_DSC8243
علاء أبو دياب خلال عرض "لوكداون" في مترو المدينة في بيروت. تصوير: يارا بو انطون.
مقابلة

الكوميدي الفلسطيني علاء أبو دياب: قد ما الحكومات بتكمم أفواه، لسه الشعوب أخطر في ما يخص الحريات

أحب أن أسخر وأتحدث عن كل شيء، ولكن الموضوع ليس شهادة

دخل علاء أبو دياب، فلسطيني مقدسي يعيش في السويد، عالم الكوميديا من خلال بوستات فيسبوك وفيديوهات قصيرة قبل أن يصبح واحداً من أشهر الـ ستاند أب كوميديان في فلسطين والعالم العربي. 

في فبراير، قدم علاء عدة عروض في مترو المدينة في العاصمة اللبنانية بيروت، ولديه عرض قادم في ٢٥ مارس في دبي. ضمن عرضه بعنوان "لوكداون" يتحدث علاء عن "جائحة" كورونا -هذه الكلمة بالتحديد أكلت نصيبها من نكات علاء- وكيف غيرت وأثرت تفاصيل الحياة اليومية.

إعلان

خلال العرض وبعيداً عن الكورونا، تطرق علاء للانهيار الاقتصادي في لبنان، معرجاً على تصرفات الناس، من دون الغوص بتفاصيل الأزمة السياسية والاجتماعية. اختار علاء إبعاد السياسة عن هذا العرض، وهذا ليس لأن الكوميدي يجب أن يكون مسيساً بالضرورة، إلا أن علاء مسيس في شخصيته وفي بوستاته على وسائل التواصل، فلماذا يختار محتوى إجتماعي خفيف لا يزعج أحداً في عروضه الأخرى؟ هذا جزء من نقاش سنتحدث عنه في هذه المقابلة.

هذا لا يعني أن العرض غير مسلي، فأنت ستضحك مع علاء لمدة ساعة متواصلة، وربما أن ذكائه وخفة دمه ساعدته كثيراً بتجنب الغوص في المواضيع الساخنة التي عادةً ما تكون مادة الكوميديين الدسمة والأسهل من ناحية إنتاج المواد، وهي السياسة والدين والجنس.

VICE عربية: كيف كانت بداياتك هل كنت مقتنع بخفة دمك قبل دخول مجال الكوميديا؟ 
علاء أبو دياب: كنت في السويد وزهقان وبدأت أقضي وقتاً أكثر على السوشيال ميديا، وكان فيسبوك حينها يدعم سياسة نشر الفيديوهات بطريقة واسعة، البداية كانت حول فكرة التشكيك بكروية الأرض، كان لدي فكرة أردت الحديث عنها ولم أعرف صياغتها كبوست مكتوب، فصورتها فيديو، وانتشر قليلاً، وأصبحت أقوم بنشر فيديوهات أكثر كل فترة. فيديو صابر الرباعي كان هو الإنطلاقة، عندما علقت على صورته مع ضابط إسرائيلي، على الجسر (المعبر بين الأردن وفلسطين)، وانتشر الفيديو بشكل هائل، وبدأت وسائل إعلام عربية وأجنبية بالحديث عنه. هيك صار، أصبحت أعلق على ما يحدث في البلدان العربية بطريقة الفيديو.

إعلان

قدمت أول عرض ستاند أب عام 2017 في مدينة جنب مالمو السويدية ضمن مهرجان Lund Comedy Festival للكوميديا، صديقتي فيروز تميمي أقامت مسابقة في المهرجان باللغة العربية لأول مرة، وأصرت على أن أشارك، رفضت في البداية، لأني بموت خوف من الحديث أمام الناس، ولكن هذا لم يوقف فيروز، بعدها بأسبوعين قالت لي "عندك عرضين بكرة." تجادلنا قليلاً ثم قالت لي أن المهرجان أعلن أسماء المشاركين و"بتخربلي بيتي إذا لم تشارك" ولا مجال لإلغاء العرض. طبعاً علمت لاحقاً أنها اخترعت هذا السيناريو، فقط لتشجيعي على الصعود إلى المسرح. وهذا ما كان، صعدت للمسرح وتبين أن خوفي من الوقوف على المسرح والحديث أمام جمهور ليس مرعباً كما تخيلت. بالعكس، أحببت الموضوع ولاحقاً، قمت بتجهيز عرض كوميدي لساعة كاملة وعرضته لأول مرة في رام الله أمام جمهور من 300 شخص. تحدثت في العرض الأول عن كيف انتقلت من القدس إلى السويد. بعد رام الله، ذهبت إلى لندن ثم عَمان، بعدها بيروت والدوحة، وهكذا وجدت نفسي ستاند أب كوميديان. 

اليوم أعرف أن هذا كان خطأً،  فهذا ليس المسار الطبيعي لتصبح ستاند أب كوميديان، عليك أن تمر بمراحل كثيرة قبل ذلك، من الـ Open mick إلى أن يصبح لديك عرض كامل ساعة، وهذا قد يحتاج لسنوات. قمت بقطع الكثير من المراحل بوقت قصير جداً، وكان من الممكن جداً أن أفشل بسبب ذلك.

هل شخصيتك ككوميدي تختلف عن الحقيقة، على اعتبار أن الفكرة النمطية أن الكوميديين خارج المسرح هم منعزلين وغير مضحكين في الحياة العادية إلى حد ما؟
أسمع أن الكوميديين مكتئبين، وأتفهم ذلك، ولكن هذا قد ينطبق على الكوميدي الذي يعمل فيDaily show، كل يوم عليه أن ينكت، ويخترع نكت، وهذا يسبب ضغط كبير، أما أنا فأكتب مادة في السنة، ليس لدي ضغط الإنتاج الدائم. أفهم أن يكتئب الكوميديين العاملين بالكوميديا بشكل يومي، تخيل أن أقول لك: اخترع الآن نكتة عن هذا الحدث وأضحكني، هل تستطيع؟ صعب، الكوميديا تخرج من رأسك من دون تخطيط. 

إعلان

ما وضع الكوميديين اقتصادياً؟
أحسن من غيرهم، أنا أعيش بشكل جيد، وعروض الستاند أب مطلوبة اليوم. ونحن لسنا بحاجة للكثير من اللوجستيات، مسرح ومايك وتيكيت طائرة وحجز أوتيل.

_DSC8277.JPG

تصوير: يارا بو انطون.

ما رأيك بصعود فن الستاند أب في العالم العربي، ومن تحب من الكوميديين العرب؟
في لبنان هناك "سيستم" أو نظام واضح للستاند أب كوميدي، وهنا أقصد awkwordcomedy، وهي منصة تسمح لأي شخص أن يجرب نفسه قبل أن يصبح كوميدياً "بشكل رسمي" وهي تجربة فريدة في العالم العربي، أنا مثلاً كان يمكن أن أكون كوميدياً على عمر الـ 25، وليس على الـ 35، لو جربت نفسي من قبل.

أحب فادي رعيدي من الكوميديين العرب حتى لو كان أقل شهرة من غيره، ولكنه يصنع ستاند آب كوميدي منذ فترة ليست قصيرة، ويروي مشاهداته بطريقة ذكية، وفي لبنان أتابع نور حجار وشادن فقيه، وسام كمال، حسين قاووق، شاكر أبو عبدالله. وهناك كذلك تجربة ناضجة جداً في السعودية وهي Jeddah Comedy Club وفيها بعض المواهب المميزة.

هل تعتقد أن كل شخص يكتب منشورات ساخرة على فيسبوك عليه أن يجرب حظه مع الكوميديا؟
طبعاً، فليجرب، ماذا سيخسر، ربما الناس التي ستسمعه أو تشاهده ستخسر، ولكن ليس هو/هي.

هل لديك خطوط حمراء؟
المشكلة في الوطن العربي، على قد ما الحكومات بتكمم أفواه، لسه الشعوب أخطر من الحكومات في ما يخص الحريات، وهم من يضعون لك الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالدين والسياسة والجنس وكل المواد التي من الممكن أن تصنع منها مادة كوميدية، ويمكن أن تتعرض للاغتيال المعنوي في حال لم يعجبهم ما تقدمه. المجتمع العربي قيوده أعلى من الحكومات أحياناً، ويمكن أن يدمرك.

إعلان

هل تغير عروضك حسب المجتمع؟
كلا، "صرت اعملها بتلبق للكل."

هل تؤثر الصوابية السياسية على محتواك؟
طبعاً تؤثر، كل الممنوعات تؤثر على المحتوى، ولكني لست ضد الصوابية السياسية بالمطلق، لدي معاييري الخاصة، في وضع عالمنا العربي مثلاً أهتم أكثر أن يكون المحتوى الذي أقدمه غير ذكوري، فيما لو كنت في السويد والنساء آخذين حقهم نوعاً ما، يكون الوضع مختلف، يعني حسب معيار القوي والضعيف، لا أقوم كذلك بالسخرية من الأقليات الدينية المضطهدة، أو المثليين الذين يقتلون في الشارع، هذه هي الصوابية خاصتي التي أتبعها.

لماذا تريد أن تراضي جماعة "البوليتكل كوركتنس" ولا تريد مراضاة جماعة أبو مازن -محبي رئيس السلطة الفلسطينية- الذي تسخر منه على الدوام؟
أولاً، لا أعرف إذا كان يوجد شيء في العالم اسمه "جماعة أبو مازن" ولكن لنفترض وجود هذه المجموعة البشرية، الكوميديا السياسية "أقل خطورة" من الحديث عن القضايا المجتمعية، في فلسطين بشكل خاص، يعني أسهل أن تنكت على السلطة من أن تقول نكتة عن قضية دينية مثلاً.

 ولكن لماذا أنت حريص إلى هذه الدرجة على مشاعر المجتمع؟
لأن هذا عملي، وأحبه، ولا أريد أن أخسره، وضعي مختلف عن ديفيد شابيل مثلاً الذي يعيش في الولايات المتحدة ويخرق كل الخطوط الحمراء وينتقد البوليتكل كوركتنس، فلديه 300 مليون أمريكي يشاهدونه في أميركا فقط، بمعنى أنه يملك جمهور كبير يُمكنه من الاستمرار. أتمنى أن يكون لدي هامش أكبر من الحرية، ولدي الكثير من المواد المكتوبة التي لا أستطيع أن أقولها في أي عرض.

هل ترى أن هناك موضوعات يجب على الكوميدي تجنبها أو يجب أن يكون لديهم مطلق الحرية في السخرية من كل شيء؟
الستاند آب كوميدي في العالم، هو المكان الحر. الكوميديا هي قرينة الحرية، في البلدان التي لا يوجد فيها حريات، الكوميديا بتصير أبيخ بالضرورة، لذلك تجد العرب يسألون دائماً لماذا ليس لدينا كوميديا زي الأميركان؟ لأنو الناس ما بتسمحلك، بينهوك، حتى القاعات ترفض استقبالك، وستضطر أن تعرض محتواك على السوشيال ميديا فقط، وقد تنتهي كستاند أب كوميدي. أحب وأريد أن أسخر وأتحدث عن كل شيء، ولكن الموضوع ليس شهادة، ليس عليك أن "تستشهد" من أجل نصوص جريئة.