صحة

يوم الزهايمر العالمي: والدي لم يعد يتذكرني

خمسة شباب يتحدثون إلينا عن كيفية رعاية ذويهم من مرضى الزهايمر
alzheimer

لم أكن أعرف الكثير عن مرض الزهايمر سوى أنه فقدان للذاكرة، حتى قرأت رائعة الأديب الراحل غازي القصيبي "ألزهايمر"  وهي من الأعمال الأدبية القليلة التي تحدثت عن هذا المرض بشكل مفصل. كانت المرة الأولى التي أقترب منها من فهم ماهية هذا المرض وكيف يؤثر على المريض ومن حوله. الزهايمر هو اضطراب تدريجي يؤدي إلى تلف خلايا الدماغ، وهو شكل من أشكال الخرف يزداد سوءا مع مرور الوقت ويؤثر على الذاكرة والتحدث والتفكير. والخرف هو مصطلح أوسع لأمراض مختلفة تشمل الزهايمر، مرض باركنسون أو الشلل الرعاش وغيرها مع الأعراض المتعلقة بفقدان الذاكرة مثل النسيان والارتباك.

إعلان

ويصاب شخص كل ثلاث ثوان بالزهايمر أو الخرف في مختلف أنحاء العالم. وتتوقع الأمم المتحدة، أنه في حال عدم وجود دواء، فإن عدد الأشخاص المصابين يحتمل أن يتضاعف ثلاث مرات من 50 مليون إلى 152 مليون بحلول 2050. ومن العلامات المبكرة للإصابة بالزهايمر هو نسيان الأحداث الأخيرة أو المحادثات ومع تطوّر المرض تشتد الأعراض، ومن بينها خلط كبير في الأوقات والأماكن وتقلب المزاج والسلوك، إضافة إلى شكوك لا أساس لها من الصحة بشأن العائلة والأصدقاء. لا يوجد علاج للزهايمر، ولكن قد تحسِّن بعض الأدوية من الأعراض مؤقتًا.  في اليوم العالمي لمرض الزهايمر التحدث مع عدد من الأشخاص الذين يرعون ذويهم من مرضى الزهايمر، وكيف أثر ذلك عليهم.

الشيء الوحيد الذي تتذكره والدتي هو مواعيد الصلاة
-أحلام، المغرب

Vice عربية: مرحبًا، والدتك تعاني من الزهايمر منذ سنوات، كيف بدأ الأمر؟
مبدئيًا والدتي مُصابة بالزهايمر منذ 10 سنوات، وعمرها الآن 71 عامًا، وقد كانت البداية نسيان بسيط للأشياء، حيث يُعدُّ فُقدان الذاكرة وصعوبة تذكُّر بعض الأحداث هو العرْض الرئيسي لمرَض الزهايمر، مثل عدم تذكر أماكن الأشياء أو المواعيد. تطور الأمر سريعًا جدًا إلى أن أصبحت تكرر الكلام أو السؤال عشر مرات مثلًا وتطور فقدان الذاكرة لنسيانها أسماء أفراد الأسرة وصعوبة في ايجاد الكلمات المناسبة للتعبير ما تريد.

كيف هي العناية بمريض الزهايمر؟
كانت أمي تعيش بمفردها قبل مرضها، ثم أتت للإقامة في منزلي، لرعايتها بعد إصابتها بالمرض، ولا أُنكر أن الأمر شاق للغاية، لقد أصبت بانهيار عصبي في الأسابيع الأولى لإقامتها معنا، فهي تقوم بعدد من الأشياء التي لا يمكن السيطرة عليها مثل أن تأخذ الأشياء وتخبأها؛ حتى الطعام الذي تأكله أو المفاتيح أو أي شيء يقع في يدها من الصعب أن نحصل عليه ثانيًة، لأنها تخبأه. أصبحت أحتاط وأغلق المطبخ دائمًا، لأنها تدخله بالخطأ وتتلف الأشياء. كما إنها ترفض القيام بالكثير من الأمور مثل الاستحمام، والشيء الوحيد الذي تتذكره هو مواعيد الصلاة، تغيرت حياتنا 180. طبعاً، هي لا تعي كل ما تقوم به، وأصعب ما في الأمر أنني مقيدة بها لأن علي مراقبتها طوال الوقت للتأكد أنها بخير.

إعلان

هل حسنت الأدوية من حالتها؟
أخذت أمي في بداية مرضها بعض الأدوية، ولكني منعتها عنها لأنها كانت تسبب لها هلاوس وتسبب تدهورًا في حالتها، فمثلًا، كانت تتذكر والدتها المتوفاة، وتتحدث عن الموت كثيرًا وتبكي لأنها تريد أن تذهب لهم. لحسن الحظ أن صحتها الجسدية جيدة، ولكنها تتحرك كثيرًا فهي لا تستطيع الجلوس لعشر دقائق كاملين، تتوضأ حوالي 30 مرة في اليوم، أو ببساطة تتوضأ وعندما يجف من ماء الوضوء تتوضأ ثانيًة وهكذا دواليك.

أصبحت أُغلق المطبخ خوفًًا من أن تقتل نفسها وأنا غير موجود 
-إبراهيم، مصر

كيف تتعامل مع والدتك المصابة بالزهايمر؟
بدايًة أود أن أوضح أن مرض الزهايمر أشبه بالقطار، فهو يتدرج بالمريض إلى مراحل مختلفة وكل مرحلة بها تطورات في المرض والألم عن الحالة السابقة، ووالدتي، 72 عامًا، واحدة ممن مروا بالمراحل الثلاثة للزهايمر. بدأ الأمر منذ 4 سنوات، بنسيان عادي، كما ننسى جميعًا، ولكن الأمور تطورت، حينها كنت خارج مصر وكانت والدتي تعيش بمفردها، بدأ بعض المعارف بإخباري أن أمي أصبحت تنسى مكان المنزل عندما تخرج أو تحتار في حساب النقود مثلًا. وأتذكر أحد المواقف حين أتصل بي البواب ذات مرة وأخبرني أنها ذهبت إلى السوق بملابس البيت، حينها أخذتها لتقيم معي. تطورت الأمور شيئًا فشيئًا وكنت شاهدًا على مراحل تطور مرضها. في المرحلة الثانية بدأت تحتار في المكان والزمان وتخلط بين الأمور، كانت تتذكر مثلًا موقف من 10 سنوات ولا تتذكر ما حدث أمس، بالإضافة إلى ذلك كانت هناك حالة من عدم الرضا عن نفسها أو مكانها وكانت تشعر أنها مضطهدة. في عدم مرات كنت أعود إلى المنزل فأجدها قد كسرت الشقة أو أخرجت كل ما في الدولاب، فأصبحت أحتاط كثيرًا عندما أتركها في المنزل، خاصًة أني أعيش بمفردي، وأصبحت أُغلق المطبخ خوفًا من أن تقتل نفسها وأنا غير موجود. المرحلة الثالثة والحالية، بدأت بهواجس أن هناك من يود سرقتها أو قتلها، وتبدأ بالشكوى والشعور بالخوف من كل شيء.

ماذا عن حالتك النفسية؟
الجميع يتحدث عن مريض الزهايمر ولا أحد يركز على المرافق أبدًا، وأنا أرى انه من الواجب التركيز على المرافق أيضًا. ومن خلال تجربتي أرى أن المرافق يجب أن يتهيأ نفسيًا لما هو مُقبل عليه ويفهم تمامًا ماهية هذا المرض، فقد مررت بحالة من الضغط العصبي في وقت من الأوقات وكان الأمر قاسيًا للغاية، لدرجة أني كنت أعترض واسأل الله لماذا فعلت بي وبها هذا؟ كان الضغط أكبر من قدرتي على التحمل، ووجدت نفسي فجأة تحولت إلى أب وهي الأبنة وليس العكس، ولا أنكر أنني ضعفت في أوقات كثيرة، ولكنني كنت أستمد قوتي من الصلاة والتقرب لله. نصيحتي لكل من يعتني بمريض زهايمر أن يتعامل مع مريضه كطفل، أن تعرف ما الذي يمكن أن يغضبه أو يُسعده وتفعله. وأظن أنه بالرغم من نسيان المريض لكل ذكرياته، ألا أنه يشعر بك ويدرك أنك تحبه من معاملتك له.

إعلان

بعد أن أتينا لفرنسا، بدأت أمي بنسيان الحاضر وأصبحت تتذكر الماضي فقط
-سناء، سوريا

كيف هي الغربة مع الاعتناء بمريض الزهايمر؟
الأمر قاسي جدًا. أعترف أن العناية بمريض زهايمر صعبة. عمر أمي 77 عامًا، وقد بدأت رحلتها مع الزهايمر منذ عام ونصف مما يعني أن الأمور من المحتمل أن تزداد سوءًا في المراحل القادمة وأقصى ما أتمناه أن تظل هكذا في المرحلة الثانية، لا آمل في أكثر من ذلك.

كيف هي حالة والدتك بعد تركك لسوريا؟
جئنا إلى فرنسا منذ 5 أعوام وقبلها كنا مقيمين لفترة في الأردن في بداية الحرب السورية، كانت حالة أمي جيدة جدًا حينها، ولكن بعد أن أتينا لفرنسا تغير كل شيء، بدأت أمي بنسيان الحاضر وأصبحت تتذكر الماضي فقط، وتدريجيًا أخذ وضعها بالتدهور. مؤخرًا أصبحت كثيرة العناد ولا نفهم ماذا تقول أو ما الذي تريده. اسوأ المواقف مع أمي هي التي تعاند فيها بشدة، وهذا يحدث كثيرًا، ولهذا تعلمت ألا أجادلها أبدًا حين تصمم على أي شيء. أكثر ما يؤثر في هو أنني أعامل والدتي كطفلتي، الشعور غريب ولكنه مثير للتأمل في نفس الوقت. لا أنكر أنه بالرغم من ثقل كل شيء إلا أنني مع الوقت تعودت، وأختي تساعدني في العناية بأمي لهذا أنا لست وحيدة، وأقدم نصيحة لكل من لديه مريض زهايمر يجب أن تستمع لمريض الزهايمر في كل مرة يتحدث وكأنه يقوله لأول مرة مهما بدى الكلام مملًا ومكرراً.

رؤية والدي ينسى من نحن يجعلني أشعر بالوجع واليأس
-محمد، تونس

حدثنا عن حالة والدك المتقدمة مع الزهايمر؟
بدأت الأمور بالتدهور مع أبي منذ 4 سنوات تقريبًا، وأحب أن أشير إلى أن صحة والدي الذي يبلغ من العمر 77 عامًا، جيدة جدًا حتى بعد إصابته بالزهايمر. ولكن قبل المرض كانت الأمور أفضل ما يكون، فقد كان يعيش حياته ويهتم بنفسه ويخرج للقاء أصدقائه ويعود بمفرده، ولكن منذ إصابته بالزهايمر تغير كل شيء، فأصبح كثير النسيان، بالإضافة إلى أنه يتبول بشكل لا إرادي.

كيف حالته مع الرعاية الطبية؟
تحاليل أبي جيدة جدًا بالنسبة لمن في عمره، ولكن حاليًا لا يمكننا أن نتواصل مع أي طبيب ولهذا ننتظر حتى ينتهي الوباء لنرى ما يمكننا فعله، فلا نريد تعريضه لخطر الإصابة بالفيروس. أعيش مع أختي ووالدتي وجميعنا نساعد في الاعتناء بالوالد. مرض الزهايمر صعب ورؤية والدي ينسى من نحن، وأنه لم يعد يتذكرني، يجعلني أشعر بالوجع واليأس.

أصبحت عصبية جدًا لدرجة أنها كانت تصرخ وتقوم بضربنا
-إحسان، الجزائر

ما هو أصعب شيء فيما يتعلق بالعناية بوالدتك المصابة بالزهايمر؟
بدأ الأمر منذ عامين، في بداية الأمر كانت تخطئ الطريق عندما تخرج ولا تعرف كيفية العودة إلا بمساعدة أبناء الحي، وبمرور الوقت تطور الأمر وأصبحت عصبية جدًا لدرجة أنها كانت تصرخ وتقوم بضربنا، وأحياناً أخرى كانت تخاف منا لأنها لم تعد تعرفنا، وكان دورنا هو أن طمأنتها قدر الإمكان. مريض الزهايمر مثل الطفل هذا ما تعلمته بعد أن قرأت كثيرًا عن كيفية التعامل مع مرضى الزهايمر، وعرفت أن أقل كلمة أو إيماءة تؤثر في سلوكه وردود فعله، ومارست ذلك مع أمي. أعرف أن المعلومات قد تختلف من مريض لآخر ولكن مثلًا، حين تقول أمي أنها "تريد الذهاب إلى المنزل" فإنها غالبًا ما تقصد أنها تريد التنزه، وذات مرة أخبرتني أنها تريد الذهاب للجامعة، وبعد أيام فهمت أنها تسأل عن أحوال أختي في الجامعة. أمي في المرحلة الأولى ولهذا ربما أستطيع أن أفهم منها بعض الأشياء، وقد يختلف هذا مع مرضى المرحلة الثانية والثالثة، فلكل مريض معاني وكلمات معينة لها دلالات تخصه وحده ولهذا يجب التركيز في سلوك مريض الزهايمر جيدًا، والتناوب على الاعتناء به بين أفراد الأسرة. عندما فهمت سلوك ورغبات أمي، تدريجيًا تحسنت علاقتنا كثيرًا.

جميع الأسماء مستعارة.