فيروس كورونا

أُصبت بفيروس كورونا ووصمة العار كانت أصعب من الفيروس

"أوف بتكوني قتلتي نص العالم"
آية ابي حيدر
Beirut, LB
Screen Shot 2020-10-07 at 7
يمين- ثالث يوم من المرض بعد ليلة من الوجع. بعد التعافي، صبغت شعري بعد الحجر. حسيت لازم غيّر شي. الصور مقدمة من آية.

ستظن كما يظن الجميع، أن الأمر لن يصيبك. نعم، من الممكن أن يُصاب به الجميع لكنه لن يصيبك أنت تحديداً، فكما نجوت من انفجارٍ ارهابي أو تصرف غبي، ستنفذ من الإصابة بفيروس كورونا لأنك محظوظ أو لأنك صغير بالعمر أو لأنك تأخذ احتياطاتك أكثر من غيرك. الحقيقة هي أنك ستُصاب بالفيروس وستصيبك صدمة أو نوبة ضحك على نفسك البلهاء التي ظنت يوماً أنها ستنجو من كل شيء بأعجوبة، كالرئيس الأمريكي دونالد ترامب تماماً الذي قلل من خطر الفيروس لن يصيبه. ولكن فيروس كورونا لا يهتم إذا كنت تصدق بوجوده أم لا.

إعلان

نعم، كنت أظن أنني سأنجو من هذا الفيروس كما نجوت من قنابل الغاز خلال المظاهرات المتكررة التي شاركت بها في بيروت، ومن انفجارات داعش الإرهابية التي ضربت الأماكن السكنية في الضاحية الجنوبية حيث أعيش بين 2012 و2014 ومن انفجار مرفأ بيروت، أُصبت بـ كورونا وتغير كل شيء، وما بعد كورونا ليس كما قبله.

في الوقت الذي وصلت فيه للبيت، أصبح الألم أسوأ وشعرت أن حرارتي ترتفع تدريجياً، استلقيت على سريري، وقامت والدتي بقياس حرارتي. حتى الآن كنت ما زلت مقتنعة أن شعوري بالتعب والحرارة مرتبط بشعوري بالحزن والبكاء المتواصل بعد منتصف الليل. فوجئت عندما أخبرتني والدتي أن حرارتي 38.7، أخرجت أمي فوراً من غرفتي وأقفلت الباب، لأنني أصبحت شبه متأكدة أن ما ما أشعر به من ألم مفاصل وحرارة هو فيروس كورونا - وهذا لا يلغي الكآبة والكآبة لا تلغي كورونا.

تبين لاحقاً أن صديقتي سالي التي تخالطت معها قبل 3 أيام من ظهور عوارضي كانت تشعر بالمرض كذلك، أجرت الفحص أيضاً وتبين أنها مصابة. لم نعرف تحديداً إذا كان الفيروس قد انتقل مني لها أو العكس أو إننا التقطنا الفيروس قبل لقائنا وظهرت العوارض علينا في اليوم ذاته. صديقتي حوراء أجرت الفحص بعدما عرفت نتيجتنا وتبين أنه ايجابي، لكنها لم تشعر بأي أعراض - Asymptomatic.  لأختصر قصة تخالطنا، فإنا وسالي وحوراء ندرس معًا في كلية الفنون في قسم المسرح في الجامعة اللبنانية، وكنا قدمنا عرضًا تمثيلياً اخيراً كان بمثابة امتحان التخرج. بعد العرض التقينا في منزل أحد الأصدقاء كي نحتفل بتخرجنا. جميع من تواجد في هذه الحفلة، أجرى الفحوصات وأتت نتائجهم سلبية، إلا أنا وصديقتي سالي وحوراء.

خلال الأيام الأولى شعرت بضيق تنفس، وكان الأمر يزداد سوءًا مع ارتفاع حرارة الطقس، حيث مررنا بموجة حر شديدة  في لبنان عند إصابتي، هذا بالإضافة إلى دراما انقطاع الكهرباء المستمر. في بعض الأحيان كنت أشعر أنني أستطيع أن أقوم بحركات تمدد بسيطة، وفي أيام أخرى كنت أشعر أني لا أستطيع الوقوف حتى لثوانٍ. قضيت معظم الوقت ممددة أو نائمة.

إعلان

فقدت حاسة الشم في اليوم الرابع تقريباً، وفي البداية لم أصدق الأمر فقمت برش عطر في أنفي ولم أستطع أن أشتم أي شيء. كان الأمر مضحكاً وغريبًا. ولكن الأمر الأسوأ، كان فقدان حاسة التذوق فكنت أشعر أن طعم الطعام كالخشب بدون لون أو طعم أو رائحة- كحياتي تماماً. كنت أجبر نفسي على الأكل فقط لأجل تقوية مناعتي، وليس شعوراً بالجوع أو الرغبة بالأكل.

مع انخفاض حدة العوارض بدأت أشعر بصعوبة الحجر، فقد حجرت نفسي في غرفتي ولم أستطع الخروج إلا إلى حمامي الخاص أو إلى الشرفة. الحجر عزلني كلياً عن الجميع، وجعلني أشعر وكأنني طفيلية، فكنت أنظف الحمام عند دخولي اليه وأرتدي الكمامة عند خروجي من غرفتي، وأحمل المطهر كي أستخدمه بحال لمست أي شيء. عائلتي كنت في المنزل في فترة الحجر، وهذا الأمر جعل الامور اصعب لأنني  لم أرد أن أتحمل مسؤولية اصابتهم أو الاحتكاك بهم. شعور العزلة والقلق جعلتني أفكر وأعيد حساب أمور كثيرة في حياتي كعملي ووقتي الضائع والأشخاص الذين أريدهم في حياتي.

الحجر والفيروس أثرا على حالتي النفسية كذلك، فقد عشت حالة قلق شديدة وكانت تراودني كوابيس كثيرة أثناء نومي.  وهذا الأمر لم يحدث معي وحدي فقط حدث مع أصدقائي المصابين. ووفقاً لدراسات، فإن الإصابة بفيروس كورونا يمكن أن تسبب أرقاً أو ما أطلق عليه coronasomnia ولذلك علينا أن نستشير معالج نفسي في حال استمر الأمر لمدة طويلة.

الأهم: وصمة العار
على الرغم من كل ما مررت به من ضيق نفس وأوجاع مفاصل قوية وحرارة مرتفعة وشعور عام بالإرهاق، إلا أن كل ذلك لم يكن صعباً بحجم الوصمة التي وضعها الناس علينا كمريضات كورونا. مثلاً سالي التي كانت تعمل على مساعدة بعض الأشخاص الذين خسروا بيوتهم في انفجار المرفأ، سمعت كلاماً قاسياً من أحد أقاربها الذي قال لها بعد أن عرف بمرضها "أوف بتكوني قتلتي نص العالم."  أما حوراء التي حجرت نفسها في منزل لوحدها، فتخبرني أن صديقها المفضل لم يتصل بها للإطمئنان عليها، بل اتصل بصديقة قريبة منها كي يعرف مع من تخالطت وكيف أُصيبت بالعدوى. كما أنها كانت قد بدأت تواعد شخصاً، توقف عن التواصل معها كلياً بعد إصابتها بالمرض. جنى، التي أصيبت بالمرض منذ فترة وهي مغنية كورال في فرقة غناء، تقول أنها تلقت اتصالات من أشخاص لم تراهم منذ أشهر ليسألوها أسئلة غريبة كـ "نحنا شفناكي شي؟ سلمتي علينا؟ عطستي علينا؟" كما قام أحدهم بنشر منشور عن إصابة جنى بالفيروس على فيسبوك تحت عنوان "أرواحنا أهم من أصواتكم."

شخصياً، تعرضت لمواقف متباينة، البعض تواصل معي للاطمئنان علي وعلى صحتي، وكان لطيفاً وتمنى لي الشفاء، والبعض الآخر كان مزعجاً بسبب السؤال الذي طُرح علي مراراً وتكراراً  "كيف لقطتي الفيروس؟" ولكن الموقف الأسوأ كان بعد خروجي من الحجر وبعد الإعلان عن أن نتيجتي جاءت سلبية، وأنني لم أعد مصابة. ولكن هذا لم يغير شيء من نظرة كل من حولي لي وكأنني ناقل للمرض.

مثلاً كان لدي تصوير مع فريق إنتاج تتعامل معه شركتي لمحتوى الفيديو. الفريق لم يوافق أن يصور معي سوى بعد مرور أسبوع من نتيجة الفحص على الرغم من أن نتيجتي أتت سلبية. تقبلت الأمر، وتفهمت خوفهم من إمكانية العدوى. ولكن بعد مرور الأسبوع،  قالوا لي أنهم سيلغون التصوير إذا لم يكن معي ورقة تُثبن بأن نتيجتي سلبية. أحضرت الورقة وذهبت إلى التصوير، ولكنهم تعاملوا معي وكأنني أنا الفيروس، ولم يقتربوا مني أبداً طوال مدة التصوير.

وضع المجتمع علينا كمريضات وصمة عار، على الرغم من أننا اخترنا التصرف بمسؤولية وأخبرنا جميع من خالطناهم بالحقيقة.  شخصياً، قصدت أن أصور فيديو عن الموضوع ونشرته على مواقع التواصل الإجتماعي من أجل نشر التوعية ومن أجل ازالة هذه الوصمة عن الموضوع. لا شيء مخجل بكل الموضوع، الكل معرض للإصابة، هذا أولاً، وثانياً، إصابتي بالمرض لا تعني أنني أصبحت عدوى متنقلة، ولا أطلب منكم عدم توخي الحذر، استمروا بالتباعد الاجتماعي ولكن على الأقل، حافظوا على القليل من الذوق عند التعامل مع المصابين والمتعافين.