سينما

سألت المشاركين بمهرجان البحر الأحمر عن انطباعاتهم حول أول مهرجان سينمائي دولي في السعودية

"نحن اليوم نضع فاصلة بتاريخ السينما السعودية"
عاليمين عبدالرحمن - عمر العميرات

يمين- عبد الله الضامن وعمر العميرات. تصوير: ندى حجوز.

في جدة، عروس البحر الأحمر، ليلة الخامس من ديسمبر، اجتمع النجوم من أنحاء العالم للمشاركة في أول مهرجان سينمائي دولي في السعودية. كنت هناك ورأيت الفرح بأعين السعوديين والدهشة بأعين الزوار من خارج البلاد وقابلت صنّاع الأفلام من شتى الدول وشاهدت الكثير من الأفلام الرائعة فاقت كل توقعاتي.

"هل هذا فعلاً يحصل بالسعودية؟ هذه أكثر جملة سمعتها، وأنا أجيبهم: نعم سويناها،" يخبرني الكاتب والمخرج عمر العميرات، والذي يشارك بفيلمه "كوفيدا التاسع عشر" (كوفيدا، مشتقة من الاسبانية وتعني عيش الحياة) عن فئة الأفلام السعودية القصيرة، كما فاز بتمويل من سوق البحر الأحمر لفيلمه الجديد "تهويدة" وهو فيلم موسيقي وثائقي يجري العمل عليه.

إعلان

ويضيف العميرات: "سعيد لا تكفي لوصف مشاعري، لقد كانت اللحظة أسطورية، خلال الافتتاح توقفت للحظة وقلت، أوه نحن اليوم نضع فاصلة بتاريخ السينما السعودية، ونعيش تاريخ عظيم سيؤرّخ وسنروي لأحفادنا كيف صنعناه، خلي الناس تشوف مين أحنا وتسمع قصصنا."

درس عمر صناعة الأفلام في 2016، السنة التي بدأت السعودية بعرض أفلامها في الخارج، وهي مرحلة "الهدوء ما قبل العاصفة" كما يصفها:" كنت استعد لتوقيع عقد عمل مهم في ٢٠٢٠ قبل أن يتم الإعلان عن الإغلاق بسبب فيروس كورونا وانحجرت في المنزل مع اثنين من أصدقائي. عشنا فترة غريبة ومجنونة وقررنا تأطّير هذه التجربة في فيلم "كوفيدا التاسع عشر" والذي أنتجناه خلال الحجر، يتحدث الفيلم عن التجارب الاجتماعية والمشاعر التي خلقتها فينا تلك المرحلة، وهو دعوة لتبجيل الحياة وتقديرها وعيشها باستمتاع، واليوم نعرضه كعرض أولي بالمهرجان."

عبد الله الضامن، 18 عاماً، مغني وعازف في فرقة موسيقية، والذي يشارك في فيلم "تهويدة" كعازف ومنتج موسيقي يخبرني أن عودته للسعودية في هذا التوقيت كان أفضل ما حدث معه. ويقول: "نشأت في الولايات المتحدة وعدت إلى السعودية قبل 3 سنوات، وهو ما اعتقدت أنه "أسوأ يوم بحياتي" حينها، لكنني أدركت مؤخراً أنني فعلت الصواب بعودتي. أنا اليوم أحقق أحلامي في بلدي وفخور بذلك."

ويتابع: "قابلت في سوق البحر الأحمر صنّاع أفلام أميركيين، أخبرني أحدهم بأنه شاهد مجموعة أفلام سعودية وأن هذه الأفلام بمستوى عالٍ، على الرغم من عدم وجود بيئة سينمائية وبخبرات محدودة وتحديات مهولة. وأنا اتفق معه." ويضيف: "أكثر شيء لفت نظري هو تعامل الشركات المنافسة في سوق البحر الأحمر. تخيلت أن يكون الجو مشحون بالعداء، ولكننا بكينا من الفرحة عندما فاز فريقنا المنافس، وذهبنا لالتقاط الصور معهم والاحتفال معهم. أشعر بأننا كلنا كسعوديين فريق واحد. الآن أنا متحمس للعمل على فيلم "تهويدة" للمشاركة بالمهرجان بالنسخة القادمة."

إعلان
IMG_7132.jpg.jpg

سارة المغربي.

على السجادة الحمراء قابلت سارة المغربي، مؤثرة على مواقع التواصل وهي موجودة لحضور الحدث الضخم المنطلق من مدينتها إلى العالم، تخبرني: "لقد قلبنا المعادلة، قبل سنتين كنت أسافر لحضور مهرجانات السينما، واليوم كل ما عليّ فعله ارتداء ملابسي والخروج من منزلي والذهاب لحضور الأفلام. إحساسي رهيب، تطورت جدة بشكل سريع ومبهر، لقد استضفنا الفورميلا 1 قبل أسبوع واليوم مهرجان السينما. مشاعري مختلطة فرح وحماس وشعور بالفخر مع عودة السعودية للمشهد السينمائي. اليوم نحن بالصدارة، وتنظيم المكان ولا غلطة."

IMG_7092.jpg.jpg

فيلم "بنات عبد الرحمن" من تأليف وإخراج زيد أبو حمدان، وبطولة صبا مبارك، فرح بسيسو، حنان الحلو، مريم الباشا، وخالد الطريفي.

فيلم "بنات عبد الرحمن" للمخرج زيد أبو حمدان كان نجم المهرجان بلا شك، وقد أبهرني بكل تفاصيله.
يحكي الفيلم قصة أربعة أخوات يعشن حياة مختلفة تماماً يلتقين في بيت والدهنّ لأول مرة بعد سنين طويلة فيكتشفن ضياع والدهنّ، وتبدأ رحلة البحث عنه. الفيلم من وجهة نظري نسوي بامتياز يطرح مواضيع عديدة تحارب السلطة الذكورية. لا أعرف كيف استطاع المخرج والكاتب زيد أبو حمدان، أن يتعمّق بتفاصيل الشخصيات، ولا أعلم الوقت الذي قضيناه ونحن نصفّق لهذه التحفة الفنية، ما أعرفه أن الفيلم كان رائعًا وحصل على تصويتي ليفوز بجائزة الجمهور.

بعد خروجي من الفيلم قابلت رنيم، 23 عامًا، طالبة جامعية وهي متواجدة في المهرجان كمتطوعة وتطمح لدخول عالم الإخراج، تخبرني عن مشاعرها كابنة جدة التي انتظرت تلك اللحظة طويلاً :"هذا حلم وتحقق. تجربة التطوع رائعة وفرصة عظيمة لرؤية المشاهير ومشاهدة جميع الأفلام بما أنني أطمح لدخول المجال. فيلم "بنات عبدالرحمن" مؤثرّ جداً وحرّك مشاعري كونه يناقش قضاياً تخصّنا كنساء، ما توقعت أن الكاتب والمخرج رجل، أدهشتني قدرته على ملامسة الواقع."

إعلان
jpg.jpg

عبد الرحمن الحربي.

عبد الرحمن الحربي، 28 عاماً، كاتب سيناريو، وهو قادم من الرياض لحضور المهرجان ولقاء الكتّاب والمخرجين وحضور ورشات العمل، يخبرني عن تجربته بالمهرجان: "الأفلام متنوعة وقوية. وجود المهرجان مهم جداً للاحتكاك بالصناع والتعرّف على المشاركين من كل الدول وتبادل الأفكار والثقافات وخلق فرص عمل جديدة. حضرت ورشة النقد السينمائي والكتابة الساخرة وحضرت عدد لا نهائي من الأفلام. التنظيم جيد، والمكان مزدحم جداً، وهذا دليل على الإقبال الشديد، لكني توقعت مشاركات أجنبية أكثر. حبيت التركيز ودعم الأفلام المحلية عبر تخصيص فئة سينما سعودية للأفلام القصيرة والطويلة."

قدم المهرجان خلال أيام المواهب الكثير من الورش وحلقات النقاش مختصة بالإنتاج والتمويل ونقد الأفلام. وعرضت فئة السينما السعودية أفلام محلية عرضت سابقاً أو كعرض أول لموهوبين ومبدعين محليين. كما حصل الفيلمان الأردنيان "فتاة الزرقاء" لمخرجه زيد أبو حمدان  و"مصورة المدينة" لداليا بخيت على جائزتين من معمل البحر الأحمر بمنح بقيمة 100.000 دولار أمريكي. بعد إعلان الفائزين، قابلت سليم الحمصي، منتج فيلم "مصورة المدينة" وهو يحتفل مع فريق العمل بالفوز. 

سليم.jpg.jpg

سليم الحمصي.

يخبرني الحمصي، سوري يعيش بالسعودية، عن البدايات التي قادته إلى هنا: "دخلت عالم صناعة الأفلام قبل 15 سنة حيث كانت صناعة السينما منعدمة، جمعنا بعضنا وحاولنا البدء. إيماننا بقدوم هذه اللحظة هو ما دفعنا للاستمرار طوال السنين الماضية. جدة مليئة بالقصص، طول عمرنا بنمشي بشوارع البلد وبنفكر ايش القصص الي رح نحكيها للعالم، واليوم نحتفل بحكاياتنا من نفس المكان. سنة أولى سينما واحنا قدها بالمراحل القادمة."

ويضيف: "لقد جرّبنا كثيراً، تعّلمنا من جميع المدارس السينمائية وخلقنا مدرسة خاصة بنا. كنا جوعانين للسينما وفتحنا كل الأبواب وتعلمنا من الجميع، وأكبر باب فُتح اليوم هو هذا المهرجان الذي سيجعلنا نخوض تجربة جديدة وصناعة أفلام مميزة."

إعلان

تخوف البعض من وجود رقابة صارمة تقيّد حريّة الأفلام أو المشاهد، لكن العميرات يخبرني بأن هذه المخاوف لم تتحقق: "عروض الأفلام كانت كأيّ مهرجان آخر، وشعرت بفخر بوجود مخرجات جريئات قادرات على عرض قصصنا الواقعية كفيلم "بلوغ" لخمس مخرجات سعوديات. الأفلام بالمجمل جريئة، ولكن أعتقد بأنّ المشاهد غير جاهز بعد. الفاصلة بتاريخنا ليست لعرض أفلامنا للناس بالخارج، وجود المهرجان مهم لعرض قصصنا لأنفسنا، علينا خلق التغيير محلياً أولاً وكسر الحواجز التي فرضت علينا على مرّ السنين كي نصل لأنفسنا أولاً ثم للعالم، وهذا دورنا كصناع أفلام."

عفراء.jpg.jpg

عفراء.

قدّم المهرجان كذلك برامج متنوعة كالسينما التفاعلية في حي جميل، وعروض ترفيهية لمنسقيّ DJ من دول مختلفة، كديسكو مصر، فرقة حرقة كرت من الأردن، DJ ASH، DJ Cosmicat. اختيار منطقة البلد في جدة التاريخية (والتي أضافتها اليونسكو إلى قائمة معالمها التراثية العالمية) كانت خطوة رائعة لإقامة المهرجان، لكن موقعها كان عائقاً كبير لحركة السير كونها تقع وسط جدة واختلاط زوار فعاليات المنطقة مع زوار المهرجان خلق ازدحام شديد وفوضى. من وجهة نظري، كان هناك بعض المشاكل بالتنظيم، كما لم يتم الالتزام بمواعيد عرض الأفلام على مدار الأسبوع، مما أدى لتفويت أفلام أخرى، ولم يتم تخصيص وقت كافي لسؤال المخرجين عن أعمالهم المعروضة.

ولكن عفراء، 23 عاماً، أعجبت بفكرة إقامة المهرجان بمنطقة البلد وعن ذلك تقول: "البلد جزء مهم من جدة القديمة، ولم أتخيل أبداً أن يقام المهرجان هنا، لأن المنطقة تاريخية ومساحاتها ضيقة، لكنهم أدهشوني وفعلوها، جدّدّوا المكان ورمموه وقاموا ببناء كل شيء من الصفر. أنا منبهرة بكل تفاصيل المهرجان، كنت انتظر هاللحظة من زمان." 

وفي إطار الجوائز، فاز الممثل آدم علي بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "أوروبا" وهو فيلم من إنتاج عراقي إيطالي كويتي مشترك، وفاز مخرج الفيلم ذاته حيدر رشيد بجائزة أفضل مخرج، وحصل فيلم "تمزُّق" من إخراج حمزة جمجوم على جائزة أفضل فيلم سعودي. والفيلم الفائز بجائزة الجمهور "أنت تشبهني" ليفوز بجائزة قدرها 50 ألف دولار. كما تم تكريم المُخرجة السعودية هيفاء المنصور، التي يعتبر فيلمها "وجدة" أول فيلم سينمائي يصُور بالكامل في مدينة الرياض.

بشكل عام، حقق المهرجان كل أهدافه، الأفلام مدهشة وفاقت توقّعاتنا، وعيون الناس كانت تشعّ فرحاً في مشهد لن تتخطاه الذاكرة. انتهى المهرجان، ولكن هذه هي فقط البداية لصناعة سينما سعودية خالصة.