جوائز غولدن غلوبز.. نتفليكس تهيمن والسياسة لا تغيب

ثلاث ساعات مرت ببطء أثناء مشاهدتي للحفل الثامن والسبعين لجوائز Golden Globes. فبعد مرور دقائق من بدء الحفل الذي أنتظره كل عام، فقدتُ قدرًا كبيرًا من الشغف بسبب عدم وجود الحالة المعتادة لهذه الليلة الاحتفالية التي تعج فيها القاعة بمئات النجوم السينمائيين، ونستمع لتعليقات ساخرة على الأوضاع في الولايات المتحدة خاصة والعالم بشكل عام. 

هذه السنة كان حفل الجوائز يشبه اجتماع عمل طويل، ورغم تقديم الممثلتين الكوميديتين تينا فاي وإيمي بولر للحفل للمرة الرابعة، على الرغم من اعلانهما بالسابق أنهما لن يعيدا الكرة. قدمت تينا وإيمي الحفل في مدن مختلفة، وكما في كل مرة، سخرا من بعض الترشيحات، وعلقا على كون الترشيحات التي تقررها رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية (HFPA) لا يوجد فيها بين أعضائها البالغ عددهم 87 شخصًا أي صحفي أسود. وربما كان على ايمي وتينا السخرية من أنفسهما أولاً، فمقدمي الحفل منذ تأسيس الجائزة عام ١٩٤٤ هم من البيض -باستثناء المرة الوحيدة التي شاركت ساندرا أوه في التقديم مع أندي سامبيزغ عام ٢٠١٨.

هذا العام، كانت الجوائز مُتوقَعة للغاية، سواء من خلال ترشيحات الممثلين أو الأفلام، الفيلم الفائز بجائزة أفضل فيلم درامي هو Nomadland والذي تقوم فرانسيس مكدورماند بدور البطولة، الجائزة متوقعة، والفيلم جيد، لكن الترويج للفيلم خلال الفترة الماضية جعل الأمر متوقعاً، خاصة أن الأفلام التي تفوز مؤخرًا بالجوائز في هوليوود إما تحكي سيرة ذاتية، أو فيلم يقترب من رسالة سياسية، أو أقلية عرقية أو جنسية، أو حكاية تقترب من الواقع المحلي الأمريكي، مثل فيلم Three Billboards Outside Ebbing, Missouri، الذي فاز بنفس الجائزة (وقامت فرانسيس بدور البطولة كذلك)، عن أفضل فيلم دراما في حفل الجولدن جلوبس ٢٠١٧. ولكن الجديد هو أن المخرجة كلوي تشاو أصبحت أول مرأة آسيوية (ولدت في الصين) تفوز بالجائزة، وثاني إمرأة فقط تحصل على جائزة أفضل مخرجة (المرة الأولى كانت باربرا سترايسند عام ١٩٨٤).

الأطرف من ذلك هو فوز فيلم بورات، الجزء الثاني، بطولة وكتابة وإنتاج ساشا بارون كوهين، بجائزتي أفضل ممثل، وأفضل فيلم كوميدي. فرغم حبي للجزء الأول لهذه السلسلة، إلا أن فوز الجزء الثاني -والذي اعتبره النقاد ليس بجودة وذكاء الأول- يحمل معاني سياسية واضحة، ضمن قصة الفيلم التي تناقش جائحة كورونا والواقع الأمريكي في حقبة دونالد ترامب، وهذا ظهر أيضًا في كلمة ساشا بارون كوهين بعد فوزه بجائزة أفضل ممثل عندما أشار "أن دونالد ترامب يعترض على النتيجة" أي نتيجة الجائزة، لكنه يربطها بالسخرية من موقف ترامب الذي اعتراض على نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكية. 

ويبدو أن تعثر الإنترنت في لحظات، وكذلك جلوس الممثلين والمنتجين والمخرجين في منازلهم جعل الأمر يبدو حقيقيًا، إذ اختفت حالة الإيهام التي نشعر بها عندما كانت القاعة مكتظة بالبشر، فأصبحت ردود أفعال النجوم على شبكة الإنترنت تبدو واقعية أكثر، وعندما يبالغ أحدهم في رد الفعل قد نشعر أنه مزيف وغير صادق. كما أن ظهور كثير من هؤلاء النجوم في بيوتهم مرتدين أزهي الأزياء وهم جالسين على الأرائك جعلني أشعر أننا نجلس في مقابلة تليفزيونية مُعدة مسبقًا مع كل فائز، فيتحدث بالضبط كما يريد المخرج. واحدة من أكثر اللحظات التي لم أشعر فيها بالصدق، كانت مع فوز روزاموند بايك بجائزة أفضل ممثلة في عمل كوميدي عن فيلمها I Care a Lot، إذ كان يبدو أنها ردة فعلها على الفوز كان ميكانيكياً ومتوقعاً. 

أحد الأفلام التي أثارت جدلًا قبل إعلان الجوائز، كان الفيلم الكوري الأمريكي Minari، الذي رُشح لجائزة أفضل أجنبي غير ناطق بالإنجليزية، رغم أن الكاتب والمخرج أمريكي، والإنتاج أمريكي يشارك فيه براد بت كمنتج منفذ، إلا أن معظم أجزاء الفيلم يتحدث فيه الأبطال بالكورية، وهو ما يتعارض مع قواعد رابطة هوليوود للصحافة الأجنبية بترشيح فيلم Minari ضمن فئة أفضل فيلم، لأن أفضل فيلم يجب أن تكون اللغة الإنجليزية فيه ٥٠٪ أو أكثر من ذلك كي يمكن ترشيحه للجائزة، مما جعله يقع في فئة أفضل فيلم أجنبي ويفوز بها. يعني حتى جائزة الفيلم الأجنبي كانت من نصيب فيلم أمريكي.

الفيلم يحكي قصة أسرة كورية مهاجرة إلى الولايات المتحدة والمخرج وكاتب الفيلم من أصول كورية، وترتكز كثير من أحداث العمل على أحداث حقيقية عاشها المخرج مع أسرته التي هاجرت للولايات المتحدة. حصوله على الجائزة يؤكد مرة أخرى أن اختيار الأعمال الفنية في هوليوود مازال محكومًا ببعض القيم مثل الوطنية الأمريكية والحلم الأمريكي، والموقف السياسي للفيلم من قضية معينة، فاختيار المخرج للغة الكورية في الحوار كان نابعًا من تجربة ذاتية، لكنها غير ملائمة لقواعد الرابطة التي اعتبرت اللغة الإنجليزية الشرط الأكثر أهمية لوضع فيلم في فئة أفضل عمل، وهو ما كُسر في حفل الأوسكار العام الماضي عندما فاز الفيلم الكوري Parasite بجائزة أفضل فيلم، وكذلك أفضل فيلم أجنبي، فهل يمكن أن يفعلها Minari في حفل الأوسكار هذا العام، أم سنرى Nomadland  يفوز بجائزة أفضل فيلم؟ 

نتفليكس وحدها حصلت على ٩ جوائز، من بين ٢٣ جائزة خلال الاحتفالية

وإلى جانب الأفلام فازت مجموعة من المسلسلات المنتشرة مؤخرًا عبر منصة نتفليكس بجوائز عديدة، من بينها The Crown الذي حصد ٤ جوائز، أفضل ممثل، أفضل ممثلة، أفضل ممثلة مساعدة، أفضل مسلسل تلفزيوني. كما فاز المسلسل القصير The Queen's Gambit، بجائزتي أفضل ممثلة، وأفضل مسلسل تليفزيوني قصير. ٦ جوائز حصدتها نتفليكس من عملين تلفزيونيين، إضافة إلى أوسكار أفضل سيناريو لفيلم Trial of the Chicago 7، وجائزة أفضل ممثل في فيلم دراما عن فيلم Ma Rainey’s Black Bottom، والتي حصدها الممثل الراحل تشادويك بوزمان، وجائزة أفضل ممثلة في فيلم كوميدي والتي حصدتها روزاموند بايك عن فيلم I Care A Lot، أي أن نتفليكس وحدها حصلت على ٩ جوائز، من بين ٢٣ جائزة خلال الاحتفالية. 

ولا تخلو حفلات غولدن غلوب والأوسكار من الكلمات الرنانة للفنانين، وكالعادة الكثير من الشكر والعرفان، إلا إن هذا لا ينفي أن بعض الكلمات تكون صادقة ومؤثرة، فمن أفضل الكلمات التي ألقيت خلال الاحتفالية، الكلمة التي قالتها الممثلة جين فوندا، والتي حصلت على جائزة سيسيل بي ديميل، عن مجمل رحلتها الفنية في هوليوود. وقالت فوندا "نحن جماعة من رواة القصص، وفي هذه الأوقات المأزومة يصبح الكلام أمرًا ضروريًا. القصص تستطيع تغيير قلوبنا وعقولنا، وتساعدنا أن نرى بعضنا بعضـًا بشكل جديد، أن نضع أنفسنا مكان الآخرين ونتعرف على مدى تنوعنا."

وتظل أطرف لقطات الحفل هي جلوس بعض النجوم في منازلهم بشكل بسيط دون تكلف مثل جون سودايكس الذي فاز بجائزة أفضل ممثل لمسلسل كوميدي/موسيقي قصير، فقد ظهر في منزله يرتدي الـ Hoodie، وكذلك الممثل المخضرم بِل موري الذي ارتدي قميصًا ملونًا وبدى مرتاحاً مع نفسه.

جوائز غولدن غلوب تعطينا بعض الملامح التي ستكون عليها جوائز حفل الأوسكار، والذي لا يبتعد كثيرًا عنا. فحفل الأوسكار سيقام يوم ٢٥ أبريل، وسوف تعلن القائمة النهائية للترشيحات الخاصة بجوائز الأوسكار يوم ١٥ مارس، ومن المحتمل أن يتبع القائمون على جوائز الأوسكار نفس الأفكار السياسية تجاه الأفلام المرشحة، فلنرى.. يا خبر بفلوس بكرة يبقى ببلاش.  

فيما يلي القائمة الكاملة للفائزين:

• أفضل فيلم دراما، Nomadland
• كلوي تشاو، جائزة أفضل إخراج عن فيلم Nomadland
• شادويك بوسمان، جائزة أفضل ممثل في فيلم دراما عن دوره في فيلم Ma Rainey’s Black Bottom
• أندرا داي، أفضل ممثلة في فيلم دراما عن دورها في فيلم The United States Vs. Billie Holiday
• Borat Subsequent Moviefilm- جائزة أفضل كوميدي
• ساشا بارون كوهين، أفضل ممثل في فيلم كوميدي أو موسيقي عن فيلم Borat Subsequent Moviefilm
• روزاموند بايك، أفضل ممثلة في فيلم كوميدي أو موسيقي عن دورها في فيلم I Care A Lot
• جودي فوستر، أفضل ممثلة في دور مساعد عن فيلم The Mauritanian
• آرون سوركين، جائزة أفضل سيناريو عن فيلم The Trial Of The Chicago 7
• دانيال كالويا، جائزة أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم Judas and the Black Messiah
• Schitt's Creek، جائزة أفضل مسلسل كوميدي أو موسيقي.
• كاثرين أوهارا، جائزة أفضل ممثلة في مسلسل تلفزيوني كوميدي أو موسيقي عن دورها في Schitt’s Creek
• جيسون سوديكس، جائزة أفضل ممثل في مسلسل موسيقي أو كوميدي عن دوره في Ted Lasso
• The Crown، جائزة أفضل مسلسل درامي.
• إيما كورين، أفضل ممثلة في مسلسل تلفزيوني درامي عن دورها في مسلسل The Crown
• جوش أوكونور، أفضل ممثل في مسلسل تلفزيوني درامي عن دوره في مسلسل The Crown
• جيليان أندرسون، جائزة أفضل ممثلة مساعدة في مسلسل تلفزيوني عن دورها في The Crown
• جون بويجا، جائزة أفضل ممثل مساعد في مسلسل تلفزيوني عن دوره في Small Axe
• The Queen's Gambit، أفضل مسلسل قصير.
• أنيا تايلور، أفضل ممثلة في مسلسل قصير عن دورها في The Queen's Gambit
• مارك رافالو، جائزة أفضل ممثل في مسلسل قصير عن دوره في I Know This Much is True
• Soul، جائزة أفضل فيلم رسوم متحركة، وأفضل موسيقى تصويرية.
• فاز الفيلم الإيطالي The Life Ahead بجائزة أفضل أغنية أصلية للمغنية لورا بوسيني.
• فاز فيلم Minari (الولايات المتحدة الأمريكية) على جائزة أفضل فيلم أجنبي.