Untitled-Artwork
سوشيال ميديا

لماذا يستخدم البعض خاصية الأصدقاء المقربين على إنستغرام؟ تحقيق.

أنا أثق بهم وأعلم أنهم لن يحكموا عليّ من خلال ما أنشره من آراء وأفكار، حتى لو بدت لهم غريبة

عند تصفحك انستغرام ستوريز، لابد أنك فوجئت في مرات كثيرة بكونك ضمن دائرة الأصدقاء المقربين لأشخاص لا تعتبرهم أصدقائك أصلاً. هل حقًا وصلت لشرف الانتماء لقائمة الأشخاص الأكثر إيحاءً بالثقة؟ أم أنها موضة جديدة تسللت بين المستعملين الشباب لهذا الموقع الاجتماعي؟

يعتبر إنستغرام أول موقع اجتماعي يستعمله الجيل زد، بحسب بحث أجراه موقع YPulse. هذا الجيل يرى في العالم الافتراضي ملاذًا آمنًا لمشاركة أفكاره ومعتقداته بكل حرية وبدون قيود. لكن إلى أي مدى تصل حرية التعبير في هذا الفضاء الشاسع الذي لا تحده سوى أحكام وانتظارات المجتمع الصارمة؟ 

إعلان

لدي حساب مفتوح على إنستغرام أشارك فيه يومياتي واللحظات المميزة التي أسعى لتوثيقها وبعضًا من أعمالي ومشاريعي. لا أخجل من نشر أفكاري أو صوري الخاصة بدون تعديلات، لذلك فإن لجوئي لقائمة الأصدقاء المقربين يبقى مقتصرًا فقط على صور العائلة أو الخروجات التي أخفيها عن زملاء عملي. غير هذا، فإني لا أفهم حقًا الدور الرئيسي لهذه الخاصية. هكذا قررت التحري قليلًا والبحث عن الأسباب المباشرة التي تدفع بمستعملي إنستغرام إلى نشر محتوياتهم مع أصدقائهم المقربين فقط، أو حتى إنشاء حساب منفصل سري يضم المعارف فقط.

"لدي حساب عام ومفتوح على إنستغرام، بحكم عملي كصانع محتوى على يوتيوب. أغلب ما أنشره على حسابي هو محتوى متعلق بطبيعة عملي فقط. قررت إنشاء قائمة أصدقاء مقربين على إنستغرام حتى يتسنى لي مشاركة صور وفيديوهات تعكس أفكاري وقصصي الشخصية مع أُناس أنا متأكد أنهم لن يصدروا أحكامًا على ما أقوم أو أفكر به." هكذا أخبرني صديقي عبد الإله أرحال، ٣٢ عامًا، صانع محتوى على يوتيوب، تحتوي قائمة أصدقائه المقربين على أشخاصًا التقى بهم أو أتيحت له فرصة التعامل معهم في الحياة الحقيقية وليس الرقمية. "أنا أثق بهم وأعلم أنهم لن يحكموا عليّ من خلال ما أنشره من آراء وأفكار، حتى لو بدت لهم غريبة. أهم شيء هو أن هذه القائمة لا تحتوي على عائلتي أبدًا، حتى أخواتي لم يحظين بهذا الشرف."

يعني أن القصة بأكملها تتمحور حول حرية التعبير بعيدًا عن الأحكام التي قد تكون جائرة في أحيان كثيرة؟ 

هكذا توجهت بالسؤال إلى صديقة أخرى أتابع يوميًا قصصها المميزة: "لم يكن الخوف من تعليقات المتابعين سببًا لإنشاء قائمة الأصدقاء المقربين. كل ما في الأمر هو أنني أخصص هذه المساحة لصوري وفيديوهاتي بدون حجاب. تضم هذه القائمة صديقاتي الإناث المقربات فقط لا غير،" تقول غيثة*، ٢٥ عامًا، مسؤولة مشاريع بإحدى الوكالات التسويقية. يعجبني محتوى غيثة الذي يتنوع بين تغيراتها الجسمانية بعد اتباعها لحمية غذائية، وتسريحات شعرها وملابسها. في كل مرة أدخل لرؤية قصصها، أحس وكأنني حصلت على تذكرة دخول إلى عالمها الشخصي والمتفرد الذي يختلف تمامًا عن الصورة التي يرسمها الجميع عنها. "ستوريز الكلوز فراندز هو كوكب زمردة الخاص بي،" تضيف.

إعلان

في اللحظة التي ظننت فيها أنني بدأت أستوعب قليلًا سبب لجوء الكثيرين إلى استعمال هذه الخاصية، صدمتني صديقتي حفصة*، ٢٤ عامًا، طالبة طب، بحقيقة جديدة أغفلت عنها عندما علِمَت بتحرياتي من أجل كتابة هذا المقال. تخبرني: "حسنًا سأشارك معك سرًا لا يعلمه الكثير من الناس. أنا أنشر صورًا عديدة لي في قائمة الأصدقاء المقربين، لكن لا أنتِ أو أي أحد من معارفي يعلم عنها شيئًا، والسبب أن هذه القائمة تضم فقط الكراشز والشبّان الذين يعجبونني." ثم تضيف: "عندما يرى الشاب ستوري لي تحيط بها دائرة خضراء، فإنه سيفكر في الحين أنني أثق به لدرجة اعتباره من أصدقائي المقربين، ثم سيبدأ مباشرة بالتفاعل مع صوري، وبالتالي خلق فرصة لنا للحديث بشكل مطول. في بعض الأحيان، أضيف فقط شخصًا واحدًا للقائمة عندما يكون تركيزي منصبًا عليه."

على قدر ما أضحكتني طريقة حفصة في الحديث إلى كراشاتها، إلى أنني وجدتها في نفس الوقت استراتيجية ذكية تجعلها تتحكم بخيوط اللعبة من بعيد دون أن يفهم شخص حقيقة ما يدور في الكواليس. وبحسب ما أخبرتني به، فإن هذه الطريقة نجحت فعلًا وسمحت لها بمواعدة الشاب الذي يعجبها.

يقول الأستاذ آدم ألتر في كتابه عن ظهور التكنولوجيا التي تسبب الإدمان مثل إنستغرام، أن المستخدمين يعملون جاهدين لإظهار أفضل ما لديهم وفقط ١٪ مما يعيشونه حقًا، "حتى تبدو حياتهم أكثر إثارة وتشويقًا من واقعهم على عكس فيسبوك وسنابشات وتويتر الذين يقدمون خاصيات وخدمات مختلفة تجعل المحتوى المنشور عليهم متنوعًا أكثر ولا يدخل في خانة واحدة محددة."

هذه الحقيقة هي ما جعلت إنستغرام يتربع على رأس قائمة أكثر المنصات الاجتماعية خطرًا على الصحة النفسية. فطبيعة المحتوى المرئي الذي يميز هذا الموقع، يجعل من هذا الأخير أرضًا خصبة لنمو مشاكل نفسية عديدة مرتبطة بالقلق والاكتئاب بشكل رئيسي. نشعر أحياناً وكأننا في سباق دائم من المقارنات مع من نتابعهم.

إعلان

أحمد*، ٣١ عامًا، مدير محتوى، يقول أن بين الأسباب التي أججت مشاعره وأفكاره السلبية عن نفسه وتسببت بتدهور حالته النفسية كان إنستغرام. كان قد خرج لتوه من علاقة زواج مع الفتاة التي كان يحبها، ووقع الطلاق في ظروف سيئة. عانى أحمد كثيرًا في هذه الفترة، وما زاد من معاناته أن حسابه على انستغرام كان يظهر له صور الكابلز وأصدقائه السعداء مع شركائهم، فلم يجد سوى قائمة أصدقائه المقربين لمشاركة همومه ومخاوفه معهم.

ويقول: "بعد طلاقي من زوجتي السابقة، أصبحت أستعمل  هذه الخاصية أكثر. أشعر وكأن هذا الفضاء الضيق الذي يجمعني بأصدقائي المقربين فقط هو مساحتي الآمنة للحديث عن أفكاري السوداوية ومخاوفي دون خوف من الأحكام أو التعليقات. أشارك صورًا لي في حفلات وسفريات وخروجات تنضح بالحياة والألوان على حسابي العام، ولكن في المقابل أحتفظ بالجزء المظلم من حياتي لمن يهمهم أمري حقًا." يقول أحمد قبل أن يضيف: "من جهة أخرى، أفضل عدم إظهار جانبي الضعيف لطليقتي حتى لا تشمت بي هي أو عائلتها."

هل هذا ما جعلنا عليه إنستغرام الآن؟ تطبيقات تجعلنا نخفي حقيقتنا ونرتدي بدلها أقنعة مزيفة تخفي ورائها جانبنا الهش والواقعي.

عندما طرحت السؤال على متابعي على إنستغرام، وصلتني رسالة من أحد الحسابات الذي كان يظهر جليًا أنه مزيف: "أنا لا أكره إنستغرام، بل بالعكس، هو وسيلتي الوحيدة التي تسمح لي بالحديث عن ميولاتي ورغباتي الجنسية بكل حرية دون خوف أو تردد."

بعد تبادل أطراف الحديث مع هذا الشخص، أخبرني أن اسمه حسن وأنه يبلغ من العمر ١٨ عامًا وهو مازوخي ومزدوج الميول، على حسب ما قاله لي. عندما سألته عن سبب اختبائه خلف اسم مستعار، جاءت إجابته كما توقعت: "المجتمع العراقي لا يرحم، وأنا لا أزال صغيرًا في السن ولا أستطيع الخروج من البيت وإعالة نفسي. لقد عانيت لسنتين قبل أن أفهم ميولاتي الجنسية. كنت في الأول أستخدم قائمة الأصدقاء المقربين لمشاركة صور وفيديوهات ملهمة حول مجتمع الميم. لم أتجرأ يومًا أن أفصح لأحد عن حقيقة ما أشعر به. وقد كانت مخاوفي في محلها. فقد هددني أحد الأصدقاء يومًا بأنه سيخبر أهلي إذا لم أتوقف عن نشر "الهراء والنجاسة" كما أسماها هو. لذلك قررت إنشاء حساب سري تحت اسم مستعار بعيدًا عن دائرة معارفي."

إعلان

حسن يستعمل اليوم هذا الحساب للحديث بكل حرية عن رغباته الجنسية مع أشخاص يشاطرونه نفس الاهتمام. وخصوصًا أشخاص هو متأكد أنهم لن يؤذوه.

بحسب بحث قامت به ليانا لوسيرو، أستاذة بجامعة نيو ميكسيكو بالولايات المتحدة الأمريكية، تبين لها أن مواقع التواصل الاجتماعي هي بمثابة شبكة آمنة لمجتمع الميم، وخصوصًا المراهقين منهم، ذلك أنها تسمح لهم بالتواصل والتعبير عن أنفسهم مع جمهور غير مرئي. بحيث أن ٦٨٪ من مراهقي هذا المجتمع يفضلون استعمال وسائل التواصل الاجتماعي لأنهم يشعرون أنها أسهل وأكثر أمانًا من بعض الفضاءات الأخرى التي قد تكون سامة أو خطرة عليهم. تستنتج لوسيرو أن هذه المواقع تمنح للمراهقين فرصة لاكتشاف ذواتهم وهويتهم الجنسية بطريقتهم الخاصة.

أظن أنني فهمت أخيرًا الأسباب التي تدفعنا للجوء لخاصية الأصدقاء المقربين على إنستغرام. تساعد هذه القائمة على التفريق بين المحتوى العام الذي ننشره ليراه الجميع، وحياتنا الشخصية بكل مطباتها وأزماتها. فنحن نبقى قريبين من جمهورين مختلفين، دون كبح رغباتنا التعبيرية. حرية يتعطش لها كل من تدور مجرة عمله في فلك الديجيتال والرقمنة. أتمنى أن تصل هذه الخاصية إلى باقي وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا.

*اسم مستعار فضّل/ت صاحبه/ته استعماله تفاديًا لأي مشاكل قد يُسفِر عنها الحديث العلني عن تفاصيل حياته/ا الشخصية.