صحة نفسية

كيف يمكن لنا تقديم المساعدة للناجيات من الاعتداءات الجنسية؟

القضية الأساسية والأخلاقية عند حوادث الاعتداء والاغتصاب هي الجريمة نفسها، وليس لماذا قام بارتكابها. البحث عن "لماذا" هي مهمة المحققين وليس العامة
1598355603632-becca-tapert-8wjl7l5tik-unsplash

منذ بداية هذا العام، ونحن نسمع عن قضية جديدة تتعلق بالاغتصاب والتحرش الجنسي، وكل يوم نسمع عن ضحايا جدد. منذ قرابة الشهرين أُثيرت قضية اغتصاب طالب جامعي يدعى أحمد بسام زكي، بتهمة لاغتصابه حوالي 100 فتاة، ومنذ أيام قليلة، ظهرت فتاة سعودية تتحدث عن اغتصاب شقيقها لها لمدة ست سنوات. وبعد فترة ظهرت جريمة اغتصاب أخرى، اشتهرت إعلاميًا "بجريمة الفيرمونت" تتحدث عن اغتصاب مجموعة من الشباب لفتاة بعد تخديرها في هذا الفندق الشهير بالقاهرة. ومؤخراً، نشرت مدونة دفتر حكايات، شهادات لصحفيات تعرضن للإغتصاب والتحرش الجنسي من قبل صحفي استقصائي شهير مستغلًا وضعه المهني.

إعلان

منذ ظهور حالات الاغتصاب والتحرش تكررت هذه الأسئلة على لسان كثيرين "لماذا يقوم المعتدي أو المغتصب بذلك؟ لماذا يختار العنف على الرضى؟" وكيف يمكننا تقديم المساعدة للناجيات؟ وجدت الكثير من الإجابات المهمة خلال حديثي مع ياسمين مدكور، المعالجة النفسية المتخصصة في علاج الصدمات والأزمات النفسية، والمدربة بأمور العنف القائم على النوع الاجتماعي.

Vice عربية: مرحبًا ياسمين، بداية، هل يمكن توضيح الفرق بين التحرش الجنسي والاغتصاب؟
ياسمين مدكور: التحرش هو الاعتداء على المساحة الشخصية لشخص آخر بما يسبب له ضرر مادي أو معنوي، وإن كان هذا التعدي ذو طابع جنسي يصبح تحرش جنسي. وبحسب قانون العقوبات المصري يتضمن ذلك الألفاظ والإيحاءات الجنسية. الاغتصاب: هو ممارسة الجنس بدون موافقة الطرف الآخر موافقة حرة، والموافقة الحرة هنا لها شروط عدة أهمها:

-أن يتمتع الشخص بالأهلية فإن كان/ت دون الـ 18 عامًا ومارس/ت الجنس مع بالغ فهو اغتصاب.
-يجب أن تكون الموافقة حرة وليست تحت أي شكل من أشكال الضغط سواء بالترغيب أو الترهيب.
-أن يكون الطرف في حالة تسمح له بالموافقة، فلا يكون غائبًا عن الوعي لأي سبب أو نائمّا على سبيل المثال.
-الموافقة على ممارسة الجنس مرة لا يعني الموافقة عليها في كل مرة، والموافقة على ممارسة بعينها لا تعني الموافقة على جميع الممارسات. والموافقة ليست نهائية ولا مستمرة، فإن رفض طرف واستمر الآخر في ممارسة الجنس، يعد اغتصابًا.

أعلم أن السؤال إشكالي، ولكن لماذا قد يقوم شخص ما باغتصاب شخص آخر؟ سواء كان الضحية رجل، إمرأة أو طفل؟
الاغتصاب ليس فعل جنسي بل فعل عنيف وسلطوي يقوم به المغتصب ليفرض سيطرته على ضحيته بشكل جذري عن طريق انتهاكها جنسيًا. لماذا يقوم بذلك؟ لن نعرف بشكل دقيق. فكل مغتصب لديه أسبابه ودوافعه وتعقيداته النفسية، ولن نعرف ذلك إلا إذا قام أحد متخصصي علم النفس الجنائي بعقد جلسات مكثفة معه لمعرفة ماذا يدور بذهن كل مغتصب بعينه. والحقيقة أنني لا أرى أن من المهم تشخيص المغتصبين، لأن "محاولة إيجاد السبب" يضفي على المغتصب سمة ليست حقيقية، وهي أنهم لم يكونوا في كامل أهليتهم وقت ارتكاب الجريمة، وهو أمر غير صحيح بالمرة، فهم مسؤولون وواعين تمامًا عن أفعالهم وجرائمهم تجاه ضحاياهم/الناجين منهم. كما إن سؤال "لماذا، وكأن هناك سبب نفسي أو مرضي" يساهم بشكل غير مباشر في الوصمة على المرض النفسي وأصحاب الاضطرابات النفسية، ويساهم في تأصيل تنميطهم على أنهم مجرمين محتملين.

إعلان

القضية الأساسية والأخلاقية عند حوادث الاعتداء والاغتصاب هي الجريمة نفسها، وليس لماذا قام بارتكابها. البحث عن "لماذا" هي مهمة التحقيقات، وفي بلدان العالم الأول تكون مهمة متخصصي علم النفس الجنائي، وليس نحن. لا أرى أن وضع المجرمين في صورة المرضى النفسيين أو أصحاب الدوافع النفسية غير المفسرة يفيدنا بأي شكل، بالعكس هو بشكل كبير يجعلنا نركز عليهم لا على أفعالهم وتوابعها على ضحاياهم والناجين منهم. حتى في حال تم التأكد من أن المغتصب يعاني من مرض نفسي، فإن ذلك لا يقلل أو يغير من حقيقة أنه قام بفعل إجرامي تجاه شخص آخر، وأول خطوات تعافي المغتصبين في برامج تأهيل المغتصبين في بعض الدول، هي أن يعترفوا بأخطائهم و يدفعوا ثمنها من خلال السجن أو العمل المجتمعي المراقب والمحدد من قبل الجهات القضائية.

لقد أشرت لنقطة غاية في الأهمية، ولكن هل يمكننا أن نحتاط من وجود صفات معينة في من نتعامل معهم، قد تدل على أنهم مغتصبين محتملين؟
ليس من السهل أن نُعرف المغتصب أو نحدد له صفات معينة، لكن المغتصبين المتسلسلين لهم صفات معينة تساعدهم على الاستمرار في ممارسة جرائمهم ، ففي كثير من الأحيان يكونون منمقين، ومن السهل تصديقهم، لهم صورة جذابة في المجتمع تجعل من الصعب تصديق أنه قد يفعل ذلك، مثل أن يكون شخص مشهور، أو معروف، أو ذو منصب ونفوذ. وغالبًا ما يكون المعتدي أو المغتصب ماهر في خداع ضحاياه أو جعلهم يثقون به. بشكل عام، لن نعرف إذا كان الشخص الذي نتعامل معه آمن أم غير آمن بالنسبة لنا، لأنه قد يكون مصدر آمن في وقت ما ومصدر غير آمن في وقت آخر، أو آمن لدى مجموعة من الناس والعكس مع مجموعة أخرى، لهذا لا يمكننا أن نتنبأ بشيء معين يكون قاعدة، ولكن يمكننا أن نقلل من احتمالية الخطر ببعض الأشياء:

إعلان

التحكم في الحدود: بالتأكيد لا يمكننا أن أتحكم في تصرفات الآخرين ومعاملتهم لنا أو إن كانوا سيمارسوا عنفًا ضدنا أو لا، ولكن من الممكن أن نمارس حدودنا ونتبع حدسنا تبعًا لها. فمن عادة المعتدين الجنسيين أن يتعدوا حدودهم مع الآخرين ولو حتى بشكل لطيف، لكسب ثقة ضحيته، ومن هنا يمكنه أن يجبر ضحاياه على فعل ما قد لا يرتاحون لفعله، فقد يشعر البعض بعدم الارتياح لكنهم لا يصدقون هذا الشعور نظرًا لأن الظاهر من الشخص يستدعي الثقة منطقيًا. لكن بالتأكيد هناك أشياء قد تكون إنذار بالخطر بعض الشيء، مثل أن يقوم أحدهم بتبرير التحرش أو الاغتصاب، أو أن يضغط عليك للإفصاح عن شيء لا تريد/ين الإفصاح عنه، أو أن يسمي العلاقة بينكما بما لا توافق/ي عليه، أو يسألك عن تفاصيل جنسية، أو أن يناديكِ باسم دلع أو لفظ جنسي، مع أن العلاقة بينكما لا تحتمل ذلك. وفي الكثير من الأحيان نظرًا لرصيد المعتدي النفسي لدى الضحية قد تظن أن مثل هذه الأفعال حدثت بالخطأ، أو أنه لم يكن يقصد ذلك. وهو شكل من أشكال الإنكار الطبيعي الذي يحدث لبعض الناجيات، بحثًا عن الأمان، خاصة إن كانت تثق في هذا الشخص.

الاعتماد على الحدس: الحقيقة أننا كبشر تتمتع أجسادنا وأجهزتنا العصبية بالكثير من الذكاء إذا ما تركنا لها المساحة واستمعنا لها. يَعمد الكثير من المغتصبين على إرباك ضحاياهم وجعلهم يتشككون بأنفسهم. ولكن بشكل عام، أنا أشجع الاعتماد على الحدس، فمثلاً إن شعرت بعدم الراحة تجاه شخص ما، صدق/ي حدسك. المعتدي الجنسي عادة ما يتحامى وراء شيء ما يستطيع من خلاله كسب ثقة الضحية وبالتالي إرباكها، ولكن أجهزتنا العصبية قادرة على التقاط تفاصيل كثيرة قد لا ندركها بتحليلنا المنطقي، لكن الحدس يلتقطها. طبعًا هذا ليس دليلًا بالضرورة على أن شخصًا ما معتدٍ جنسيًا، لكنه دليل على أنك لا تشعرين بالأمان مع هذا الشخص، وإن شعرت بذلك، لا تكذبي حدسك، فإن كان غير دقيقًا لن يضرك أن تأخذي حذرك، وإن كان صحيحًا أخذت حذرك.

إعلان

يبدو أن هناك خطوات متشابهة يقوم فيها المعتدي لكسب ثقة واستغلال الضحية؟
نعم، من الأمور المهم معرفتها عن المغتصب أنه في الغالب ما يقوم بخطوات للاستغلال الجنسي للضحية، والاستغلال الجنسي عادة ما يقوم به شخص تعرفه الضحية/الناجية/المتعافية.

الخطوة الأولى التي يقوم فيها المجرم هو الاستهداف: يختار المغتصب ضحيته بعناية، وعادة ما يستهدف الضحية التي يمكن له أن يشعر معها أنه ذو سلطة أو نفوذ أعلى، سواء كان من خلال منصبه، أو من خلال احتياجها له، أو من خلال ظروفها. الخطوة الثانية هي كسب الثقة: بعد أن يختار المغتصب ضحيته جيدًا، يقوم بالعمل على كسب ثقتها، ويعطيها ما يشبع احتياجها أو يحاول أن يعرف أسرارها، ويعمل على تقليل الحدود أكثر بينه وبين الضحية، مثل أن يعامل الضحية معاملة خاصة غير الآخرين، أو يفصح لها عن سر شخصي أو عن مشاعره أو مشاكله، أو يعرض مساعدته بسخاء، فيكون من السهل على الضحية أن تظن أن هذا الشخص بالفعل محل ثقة.

الخطوة الثالثة هي تحضير الضحية لاستقبال العنف: وهنا يقوم المغتصب بكسر المزيد من الحدود لتطوير العلاقة بينهم، من خلال الإدعاء أنه يهتم بمساعدتها أو أن يطلب هو مساعدتها بشكل خاص. قد يتضمن ذلك أيضًا إلقاء النكات الجنسية أو التعبيرات الإباحية أو الإطراء القابل للفهم على أكثر من نحو، فإن فهمت الضحية أن ذلك تحرشًا جنسيًا وقامت برفضه، تراجع عنه، وإن قامت بالصمت أو ارتبكت، ظن المغتصب (حسب تفكيره المنحرف) أن ذلك ذريعة لاغتصابها، فقد يعتبر اغتصابها شكل من أشكال العقاب لها أو شكل من أشكال التجاوب مع صمتها. وليستطيع المغتصب العيش مع أفعاله تكون لديه مبررات كثيرة كأن يظن أن باغتصابه يربي هذه المرأة أو يعلمها شيئًا ما نظرًا لأنها رفضته أو لأنها لا تتبع المنظومة القيمية التي يراها مثالية. والكثير والكثير من الأفكار والمبررات التي قد لا تخطر على بالنا ونندهش لمعرفتها.

إعلان

لا شك أن التعافي من الاعتداء الجنسي والصدمة التي تتبعه تأخذ وقتاً. ولكن كيف يمكن للناجيين أو المتعافيين التعامل مع آثار هذه الجريمة عليهم.
بعد الاغتصاب غالبًا ما يكون هناك آثار نفسية لما حدث مثل وجود قلق أو توتر أو اكتئاب،  ولتقليل نسبة الشعور بالعار ومحاولة التعافي، أنصح الناجية بالتالي:

-يجب قطع العلاقة تمامًا بالمعتدي، ولا تحاول التواصل معه للبحث عن تفسير ما حدث، لأنه أبدًا لن يكون هناك تفسير أو تبرير لما حدث مهما حاولت، وإن كان لديه أي تفسير سيكون محملًا باللوم والتنكيل بضحيته.

-البحث عن دائرة الثقة والدعم الحقيقي ومنها العلاج النفسي، لاسيما لو كانت دوائر لا تمارس أحكامها ولومها على الضحايا والناجيات من مثل تلك الاعتداءات. وعلى المتعافيات أن تضع نفسها وتعافيها في المقام الأول قبل أي شيء آخر، وتؤمن بأن التعافي ممكنًا لكنه يحتاج للوقت، فتصبر على نفسها ولا تستعجل.

-لا تلم/تلومي نفسك. ما حدث هو من فعل المغتصب وهو المسؤول عنه. لا شيء ولا أحد في العالم يستحق أن يكون جزاؤه أن يتم اغتصابه.

كيف يمكن لنا تقديم المساعدة للناجيات؟
تبليغ الشرطة ليس بالأمر السهل أبدًا، والطاقة المتبقية لدى الناجية هي من تحدد أولوياتها، هل ستغلق الباب وتحاول التعافي والخروج من الأزمة أم ستأخذ إجراءات قانونية ضد المغتصب؟ كل هذا في يد الناجية ولا يجب مناقشتها فيه بأي حال من الأحوال. لكن لدي بعض النصائح الهامة إذا أردت حقًا تقديم المساعدة:

-أولاً، تصديق الناجية/الناجي بشكل عام، فأنت لست جهة تحقيق، ولا يجب عليك أن تسأل أسئلة تحقيقية. اترك لها/له المساحة للحديث والمشاركة إن رغبت دون ضغط للتصريح عن تفاصيل. يتضمن ذلك عدم طلب أي مبررات أو السؤال عن أي أسباب. الاستماع بإنصات والتعبير عن الأسف والدعم يكون كاف في هذه اللحظات.

إعلان

-عدم إجبار الضحية بأي شكل على اتخاذ أي مسلك من المسالك سواء قررت أن تتخذ إجراءات قانونية أو لا. فالقرار أولًا وأخيرًا في يد الناجية وحدها. يمكن مساعدتها في استشارة أهل التخصص أو في معرفة تفاصيل الإجراءات.

-لا تتوقع من الناجية أن تأخذ أي رد فعل بالضرورة تجاه ما حدث، الإصابات النفسية شديدة الوعورة مثل الاعتداءات الجنسية تحتاج لوقت للناجيات كي تستوعب ما حدث لها، خاصة بعد أن تكون بمأمن عن مصدر الأذى والاعتداء.

-لا تحاول أن تغير من مزاجها. فالناجيات/ين بعد الاعتداءات الجنسية قد يمروا بمزيج وطيف كبير من المشاعر كالحزن والغضب والإنكار والعار، والشعور بعدم الأحقية، والشعور بعدم الأهلية، كما قد يتخلل ذلك الاكتئاب والقلق والكوابيس والعصبية. قد تحاول التخفيف عنها، لكن لا تتوقع أنها ستغير مزاجها بين يوم وليلة. بعض من المقربين من الضحايا والناجيات سيحاولن بشكل ما أن يضغطوا على الناجية لتخطي الأمر لمساعدتهم هم أنفسهم على تخطيه. وهو أمر شديد الخطورة، فهو يرسل رسائل للناجية بأنها تمثل عبئًا عليهم. لذلك فمن الأفضل دومًا اللجوء لمعالج/ة نفسي، لاسيما لو كان متخصصًا في مجال الإصابات والصدمات النفسية.

-العناية الذاتية. العناية الذاتية. العناية الذاتية. إن كنت تود الاستمرار في تقديم المساعدة والعناية بشخص قريب تعرض لاعتداء جنسي، فاعتني بنفسك أولًا. وهي نقطة يغفل عنها غالبية الناس.

-وبالتأكيد عليك ألا تكون حلقة وصل بينها وبين المغتصب بأي شكل من الأشكال، سواء . قد تكون هذه نقطة بديهية، لكن للأسف يحدث كثيرًا أن يكون أحد الداعمين للضحية/الناجية ولو بحسن نية من المتصلين بالمغتصب.

-علينا ألا نجبر الناجية على أن تكون محاربة أو بطلة، ما حصل معها هو أمر كبير جداً وسيغير حياتها، والطاقة النفسية للناجين تختلف من شخص لآخر، ولهذا الأولوية في أن تقرر ماذا تريد فعله وما هو الأفضل لها تحدده الناجيات أنفسهن.