الروهينجا
EU Civil Protection and Humanitarian Aid

FYI.

This story is over 5 years old.

سياسة

مأساة الروهينجا: هل نشهد داعش جديد في جنوب شرق أسيا؟

قد تكون بداية لتنظيم عنيف جديد

يعتبر تاريخ الروهينجا في بورما، من الأمور الإشكالية التي لا توجد تفاصيل دقيقة ومؤكدة حولها، حيث تضافرت العديد من العوامل الإثنية والدينية والتاريخية في خلق محنة حقيقية يعاني منها مئات الألاف من أبناء ذلك العرق، وهو الأمر الذي يثير التكهنات باحتمالية ظهور بؤر إرهابية جديدة في تلك المنطقة المتطرفة في جنوب شرق أسيا.

الروهينجا: التهميش يدفع إلى العنف
بحسب تقرير مركز بيو للأبحاث في 2010م، فإن شعب الروهينجا الذي يستوطن إقليم أركان الواقع في غرب البلاد، يزيد تعداده عن المليون نسمة، وهو ما يقترب من 4% من إجمالي سكان بورما.

إعلان

في كتابه المعنون ب “الهويات المتنافسة والتاريخ المهجن للروهنجيبن"، يؤكد المؤرخ الفرنسي جاك ليدر، أن الكثير من الشكوك تحيط بالأصل الذي اشتقت منه لفظة روهينجا، وأنه لم يتم استخدام ذلك المصطلح قبل فترة ستينيات القرن العشرين.

الروهينجا الذين ترجع أصولهم إلى الهند، وتم استقدامهم لبورما بواسطة السلطات البريطانية الاستعمارية في شكل هجرات كثيفة متتابعة، اصطدموا بالأغلبية البوذية بشكل عنيف منذ عام 1930م، وأدت محاولات الإنجليز المستمرة للقضاء على التناحر والصراع ما بين الفريقين، إلى شعور الأغلبية بأن المسلمين مدعومين من المحتل البريطاني، مما هيج من عصبيتهم القومية والدينية.

بعد استقلال بورما في 1948م، بدأت السلطة العسكرية الحاكمة في التعامل مع الروهينجا على كونهم أقلية غير مرغوب فيها، فتعرضوا للتهميش والإقصاء، ورفضت الدولة منحهم الجنسية حيث اعتبرتهم مهاجرين غير شرعيين من البنجلاديش؛ ورغم تحول البلاد إلى النظام الديموقراطي المدني في 2010م، إلا أن أوضاع الروهينجا لم تتحسن ولم تغير الدولة من طريقة تعاملها معهم. شاهد أيضا: عيش مع الروهينغا … عندما تخلى ستة مشاهير من المنطقة عن حياتهم الاعتيادية لعدة أيام، وانضموا إلى اللاجئين في مهمة مع المفوضية لتسليط الضوء على إحدى أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، وتذكير العالم بالوحدة الإنسانية بعيداً عن أي اختلافات تفرق بين البشر.

أمام تلك الخطوط الحمراء المفروضة عليهم، وجد مسلمي أراكان أنفسهم مدفوعين دفعاً إلى خوض الكفاح المسلح ضد السلطة البورمية، وبحسب ما يذكر جاك ليدر، فإن مسلمي الروهينجا في عام 1954م طالبوا باستقلال أراكان عن دولة بورما، ورغم انهزامهم إلا أنهم لم يستسلموا تماماً إلا في عام 1961م.

إعلان

وعقب الانهزام، بقت عرقية الروهينجا عصية على الانصهار الكامل في المجتمع البورمي الذي يشتمل على 135 عرقية رسمية ومعترف بها، ويلفت ليدر النظر، إلى أن مطالب الروهينجا لم تحظ بقبول كافة المسلمين في أماكن أخرى في ميانمار، ربما "لأنها لم تُفهم على كونها حركة ذات قاعدة شعبية تسعى لتثبيت المؤهلات العرقية، بقدر ما فهمت بأنها مشروع سياسي".

من النقاط المرتبطة بتلك المسألة، أن الدولة في بورما قد حملت تصرفات الجماعات الإسلامية القريبة جغرافيا ببورما، على الروهينجا، وهو ما أسفر عن تسريع حدة اضطهادهم، في أوقات بعينها، فمثلاً عقب تدمير حركة طالبان لتماثيل بوذا في أفغانستان في 2001م، قامت الجماعات البوذية المتطرفة المدعومة من الدولة، بالبطش بالروهينجا في أراكان، حيث قُتل العديد منهم وحرقت بعض المساجد والمنازل والمنشآت الخاصة بهم، وذلك بحسب ما أكدت عدد من المنظمات الحقوقية.

وكرد فعل لتلك الانتهاكات المتكررة، ظهرت حركة يقين، والتي تُعرف خارج أراكان باسم جيش إنقاذ روهينجا أراكان، وقد وجهت لها السلطة البورمية تهمة الارهاب والاعتداء على مراكز شرطية وحكومية وقتل العديد من رجال الشرطة في أغسطس الماضي، وهي التهمة التي على إثرها بدأت حملة الاضطهادات والقمع الأخيرة.

موقف الدول الإسلامية: مساعدات من دول الجوار وتحفظ عربي
تباينت ردود أفعال الدول الإسلامية، فيما يخص الأزمة القائمة حالياً في أراكان، ففي حين أظهرت الدول الأسيوية المجاورة والقريبة من بورما تعاطفاً واهتماماً ملحوظين، فإن الأنظمة العربية تعاملت مع الموقف بدبلوماسية وتحفظ يقتربان من اللامبالاة، وسط غياب ملحوظ للحراك الشعبي والجماهيري.

بنجلاديش، بحكم التقارب الجغرافي والعرقي، كانت من أكثر الدول الإسلامية تفاعلاً مع القضية الروهينجية، حيث استقبلت في أسبوعين ما يزيد عن 313 ألف لاجئ روهنجي، كما اندلعت فيها مظاهرات حاشدة لدعم مسلمي أراكان.

إعلان

أما إندونيسيا، فقد شهدت استنكاراً شعبياً واسعاً، وصل لدرجة الهجوم على سفارة بورما وإلقاء قنبلة حارقة على أحد مبانيها، مما دفع بالدولة لإرسال وزيرة الخارجية لمناقشة الوضع المتأزم مع الحكومة البورمية.

ماليزيا أرسلت بعض المساعدات الإنسانية العاجلة للفارين إلى بنجلاديش، ودعا وزير خارجيتها منظمة الأسيان للتدخل وإنهاء الوضع المضطرب، كما صرح رئيس خفر السواحل الماليزي أن قواته لن تصد أي من الفارين إليها، وأنه سوف يتم توفير ملجأ مؤقت لهم.

باكستان التي يعيش فيها ما يزيد عن 300 ألف روهنجي فروا إليها في ستينيات القرن الماضي، شهدت مسيرات شعبية ضخمة للتنديد بما قامت به بورما، مما أجبر الحكومة الباكستانية على استدعاء السفير البورمي للاحتجاج لديه على إفراط حكومته في استخدام العنف.

أما في جروزني، فقد شارك الرئيس الشيشاني رمضان قديروف في مظاهرة حاشدة وطالب باستخدام السلاح النووي ضد بورما إن لم تكف عن اضطهاد المسلمين.

في العالم العربي خرجت البيانات الرسمية للشجب والاستنكار والتنديد فحسب، حيث أصدر أمين عام جامعة الدول العربية بياناً يستنكر فيه الأوضاع في بورما، بينما أعلنت السعودية عن تواصلها مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لإدانة الاعتداءات التي يتعرض لها الروهينجا، أما مصر فقد طالبت السلطات البورمية باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لوقف العنف، وهو الأمر الذي قام به معظم زعماء وقيادات الدول العربية.

كيف استفادت القوى الراديكالية من الموقف؟
استفادت القوى الراديكالية الإسلامية كثيراً، مما يحدث في منطقة أراكان الأن، وسط توقعات بتزايد النزعة إلى الإرهاب والعنف في تلك المنطقة في المستقبل القريب.

إيران التي لا تزال حتى الأن تدعو لنشر أيديولوجيتها الثورية بين دول الجوار، وجدت في المأساة الرهينجية فرصة سانحة لإظهار شعاراتها الإسلامية التي لطالما رفعتها من قبل، فقد شهدت طهران وعدد من المدن الإيرانية مظاهرات ضخمة، للتنديد بما يحدث في أراكان.

إعلان

كما أن بعض التصريحات المنسوبة للمسؤولين الإيرانيين، أشارت لمحاولة طهران الاستفادة من القضية، لصالح اجندتها الخارجية الخاصة، ومن ذلك تصريح علي أكبر ولايتي مستشار مرشد الجمهورية الإيرانية، الذي ورد فيه "الإبادة البشرية للمسلمين في ميانمار مشروعاً صهيونياً يجري تنفيذه بالتنسيق مع حكومة ميانمار".

طهران حاولت أن تُظهر دعمها للروهينجا، من خلال تصريحات وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، والذي أكد أن بورما قد تجاهلت طلبها لتوصيل المساعدات للمنكوبين.

على الجانب الأخر، فقد أكد الحرس الثوري الإيراني في بيان له، استعداده "لتقديم أي اسهام لمساعدة مشردي ميانمار" واصفاً دعم المسلمين المظلومين هناك بالمسؤولية التاريخية.

دعوات الحرس الثوري، تفتح الباب أمام إمكانية حدوث حالة من حالات الاستقطاب، والذي بموجبه تنضم عناصر من الروهينجا إلى قوات الحرس الثوري المنتشرة في الكثير من دول الشرق الأوسط، خصوصاً وأن لطهران تجارب مشابهة فيما يخص الاستعانة ببعض الباكستانيين والأفغان الذين مروا في بلادهم بظروف مشابهة لما يحدث للروهينجا في أراكان.

جماعة الإخوان المسلمين، والأنظمة الداعمة لها في قطر وتركيا، استغلوا مأساة شعب الروهينجا أيضاً، لانتقاد الزعماء العرب المعادين لهم، من خلال التأييد والدعم القويان اللذان تم اظهارهما لمسلمي أراكان.

تركيا، التي يعتبرها الكثيرون معقل الإخوان المسلمين الجديد في المنطقة، سارعت هي الأخرى لإظهار اهتمامها بالقضية الروهينجية، حيث أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن بلاده تقوم بحراك دبلوماسي قوي لحل المشكلة، وأنه أجرى اتصالات هاتفية مع 20 من زعماء العالم للبحث عن حلول للأزمة.

في الوقت نفسه، أرسلت أنقرة مساعدات مادية ضخمة للحدود البنجلادشية مع بورما، وسافرت زوجة الرئيس التركي لتفقد أحوال المنكوبين، في خطوة أظهرت حرص الأتراك على نصرة الإسلام، وبينت في الوقت ذاته تقاعس الأنظمة العربية.

إعلان

جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، لم يكونوا الفصيل الإسلامي الوحيد الذي اهتم بالقضية الروهينجية، بل إن الحركات الراديكالية العنيفة مثل القاعدة كان لها دور أيضاً.

فبحسب ما أورده مركز سايت لرصد المواقع الجهادية، فإن خالد باطرفي وهو أحد القياديين البارزين في تنظيم القاعدة باليمن، قد دعا لشن هجمات على السلطات في بورما، ووجه ندائه خاصة، إلى مسلمي بنجلاديش والهند وأندونسيا وماليزيا.

خطاب القيادي الجهادي، جاء متوافقاً مع الدعوات التي ظهرت في جنوب شرق أسيا، والتي دعت صراحة لإعلان الجهاد، ومنها دعوة (جبهة المدافعين الإسلامية المتشددة)، والتي دعت مسلمي أندونسيا للتطوع في عمليات الجهاد في أراكان.

الكثير من المراقبين أبدوا تخوفهم من تحول إقليم أراكان وقاطنيه من مسلمي الروهينجا، إلى مركز جديد لتفريخ العناصر الإسلامية المتشددة، خصوصاً أن ما تمر به المنطقة من عوامل الفقر والاضطهاد والإقصاء والعنف، هي ظروف ممتازة لخلق وتطور الحركات الإرهابية.

ومما يرجح من احتمالية تحقق تلك السيناريو، العلاقة المريبة التي تجمع ما بين تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وجيش انقاذ الروهينجا.

فداعش التي أعلنت اقامة الخلافة في أرض العراق والشام في 2014م، حرص زعيمها أبو بكر البغدادي على حث أنصاره ومؤيديه على الجهاد في أراكان في مرحلة مبكرة من عمر دولته، وهو الأمر الذي يعني أن قضية الروهينجا تشغل حيزاً كبيراً في اهتمامات التنظيم، وأن مظلومية المسلمين هناك من الممكن أن تستخدم في سبيل صناعة تنظيمات راديكالية أخرى.

دعم التنظيمات الجهادية لمسلمي أراكان، لم يقتصر على الجانب المعنوي فقط، بل أن هناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى حدوث اتصال وتنسيق مشترك ما بين الطرفين، حيث أشارت بعض التقارير في وقت سابق إلى أن تنظيم الدولة قد نجح في تجنيد عدد من أفراد الروهينجا الموجودين في السعودية، وأن هؤلاء بعد تجنيدهم قد تم نقلهم إلى داخل الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم.

كما أنه وفي بدايات 2017م، اعلنت الشرطة الماليزية، عن اعتقالها لعدد من الإرهابيين الذين كانوا يخططون لتنفيذ عمليات ارهابية في بورما لدعم قضية الروهينجا، كما أنه -وبحسب تصريح الشرطة الماليزية وقتها- فإن عشرات المسلمين في كل من الفلبين وأندونسيا وماليزيا، والذين يتبعون تنظيم الدولة الإسلامية، قد تتاح لهم فرصة الذهاب إلى بورما لمساعدة إخوانهم من الروهينجا.

فإذا أضفنا لذلك كله، ما تم نشره على شبكة المعلومات الدولية، من صور ومقاطع فيديو يظهر فيها عناصر من الروهينجا وهم يتلقون التدريب العسكري، عرفنا أن احتمالية ظهور تنطيم جهادي جنوب شرق أسيوي جديد في أراكان ليس بالأمر العسير أو المستحيل تحققه.