تلفزيون

"ما وراء الإنتاج": كيف تؤثر إنتاجات نتفلكس على الدراما العربية؟

الإخراج والتصوير والإيقاع السريع أهم ما يميز إنتاجات نتفلكس عن الدراما العربية التقليدية
56344410_2308090292738666_6062142172738617344_o
الصورة من صفحة نتفلكس على فيسبوك

قبل بداية شهر رمضان الماضي عرضت القنوات إعلانات المسلسلات المنتظر عرضها مع بداية الشهر. في نفس الوقت أُعلن عن تطبيق "Watch it" لمشاهدة هذه المسلسلات بلا إعلانات مقابل 99 جنيه مصري شهريًا. وبعد الإعلان عن التطبيق وجد البعض طريقة لاختراقه وإنشاء حساب على موقعه مجانًا، ما دفع المسؤولين عنه إلى جعله مجاني حتى نهاية شهر رمضان.

في الوقت ذاته كنت قد اشتركت في نتفلكس، وهي لمن لا يعلم خدمة مشاهدة للأفلام والمسلسلات عبر الإنترنت مقابل اشتراك شهري. وجدت في نتفلكس مهربًا من التليفزيون الذي آثرتُ على نفسي ألا أشاهده طوال الشهر الكريم، حتى لا أصطدم - صدفةً - بأي مشهد من مشاهد المسلسلات المعروضة على جميع القنوات تقريبًا.

إعلان

عرضت نتفلكس في رمضان الماضي عددًا من المسلسلات المصرية والعربية، تضمنهم 4 مسلسلات تُعرض لأول مرة وهم (الكاتب - أنا عندي نص - حضن الشوك - ماذا لو). قبلها كانت قد أعلنت نتفلكس عن عرض مسلسل "جن" الأردني قريبًا، من إخراج أمين مطالقة ومير جان بوشعيا. مسلسل "جن" هو أول مسلسل من إنتاجات نتفلكس الأصلية الناطقة باللغة العربية، لكنه لن يكون الأخير.

أثار مسلسل "جن" جدلًا واسعًا بعد عرضه، حيث اتهمه البعض بالإساءة إلى سمعة الأردن كـ"بلد إسلامي"

قبل بداية شهر رمضان بما يقرب من أسبوعين أعلنت نتفلكس عن مسلسلها العربي (الأردني) الثاني "مدرسة الروابي للبنات" من إخراج تيما الشوملي. وقبل نهاية شهر رمضان أُعلن عن ثالث مسلسل عربي، والأول مصريًا، وهو "ما وراء الطبيعة" عن سلسلة الروايات الشهيرة التي تحمل الاسم نفسه للكاتب أحمد خالد توفيق، ومن إخراج عمرو سلامة. ويبدو أن هذه المسلسلات مجرد بداية ضمن سلسلة إنتاجات نتفلكس الأصلية الناطقة باللغة العربية؛ فكيف يمكن أن تؤثر نتفلكس على الإنتاج العربي؟

الهيمنة على السوق
بدأت نتفلكس عملها عام 1997 بعدما أنشأها مهندسا البرمجيات رييد هاستنجز ومارك رودولف. قدمت الشركة خدمة إيصال أسطوانات الدي في دي للأفلام إلى البيوت عن طريق استئجارها بباقة شهرية. عام 2008 بدأت الشركة في التوسعة لإطلاق منصة لمشاهدة الأفلام والمسلسلات عبر الانترنت. وعام 2013 أسست نتفلكس قواعدها كشركة مُنتجة للمحتوى بإنتاجها مسلسل "House of Cards" أحد أنجح أعمالها، حيث فاز بالعديد من جوائز الإيمي والجولدن جلوب في سنوات عرضه منذ 2013 حتى 2018.

عام 2018 أكدت نتفلكس هيمنتها على سوق المشاهدة المنزلية عبر الإنترنت؛ حيث وصل عدد مشتركيها إلى 130 مليون في 190 دولة حول العالم. بالإضافة إلى إنتاجها إلى ما يقرب من 82 فيلمًا في نفس العام، وعددًا كبيرًا من المسلسلات أيضًا. لذلك اتجهت إلى إنتاج العديد من الأفلام والمسلسلات خارج الولايات المتحدة الأمريكية، مما أكد على خطتها التوسعية للإنتاج العالمي.

إعلان

أول القصيدة "جِن"
عُرض مسلسل "جن" في شهر يونيو من العام الجاري. يحكي المسلسل عبر خمسة حلقات عن رحلة مدرسية إلى مدينة البترا (البتراء) الأثرية الشهيرة، حيث يتقابل الطُلاب مع القوى الماورائية (الجن) لتبدأ الأحداث المثيرة/ المرعبة. أثار المسلسل جدلًا واسعًا بعد عرضه في العديد من الأوساط الأردنية. البعض اتهم المسلسل بالإساءة إلى سمعة الأردن كبلد إسلامي، حيث ظهر الُطلّاب وهم يشربون الخمر ويتعاطون المخدرات ويسبّون بعضهم بالألفاظ نابية، فضلًا عن تقبيل إحدى بطلاته لحبيبها، وهو ما اعترض عليه النائب العام الأردني والمُفتي أيضًا.

على الجانب الآخر دافع البعض عن المسلسل وقالوا إن المجتمع الأردني متنوع ويوجد فيه ما هو أكثر مما ظهر في المسلسل، وأن الألفاظ النابية والعلاقات بين الجنسين وتعاطي المخدرات أمور غير مُختلقة تحدث على أرض الواقع. في الوقت نفسه دافعت صفحة نتفلكس الخاصة بالشرق الأوسط عن تعرّض بعض صُنّاع العمل وممثليه إلى ما أطلقت عليه الصفحة "تنمرًا".

من جانبها، أصدرت أيضًا الهيئة الملكية الأردنية للأفلام بيانًا تضمن توضيحًا لدورها في إدارة العملية الإنتاجية، وأنها ليست جهة رقابية ولا تُشرف على السيناريو، بل تسعي إلى تسهيل التصوير ومساعدة الإنتاج المحلي والعالمي. وأشارت الهيئة أيضًا إلى أن نتفلكس منصة لا يُشاهدها إلا المشتركين في خدماتها، فمن حقك أن تختار الاشتراك أو عدمه، وأن مستخدميها يمكنهم بعد الاشتراك اختيار الاستمرار في المشاهدة أو عدمها أيضًا.

يمكننا أن نقول أن نتفلكس وصُنّاع المسلسل نجحوا في إثارة الجدل حول العمل الدرامي، لكن هل نجح المسلسل جماهيريًا ونقديًا بعيدًا عن الأخلاقيات؟ حصل المسلسل على تقييم 3.4/10 على موقع "IMDB" من حوالي 8000 آلاف مشاهد، التقييم جاء سيئًا بسبب ضعف السيناريو والحوار - الذي اعتبره البعض مترجمًا ترجمة سيئة عن الإنجليزية - وضعف أداء بعض الممثلين أيضًا، فيما أشاد العديد من المستخدمين بجودة الصورة ومواقع التصوير والخدع البصرية.

إعلان

كان لابد بالطبع لكل ذلك أن يُثير السؤال في أذهان المهتمين بالمسلسلات حول جودة الأعمال العربية المُنتجة عبر نتفلكس. وهل من المتوقع أن تكون مثيرة للجدل فقط أيضًا؟ أم سنشهد تطويرًا كبيرًا من ناحية عدد الحلقات والعرض على مواسم وطُرق السرد والتصوير وغيرهم؟

إيجابيات وسلبيات
سنويًا يشتكي المُشاهدون من الإطالة والمط الواضحة في أحداث المسلسلات العربية. والسبب في ذلك يرجع إلى عدم إمكانية تقليل عدد الحلقات عن 30 بعدد أيام شهر رمضان، الموسم المسلسلاتي الأكبر، لأسباب تتعلق بالإعلانات وعقود البيع للقنوات وخلافه. بالإضافة إلى متاعب الصناعة التي تتضمّن البدأ في تصوير المسلسل قبل شهر رمضان بأيام قليلة، واستكمال عمليات مرحلة الإنتاج وما بعد الإنتاج (المونتاج والمكساج وغيرهم) خلال شهر رمضان، وبعض المسلسلات قد ينتهي تصويرها في أواخر أيام الشهر، أي قبل عرض الحلقة الأخيرة بيوم أو يومين فقط، ما يؤدي عادةً إلى الكثير من الأخطاء من جهة الاستمرارية والإيقاع وتتابع الأحداث، وغيرها.

الحبكة والإيقاع السريع أحد أسباب جذب المشاهدين العرب خاصة الشباب لـ"نتفلكس" على حساب المحطات التلفزيونية والسينما

الإخراج والتصوير أهم ما يميز إنتاجات نتفلكس الأصلية، خاصة في النسخ الأجنبية ذائعة الصيت مثل House of Cards و Narcos، فضلًا عن الحبكة الدرامية والإيقاع السريع المختلف عن الدراما العربية التقليدية، وهو أحد أسباب جذب قطاع كبير من المشاهدين العرب، خاصة الشباب، لـ"نتفلكس" على حساب المحطات التلفزيونية، وحتى في السينما، للدرجة التي انسحب معها البساط من تحت أقدام الفضائية الأهم في عرض الأفلام طوال السنوات العشرين الماضية MBC2، لأسباب متعلقة بخصائص نتفلكس، من حيث إمكانية المشاهدة في أي وقت، ومواصلة المشاهدة من أي مكان، عبر الهاتف أو اللاب توب، وهو النمط الأنسب لجيل الشباب الذي يمثل الشريحة الأكبر لسكان الدول العربية، بالإضافة إلى تنوع المحتوى الذي توفره نتفلكس.

إعلان

بصمة نتفلكس الإخراجية انعكست على أداء بعض الكتاب والمخرجين العرب، وظهر في أعمال مثل مسلسل "طايع" للمخرج عمرو سلامة، والذي عرض خلال شهر رمضان 2018 (يعرض حاليًا على شبكة نتفلكس) حيث تميز المسلسل بسرعة الإيقاع، والاعتماد على لقطات سينمائية غير مألوفة على الدراما، فضلًا عن طابع التشويق الذي غلب على الأحداث؛ لذلك لم يكن مستغربًا أن يكون عمرو سلامة، "مخرج طايع"، هو مخرج أول عمل درامي مصري من إنتاج نتفلكس، مسلسل "ما وراء الطبيعة".

السلبي فيما يخص نتفلكس أن الاشتراك مقابل مبلغ مالي، ليس كبير حقيقية، لكنه قد يجعل البعض غير قادرين على الاشتراك في الخدمة

على الجانب الآخر تتبع نتفلكس طريقة مختلفة في الإنتاج، بدايةً من عدم التزامها بشهر مُعين لعرض المسلسلات، مرورًا باختلاف عدد الحلقات، سواء أنتج المسلسل في الولايات المتحدة أو خارجها، وصولًا إلى الانتهاء من جميع عمليات الإنتاج قبل عرض المسلسل، حيث قد يستغرق إنتاج موسم من إحدى المسلسلات ما يزيد عن سنة وأكثر.

مثال، مسلسل "جن" عدد حلقاته 5 فقط، مدة الحلقة حوالي 30 دقيقة، أي أن عدد ساعات المسلسل مجتمعين حوالي ساعتين ونصف فقط، مما يجعله قابلًا للمشاهدة في يوم أو يومين على أقصى تقدير (مدة فيلم سينمائي طويل نسبيًا). في المقابل مسلسلات رمضان تتكون عادةً من 30 حلقة، كل حلقة ما يقرب من 30 دقيقة، أي أن عدد ساعات المسلسل مجتمعين حوالي 15 ساعة، وهو ما يُصعّب من مشاهدته أو متابعته بسهولة لمن يريدون مشاهدة مسلسل في أقصر مدة زمنية ممكنة.

ليست جميع مسلسلات نتفلكس تتكون من 5 حلقات فقط بالطبع، بعض المسلسلات تصل إلى 10 أو 15 حلقة على أقصى تقدير. تتراوح مدة الحلقة الواحدة من 22 دقيقة إلى 55 دقيقة. تبدأ عملية الإنتاج من الكتابة، حيث يجتمع فريق الكتابة مع الكاتب أو الكُتّاب الرئيسيين لوضع الخطوط العريضة للمسلسل ورسم الشخصيات. ثم يبدأون في تقديم الأفكار المختلفة للحلقات، وعندما يتفقون على فكرة مطروحة يعملون عليها جميعًا، مما يحتاج إلى الكثير من الوقت.

على عكس طريقة الكتابة في بعض المسلسلات المصرية، حيث يكون المسؤول عن الكتابة - أو على الأقل من يُكتب اسمه على التترات - كاتب واحد أو كاتبين أو ثلاثة على الأكثر. ومع قِصر وقت العملية الإنتاجية، يُصبح كتابة حلقة كل يوم - تقريبًا - أمرًا غاية في الصعوبة، ما يجعل النص عُرضة للأخطاء الكثيرة. وهو ما قد ينتهي بإنتاج نتفلكس للمسلسلات العربية.

أيضًا، تُنتج شركة نتفلكس عادةً مسلسلات ذات قصص أصلية، ومع إتاحة زمن مناسب للإنتاج، قد يقلل ذلك من اقتباس المسلسلات الأجنبية، سواء بالإشارة لها أو عدمه. من الإيجابيات الأخرى في مسألة إنتاج نتفلكس للمسلسلات العربية أنها ستكون متاحة بشكلٍ أكبر للعديد من المشتركين، حيث يمكن مشاهدة المسلسلات عبر التليفزيون الذكي أو اللابتوب أو الهواتف المحمولة في أي مكان وفي أي وقت، وبلا إعلانات أيضًا وهو أمر هام للكثيرين، وأنا منهم.

السلبي فيما يخص نتفلكس أن الاشتراك مقابل مبلغ مالي، ليس كبير حقيقية، لكنه قد يجعل البعض غير قادرين على الاشتراك في الخدمة. أيضًا عدم إتاحة جميع المسلسلات والأفلام على نتفلكس التي قد يريدها البعض قد يجعلهم يفكرون مرات عديدة قبل الاشتراك. لكنها تبقى سلبيات قليلة نسبيًا مقابل الإيجابيات. ما سيحسم الجدل في ما يخص تأثير نتفلكس على الإنتاج العربي هو المحتوى. السيناريو المحكم والإخراج الجيد هما من سيقررنا ما إذا كانت نتفلكس تسعى لتطوير طرق السرد في المسلسلات، أم أنها تسعى فقط لإثارة بعض الجدل والتركيز على الدعاية دون المحتوى.