سياسة

ما هي الآثار المباشرة للحرب الروسية الأوكرانية على العالم العربي

هناك مجموعة من الآثار المركبة على المنطقة: البطالة والفقر والهجرة وانعدام الأمن الغذائي
1644947245440-gettyimages-1238353175

Getty Images

عندما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية تفشت عدة مخاوف عند أكثرية الناس حول الأمن العالمي وإمكانية حصول حرب عالمية ثالثة. بدأت البلدان المجاورة تشاهد تأثيرات اقتصادية وأمنية بفعل الحرب، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتأثر إمدادات القمح والذرة حيث تعتبر أوكرانيا وروسيا مصدّران رئيسيان للمنتجات الزراعية بالنسبة للعديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية العالمية بأكثر من 30% العام الماضي، فيما أدت الأزمة الأوكرانية إلى زيادة الأسعار لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ 1974. 

إعلان

لمعرفة مدى تأثير الازمة الروسية الاوكرانية على حياة الأفراد والعالم العربي طرحنا بعض الأسئلة على مروى داوودي، محللة سياسية وأستاذة جامعية في العلاقات الدولية في كلية إدموند إيه والش للعلاقات الخارجية بجامعة جورجتاون، حيث تشغل كرسي سيف بن غباش للدراسات العربية. عملت سابقًا محاضرة في جامعة أكسفورد والمعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف. داوودي هي أيضاً باحثة في مركز الدراسات والبحوث الدولية وقد كتبت العديد من المقالات حول تقاسم المياه والصراع والمفاوضات في الشرق الأوسط.

VICE عربية: ما هو التأثير المباشر للحرب بين روسيا وأوكرانيا على سكان المنطقة، هل سنشهد نقصًا في المواد الغذائية؟
مروى داوودي
: تأثيرات الحرب محسوسة وخطيرة بالفعل في كافة المجالات والقطاعات، هناك اضطراب في أسعار الشحن الدولية وسلاسل التوريد وانعدام الأمن الغذائي. روسيا وأوكرانيا هما من أكبر موردي القمح بالنسبة لعدة دول عربية من ضمنها السودان ومصر ولبنان واليمن وتونس وغيرها، ونشهد حالياً ارتفاعًا كبيراً في أسعار القمح نتيجة تعطل الإمدادات. التأثير المباشر للحرب هو انقطاع إمدادات القمح، في الوقت الذي يعتبر الخبز المصدر الرئيسي للسعرات الحرارية لغالبية السكان في العالم العربي. بعض المخابز تقول إن سعر الدقيق قفز بنسبة 50٪. لهذا سنرى تأثيرًا مباشرًا على الأمن الغذائي، كما قد تضطر بعض الدول للتوقف عن دعم سعر الخبز أو رفع سعره، وهذا سيؤثر بشكل مباشر على الفئات ذات الدخل المحدود. في مصر مثلاً، وبعد خفض وزن الرغيف المدعوم، تفكر الحكومة الآن في زيادة سعره.

إعلان

الحرب الحالية تسببت أيضاً في ارتفاع سعر النفط، وهذا سيؤثر على القدرة على الوصول إلى التدفئة والتبريد. ستفيد أسعار النفط المرتفعة الدول المصدرة، مثل دول الخليج والجزائر، لكنها ستؤثر على البلدان الفقيرة المعتمدة على الزراعة والبلدان التي عانت من الصراعات أيضًا مثل سوريا واليمن. سيكون السكان أول ضحايا هذه الحرب البعيدة عنهم. في سوريا، تضاعف سعر السلة الغذائية بنسبة 200٪ بعد الحرب لعدة سنوات، والآن مع ارتفاع سعر النفط، فإن هذه الأسعار سترتفع مرة أخرى. معدلات التضخم ارتفعت في كثير من البلدان العربية كذلك، وعندما يرتفع التضخم تتضاعف الأسعار، وهذا يؤثر على قدرة الناس الشرائية ويحد من قدرتهم على الوصول إلى السلع الأساسية. لقد وصلت نسب التضخم في بعض البلدان بالفعل إلى 10٪  وهذه نسبة مرتفعة للغاية في غضون شهرين أو ثلاثة أشهر فقط.

بالنسبة للشباب، بسبب انقطاع سلاسل التوريد، فهذا يعني أن فرص العمل والتوظيف ستتأثر أيضًا، وبالتالي سترتفع مستويات البطالة والفقر أيضًا، مع العلم أن نصف السكان في غالبية البلدان العربية يعيشون تحت خط الفقر. هناك مجموعة من الآثار المركبة من حيث البطالة والفقر والهجرة وانعدام الأمن الغذائي والتي أعتقد أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفريقيا ستتأثر بها بشكل كبير ومباشر، لأن الحكومات غير قادرة على منع تأثير مثل هذه الأزمات أو تقديم مساعدات للفئات الأكثر تأثراً.

كيف سينعكس كل هذا على الوضع السياسي؟ هل سنشهد انتفاضات جديدة؟
بالعادة، يتم دعم قطاع الزراعة في الكثير من الدول العربية من قبل الحكومات، لأن هذا جزء من العقد الاجتماعي مع المجتمعات الريفية وسياسات الدولة حيث توجد حاجة لشبكة أمان وغالبًا ما يتم دعم سعر القمح والخبز. في البلدان التي تم فيها رفع الدعم عن الخبز أو رفع سعره، شهدنا مظاهرات وانتفاضات، في عام 1977، قام الرئيس المصري أنور السادات برفع سعر الخبز المدعوم، وهو ما تسبب باندلاع "انتفاضة الخبز" ولم تتوقف حتى عاد عن قراره.

إعلان

أعتقد أنه في ظل الوضع السياسي الحالي، وانعدام الحريات والحقوق في العالم العربي، فإذا لم يكن لديك القدرة على الوصول إلى احتياجاتك الأساسية، فهذا وضع سيجد فيه السكان أنه غير مقبول بدرجة أكبر وقد يؤدي ذلك إلى عدم الاستقرار في المنطقة كلل. مع ارتفاع الأسعار والضغوط الدولية وسلاسل التوريد التي تعطلت، سيكون من الصعب على الحكومات العربية رفع الدعم أو عدم توفير شبكة أمان دون التعرض للاحتجاجات وردود الفعل من قبل سكانها.

هل نتوقع ارتفاعاً في نسب الفقر والجوع في العالم العربي؟
لقد أثر فيروس كوفيد بالفعل على الأمن الغذائي كثيرًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لقد عانى الناس بالفعل من سوء التغذية في ظل الكورونا، وهذه النسب سترتفع مرة أخرى في ظل الوضع السياسي الحالي. في سوريا ولبنان مثلاً، يعيش أكثر من نصف السكان تحت خط الفقر، في ظل الحرب الحالية، فإن هذه النسبة سترتفع لحوالي 20٪ أو 30٪ بالفعل.

اقتصاد شمال إفريقيا يعتمد كثيرًا على أوروبا أيضًا، ومع تأثر أوروبا بنقص تسليم الغاز والنفط من روسيا، فهذا سينعكس بدوره على دول شمال إفريقيا حيث سترتفع معدلات التضخم. في المغرب مثلاً ارتفعت أسعار النفط كثيراً. ألغت المغرب دعم الوقود في عام 2014، ومنذ ذلك الحين، ظلت أسعار الوقود أقل من 0.99 دولار للتر. لكن الآن، في خضم الصراع في أوكرانيا، ارتفعت أسعار الديزل في بعض المدن لحوالي 1.14 دولار للتر والبنزين يتجاوز 1.32 دولار للتر. تونس لا تزال في وضع هش كذلك. التأثير المشترك لحرب أوكرانيا ووباء كوفيد الذي لم نتعافى من تأثيراته بَعد يعني أن الوضع يتجه نحو الأسوأ.

ماذا عن اللاجئين الذين يعتمدون على المساعدات الدولية؟
غالبية اللاجئين يعتمدون على المساعدات الدولية لأنهم في كثير من الأحيان غير قادرين على العمل في البلدان المضيفة. وسائل العيش شحيحة جداً. أتوقع أن يكون هناك نقص في التمويل الدولي والمساعدات الإنسانية بسبب اضطراب سلاسل التوريد. في كل الأزمات، يكون الأشخاص الأكثر ضعفًا حول العالم هم الأكثر تضررًا مثل من يعيشون تحت خط الفقر واللاجئين والمشردين داخليًا. حقيقة أنها قد تكون حربًا طويلة الأمد، يمكن للمرء أن يتوقع أن تكون العواقب كبيرة وعالمية.

هل تعتقدين أن أوروبا ستتوقف عن استقبال اللاجئين أو طالبي اللجوء من الدول العربية؟

ما كان لافتًا للغاية في هذه الأزمة هو حجم العنصرية ضد اللاجئين غير البيض. اللاجئون السوريون والصوماليون والأفغان والعراقيين في أوروبا، يتم التعامل معهم وتأطيرهم على أنهم تهديد أمني وأشخاص يهددون استقرار الاستقرار الاقتصادي في أوروبا. في المقابل، تم التعامل مع اللاجئين الأوكرانيين باحترام وتم تأطيرهم بشكل مختلف تمامًا من خلال كونهم "أشقر بعيون زرقاء" أو "هؤلاء ليسوا عراقيين أو أفغان." ستؤثر وجهات النظر العنصرية التي يتم تصنيفها علنًا على اللاجئين القادمين من أجزاء أخرى من العالم. ستكون الأولوية للاجئين الذين هم من مناطق قريبة والذين يُنظر إليهم على أنهم "طبقة وسطى متعلمة."

ماذا عن البيئة؟ 
تقوم روسيا بالفعل باستخدام البنية التحتية للمياه كسلاح، كما فعلت في سوريا عندما كانت تقصف المدن في الشمال الغربي. عندما تستهدف السدود أو أنابيب المياه، فإنك تمنع السكان من الوصول إلى المياه وهذه طريقة جيدة لترويض التمرد. كانت هذه استراتيجية من قبل إسرائيل في غزة والضفة الغربية المحتلة ومن قبل قوات التحالف العربي في اليمن. الآن تقوم روسيا بذلك في أوكرانيا، وقد قصفت مؤخرًا السد الذي بنته أوكرانيا مؤخرًا بعد غزو روسيا لشبه جزيرة القرم. وبهذا الإطار، تقوم الأطراف المتحاربة بالفعل بتسليح البيئة والبنية التحتية للمياه. عندما تقصف أحد السدود، فإنك تتسبب في حدوث فيضان وترهيب السكان وتمنع أيضًا تقديم الخدمات الأساسية مثل الكهرباء أو المنتجات الزراعية. البيئة دائمًا جزء من الصراع.

ما الذي تكشفه الأزمة الأوكرانية بالنسبة لنا كعرب؟  
كانت هذه الأزمة كاشفة للغاية من حيث الإدارة والمنظور. جانب الهجرة مهم، بما يتعلق بكيفية تأطير اللاجئين وتصنيفهم. العنصرية والفوقية هي جزء من العلاقة بين أوروبا والعالم العربي والولايات المتحدة والعالم العربي، وهذا شيء سيبقى معنا لفترة طويلة. يجب احترام الأوكرانيين كلاجئين والترحيب بهم، لكن لا ينبغي أن يتم ذلك على حساب اللاجئين الآخرين لأنهم فقط من ذوي البشرة البيضاء. يجب أن يكون الأمن البشري واحترام كرامة الإنسان في مقدمة الأولويات بالنسبة للحكومات العربية. هذه الحرب مُروعة، ولكن هناك حروب مروعة أخرى تحدث في كل مكان. يجب أن نشعر جميعًا بالقلق من عواقب الحروب وآثارها المدمرة، لأنها حرب، وليس فقط لأنها تحدث في أوروبا.