مرأة

لماذا قررت هؤلاء النساء التوقف عن صبغ شعرهن لإخفاء الخصل البيضاء

"هي محاولة لرفض كل معايير الجمال التي تُفرض علينا كنساء، وهي محاولة لرفض هذا الربط بين الشعر الشائب لدى النساء على أنه إهمال لذاتها"
Rasha Hilwi
رشا حلوة. الصورة مقدمة منها.

كنساء نحن مطالبات طوال الوقت بأن ننتبه لمظهرنا العام وأن نحافظ على معايير جمالية معينة حتى لا يتم اعتبارنا كسولات أو مهملات ولا نهتم بأنفسنا "كما يجب." وطبعاً هذه الـ يجب مرتبطة بجماليات فارغة مرتبطة غالباً بدوافع إعلانية تسليعية.

على مدار التاريخ الحديث لم تكن كثير من النساء يظهرن بشعورهن البيضاء علانية. فعلى خلاف الرجال الذين ينظر لخصلات شعرهم البيضاء في إطار الجمال والحكمة، يُتوقع أن تبدو المرأة صغيرة مهما كبرت في العُمر. لكن، مؤخرًا بدأت بعض النساء من خلفيات مختلفة الوقوف ضد التيار والخروج بخصلات شعرهن البيضاء، بعضهن يعتبرن الأمر تحديًا للصور الذكورية عن المرأة وأخريات ينظرن للموضوع من جانب شخصي تماماً.

إعلان

"لم تكن فكرة ترك شعري على طبيعته أمراً وارداً، خاصًة أن لا من نماذج من حولي تشجع الأمر، بل العكس تماماً. المرأة التي تترك شعرها الأبيض توصم عادة "بالإهمال، ولا تفكر بنفسها، أو تعتني بجمالها،" تقول رشا حلوة، 36 عامًا، صحفية فلسطينية. بدأ الشعر الأبيض بدأ بالظهور لدى رشا عندما كانت في الثامنة عشر من عمرها، وهو أمر ورثته من والدها الذي ظهر شعره الأبيض وهو في الثالثة عشر من عمره.

وتضيف: "عندما بدأ الشعر الأبيض بالظهور، قمت، كما تفعل كل النساء من حولي، بصبغ شعري، واختيار ألوان مختلفة كل فترة، وكلما ظهر الشيب من جديد، استعجلت صبغه." مع الوقت، بدأت رشا ترى أن الصبغة ومحاولة إخفاء خصلات شعرها الأبيض، تُشعرها "بالغربة عن نفسها" وخاصة مع انتقالها من فلسطين للعيش في ألمانيا ومن بعدها هولندا: "لم أرد أن أزيد غربة على ما أشعره من غربة أصلاً،" كما تقول.

عندما حملت رشا خلال فترة كورونا، لم تصبغ شعرها، إذ من المفضّل ألا تضع المرأة الحامل الصبغة على شعرها خلال شهور الحمل الأولى، وكانت هذه فرصة لرشا لتغيير بعض العادات، كما تقول: "قررت أن أتوقف عن صبغ شعري وتركه على طبيعته، ومنشوف. هذه الفرصة التي مُنحت لي بأن أرتبط بجسدي وتغيراته خلال فترة الحمل، جعلتني أعيد تشكيل علاقتي مع شَعري كذلك. أحببت شعري الشائب. شعرت أنه مرتاح، وهذا جعلني مرتاحة."

تعد مادة الميلانين هي المسؤول الأول عن الحفاظ على لون الشعر ويقل الشعر بتكوينها مع التقدم في العمر فينتج عنها اللون الأبيض، وقد يكون ظهور الشعر الأبيض مرتبطاً كذلك بأسباب وراثية أو بعض الأمراض الهرمونية أو التعرض لضغوطات شديدة.

إعلان

شيماء (اسم مستعار)، 36 عامًا، صحفية من لبنان، تقول أن خصلات الشعر الأبيض بدأت بالظهور مبكراً، جربت صبغ شعرها مَرة واحدة ولم تكررها أبداً: "كنت في منتصف العشرينات عندما بدأ شعري الأبيض بالظهور- بسبب جينات العائلة. قررت في أحد الأيام صبغ خصلة من شعري باللون الأزرق -اللون كان اقتراح الكوافير. لم يعجبني الأمر كله، بسبب رائحة الصبغة وتفاصيلها المرهقة. قررت ألا أعيد الكرة، وترك شعري كما هو. أحب أن أكون على طبيعتي ومعايير الجمال التقليدية لا تعنيني. ليس لأنني لا أملك وقتًا لها، بل لأنني ببساطة لا أريد."

التحول نحو الاحتفاء بالشعر الأبيض قد لا يبدو ثورياً للبعض، ولكنه كذلك، لأن يتعلق بقرار النساء التعامل مع التغييرات المرتبطة بالعُمر وما يحدث لأجسامهن بشكل طبيعي. لسنوات طويلة، لعبت شركات الإعلانات على وتر الشعر الأسود واعتباره علامة للشباب والحيوية، وضمن محاولتهم لبيع المزيد من المنتجات والصبغات، تم ربط الشعر الأبيض بالكَبر والإهمال.

مؤخراً، وخاصة بعد فترة الإغلاق بسبب فيروس كورونا، ظهرت موجات لتقبل الشعر الأبيض كما هو، وظهرت حسابات على انستغرام يتابعها عشرات الآلاف وتروي فيها النساء قصصهن، مثل حساب grombre الذي يشارك قصص نساء وصورهن بشعرهن الأبيض.

Mayar Makky 5.jpg

ميار مكي. الصورة مقدمة منها.

ضمن ذات الإطار، تم إطلاق غروب "خصلة فضة" على فيسبوك الذي قامت بانشائه المصرية ميار مكي مع كارمن فيليبس لخلق مجتمع أكثر تسامحًا وتقبلًا لخيارات النساء، ويمكن اعتباره نسخة عربية من غروب Gray and proud الذي تتشارك فيه النساء تفاصيلهن اليومية ومواقفهن سواء عند مصفف الشعر أو في البحر أو النادي أو العمل.

إعلان

تقول ميار، 42 عامًا، والتي تعمل بمجال التسويق: "بدأ الأمر حين وجدت امرأة تدعى كارمن تنشر أحد صور شعرها الأبيض دون صبغة في أحد غروبات الشعر الكيرلي الشهيرة، ولاقى المنشور تفاعلًا كبيرًا. قررت أن أراسلها وأقترح عليها أن نُنشأ غروب معًا لدعم النساء اللواتي لا يصبغن شعرهن الأبيض، لأنني أنا أيضًا مررت بهذه التجربة ولم أصبغ شعري بعد سنوات من المعاناة مع الصبغة ومحاولة إنكار ظهور شعري الأبيض. هدفنا هو تقديم الدعم إلى كل امرأة تحتاج إلى الشعور بالثقة والقدرة على مواجهة العالم سواء كانت صغيرة أو كبيرة في السن."

اعتمدت الاتجاهات الجمالية ضمن خطابها الرئيسي على أن بقاء المرأة صغيرة وجميلة يجعلها مؤثرة ومرئية، وهو ما يلغي وجود وحضور النساء الكبيرات في السن، وهذا الأمر لا تتساوى فيه النساء مع الرجال الذين يتقدمون في العمر ولا يحاولون إخفاء أعمارهم ليكونوا أكثر نضارة وشبابًا -وإن كان هناك توجه نحو تطبيق ذات المعايير الجمالية على الرجال مع انتشار عمليات زرع الشعر، ومنتجات البشرة الموجه للرجال. كما انتشرت اتجاهات نسوية متعددة تنادي بقبول الجسد الأنثوي كما هو والابتعاد عن المعايير الجمالية التي يطالب بها المجتمع طوال الوقت، مثل تقبل الوزن الزائد وحب الشباب وعلامات التمدد وغيرها من الأمور، فهل ما تفعله نساء مع شعرهن الأبيض هو اتباع لهذا الفكر؟

إعلان

تقول شيماء: "لا أصنف ترك شعري الأبيض على أنه شجاعة، إلا عندما يخبرني أحد بذلك. البعض يمدحوني و يخبروني بأني أشبه سوزان سونتاج، وبالتأكيد هذا التعليق يغريني كثيرًا، لكني حقًا لم أقصد أن أتشبه بها."

تضيف شيماء أنه أيًا كان خيار النساء فهذا حقهن، وليس بالضرورة أن يكون الامتثال لمعايير المجتمع، لهذا لا ترى أن النساء اللواتي يصبغن شعرهن أقل شجاعة. وتقول: "ليس لدي موقف من النساء اللواتي يصبغن شعورهن، ففي المقابل لا أرى أن من تصبغ شعرها هي امرأة ليست شجاعة، فعلى كل امرأة تفعل ما تحب بغض النظر عن رأي المجتمع فيه. فمن الممكن بعد سنوات أن تأتيني رغبة بأن أصبغ شعري أخضر، شو بعرفني! حينها لن أتحول من امرأة شجاعة إلى غير شجاعة."

ضمن هذا السياق، تقول رشا أنها لا تعلم إذا كان قرار عدم صبغ شعرها يتعلق بكونها نسوية أم لا، إذ من الممكن أن يكون ذلك بشكل غير واعٍ، بمعنى أنها ليست أكثر نسوية الآن مما كنت عليه مع شعر مصبوغ: "الفكرة تكمن بتقبّل الذات والعمر والتغييرات التي تحدث عليه دون رفضها. لكن هي محاولة لرفض كل معايير الجمال التي تُفرض علينا كنساء، وهي محاولة لرفض هذا الربط بين الشعر الشائب لدى النساء على أنه إهمال لذاتها."

تتابع رشا: "بعد أن أصبحت أماً مع شعر أبيض، سمعت تعليقات من نوع "هل أصبحت أماً الآن وبدأت بإهمال نفسك؟" بالعكس تماماً، أصبحت أماً وبدأت أحب نفسي والتغييرات التي تطرأ عليها مع الزمن. هذا يأتي أيضاً من محاولة تصالح مع الزمن ومع العمر، وأنه ليس من المفروض أن نبقى - نحن النساء - صغيرات السن أو شابات إلى الأبد. أريد أن يبقى قلبي شاباً، وشعري شائباً. وهذا يخفف الغربة بالتأكيد."

إعلان

هناك بالتأكيد دعم من النساء لبعضهن ولخيارتهن، لكن المجتمع لا يزال رافضاً لفكرة تطبيع الشعر الأبيض، وكثير من النساء يشعرن بالضغط من الأصدقاء والعائلة.

نهوند عادل، 32 عامًا، طبيبة أسنان من السودان، تترك خصلات شعرها الأبيض، بسبب عدم اهتمامها بمعايير الجمال السائدة ورغبتها في أن تفعل ما يريحها بكل بساطة، ولكنها تشير إلى أنه يتم الحُكم على خياراتها طوال الوقت: "والدتي تضغط علي دائمًا لأحني شعري وتقول لي أنت صغيرة جدًا على الشيب. إن بدأت بصبغ شعري بالحنة اليوم، فهذا يعني أن أفعل ذلك كل أسبوعين تقريبًا، وأنا لن استمر في هذا الروتين للأبد، وأنا لا أريد ذلك."

تشير نهاوند أنها تسمع تعليقات تعبر عن الإعجاب بشعرها وأخرى تنتقدها: "بعض الفتيات يستوقفني في الشارع لسؤالي عن شعري، هل ذلك هايلايت أم شيب؟ وعندما أخبرهن أنه شيب يُعبرن عن اعجابهن بجرأتي. ولكن في المقابل، هناك من يرى في شعري الأبيض أمراً يجب اخفائه وخاصة في المناسبات الإجتماعية. في عرس صديقتي الأقرب، ضغط علي أصدقائي لصبغ شعري قبل الزفاف، "كي أبدو أصغر وأجمل" في الصور. ولكني أصريت على موقفي. شعري سيبقى كما هو." 

Mira Emad.jpg

ميرا عماد. الصورة مقدمة منها.

ميرا عماد، 36 عامًا، مرشدة أسرية من مصر وأم لطفلتين، تخبرني أنها خصلات شعرها الأبيض بدأت بالظهور في سن صغيرة، وبعد صبغة عدة مرات، قررت أن تتوقف وتتركه كما هو. وتضيف: "ورثت شعري الأبيض من والدتي، مع شعري الأسود كانت بصيلات الشعر البيضاء تبدو بارزة للغاية. قمت بصبغه عدة مرات وبألوان مختلفة، واستخدمت بعض الحيل لإخفاء الخصلات البيضاء لحظة ظهورها. ولكني مع الوقت اكتشفت أن ما أفعله هو محاولة للهروب من أمر واقع ولن أفلح بذلك مهما أخفيته. لذلك أخذت قراري ألا أفعل شيء سوى تقبل شعري وخصلاته البيضاء كما هو. شعرت بالراحة مباشرة بعد هذا القرار، هذا شعري، وهذه أنا وليس علي أن أخفي شيئًا."

أما عن ردود أفعال المقربين من ميرا، فتقول: "بناتي يعتقدن أني عَجزت ويقولون لي "ماما أنتِ قربتي تموتي؟" طبعاً أشرح لهم أن الشعر الأبيض مجرد لون ولا سبب لربطه بالموت. ضمن العائلة أتعرض للانتقاد طوال الوقت، وخاصة من والديّ. أسمع كل أنواع التعليقات، هناك تعليقات تقفلك من الحياة مثل "سايبة شعرك أبيض ليه؟ أنا جاي اسلم على تيتة؟" وهناك في المقابل، هناك أمور تردلك الروح، مثلاً بدأت إحدى قريباتي بترك شعرها دون صبغة تأسيًا بي. وأنا سعيدة بذلك."

ما تقوم به هؤلاء النساء قد يكون شخصياً وفردياً، ولكنه يفتح الطريق للأجيال القادمة من النساء للتعامل مع أنفسهن بطريقة أكثر إنصافًا، وربما إعادة التذكير بأن التقدم بالعمر هو امتياز، وأن كل مرحلة عمرية لها سحرها الخاص.

-شيماء اختارت اسم مستعار بسبب طبيعة عملها الصحفي.