مقال رأي

جريمة اغتصاب الفيرمونت ونقاط التشابه والاختلاف مع مسلسل الطاووس

عرض المسلسل نقطة إيجابية وسط أعمال دراميّة أخرى لم أرى نفسي وقضايايّ مُمثله فيها كامرأة تعيش في مصر
e0db5925-70c0-44ec-be78-6e3f3a850aba

بوستر مسلسل الطاووس

المسلسل يحفزّ استجابات حسيّة قوية خاصة على المتعرضات/ين للعنف الجنسي. لذا وجب التنويه.

"مسلسل الطاووس" هو واحد من المسلسلات المشاركة في السباق الرمضاني التي تسببت بجدل كبير ومطالبات بوقفه وشكاوي ضده. الضجة الأخيرة تتعلق بقرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، التحقيق مع صنّاع المسلسل بعد تقديم بلاغات للمجلس تدّعي انتهاك العمل الدرامي لقيم الأسرة والهوية المصرية. أما عن المُبلغين، فهويتهم مجهولة حتى الآن. ولكن هذه ليست هذه الضجة الأولى من نوعها حول نفس المسلسل.

إعلان

في بداية شهر رمضان، نشر محامي نازلي مصطفى -الشاهدة التي تم القبض عليها في قضية اغتصاب فيرمونت قبل أشهر من إخلاء سبيلها- بيانات تُدين استخدام صورة واسم موكلته والزج باسم قضية الفيرمونت من قِبل صنّاع المسلسل كاستراتيجية تسويق. وهو ما اعتبره انتهاكًا لحق الشاهدة في الخصوصية. لكن بعد قرار التحقيق، نشر بيانًا يوضّح أنه لم يتقدم بأي بلاغات ضد "الطاووس" لمنعه من العرض. كما قرر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بعد التحقيق مع المنتجين، حفظ الشكاوى المقدمة ضد المسلسل "الطاووس" حيث تبين الحصول على الموافقات اللازمة من الرقابة على المصنفات الفنية.

قصة المسلسل
تدور أحداث المسلسل حول البطلة "أمنية" (تقوم بدورها سهر الصايغ) التي تسافر إلى الساحل الشمالي حيث تعمل مع صديقتها في حفل زفاف خاص بأحد الفنادق السياحية. وبينما تعمل أمنيّة في تنظيف دورات المياه يصادفها أصدقاء العريس ويقوموا بمضايقتها ثم تخديرها واغتصابها أثناء فقدانها الوعي ثم تصويرها. تتكتّم أمنية وصديقتها على الجريمة خوفًا من الفضيحة ولأن المغتصبين من أبناء رجال الأعمال المُهمّين. تواجه أمنيّة العديد من المشكلات مع أهلها الذين لا يصدّقون اغتصابها، وتطردها أختها. بينما تتعاون مع المحامي كمال الأسطول (جمال سليمان) ويتعرضان للتشهير والضرب بعد رفعهما قضية تم منع المتهمين من السفر على إثرها واستدعائهم للتحقيق في النيابة. 

إعلان

أوجُه التشابه بين الطاووس وفيرمونت
لا شك أن أحداث المسلسل تتشابه بدرجة كبيرة مع القضية التي أثارت جدلًا موسّعًا في النصف الثاني من عام ٢٠٢٠، حيث تم تخدير فتاة واغتصابها وتصوير الجريمة في فندق فيرمونت بالقاهرة عام ٢٠١٤ من قِبل مجموعة من أبناء رجال الأعمال ذوي الثقل والنفوذ. تم فتح ملفها مرة أخرى بعد سيل من قضايا العنف الجنسي التي أثيرت على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر منتصف ٢٠٢٠. أمرت النيابة العامة المصرية بفتح تحقيق في الواقعة وتم منع عدد من الجناة من السفر للخارج، بينما تم القبض على أفراد منهم لاحقًا.

تم القبض على الشاهدة نازلي مصطفى، ابنة الفنانة نهى العمروسي، رغم أنها شاهدة وليست مُتهمّة في القضية. بعد إخلاء سبيل نازلي، تم إخلاء سبيل ثلاثًا من المعتدين قبل أن تستأنف النيابة على القرار ويتم احتجازهم مرة أخرى الشهر الماضي. في مطلع أبريل الجاري، نفى مخرج الطاووس أن للمسلسل أي علاقة بقضية فيرمونت بعد تغريدات طالبت بوقف عرض المسلسل لأن قضية فيرمونت مازالت قيد التحقيقات الرسمية. 

أحداث الطاووس تبدو مقتبسة من قصة اغتصاب فيرمونت إلا من تغييرات درامية بسيطة. فمثلًا، أمنيّة فتاة فقيرة حضرت الحفل من أجل العمل، بينما ضحية فيرمونت فتاة من طبقة عُليا حضرت الحفل من أجل الترفيه. المقطع المصوّر السابق للجريمة والذي تبدو فيه عملية الاستدراج تم نشره على الإنترنت في المسلسل، بينما تم تداول فيديو الجريمة نفسها على نطاق أضيق قليلًا في فيرمونت. استخدام عائلات الجناة الإنترنت والإعلام لتشويه الضحية حدث في الحالتين مع تغييرات طفيفة.

إعلان

إظهار علاقات القوة بين الجناة ونفوذهم وبين الضحية جليًا في المسلسل، كما هو الحال في قضية فيرمونت. قرارات المنع من السفر أيضًا مُتشابهة. إلا أنه في قضية فيرمونت، أصدرت النيابة العامة قرار منع السفر بعد سفر بعض الجناة بالفعل والذين مازالوا بالخارج. مع انكشاف حبكة المسلسل الدرامية، يُمكننا إيجاد المزيد. ما تشابه بين المسلسل وقضية فيرمونت، كانت معدلات البحث المتزايدة عن فيديوهات الاغتصاب. وقت اندلاع قضية فيرمونت، تصدر البحث عن فيديو الاغتصاب مواقع أفلام البالغين. بينما يتصدر البحث هذا الأسبوع كلمات مفتاحية حول "مشهد اغتصاب الفنانة سهر الصايغ في مسلسل الطاووس." يبدو أن القيم الأسرية تنطوي على رغبات المواطنين في مشاهدة وقائع الاغتصاب والعنف الجنسي.

مسلسل الطاووس يُهدد قيم الأسرة المصرية
كما صرّح المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، فإن البلاغات المُقدمة ضد المسلسل أفادت أنه ينتهك قيم الأسرة المصرية. لكنني شاهدتُ المسلسل وبدوري، لا أرى أي انتهاكات لا لقيم أسرية (التي لا نعرف ماهيتها ولا يوجد نص قانوني واضح بتعريفها) ولا غيرها. على النقيض، أتاح المسلسل لأول مرة على الشاشة وجود جمل صريحة عن الرضائية، الوصم، والدعم النسائي. صحيح أنها سريعة كومضة ضوء، إلا أنها شقّت طريقًا للشاشة الصغيرة.

إعلان

أثناء نقاشه مع مُساعده حول حيثيات القضيّة، قال جمال سليمان أنه حتى لو فقدت وعيها بنفسها –في إشارة إلى الكحول والمُغيّبات- فذلك لن يكُن أبدًا مُبررًا للاغتصاب. وجمل صريحة عن وصم الضحايا قالتها الفنانة سميحة أيوب مُفسّرة الوصمات الاجتماعية التي تتوقف بعدها الحياة الاجتماعية والمهنيّة لضحايا العنف الجنسي. يظهر بوضوح دعم النساء لنساء أخريات تعرضنّ للعنف الجنسي، وتتجلّى مشاهده في الصحافية التي ترافق أُمنية في النيابة وأثناء عرضها على الطب الشرعي رغم عدم وجود سابق معرفة بينهما. وهو ما رأيناه خلال الشهور الماضية من التعبئة المستمرة على مواقع التواصل الاجتماعي لنصرة ضحايا الاعتداء الجنسي. كما تتجلّى في استضافة سميحة أيوب للضحيّة في بيتها دون معرفة شخصية أيضًا، مؤمّنَة لها مساحة خالية من الوصم والأحكام الأخلاقية وتبريرات الاغتصاب. وذلك أيضًا حدث مع عدّة نساء تعرّضنّ للعنف الجنسي خلال الشهور السابقة.

جميع الادعاءات ضد المسلسل فارغة. المسلسل لا ينتهك قيم الأسرة المصرية وليس خطراً على هوية الأسرة المصرية - الهوية التي أنتجت لنا أحمد بسّام زكي، عصابة مغتصبي القاهرة، متحرش المعادي، مخرجين، وصحافيين، وغيرهم من المُنتهكين والمُعتدين جنسيًا.

إعلان

يزعُم البعض أن المسلسل استخدم لغة تُخالف لائحة أكواد المجلس التي تحظر مشاهد العنف، رغم أن ولا حلقة واحدة حتى الآن ظهر فيها مشهد الاغتصاب، ولم تحتوِ المشاهد على كلمات خارجة، وهناك شارة واضحة على الشاشة بأن المسلسل لمَن هم فوق السادسة عشر. كما أن المشاهد المُقدّمة ليس بها ما يُخالف احترام المُشاهدين. على العكس، هناك أعمال درامية أخرى هذا العام، تنتهك بوضوح أكواد المجلس الإشكالية، وبها مشاهد عنيفة للغاية سواء كانت قتل، أو ضرب، أو تحرش جنسي، أو تعاطي مُخدِّرات. لكنها لم تحظَ بكل هذه الجلبة ولم يتم استهدافها.

رغم اعتراضي الشخصي على تقديم شخصية أمنيّة بأنها الضحية المثالية التي تعرضت للاغتصاب أثناء كسب رزقها، وترتدي ملابس فضفاضة، وتسعى لتبرئة سُمعتها بدلًا من الانتقام من الجنّاة كهدف أساسي للتقاضي. لكنّني لا أجد ما يمنع تقديم الشخصية بهذا الشكل الإشكالي. في النهاية هذا عمل درامي، يُمكننا تحليله ونقده وليس منعه من الظهور بقرارات تعسّفية لا نعرف حتى أسبابها الحقيقية.

من الواضح أن هناك خلل في رؤية ما تتعرض له ضحايا الاغتصاب في المجتمع المصري وصعوبات إثبات الاعتداء وقبوع مسؤوليته عليهنّ. وأخشى أن هناك من لا يُريد لمثل تلك المهازل أن تُطرح للنقاش العام في عمل درامي، ويرى في تأطيرها بهذا الشكل تهديدًا على الأسرة المصرية المُتحيّزة ضد النساء.

إعلان

لغز الهجوم على مسلسل الطاووس
هناك مَن يقولون أن السبب وراء الشكاوي هو عائلات مغتصبي الفيرمونت بالفعل. وأنهم لا يُريدون تسليط الضوء مرة أخرى على القضيّة، فيكون سهلًا عليهم تخليص أبنائهم منها ولو بعد سنوات. إنما إنعاش ذاكرة المشاهدين بجريمة بشعة كجريمة فيرمونت، ستتسبب في بقاء القضية تحت الضوء وتحت لواء أنها قضية رأي عام يلزمها رد فعل قضائي رادع ضد الجناة. وهناك مَن يقولون أن الشركة المُنتجة للمسلسل شركة حديثة العهد في السباقات الرمضانية. ما سيخلق لها مساحة في سوق شركات الإنتاج الذي تحتكره شركات بعينها منها شركات تملكها أجهزة سيادية. أي أن قرار الإيقاف لعبة بيزنس.

وهناك مَن يقولون أن المنع سببه ذكوري وأبوي بامتياز. هناك أشخاص يرون أن تشجيع النساء على الإبلاغ عن قضايا العنف الجنسي يُهدد قيم المجتمع المصري ويهدم الأسرة المصرية. يُريدون للأسرة المصرية أن تظل عنيفة دون إدانة ولو على الشاشة. فالأسرة في المسلسل تتمثل في سُمية أخت البطلة التي تطردها من منزل أبويهما. وعائلات الجناة الذين يسعون بكل جهودهم لتخليص أبنائهم من السجن والتغطية على جرائمهم المُتعددة.

هناك لغز ما. فتلك ليست قضية الاغتصاب الأولى التي يتم طرحها في عمل درامي. فقد سبقها مسلسل "قضية رأي عام" للفنانة يُسرا، ومسلسل "ضد مجهول" للفنانة غادة عبد الرازق، وفي العملين كانت مشاهد الاغتصاب أعنف وأوضح على الشاشة ولم يتسببا في أي أزمة وقت أو بعد العرض. أنتج "قضية رأي عام" العدل جروب، وأنتجَ "ضد مجهول" سنيرجي تامر مرسي، وهي معلومة تستحق الالتفات لها عند مناقشة قرار الأعلى للإعلام حول مسلسل الطاووس الذي أنتجته شركة ستارز ميديا التي بدأت عملها في مجال الإنتاج عام ٢٠١٢.

بالنسبة إليّ، هذا المسلسل عمل درامي مهم يعكس أحداث حافلة حدثت العام الفائت على مستوى النقاش عن العنف الجنسي وحقوق المُعتدى عليهنّ/م. مسّني العمل والممثلات/ين كامرأة مهتمّة بقضايا العنف الجنسي ضد النساء. أرى أن عرض المسلسل نقطة إيجابية وسط أعمال دراميّة أخرى لم أرى نفسي وقضايايّ مُمثله فيها كامرأة تعيش في مصر. هذا المسلسل سبب رد فعل عاطفي وأشعل بداخلي نيران غضب وقائع الاعتداءات الجنسية الأخيرة. لو تلك هي المهمة الوحيدة للمسلسل، فقد نجح صناعه وصانعاته في تحقيقها. أرى قضية تهمّني وتُمثل مخاوفي وقلقي. أرى تجسيدًا واقعيًا لكيف يرى الناس ضحايا الاغتصاب. أرى نفسي في أمنيّة، وهبّة وماتيلدا، وأرى كل امرأة تدفع ثمن كونها امرأة تعيش هنا والآن.

ملاحظة: تم تعديل المقال واضافة قرار المجلس الأعلى للاعلام الخاص بحفظ الشكاوي.