النباتيون

pixabay

FYI.

This story is over 5 years old.

صحة

النباتيون العرب.. سألناهم عن قصصهم، والذي يواجهونه في مجتمعاتنا "اللاحمة"

لا أمانع أن تأكل شريكتي اللحوم، ولكن عليها أن تنظف أسنانها قبل أي شيء آخر

"كان رائجاً في منطقتنا خلال أيام العيد أن يؤتى بالخروف قبل عدة أيام من ذبحه، حتى يتم التركيز على نظافة أكله وزيادة وزنه. وكغيري من الأطفال تعلقت بالخروف وكونت علاقة صداقة معه، ومع صغر سني حينها إلا أني أتذكر أني تأثرت كثيراً حين تم ذبحه،" يقول كنان (32 عاماً) مهندس معماري، عن الحادثة التي تركت تأثيراً كبيراً على خياره بأن يكون نباتياً.

التعاطف مع الحيوانات هي واحدة من أهم الأسباب التي تدفع عدد متزايد من الشباب في العالم لاتباع أسلوب حياة غذائي نباتي حيث تتصدر الهند قائمة الدول التي يعيش بها أكبر نسبة نباتيين، وذلك لأسباب تتعلق بالديانة الهندوسية التي تنبذ العنف الموجه للحيوانات بكافة أشكاله. أما جميع الدول التي تليها، فليس للأسباب الدينية تأثير يذكر على نمو نسب النباتيين بها، بل يبدو أن هذا التوجه أصبح يجذب عددا كبيرا من الشباب، لأسباب متعددة منها صحية أو بيئية من خلال خفض مستوى انبعاثات الكربون من خلال الحد من استهلاك اللحوم. النباتية، تعني بشكل عام الإعتماد على المصادر النباتية فقط في النظام الغذائي مع الابتعاد عن المصادر الحيوانية كاللحوم بأنواعها. وهناك أيضاً ما تسمى النباتية الصرفة أو الـ veganism وهي تعني الابتعاد عن كافة المنتجات الحيوانية والألبان والأجبان والبيض سواء في الغذاء أو الأزياء. في العالم العربي، لا يوجد إحصائيات أو دراسات توثق أعداد النباتيين، ولكنهم موجودين ويتزايدون على الرغم من صعوبة ذلك أحياناً في المجتمعات العربية، التي غالبا ما تربطها علاقة خاصة مع اللحومات والذبح والصيد والأضاحي الدينية.

إعلان

سارة (40 عاماً) معالجة بالتنويم الإيحائي، نباتية منذ سن صغيرة جداً، تعتبر أنه لا يوجد أي مبرر بأن يتعرض أي مخلوق للمعاناة والتعذيب حتى تشعر هي بالشبع، خاصة مع وجود عدد هائل من الخيارات الأخرى. تقول سارة: "أخذت قرار أن أكون نباتية في سن 13 عاماً، حيث امتنعت عن أكل اللحوم الحمراء والدجاج، أما السمك فتوقفت عن أكله بعد رحلة صيد ذهبت إليها وأنا في العشرين من عمري. رأيت كيف تتحرك السمكة بحثاً عن الهواء عند صيدها، وشعرت بالأسى عليها، وقررت الامتناع عن المأكولات البحرية أيضا، وحالياً أحاول أن أقتطع منتجات الألبان والبيض."

براء (37 عاماً) مديرة إذاعة، والتي كانت نباتية لفترات متقطعة منذ سن 13 عاماً كذلك، وهي تربط قرارها بعدم أكل اللحوم أيضاً بقصة تتعلق بالصيد حيث كان والدها يهوى صيد الطيور في البراري، وكان مشهد الطيور الدامية يؤرقها كطفلة. وهي الآن كبالغة نباتية ملتزمة منذ أكثر من عامين. أما حميد (30 عاماً) اقتصادي بيئي، نباتي منذ 4 أعوام، فيشير إلى أنه في ظل وجود الكثير من الدراسات التي تؤكد أن تربية الحيوانات بطرق صناعية هي المسؤولة الأكبر عن انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فهو يرى أن الابتعاد عن اللحوم يساعد في تقليل البصمة الكربونية للأشخاص. ويقول: "يبدو الأمر منطقيا من الكثير من الزوايا، هناك دراسات تثبت أن الحيوانات قادرة على الشعور بالألم، فهي لديها الوعي، ولديها جهاز عصبي متكامل، وهو ما ليس موجوداً في النباتات."

حميد وطعامه المفضل- الحمص، منقوشة زعتر وبعض المقدوس -تصوير: رنا عفيفي

وعن قصته مع النباتية يقول حميد الذي قرر أن يقتطع كافة المنتجات الحيوانية والألبان والأجبان منذ عام ونصف:"كان لدينا ببغاء في المنزل، أتى بالصدفة، وبعدما فشلنا في إيجاد مالكيه، أصبح جزءاً من العائلة. وعلاقتي الوطيدة به جعلتني أفكر، بأنه لا يوجد سبب في يومنا هذا مع كل هذا التقدم والتكنولوجيا لاستخدام الحيوانات بأي طريقة صناعية، لغذاء أو ألبسة أو غيره، وتعريضها للمعاناة. لربما قبل 20 أو 15 سنة كانت فكرة أن تكون نباتياًَ ضرباً من الجنون، بسبب قلة الخيارات، لكنها الآن من أسهل ما يكون، فالبدائل هائلة."

إعلان

في الولائم الكبيرة، خاصة في إطار العمل، يكون من الصعب أحياناً أن أرفض المشاركة في الطعام، وهو ما يعد في الثقافة العربية عيب ولكني لا أستطيع أن أجامل

على الرغم من أسباب التحول إلى النباتية تبدو منطقية، إلا أنهم كنباتيون يتعرضون لعدد لا نهائي من الإستفسارات والسخرية، في مجتمع تقبل الاختلاف فيه ليس من أحسن صفاته. "أصعب ما في الأمر هو اضطراري للتبرير الدائم والإجابة على الكثير من الأسئلة عن سبب اختياري بأن أكون نباتياً، يقول كنان ويضيف: "ليس الجميع يتفهم معنى أن تكون نباتياً، بالنسبة لأصدقائي، القليل منهم من يحترم ويتفهم أهمية أن لا يختلط طعامي مثلاً بأي أدوات استخدمت لطهو اللحم. الكثير منهم يعتقد أني أبالغ بالموضوع لرفضي ذلك. وفي الولائم الكبيرة، خاصة في إطار العمل، يكون من الصعب أحياناً أن أرفض المشاركة في الطعام، وهو ما يعد في الثقافة العربية عيب ولكني لا أستطيع أن أجامل."

كنان يستعد للاستمتاع بصحن تبولة -تصوير: رنا عفيفي

كنان لا يتأثر بكل هذا الضغط، بالنهاية الموضوع مبدأ كما أنه لا ينفي أنه يشعر بقيمة هذا القرار على صحته أيضاً: "أفضل ما في كوني نباتي، هو أني حافظت على علاقتي الخاصة مع الحيوانات، وكذلك الفوائد الصحية التي بدت أوضح لي مع تقدمي بالعمر." ولكن هذا لا يعني أنه يفرض آرائه على الآخرين ويقول مازحاً: "لا أمانع أن تأكل شريكتي اللحوم، ولكن عليها أن تنظف أسنانها قبل أي شيء آخر."

أنا أؤمن بأني عندما آكل أي كائن حي تعذب وعانى في طريقة موته، فإن جزء من هذه الروح المعذبة ستنتقل لي. وأنا كوني نباتية أشعر بالارتياح بالتخلص من هذا الشعور

سارة تعلم صعوبة أن يكون شريكك غير نباتي: "الصعوبة الوحيدة في ذلك تأتي من عدم قدرتي على مشاركة زوجي إستمتاعه في بعض الوجبات اللاحمة،" تقول. ليس زوجها "المشكلة" فقط، عائلة سارة لا تزال لا تتقبل دائماً كونها نباتية وحاولت كثيراً إقناعها بالعدول عن ذلك لقناعتهم بمدى فائدة اللحم للصحة. "يحاول البعض حتى الآن إقناعي بتناول ولو قطعة صغيرة من اللحمة يقولون "هذه لحمة مفرومة صغيرة جداً، لا بأس من تجربتها." من الصعب إقناعهم أن الأمر ليس بالكمية، وإنما بالمبدأ،" تقول سارة وتعترف الى أن كثير من العائلات في المدينة الصغيرة حيث نشأت في سوريا كانوا يعتقدون أنها لا بد أن تكون مريضة بالسرطان، لذلك تمتنع عن أكل اللحوم. "لم يقتنعوا بتاتاً بهذا الخيار الشخصي ولم يفهموه،" تقول. سارة تشير الى أن علاقتها مع الطعام بأنها صحية جداً، فهي تبدأ يومها من الساعة الخامسة صباحاً ولا تشعر بالتعب خلال اليوم، وهو ما ترجعه إلى نظام غذائها: "أشعر أني بكامل حيويتي ونشاطي دائماً. لدي الكثير من الطاقة، وهو ما أعتقد أن لغذائي دور كبير به." وتضيف ضاحكة: "أنا لست نحيفة على الإطلاق، وهذا دليل على أن هناك الكثير من الخيارات النباتية اللذيذة جداً."

إعلان

سارة تستعد للفطور مع صحن خضار مشوية، حمص وفواكة -تصوير: رنا عفيفي

بالنسبة لبراء، أبرز الصعوبات التي تواجهها بكونها نباتية هي الولائم التي تزينها الأطباق المليئة باللحوم، ويكون من الصعب رفضها: "كثيرا ما أجد نفسي في مواقف، وخاصة في الولائم ومع أشخاص كبار في العمر لا يقتنعون بكوني نباتية ويحاولون بشتى الطرق أن يجعلوني أتناول ولو القليل من اللحمة."

وفي وسط المشاهد الكثيرة المسربة من طرق الإنتاج الحيوانية، والمعاملة السيئة جداً التي تتعرض لها هذه الحيوانات لتحقيق نسب الإنتاج المطلوبة لتحقيق الأرباح. فإن الضمير المرتاح، هو أكثر ما يصفه النباتيون كنقطة إيجابية بكونهم كذلك. وتضيف سارة: "أنا أؤمن بأني عندما آكل أي كائن حي تعذب وعانى في طريقة موته، فإن جزء من هذه الروح المعذبة ستنتقل لي. وأنا كوني نباتية أشعر بالارتياح بالتخلص من هذا الشعور."

براء وصحن سلطة وبطاطا مقلية -تصوير: رنا عفيفي

في الوقت الحاضر، ومع وجود الكثير من الخيارات والتقدم الذي أصبح بإمكانه توفير الكثير من النباتات في مواسم مختلفة، أصبح الأمر أكثر سهولة بالنسبة للنباتيين كما تقول براء: "أشعر كأني كنت أكتفي بنوع رقص واحد، وتعلمت الآن طرق مختلفة للرقص يمكنني أن أخلط بينها. فأنا أجرب أنواع من الخضار أو الفواكه أو الحبوب التي لم تكن موجودة بعالمي من قبل. الطبيعة معطاءة جداً، هذه المكونات المختلفة والمتنوعة بالأشكال والألوان والعناصر الغذائية، تعطيني حرية مطلقة بالتعامل مع الوصفات أو الأطباق المختلفة، وهو ما يجعلني أشعر بالطاقة بشكل دائم."

قصة بلال (34 عاماً) مدير تطوير أعمال، مع النباتية بدأت بالرغبة بتجربة شيء جديد. مع مجموعة من أصدقائه بدء بلال باتباع نظام غذائي نباتي لمدة أربعين يوماً، ثم استمروا جميعا في اتباع هذا النظام ولا يعتقد أنه سيتراجع عنه، وهو حالياً لا يأكل أي منتج حيواني منذ 8 شهور. "بدأت باتباع النظام النباتي من منطلق إيجاد نظام غذاء صحي، ولطالما كانت المواضيع البيئية والعنف الذي تتعرض له الحيوانات في مزارع الإنتاج الحيواني من المواضيع التي أثارت تعاطفي، لذلك وجدت في أسلوب الحياة هذه راحة على عدة أصعدة."

إعلان

بلال وجد صعوبة بتقبل الآخرين لخياره هذا، فهناك الكثير من الأفكار المغلوطة المرتبطة بالرجولة عموماً، سواء ممتدة من الثقافات المختلفة أو حتى لبعض الصور التي يروج لها في عالم الإعلانات. وفي المجتمعات الشرقية توجد هذه المفاهيم بقوة، يقول بلال، إنه يشعر أحيانا بصعوبة تقبل البعض لكونه نباتياً. ويفسر هو الموضوع من منظور تاريخي، حيث يعتقد أن الرجل الأول وفي العصور القديمة، ارتبطت مهامه بممارسة الصيد لتوفير الغذاء لعائلته. وهو الأمر الذي لا زال يلعب دورا في ربط "الذكورية" باستهلاك اللحوم وممارسة الشواء كطقس يغذي هذا الشعور.

بلال يضيف الزيت لأكلته المفضلة سلطة كسكس -تصوير: رنا عفيفي

يقول بلال: "من المهم أن لا تُشعر الآخرين بأنك تفرض رأيك عليهم، فأنا دائما أوضح، أن كوني نباتياً هو خياري الشخصي. وإذا رغب أحدهم بمعرفة المزيد عن الموضوع من الممكن أن أحدثه عن تجربتي وأن أناقش معه الموضوع من وجهة نظر علمية. كان لعائلتي طبعا بعض التحفظات، الفكرة غير مألوفة في مجتمعاتنا. ولكن عندما جاءت والدتي لزيارتي، نجحت بإقناعها باتباع نظام نباتي لعدد من الأيام، واستجابت لذلك وأحبته، وشعرت بأنها أكثر نشاطاً وأصغر سناً، حتى أنها أوقفت دواء الكوليسترول الذي كانت تتناوله. بالنسبة لي التجربة هي أقصر الطرق للإقناع."

من المؤكد أن أجدادنا لم يأكلوا الكميات التي نأكلها اليوم من اللحوم

على عكس ما هو معروف في ما يتعلق بالطعام العربي وربطه باللحوم، إلا أن المطبخ العربي غني جداً بالأطباق النباتية، وحتى الأطباق المعروفة بأنها غير نباتية تم إضافة اللحوم عليها لاحقاً، كما يقول بلال: "بالتأكيد لم يأكل أجدادنا الكميات التي نأكلها اليوم من اللحوم، بل كان استهلاك اللحم المفرط مرتبط بالغنى الفاحش، وعندما أصبح متاحاً للجميع تم إدخاله إلى الكثير من الأطباق،" كما يقول.

حميد يوافق بلال في هذا الموضوع، فيقول:"هناك أطباق غنية جداً في المطبخ العربي وبتغيير مكون واحد، يصبح لديك خيارات جديدة. لدينا الآن قوة وعلم والكثير لتغيير بيئتنا وعالمنا للأفضل، أعتقد أن من واجب البشر حماية الحيوانات. وفي المستقبل لا أرى مكانا لهذه الصناعات الحيوانية بكل قسوتها. وأعتقد أنه لدينا الكثير من الأفكار الغذائية الرائجة والتي قد تكون مغلوطة إذا أجريت عليها الدراسات اللازمة، كالحليب وفوائده مثلا."

يشار الى أن شخصيات معروفة عالمياً مثل بيل غيتس و ليوناردو ديكابريو، معروف عنهم دعمهم للقضايا البيئية، أعلنوا الإستثمار في تقنيات لإنتاج اللحوم عن طريق المختبرات. ويعتقد حميد أن هذا ما ينتظر محبي اللحوم مستقبلاً، أن يتمكنوا من أكل اللحم ولكن بدون أن يخضع أي حيوان للمعاناة. ويختم حميد بالقول: "البشر اليوم هم أذكى من أي وقت مضى وأكثر قدرة على إيجاد الحلول ورفض الاستغلال السيء للحيوانات."

@RanaAfifi