تستغرق رحلة محمد سعيد من حلوان إلى المعادي، قرابة الساعة تقريبًا في المواصلات العامة، روتين يومي فرضه عليه "باب رزقه" إذ يعمل جزارًا في واحدة من البقالات الكبيرة في المعادي، في مصر، فالبقالات والصيدليات هي من القطاعات المستفيدة من "كورونا" ولهذا استثنيت من الإغلاق. أسأله وهو يعد لي قطعتي "هامبرغر" عن كيف أثر الإغلاق بسبب تفشي فيروس كورونا على عمله، فيجيب من وراء الكمامة الطبية أنه أصبح أكثر انتباهًا، خاصة في المواصلات العامة التي يكون فيها الشخص الوحيد الملتزم بارتداء الكمامة والقفازات. ثم يضيف وهو يزن قطعتي الهامبرغر: "أنا لي بتنين، وانا معيلهم الوحيد، لازم اخد بالي من نفسي عشانهم، وهمه كمان ملتزمين مع أمهم في البيت، عشان ما يلقطوش عدوى كدا ولا كدا يا سمح الله، حتى لما أروح البيت، ما بقربش على حد إلا لما اشيل الجوانتي والكمامة واغسل ايدي بالصابون كويس."
محمد سعيد، كغيره من أبناء الطبقة محدودة الدخل، في العاصمة المصرية القاهرة، التي وجدوا أنفسهم أمام معادلة جديدة بعد انتشار فيروس كورونا، تستوجب عليهم ليس فقط العناية بالتعقيم حرصًا على حياتهم، بل لأن ذلك يعد من ضمن "ديكور" المكان الذي يجب عليه أن يبث الطمأنينة للزبائن، صحيح أن الكمامات والقفازات يوفرها رب العمل إلى عمّاله، لكن تكلفة المواد المطهرة والمعقمة، له وأسرته احتلت مكان المواد الأساسية، كما يخبرني، "الكماليات مثل المعقمات أصبحت ضرورة في عصر كورونا."
تسبب انتشار فيروس كورونا في العالم العربي بإغلاق العديد من المدارس والجامعات والشركات والمطاعم والكافيهات، وألزمت الناس منازلهم. في ظل هذا الوضع، وجد قطاع واسع من العاملين في العالم العربي، أنفسهم دون استعداد ودون تقصير منهم، في خانة العاطلين عن العمل، أو مجبرين على العمل في ظل ظروف صعبة.في مصر، تم فرض حظر التجوال في الكثير من المدن ضمن الإجراءات الاحترازية ضد فيروس كورونا، مما يعني أن العمال اليوميين خسروا مصدر رزقهم. وفي حين أعلنت الحكومة أبرزها قرار صرف منحة قدرها 500 جنيه (33 دولارًا) للعمالة غير المنتظمة، لكن تطبيق ذلك على الأرض يحتاج وقتاً، فعلى هؤلاء العمال تسجيل أنفسهم، ومن ثم على الحكومة التأكد من من استحقاقهم لهذا الدعم. وقد تم تسجيل 36 حالة وفاة في مصر، فيما أصيب 576 شخص، من ضمنهم 121 حالة تم شفاؤها وخرجت من مستشفى العزل.نور الإندونيسية التي تعيش في مصر وتعمل في خدمة تنظيف المنازل، تخبرني بلغة عربية مكسًرة، عن حالة التنمّر التي تتعرض لها بسبب ملامحها الآسيوية. "ما أن أدخل لأشتري حاجياتي من محل البقالة، حتى أرى الرعب في عيون الزبائن الآخرين، وكأنني الفيروس نفسه، أقول لهم "أنتم خائفون وأنا كذلك. أنا أعيش هنا منذ سنوات وزوجي مصري، وطفلتاي كذلك." لكن التنمّر ليس مشكلة نور الوحيدة، فالعمل في خدمة المنازل أصبح مستحيلًا في ظل حالة الرهاب التي تعيشها الطبقة التي تستعين بها. حال نور تعيشه طبقة واسعة من مصر، تعمل على مبدأ المياومة، بمعنى عدم حصولها على راتب ثابت بشكل شهري. ما يزيد من صعوبة حياة نور، أنها الزوجة الثانية لزوج، لا يعمل بصورة منتظمة لأنه يعتمد في حياته، فهو ليس له مهنة أساسية يقتات منها، وبصورة أخرى هو يعتمد على نور في مصدر دخله. نور، كمثيلتها من الخادمات في المنازل ليس لديهن نقابة تمثلهن أو تنظم عملهنّ، فكثير منهم قادمات من دول أفريقية أو آسيوية وخالفن شروط الإقامة، ولذلك فهن يبتعلن الكثير ليبقين على مصدر رزقهن."ما أن أدخل لأشتري حاجياتي من محل البقالة، حتى أرى الرعب في عيون الزبائن الآخرين، وكأنني الفيروس نفسه،" تقول نور الإندونيسية التي تعيش في مصر وتعمل في خدمة تنظيف المنازل
إعلان
الأمور لا تختلف في الأردن، بالنسبة للعمال اليوميين، حيث تم فرض حظر تجوال مع عقوبات على مخالفي الحظر لمواجهة تفشي فيروس كورونا، حيث سجل الأردن أكثر من 240 إصابة بفيروس كورونا، بينها حالة شفاء واحدة. في مطلع شهر مايو، تكمل اسراء يوسف التي تعمل كسائقة أوبر، عامها الـ35، ولكن الاحتفال بعيد ميلادها ليس على قائمة أولوياتها، فقد وجدت نفسها -منذ سنوات - معيلة لأمها ولشقيقها: "أوبر هو من أفضل ما حدث لي في حياتي، بدأت العمل كسائقة منذ ما يقارب من الثلاث سنوات. العمل كسائقة تاكسي أوبر اعتبره كـ بيزنيس خاص، هو عمل حرّ وفر لي مدخولاً جيداً، ربما لا يكون الربح مساويًا في كل الأيام، لكن يوم بشيل يوم والحمدلله."ولكن إسراء اضطرت للتوقف عن العمل، استجابة لقرارت الحكومة الأردنية أخيرًا في محاولة احتواء انتشار الفيروس، وهي تجد نفسها في مواجهة أيام لا تستطيع التخطيط لها في المستقبل: "كنت أستعد لدفع قسط سيارتي التي أعمل عليها في طاقم أوبر، ولكن تم تأجيل دفع الأقساط، حالياً، أستعين بالمال الذي ادخرته للحصول على بعض الدخل فترة جلوسي في المنزل." وتضيف: "لقد صدق المثل الشعبي القائل ضب قرشك الأبيض ليومك الأسود، فالشخص يعتقد أنه يمكنه التخطيط لكثير من الأشياء، لكن دائمًا هناك مفاجأة غير مخطط لها، مثل هذا الفيروس، تخرب كل شيء."ولكن على الجانب الإيجابي، تقول إسراء أنها منذ عملها كسائقة في طاقم "أوبر" لم تمض مع هذا الوقت مع عائلتها. وعن سؤالها إن كانت ستخصص مزيدًا من الوقت لعائلتها بعد انتهاء هذه الأزمة، تجيب :"يا ريت، على العكس، عليّ أن أضاعف ساعات العمل حتى أقلل من خسائر المدة التي جلستها في المنزل."كنت أستعد لدفع قسط سيارتي التي أعمل عليها في طاقم أوبر، ولكن تم تأجيل دفع الأقساط، حالياً، أستعين بالمال الذي ادخرته للحصول على بعض الدخل فترة جلوسي في المنزل
"أنا كتير تأثرت بالإغلاق بسبب فيروس كورونا،" تقول أمل، 38 عامًا، التي تعمل في صالون تجميل في العاصمة الأردنية عّمان: "يدي هما رأسمالي، أنا مختصة في تجميل وتلوين أظافر السيدات والفتيات، وقد اكتسبت سمعة جيدة وأصبح لدي زبائن كثر، لكن تغير ذلك منذ إنتشار الفيروس، وإعلان حظر التجوال." توضح أمل أنها تعمل براتب ثابت وعالي ولكن "الفيروس فرك أذنها منيح" وتضيف: "بسبب مدخولي الجيد كنت أصرف بلا حساب، لأجد نفسي في مواجهة واقع جديد يتطلب أن يكون لديك مدخرات، وهو أمر لم أقم به في حياتي، لطالما آمنت بمقولة أصرف ما بالجيب يأتيك مافي الغيب، وجاء الغيب محملًا بكورونا." وتكمل: "عندما تعود الحياة طبيعية سأعمل بكل طاقتي، سأعمل بجد وسأدخر مالًا يكفيني شر ما تخفيه الأيام."من فلسطين، أتحدث مع ضرار، 23 عامًا، واحد من 133 ألف عامل دفعتهم الظروف الصعبة وقلة فرص العمل في الضفة الغربية المحتلة؛ للعمل داخل إسرائيل. ضرار، الذي يعمل في مصنع ألبان، هو واحد من العمال الذين قررت إسرائيل التخلي عنهم. فقد تقرر السماح فقط للعمال في قطاعات أساسية محددة، بما فيها الزراعة والبناء وبعض القطاعات الأخرى بالاستمرار في العمل والمبيت داخل إسرائيل، التي ارتفعت فيها حالات الإصابة إلى أكثر من 6,000. "كل السيناريوهات سيئة، الجلوس في المنزل بدون أي دخل مشكلة كبيرة، فأنا ووالدي نعيل أسرتي وأسرة أخي الذي في السجون الإسرائيلية. الآن نحن الاإثنان في المنزل. العمل في إسرائيل حالياً صعب، من جهة ساعات العمل الطويلة والعنصرية بالتعامل معنا،" يقول وضرار ويذكر ضرار ما حدث مع شاب فلسطيني قام جنود الاحتلال بإلقائه وهو مريض عند حاجز بعد شكوك في إصابته بالفيروس: "كانت لدي خطة بالعودة للدراسة هذا العام، فقد جمعت بعض المال من راتبي الشهري، ولكن السنة من أولها زبالة. ومش ظاهر أي شي منيح رح يصير بالشهور القادمة، كل اللي حوشته رح أصرفه. الله يعينا على هالفترة."لطالما آمنت بمقولة أصرف ما بالجيب يأتيك مافي الغيب، وجاء الغيب محملًا بكورونا