مقال رأي

عن العنصرية والازدواجية في ردة فعل الغرب على الحرب في أوكرانيا

كمتابعة فلسطينية كان من الصعب تجاهل سياسة الكيل بمكيالين عندما تكون الضحية أوروبية
كاريكاتير1

أنهم يشبهوننا، بيض البشرة بعيون زرق، لديهم انستغرام، إنهم متحضرين وأوروبيين. 

هذه كانت بعض التصريحات الإعلامية التي سمعناها خلال تغطية الحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا. لم نكن بحاجة لهذه التصريحات لمعرفة مدى النفاق والازدواجية الغربية عندما يتعلق الأمر بقضايانا العربية، ولكن فجاجة التصريحات ربما كانت مفاجئة.

فمنذ اليوم الأول من بدء الحرب على أوكرانيا، وجدنا أنفسنا كبلدان عربية ومسلمة في مقارنة غير منصفة وعنصرية مع الأوكرانيين، فبدلاً من تركيز التغطية الإعلامية على الأوكرانيين وأثر الحرب عليهم، شاهدنا عنصرية إعلامية تُمارس على المواطنين في العالم الثالث، والذين لا دخل لهم في كل القصة، إنما تم إقحامهم بهذه الحرب وبدأت المقارنات التي لا تنتهي بين "عادية" الحرب في الشرق الأوسط و"بشاعة" الحرب في أوروبا.

إعلان

كصحفية وفلسطينية تعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي، جاء التعاطف مع الأوكرانيين طبيعياً، فأنا أعلم ماذا يعني أن تخسر بلدك وأن تهجر من بيتك وتدمر مدينتك. وهذه المشاعر يعرفها تماماً كل من عاش تحت الحرب في سوريا وأفغانستان واليمن وليبيا وغيرها، نحن نقف بجانب واحد مع المظلوم. ولكن بالنسبة للإعلام الغربي، كان المنظور مختلفاً تماماً، حيث لم يجد الصحفيون حرجاً من أن يعلنوا على الملأ أن التعاطف يعتمد على لون بشرتك وجغرافية بلدك، وانقلبت كل الموازين والسياسات، وأصبح مقبولاً أن تكون طرفاً في الصراع. الحيادية لم تعد قيمة أساسية في الصحافة بل تم اعتبارها "خيانة" لإنسانيتك.

تشهد المنطقة العربية منذ عقد وأكثر الكثير من الحروب والنزاعات والانتهاكات (التي للغرب دور أساسي فيها)، التي ما زلنا نحصد ثمارها حتى الآن، بدءاً من الغزو الأمريكي على العراق ومآلاته، والحرب في اليمن وآلاف الضحايا جراءها، وملايين اللاجئين السوريين والانتهاكات المستمرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان الذي ترتكبه الحكومة المصرية بحق المعتقلين السياسيين، كل هذا وأكثر على مرأى من العالم بشكل يومي، دون أن يحرك ساكنًا لا لمحكمة جنايات دولية، ولا لتحرك دولي ولا حتى انحياز يراعي حقوق الإنسان.

من الصعب عدم مقارنة رد الفعل الغربي في أوكرانيا، مع الوضع في فلسطين، وكيفية تعامل الغرب مع الاحتلال الإسرائيلي مقارنة بردة الفعل للغزو الروسي -المقارنة تنتهي هنا. ففيما تم التركيز على الجانب الإنساني وضحايا الحرب، وأحقية المقاومة في أي شكل بقنابل المولوتوف أو بالسلاح في أوكرانيا، تم وصف مقاومة الفلسطينيين بالإرهاب واعتبرت الحرب على غزة وقصف البنايات السكنية والتهجير والإخلاء القسري في القدس والنقب بأنها شرعية. حتى صحيفة هآرتس الإسرائيلية نشرت مقال فيه بعنوان "إلى الغرب.. ما طالب به الفلسطينيون طوال 50 عامًا، حققتموه لأوكرانيا في أسبوع."

إعلان

وفيما احتاجت المحكمة الجنائية الدولية خمس سنوات للبدء بتحقيق رسمي في جرائم حرب مشتبه فيها في الحرب على غزة في ٢٠١٤ والتي راح ضحيتها أكثر من 2،100 فلسطيني، بدأت المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في اتهامات موجهة لروسيا بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا بعد 5 أيام من بدء الحرب.

يقول د. محمد أبو الرب أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت في رام الله، فلسطين: "أن سرعة استجابة المحكمة الدولية للتحقيق في جرائم حرب محتملة في أوكرانيا، ملفتة جداً، وهو يعطي مؤشر واضح على مدى جدية التعامل عندما يكون الضحية أبيض، حتى أنها جدية قد تصل لمرحلة الاصطفاف، والانحياز، والمبالغة أيضًا."

ردة الفعل المتناقضة ظهرت كذلك في العقوبات السريعة التي تم فرضها على روسيا والتي شملت عقوبات اقتصادية وثقافية ورياضية وصلت حتى للحيوانات الأليفة. السنة الماضية تعرضت شركة "بين آند جيري" لعقوبات أمريكية جراء انسحابها من إسرائيل، وهناك ملاحقة دائمة لنشطاء حركات مقاطعة إسرائيل، ومحاولة تقييد نشاطهم. في المقابل، قامت شركات أمريكية وأوروبية بإغلاق متاجرها ومقاطعة الأسواق الروسية ووقف مبيعاتها فيها كردة فعل على الحرب في أوكرانيا، وهو ما اعتبر "تصرفاً أخلاقياً" الآن، فيما تم وَصم المقاطعة في السابق، واعتبرت أنها أداة غير ناجعة وأن "المقاطعة لا يمكن أن تكون اختباراً للنقاء الأخلاقي."

إعلان

نفس الشيء مع الرياضة، سمعنا نقاشات ومجادلات حول لماذا لا يجب تسييس الرياضة وأنه لا يجوز تحميل الرياضي ذنب سياسات بلده، ولكننا شهدنا مقاطعات بالجُملة للفرق الروسية ومنع رياضيها من المشاركة في أي حدث رياضي في العالم. وعندما صرح لاعب بايرن ميونيخ البولندي روبرت ليفاندوفسكي بأنه لا يمكنه اللعب مع المنتخب الروسي، تم الاحتفال به، بينما تم تغريم بطل الجودو الجزائري فتحي نورين عندما انسحب من مباراة فيها لاعب إسرائيلي، وتم منعه من اللعب عشر سنوات، وأدى لقراره بالاعتزال.

الحرب الروسية ببساطة كشفت زيف الموقف الدولي تجاه غير البيض في العموم، وازدواجية المعايير التي وصلت حد العنصرية في التعامل مع القضية برمتها، وبالأخص مع اللاجئين، فأوروبا التي فتحت أبوابها أمام اللاجئين الأوكرانيين دون قيود أو محاذير، هي نفسها التي وقفت أحزابها المتطرفة أمام موجات اللاجئين العرب والأفارقة الفارين من الحروب والنزاعات.

إعلان

الدول الأوروبية التي شاهدناها فيما سبق تضع أسواراً من الأسلاك الشائكة وتستعين بالكلاب لشم المهاجرين، والتي انتهجت سياسات عديدة لاإنسانية تسببت في موت بعض اللاجئين تجمداً على حدودها، هي نفسها ترحب باللاجئين الأوكرانيين، في ذات الوقت تمول خفر السواحل الليبي لمنع المهاجرين من عبور البحر المتوسط إلى إيطاليا.

في محاولة لتسليط الضوء على سياسة الكيل بمكيالين، وتصدير اللاجئين الاوكرانيين كـ "متحضرين" في مقابل السوريين والأفغان والأفارقة، حاول نشطاء منصات التواصل الاجتماعي الرد من خلال حملة ساخرة تحمل عنوان "uncivilized"  أو "غير متحضر" بعد تصريحات مراسل الشبكة الأمريكية تشارلي داجاتا، الذي وصف فيها أوكرانيا بأنها "متحضرة نسبيًّا وأوروبية نسبيًّا" مقارنة بدول مثل العراق وأفغانستان. 

يقول الناشط سالم براهمة الذي قرر طباعة "تي شيرت" يحمل عنوان الحملة، أن هذه الحملة جاءت بشكل ساخر على المعايير المزدوجة والردود العنصرية من قبل وسائل الإعلام والسياسيين تجاه الأشخاص "غير الأوروبيين" الذي يعيشون الحروب والقمع والظلم. ويشير إلى "أن أرباح مبيعات التيشيرت ستذهب إلى المؤسسات الخيرية التي تعمل مع اللاجئين، ونحو إنشاء محتوى فيديو لزيادة الوعي وبناء التضامن حول العالم."

العنصرية والازدواجية لا تنتهي، والأمثلة عديدة، منذ أيام فقط قامت مجلة فوغ بحذف فلسطين من منشور كتبته عارضة الأزياء جيجي حديد وأعلنت فيه عن تبرعها بأرباحها من أسبوع الموضة في باريس لصالح ضحايا الحرب في فلسطين وأوكرانيا. حدث ذلك في الوقت الذي يدعي العالم كله أنه يقف مع الضحية، ولكن ليس أي ضحية، فقط إذا كانت "بشعر أشقر، وعيون زرق" كما في حالة قيام بعض وسائل الإعلام باستخدام صور وفيديوهات للناشطة الفلسطينية عهد التميمي خلال مواجهتها لجنود الاحتلال وعنونتها بـ "فتاة أوكرانية تواجه جنديًا روسيا في أوكرانيا." ولأنها ليست أوكرانية، تم سجن عهد ٨ أشهر في السجون الإسرائيلية بدون أن يتم اعتبار هذه "المواجهة" مقاومة شرعية أو شجاعة.

العالم الذي لا يرى الضحية إن كانت لا تشبهه، هو عالم لا يعول عليه. فالضحية تصبح ضحية إن كانت تحمل مواصفات معينة ترقى لمقاييس العالم الغربي، والولايات المتحدة وإسرائيل تصبحان "حمامات سلام" وكأنهما لم يرعيا حروبًا في العالم كله.