سياسة

ماذا نعرف عن تدفق المهاجرين من المغرب إلى مدينتي سبتة ومليلة؟

أكثر من ٨،٠٠٠ مهاجر سري عبروا إلى مدينة سبتة في ظرف ٢٤ ساعة
1621339407920-gettyimages-1232959462

عدد من المهاجرين يحاولون عبور الحدود من المغرب إلى سبتة. الصورة: FADEL SENNA / AFP/ GETTY IMAGES

في واحد من أكبر تدفق للمهاجرين غير الشرعيين في يوم واحد، وصل ٨،٠٠٠ مهاجر -بينهم 2،700 قاصر- مدينة سبتة سباحة من مدينة الفنيدق المغربية ليلة الإثنين ١٧ مايو. تمكن هؤلاء المهاجرين من عبور الحاجز الحدودي البحري بين المغرب والمستعمرة الإسبانية عبر القيام بسباحة جماعية على طول الساحل في البحر الأبيض المتوسط الذي يبلغ طوله حوالي كيلومترين، حسب ما جاء على لسان مجموعة من وسائل الإعلام المغربية والإسبانية.

إعلان

قامت السلطات الإسبانية بإعادة ٤،٠٠٠ شخص إلى المغرب، بعدما خصصت ملعبًا في مدينة سبتة لاحتضان المهاجرين الراشدين بدون مأوى إلى حين إرسالهم إلى بلدهم. كما أنها منعت دخول مجموعات أخرى من المهاجرين إلى المدينة، بعدما قامت بنشر تعزيزات أمنية مشددة على طول السياجين الحدودين البحري والبري الذي يفصل بين المدينة وباقي الأراضي المغربية واستعملت أيضًا غازات مسيلة للدموع من أجل إبعاد باقي العابرين من الضفة الأخرى. في نفس الوقت، شدد المغرب من مراقبة مداخل ومخارج مدينة الفنيدق شمال المغرب، وأعلن حالة الطوارئ في المنطقة من أجل منع أي تدفق جديد للمهاجرين.

مباشرة بعد الحادثة، ألغى رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، سفره إلى فرنسا من أجل المشاركة في قمة تمويل الاقتصادات الأفريقية، وتوجه إلى مدينة سبتة من أجل معاينة التطورات عن كثب وعلق على أن ما يحدث عبارة عن "أزمة بالنسبة لإسبانيا وأفريقيا."

لماذا سبتة ومليلة؟
تعتبر الحدود بين المغرب وإسبانيا من بين أكثر المناطق نشاطًا من حيث الهجرة غير الشرعية في العالم، بحيث تشكل كل من سبتة ومليلية الحدود البرية الوحيدة التي تجمع بين القارتين الأفريقية والأوروبية، وهو ما يجعل أعدادًا هائلة من المهاجرين غير النظاميين من المغرب ودول جنوب الصحراء يَعبرونها كل سنة، مشيًا أو سباحة، على أمل الالتحاق بالأراضي الأوروبية والهرب من أوضاعهم الاجتماعية المتردية. 

كما أن شمال المغرب معروف بتهريب السلع من مدينتي سبتة ومليلية وإعادة بيعها في باقي المملكة، وهو الأمر الذي تعتمد عليه أغلب ساكنة المناطق المجاورة لهاتين المدينتين من أجل ضمان قوت يومها. وبسبب إغلاق المغرب لحدوده مع مجموعة من الدول إثر تفشي فيروس كورونا، منذ سنة ٢٠٢٠، فإن العديد من الأسر التي تعتمد على معبر باب سبتة الحدودي كمصدر عيشها قد وجدت نفسها بين عشية وضحاها بدون مدخول مالي يضمن لها عيشًا مستقرًا. هذا الركود الاقتصادي والسياحي، دفع بالعديد من المغاربة، خصوصًا الشباب منهم، إلى الهجرة بطريقة غير قانونية للفرار من شبح الفقر، ولو كلفهم الأمر حياتهم رغبة منهم في مواجهة أوضاع اقتصادية اجتماعية أفضل.

إعلان

ما عدد المهاجرين الذين يصلون إسبانيا سنوياً من المغرب؟
أكثر من ٨،٠٠٠ مهاجر سري عبروا إلى مدينة سبتة في ظرف ٢٤ ساعة، وهذا يفوق المعدلات السنوية لـ٢٠١٧ و٢٠١٨ و٢٠١٩ مجتمعة لعدد الأشخاص الذين عبروا لمدينتي سبتة ومليلية من المغرب. وقد كان أكبر عدد للمهاجرين الذين دخلوا الأراضي الإسبانية بطريقة غير شرعية يعود لسنة ٢٠٢٠ عندما وصل ٢،٢٠٠ شخص إلى جزر الكناري التابعة للسيادة الإسبانية، والتي استقبلت ما يقارب ٤ آلاف مهاجر منذ بداية العام، أي ما يعادل ارتفاعًا بنسبة ١٢٥٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

في العادة، لا يتجاوز عدد المهاجرين السريين بضع مئات، لكن هذه المرة، تم تشبيه الأمر بغزو مغربي بعدما اتهمت مدريد الرباط بـ "الابتزاز" وحملته مسؤولية التهاون لمنع هذه الأفواج من المهاجرين بتجاوز الحدود دون رقابة. من جهته، وعد المغرب بفتح تحقيق لتدارس أسباب عمليات العبور الأخير التي عرفتها المنطقة.    

ما سبب التوتر بين البلدين؟
يعيش المغرب وإسبانيًا حاليًا توترًا دبلوماسيًا محتدمًا منذ أبريل الماضي. ويرجع السبب إلى استقبال مدريد إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو-  التي تناضل منذ عقود لاستقلال الصحراء المغربية عن المغرب -من أجل متابعة علاجه من فيروس كوفيد-19 وسماحها له بدخول أراضيها. من جهتها، بررت إسبانيا استقبالها لغالي بأنه يخص "دواعٍ إنسانية محضة" وأن الأمر يتعلق بـ "تأمين التطبيب والمساعدة الإنسانية لشخص بحاجة عاجلة إلى تدخل طبي."

كما ترى إسبانيا أن المغرب غض الطرف عن تدفق المهاجرين "انتقامًا" من تصرف مدريد الذي يدعم بطريقة غير مباشرة استقلال الصحراء، وخاصة مع اقتراب موعد صدور قرار محكمة العدل الأوروبية بخصوص الاتفاقيات التي تشمل الصحراء الغربية في شهر يونيو. موقف الحكومة الإسبانية مرتبط بقرارات مجلس الأمن الدولي التي تعتبر أن منطقة الصحراء الغربية لا تتمتع بحكم ذاتي وتؤيد فكرة إجراء استفتاء فيها لتقرير مصيرها، وهو ما ترفضه المغرب التي تعتبر أن الصحراء يجب أن تبقى تحت السيادة المغربية. وأطلق ناشطون هاشتاغ المغربي_روحه_ماشي_رخيصة للتنديد باستخدام المهاجرين لتحقيق مكاسب سياسية.

ما هي قصة الصراع حول سيادة سبتة ومليلية؟
تقع سبتة على الساحل الشمالي المغربي المطل على البحر الأبيض المتوسط، وتبلغ مساحتها ٢٠ كيلومترًا مربعًا وعدد سكانها ٧٧ ألف نسمة. أما مليلية، فإنها تتموضع شمال غرب المملكة قبالة الساحل الجنوبي لشبه الجزيرة الإيبيرية على مساحة ١٢ كيلومتر مربع وبتعداد سكان يبلغ ٧٨ ألف نسمة. 

بعد استقلال المغرب من فرنسا وإسبانيا عام ١٩٥٦، احتفظت إسبانيا بكل من سبتة ومليلية اللتان أصبحتا خاضعتين للحكم الذاتي تحت سيادتها منذ سنة ١٩٩٥ بقرار من البرلمان الإسباني. المغرب يرفض الاعتراف بسيادة اسبانيا على سبتة ومليلية ويعتبره واحدًا من معاقل الاستعمار المتبقي في أفريقيا. ولا تزال المملكة المغربية تطالب إسبانيا باسترجاع أراضيها المحتلة وترفض الاعتراف بسيادة الحكم الإسباني على المدينتين. غير أن الأمم المتحدة لا تصنف سبتة ومليلية ضمن خانة المناطق المحتلة التي يجب تحريرها. وتحت هاشتاغ سبتة_و_مليلية_مغربيتين، طالب البعض إسبانيا بإنهاء "استعمارها لسبتة ومليلة."

ما مصير المهاجرين العالقين على الحدود الإسبانية؟
تجمع المغرب وإسبانيا مجموع من الاتفاقيات التي تؤطر توافد المهاجرين غير الشرعيين إلى الأراضي الإسبانية، وآخرها هو إعادة إسبانيا إلى المغرب أي شخص يدخل سبتة عن طريق البحر بشكل غير قانوني. أما بخصوص من لم يبلغوا سن الرشد، فإن القانون الإسباني يمنع إرسال القصر الذين وصلوا إلى التراب الإسباني بطريقة غير شرعية إلى المغرب، ويرسلهم إلى مراكز إيواء خاصة، ما يجعل مصير هؤلاء القاصرين الوافدين على مدينة سبتة غير معروف إلى حد الآن. غير أن مجموعة من المنظمات غير الحكومية والصليب الأحمر قد هرعوا إلى عين المكان من أجل التكفل بهم في انتظار النظر في وضعهم.