FYI.

This story is over 5 years old.

مرأة

أنا مدانة.. والجريمة: امرأة عاملة "متزوجة"

"كيف سيؤثر الزواج على عملك؟" سؤال يختصر كل معاني التمييز في العمل ضد المرأة العاملة المتزوجة ويبرر فروق ال​​رواتب وانعدام فرص الترقي للنساء في مقابل الرجال
الصورة من فليكر

"أنتي متزوجة.. كيف سيؤثر الزواج على عملك؟".. سؤال يقذفه كثير من الرجال في وجهي في مقابلات العمل التي أخوضها من حين لآخر. بمرور الوقت اعتدت فجاجة السؤال الذي يتم إلقاؤه بهذه البساطة المدهشة، لكني لم أتجاوز المرارة التي يخلّفها في حلقي وغليان الدم في رأسي كل مرّة.

اختيار مبكّر .. ومحبّب
منذ سنوات قررت أن أبدأ حياتي العملية مبكراً جداً، كنت طالبة في السنة الأولى بكلّية الإعلام حين سلكت هذا الطريق ولم أعد أبداً، ابتلعني العمل وامتصتني البيئة الجديدة المشبّعة بالجدّية والمسؤوليات حتى اختفيت فيها. مرّ الوقت واكتشفت أنّني لا أمتلك كرفقائي تلك التفاصيل المضحكة داخل قاعات المحاضرات ولا كثيراً من الصور والذكريات، دائماً كان لديّ مهام لأنجزها ومواعيد تسليم وحضور وانصراف. انشغلت عن ملء ذاكرتي بتفاصيل اللهو والمرح باللهاث خلف أحلامي وتلك النيران في قلبي لا تهدأ، لكن.. هل أنا نادمة؟.. مطلقاً.

إعلان

كان حظّي جيّداً وعملت في البدايات تحت إدارة سيّدة قويّة ومثقفة وناجحة، علّمتني الكثير وفتحت لي الطريق لأنطلق، في تلك الفترة احتلّت الاشتباكات الخطرة والمظاهرات مساحة كبيرة من أجندة التغطية الصحفية وكان أغلب من يتولّى التغطية منّا فتيات دوماً يذهبن ويعدن بقصص مميّزة. لا أحاول التصنيف مطلقًا ولا أريد أن أقحمك في مقارنات جندرية، فقط مر المشهد على ذاكرتي وأنا أعود للبدايات وأنبش عن التوقيت الذي بدأت أشعر فيه بأن هناك سقفًا سميكًا يمنعني من الصعود، وللأسف لم أعرف. سنة تلو الأخرى تعاملت خلالها في عملي مع سيّدات ورجال في أماكن عمل مختلفة ولم ألحظ فرقاً، ربّما علق في ذهني طريقة كل مدير في عمله، لكننّي لم أضبط نفسي يوماً أفسّر قرارات أحدهما في العمل وسياساته بأنه رجل أو امرأة.

تزوّجت لأعيش في منزل يبعد مسافة لا يستهان بها عن مقر عملي، اشتدّت صعوبة حياتي وتعّظّم تكدّسها وازدحامها، لا زلت أسيرة رغبتي المستمرة في قطع خطوات مهنية بقدر الإمكان فاضطررت إلى توزيع وقتي بين العمل والمنزل ودبلومة الترجمة الصحفية التي أدرسها بالجامعة، والمقالات الحرّة التي أكتبها، والتدريبات المهنية التي أحصل عليها. في نهار كل يوم أحقن جسدي بالمشقة والعناء حتى إذا ما رأى باب المنزل في الليل لا يقوى على الصمود أكثر ويفكّر فقط في الانهيار على أقرب مقعد، في أحيانِ كثيرة أجد زوجي قد حضّر الطعام مع ابتسامة، وفي الأيّام التي يجبره فيها عمله على التأخير أتولّى أنا المهمّة، هكذا مر عامنا الأوّل من الزواج .. يدي بيده، مرّ الوقت الصعب الذي صمد فيه الرفق والمحبّة أمام عنف الضغط العصبي، بل وانتصر. كل هذه المشاهد تندفع في رأسي في عنف وأنا أسمع السؤال الذي على بساطته، يتجاهل بوقاحة كل العناء الذي أتكبّده في حياتي.. هل أنتي متزوّجة؟ .. كيف سيؤثر الزواج على عملك؟

إعلان

أخطر ما في التمييز.. الاتفاق عليه
هل تواجه النساء في مصر تمييزاً في أعمالهن؟ نعم، بل يتشبّعن بالتمييز. حكايات كثيرة أسمعها باستمرار من زميلات في مجالات عمل مختلفة، بعضهن يحصلن على رواتب أقل من زملائهم الرجال داخل مؤسسة العمل الواحدة مع أن كليهما يقومان بنفس المهام وعلى درجة وظيفية واحدة، بعضهن تقدّمن لمقابلات عمل فألقيت في وجوههن أسئلة عن موافقة أزواجهن على السفر ومدى قدرتهن على التوفيق بين منازلهن وبين العمل، وجزء منهنّ تم إبلاغه بشكل مباشر أن المؤسسة تفضل أن يتقدم لهذه الوظيفة رجلاً، والأكثرية منهنّ ارتطمن بأسقف زجاجية داخل مؤسساتهن - الحكومية والخاصة- التي حالت بينهن وبين تولّي المناصب القيادية فيها لأنها ترى أن تقدّم المرأة في السلّم الوظيفي له حد معيّن لا يسمح لها بتجاوزه. مظاهر مختلفة من التمييز أخطر ما فيها أنها غير معلنة وتتم بتوافق صامت يفرضه العُرف والادّعاءات الموروثة.

مُرغمة عليّ أن أثبت جدارتي مرّتين
فقط لأنني امرأة، أنا مطالبة بإثبات جدارتي المهنية مرتين، عليّ أن أثبت أنّني قادرة على أداء واجباتي المهنيّة والتفوّق في عملي وفي الوقت نفسه إثبات أنني لست مذنبة و لست أقل كفاءة من زميلي الرجل، أعيش عمري كلّه أحارب اتهامات بالضعف والعجز لم أفعل شيئاً لتلاحقني وإن أثبت العكس لن تنكسر توقعات سقوطي وتقصيري بل ستزيد.. "بكرة تتجوز وتخلف وتقولك عايزة أروح بدري عشان البيت والعيال"، "متشغلوش ستات دلو ظروفهم كتير"، "وهي الست المتجوزة دماغها هتبقى في الشغل ولا في الأكل اللي لازم تعمله للراجل"، "وهي الست اللي ترمي عيالها في حضانات دي تبقى ست عندها قلب" "وهي الست لو جابت دادة لعيالها هتدفعلها كام ؟ يبقى بناقص شغلها". هكذا، وباتفاق غير معلن، أصبحت حقوق المرأة القانونية في أجازات الحمل والرضاعة وتربية الأطفال في بعض المؤسسات مصدر "سخرية" أو منحها شعور بالجباية، أرادوا أن يسجنونها في صورة الضعيفة صاحبة البيت والعيال، وإذا قدّمت لهم عكس ما توقعوا، سيضعونها في قالب الأم المهملة غير المبالية بأطفالها، لا يمكنهم تصور أنّها تفعل الاثنين معاً لأن لديها من القوّة ما يفوق هذا التنميط الظالم و الساذج.

ما صنعه التمييز بجيل كامل
كل هذه الكراهية والتمييز المعبّق به مجتمع العمل في مصر نجح بجدارة في إقناع جيل كامل من الفتيات اللاتي يمتلكن طموحاً بأن الزواج والإنجاب سيذبحان مستقبلهن المهني، نجح في غرسهن في دوّامات من الحيرة والشعور بالذنب والتخبّط والحصار، هذا التمييز قاتل بشراسة نزعتنا الفطرية للأمومة والتربية وصوّرها لنا سجناً منتظر يجب أن ننسى بعده أحلامنا الوظيفية وحمّلنا عبئ إسقاط وصمة الفشل عنّا. هل ستنزلق تلك الصخرة يوماً من فوق ظهرنا، لا أدري.

قانون العمل غير مفعّل ونحن المتّهمات؟
عزيزي الرجل الذي يمارس تمييزا ضدّي، إذا كنت مقتنعاً بأن المرأة خرجت إلى مجتمع العمل لتزاحم الرجال الموكّل إليهم عملية الإنفاق، فلا بدّ أنك تعلم جيّداً أن نسبة ضخمة منهنّ تحت تأثير الضغوطات الاقتصادية والتغييرات الاجتماعية يعملن ويشاركن بشكل أساسي في الدخل الشهري للأسرة، هذه النسبة تتجاوز بكثير ما رصده الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في إحصائيته الأخيرة في مارس 2017، من أن نسبة النساء العاملات في مصر بلغت 22.9% من إجمالي قوة العمل، إذن تمييزك ضد النساء بحجّة "الأولوية للرجال المتحمّلين للإنفاق باطلة".

مرة أخرى، عزيزي الرجل الذي يمارس تمييزا ضدّي، لا بد أنّك تعلم أن قانون العمل – غير المفعّل - يُلزم صاحب العمل الذي يستخدم مائة عاملة فأكثر في مكان واحد أن ينشئ دارا للحضانة أو يعهد إلى دار للحضانة برعاية أطفال العاملات، وحدّد القانون شروط أخرى للمؤسسات التي تتضمّن أقل من مئة عاملة. إذن إذا كنت صاحب شركة او مؤسسة فأنت المسؤول عن جعل الأمهات العاملات لديك مطمئنات على أولادهن أثناء فترة العمل، وإذا كان هناك طرفًا يجب أن يتحمّل اللوم فهو حتمًا ليست الأم التي لا تستطيع الحصول على حقها القانوني.

مصر، بلد البنات كما وصفها محمّد منير في أغنيته الحزينة، احتلّت المرتبة 134 على مستوى العالم بين 144 دولة في التقرير الأخير للفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2017، وذلك في قطاعات الصحة والتعليم والسياسة ومكان العمل، لا أدري كم عدد برامج الحكومة والمجتمع المدني لنشر ثقافة المساواة بين الجنسين وتعزيز دور المرأة الآن في مصر، ولكن لدي قناعة تامّة بأن القائمون عليها مطالبون بالبحث عن طرق أكثر فعالية للتغلّب على التوافق المكتوم على هضم حقوق النساء في أماكن العمل إذا كانت هناك رغبة في صنع تغيير حقيقي. "في بلد البنات .. كل البنات بتحلم تضوّي زي النجوم .. بتحلم ترفرف زي الرايات .. بتقدر تعاند وتقدر تثور.. في بلد البنات .. كل البنات .. مالية جيوبها سكّر نبات."