان فوق بيضة وتعلوها نصف ليمونة؛ ثلاث نساء يرتدين الحايك المغربي التقليدي ويرتدين أحذية بأكعاب عالية ويمشون فوق ما يشبه خطوط الراجلين في حركة تشبه صورة غلاف ألبوم Abbey Road الشهيرة لفرقة The Beatles.
هذه لمحة خفيفة عمّا ينتظركم في عالم هذا الفنان الخاص، عندما سألت حمزة عن سر هذه الفوضى في أعماله وصوره، أجابني: "في داخلي أنا جد فوضوي، I’m a mess، ولا أنوي أبدًا كبح هذه الفوضوية أو منعها من الانتشار داخل رأسي. أنا أفرط بالتفكير معظم الوقت، حتى عندما أكون نائمًا. حتى أنني في كثير من الأحيان تراودني أفكار لتصاميم جديدة في أحلامي."
بدأت موهبة حمزة بالبزوغ منذ أكثر من عشر سنوات عندما طلب من أمه أن تشتري له حاسوبًا، ليُشعل هذا الأخير داخله فضولًا لا مثيل له، بحيث كان يحب تفكيك الجهاز ودراسة تفاصيل عناصره الداخلية. "من بين البرامج التي كنت أستخدمها بكثرة برنامج Pint الذي كان يسمح بالرسم والتلوين على الصور. بحكم أنني كنت مهووسًا بالصور، كنت ألتقط صورًا لأبناء خالتي بعدسة هاتفي وأُدخلها للحاسب لإضافة رسوم وأشكال هندسية عليها ثم طباعتها لاحقًا. تطور هذا الهوس ليصل إلى فوتوشوب بعد أن تطور مستواي قليلًا في الميدان، خصوصًا بعد متابعتي لمجموعة من الدروس أونلاين."

بدأ حمزة بنشره صوره عبر إنستغرام، واختار لنفسه فيه اسم Nejma’s Salt، أو "ملح نجمة" لماذا هذا الإسم سألته؟ "لطالما فتنني العالم من حولي منذ نعومة أظافري. لقد كنت أرى في أي شيء يدخل مجال رؤيتي قصصًا وحكايا خفية لا تظهر للعيان. النجوم من بين الأشياء التي كنت أهواها، كنت أهرب من المنزل ومن الناس للذهاب إلى مكان خالٍ لمراقبة النجوم وعدها ورصد تحركاتها. عندما كبرت قليلًا، أحببت فتاة أجنبية كان اسمها يعني نجمة، لذلك أحسست بأن هذا الإسم يتعقبني ودائمًا مرتبط بمرحلة ما من حياتي." ويضيف: "بالنسبة لي، أفكاري وأعمالي وفني هي مجموعة من النجوم المضيئة التي لا تخفي ملوحتها القادمة من تجاربي المريرة ومن معاناتي. هكذا فإن هذا الإسم يعكس وجهي الحياة معًا: النور والظلام."
إعلان
يمكن أن نصنف أعمال حمزة ضمن خانة الفن المعاصر الذي يمزج بين الواقع والسريالية باستعمال صور أمضى أكثر من سبع سنوات في تجميعها: "لطالما كنت أهتم بالتقاط صور لأشياء قد تبدو للبعض عادية وبدون معنى ضمني، لكنها بالنسبة لي تخفي أسرارًا خاصة، كنت أحتفظ بهذه الصور وأنا على يقين أنني سأعود لاستغلالها يومًا ما. هكذا قضيت 7 سنوات في تجميع هذه الصور المتفرقة، لأقرر بعدها العمل عليها وتحويلها إلى أعمال فنية تعكس ما يدور في مخيلتي من أفكار وأحاسيس."ولكن ما سر ارتباطه الدائم بالماضي والصور الـvintage، ويقول: "نحن نعيش أيامنا بوتيرة جد سريعة تمنعنا من التوقف في مكاننا للحظة والتأمل فيما يحيط بنا. أعي أن هناك الكثير من العوامل الخارجية التي تؤثر على حياتنا وتمنعنا من التحكم بإيقاعها السريع، لكن لا يجب علينا الانسياق وراء الأحداث اليومية التي تحجب عنّا جمالية الأشياء التي فاتتنا. إدراجي لصور قديمة لأعمالي هي طريقتي لاكتشاف ما فاتنا وتعلم أشياء كنت أجهلها عن ماضي بلدي."ثم يضيف: "لدينا مشكلة هوية متجذرة سببها عدم معرفتنا بتاريخنا، وهذا موضوع قريب جدًا لي لهذا قررت الاشتغال عليه في بحث الدكتوراه. أحاول ما أمكنني أن أوصل للأشخاص الذين يتابعونني والذين لا تسمح لهم الظروف بالبحث والتنقيب، ولو جزءًا صغيرًا من ثقافتنا وتاريخنا عبر أعمالي. فمزجي لصور قديمة بعناصر معاصرة تفتح لدى المتلقي باب التفكير وطرح الأسئلة."من بين الأشياء التي لفتت انتباهي في أعمال حمزة، هناك الحضور الطاغي للمرأة المغاربية وما يرافقها من مواضيع لا تزال تعتبر ”عيبًا“ في مجتمعاتنا، مثل ليلة الدخلة التي عبّر عنها فناننا عبر السروال الأبيض الشهير الذي يجب أن ترتديه الفتاة في ليلتها من أجل إثبات عذريتها لزوجها وعائلتها.
إعلان
هذا الاهتمام بأوجه عدم المساواة الجندرية في المجتمع المغربي نابع من تخصص حمزة الأكاديمي الذي مكّنه من الحصول على شهادة الماجستير في دراسات النوع الاجتماعي والمرأة. وعلى الرغم من توجهه حاليًا إلى مهنة التدريس في إحدى الثانويات التأهيلية، إلّا أنه بقي وفيًا لمجال تخصصه من خلال فنه الذي "لا يفهمه غيره" كما يقول: "أنا أرى أشياء معينة خلف ما تراه أعين المتلقي، ولا أظن أن أحدًا بإمكانه فك هذه الشيفرة غيري، وهذه طبيعة أي عمل فني أياً كان."ازدياد حمزة وترعرعه بمجموعة من المدن المغربية ساهم في تكوين أفكاره المركبة من تجارب طفولته ومراهقته المتغيرة من مكان إلى آخر، كما أنه قرر التصدي للصراع العربي الأمازيغي الذي يعرفه المغرب بطريقته الخاصة: "أنا أعتبر أن أول سكان هذه الأرض هم أمازيغ، وهذا أمر يعترف به التاريخ، لذلك فإنني أحاول من خلال أعمالي أن أبرز هذا الجانب عبر الاشتغال على صور لنساء وأشخاص أمازيغيين. لقد تلقيت أنتقادات لاذعة من طرف تونسيين وجزائريين يزعمون أنني أسرق صورهم وأنسبها إلى المغرب، والحقيقة أنني أحاول فقط تجاوز الحدود الجغرافي المغربية والانفتاح على ثقافات مجاورة تشبهنا. هدفي ليس بتاتًا تسليط الضوء على الصراع السياسي، وإنما إظهار ثقافتنا وهويتنا الغنية."
واقع يحاول حمزة ترجمته بالاستعانة بمخيلته لتوثيق أجمل ذكريات ومحطات حياته. فهو يرى أن لكل واحد من أعماله مكانة خاصة عنده وذكرى معينة قريبة لقلبه. حتى أنني عندما سألته عن أكثر أعماله المفضلة، استغرق وقتًا طويلًا في التفكير قبل أن يخبرني: "هناك بعض الأعمال التي جسدت من خلالها لحظات معينة مرت بحياتي من أجل تخليد تلك الأحاسيس التي رافقتني ذلك الوقت. أكثر الأعمال قربًا لقلبي هي تلك التي قمت بها بعد مروري بتجربة أثرت على شخصي، مثل التصميم الذي يصور رجلًا عجوزًا بعينين ذابلتين، وفوقه مجموعة من النساء واقفات من أعلى لأسفل على يمثل رقعة شطرنج (الصورة الرئيسية للمقال). أفضل عدم الغوص معك في تفاصيل أكثر حول معنى هذا العمل، لكنني أجد أنه يمثلني بشكل كبير."يتمنى Nejma's Salt الانفتاح مستقبلًا على ثقافات ومناطق مغربية لم يتطرق لها سابقًا مثل ريف وشرق وشمال المغرب. بل إنه ينوي أيضًا كشف اللثام عن موضوع آخر لا تزال مجتمعاتنا تتجنب التكلم عنه علنًا. يخبرني: "من بين المواضيع التي أتمنى التطرق إليها أكثر في أعمالي القادمة، هناك شعور الرجل بالوحدة. هذا شعور نحس به نحن الرجال، لكن معظمنا يفضل إخفاءه وعدم البوح به خوفًا على مكانته "كرجل" في المجتمع. لا أستطيع أن أعطيك تعريفًا دقيقًا لهذه الوحدة التي نحس بها، لكنها هي ما تجعل الرجال غير صبورين، وهي ما تدفعهم إلى الخروج من البيت وقضاء اليوم بأكمله في المقاهي، وهي التي تضغط عليهم من أجل الزواج وتكوين أسرة، إلخ. هذه الأمور تجعل الرجل لا يلتفت إلى مشاعره الخاصة ولا يتكلم عنها جهرًا."