رأي

Watch it.. فن المشاهدة رغماً عنك

قلما تجد عملًا لا يوجد فيه ابن أو ابنة ممثل أو ممثلة، سواء بطولة أو أدوار ثانوية
fifi

فيفي عبده 

منذ شهر بالتمام والكمال هلَّ علينا مع شهر رمضان تطبيق Watch it المملوك للدولة المصرية وفق بيان الشركة المالكة للتطبيق- وضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالمنصة الجديدة التي صنعها المصريون والتي ستنافس منصة نتفليكس، ولا أعلم لماذا انطلق هذا النقاش من الأساس حول منافسة بين منصة وصلت أرباحها مع بداية عام 2019 لمايتخطى 4 مليار دولار، ويصل عدد مشتركيها لحوالي 150 مليون شخصـًا حول العالم، ومنصة نشأت منذ عدة أسابيع تقدم مجموعة من مسلسلات مصرية، وليست عربية حتى، فيما لم يزد عدد المشاهدين عن الـ مليون وفق بيان الشركة المالكة.

إعلان

حصلت المنصة على تقييم لا يصل إلى 1.5 من 5 على متجر تطبيقات جوجل وذلك بعد تنزيل مليون شخص للتطبيق على هواتفهم. وهذا دفعني للسؤال: ما الذي يجعلني أشترك في تطبيق يطلب مني 100 جنيهاً مصرياً (حوالي 6 دولار أمريكي) اشتراكاً شهرياً؟ (الفترة المجانية لاستخدام المنصة تنتهي بنهاية شهر رمضان) ووجدت أن هناك عدد من الأسباب "المنطقية":

دراما العائلة
لا تظنوا أنني أقصد ما فكرتم فيه بعد قراءة السطر السابق، ليست دراما رمضان التي كنا نشاهدها في تسعينات القرن الماضي بعد الإفطار، فيطل علينا مسلسل من إنتاج قطاع التليفزيون وبطله عبد الغفور البرعي الذي يكافح طوال 36 حلقة، فيلتف الجميع حول البطل وعائلته من شمال مصر لجنوبها، بل دعني أبالغ وأقول إن الأشقاء في الدول العربية كانوا يشاهدونه، ويشاهدون أعمالًا مثله في تلك المرحلة الزمنية.

دراما العائلة التي أقصدها ما نراه على الشاشات هذا العام من وجود لكل أبناء الممثلين والمخرجين والمؤلفين على الشاشة، فقلما تجد عملًا لا يوجد فيه ابن أو ابنة ممثل أو ممثلة، سواء بطولة أو أدوار ثانوية، تخيل أن ابن الراحل وائل نور في أحد مسلسلات رمضان هذا العام، ونجل الراحل خالد صالح، وابنتي المؤلف والكتاب الصحافي محمد الغيطي، وعائلة سمير غانم بالكامل من الوالد والوالدة والابنتين وزوج إحدى الابنتين، حتى الفنانة فيفي عبده جاءت بنجلتها هذا العام عزة مجاهد. ألم تشعروا بدفء العائلة من خلال وجود هذه الأسماء؟ فغياب عادل إمام عوضه نجله، وروح فيفي عبده بعد أن كانت تعيش معنا على انستغرام طوال العام، جاءت معها ابنتها في مسلسلها "مملكة الغجر" وبدلاً من الـ 5 أمواه من فيفي فقط، نشاهد على مدار شهر كامل 50 أي سوير أي لاف يو من فيفي وعزة.

إعلان

مسلسلات ذات حبكة غير مألوفة
المسلسلات المصرية في رمضان أو غير رمضان كعادتها مختلفة كل سنة، مبهرة في حكاياتها، وحبكة كل عمل مبتكرة وغير مكررة. فكل عام نشاهد ضابط شرطة مختلف تماماً عن سابقه، ليس أمير كرارة في "كلبش" كل موسم. أما مسلسلات الصعيد فهي تحكي قصص غير تقليدية عن الصعيد، ليست مسلسلات ثأر أو جريمة.

ولا ننسى الإعلانات الرائعة التي نشاهدها خلال هذا الشهر مثل إعلان مدينتي الذي تحكي فيه المطربة أصالة ذكرياتها وتاريخها الطويل في المدينة العريقة

المسلسلات أيضاً غير مستوحاة من أعمال عالمية، فمسلسل "ولد الغلابة" منذ يومه الأول لم يكن مماثلاً لأي مسلسل أجنبي آخر، سواء على مستوى الحكاية أو حتى نظارة الفنان أحمد السقا التي لاتشبه نظارة والتر وايت في مسلسل بريكنج باد، تخيل مدى الانبهار الذي أصاب من شاهد العَملين ووجد الاختلافات الجبارة بينهما وروح الابتكار لدى المؤلف والمخرج. أو مسلسل "زي الشمس" الذي لا يتطابق مع المسلسل الإيطالي Sorelle، الذي تدور أحداثه حول محامية تُقتل شقيقتها وتحاول هذه المحامية أن تجد القاتل، الغريب أن أحداث مسلسلنا المصري لا تتشابه إطلاقـًا لا على مستوى القصة أو حتى مستوى التصوير(لقطة لقطة) وإن وجدنا -لا قدر الله- تشابهاً فهو فقط توارد أفكار-ماتكبروش الموضوع- ثم أن الدراما والسينما الإيطالية تقترب كثيرًا في حكاياتها من الدراما والسينما في مصر، وهل يشاهد أحد الدراما أو السينما الإيطالية أصلًا؟ (لا نريد أن نظلم دينا الشربيني هنا، فأداها كان رائعاً بحسب كثيرين).

ولن أخوض كثيرًا في الحديث عن عبقرية السرد في المسلسلات الـ 25، فكل حلقة تجعلك مندهشاً من سرعة الأحداث وكثرتها وتعقيدها. لن أقول إن كل حلقة تمتد فقط لـ 30 دقيقة وليس 60 دقيقة فتزداد درجة الإثارة لدى المشاهد، لاسيما مع الإعلانات الرائعة التي نشاهدها خلال هذا الشهر بدءًا من إعلان مدينتي الذي تحكي فيه المطربة أصالة ذكرياتها وتاريخها الطويل في المدينة العريقة. أو إعلان قطونيل الذي وصلت شهرته لأوروبا ليس لجودة المنتج بالتأكيد لكن بسبب بذلة جنرال الإعلام الرياضي في مصر الكابتن مدحت شلبي.

إعلان

ممثلون وممثلات عالميون وعالميات
بالتأكيد وقطعاً ودون شك، فمصر تقدم أفضل ممثلين وممثلات في المنطقة العربية، والفنانة ياسمين صبري خير مثال على ذلك. فأداؤها الفريد في مسلسل "حكايتي" والذي أطلق عليه البعض المسلسل "الكارثة." هذا المسلسل يجعل المشاهد في حيرة واندهاش، فصوتها Monotonus بشكل رائع وتعبيرات وجهها صماء وكأنها مومياء خرجت من المتحف المصري وتاهت في شوارع القاهرة. ودعوني أعود للفنان أحمد السقا مرة أخرى، فالرجل يقدم لنا شخصيات مختلفة دوماً وطريقة تمثيله تختلف اختلافاً جوهرياً كل مرة. لا تشعر معه أنه أحمد السقا بطل أفلام الأكشن إطلاقاً، حتى فيما يتعلق بملامحه والماكياج والشعر، دائمـًا مختلف ومتجدد ومتنوع مثل الفنان جوني ديب.

كوميديا تقتل من الضحك
تخيلوا أن الفنان الفذ علي ربيع، ومسلسله "فكرة بمليون جنيه" هو أحد نجوم الكوميديا هذا العام، لكن لماذا الخيال، فهذا أمر واقع. فالممثل الشاب يقدم كوميديا استثنائية، لا هي كوميديا موقف، ولا هي كوميديا جسد، ولا هي كوميديا الكلمة حتى، إنما هي كوميديا علي ربيع، كوميديا ذكية جدًا لا تضحك سواه ولا يفهمها غيره. وعلى دربه يسير الفنان أحمد فهمي في مسلسله "الواد سيد الشحات" الذي جاء بخطبيته هنا الزاهد لتشاركه العمل، ففهمي يقدم كوميديا من كثرة غموضها لا تفهمها فلا تضحك، فتكتشف أن هذه هي الخدعة فتضحك. وبالطبع خلال مشاهدتنا للمسلسلات الكوميدية من الصعب أن تشاهد تكرار بعض الوجوه مثل محمد ثروت وبيومي فؤاد ومحمد عبد الرحمن وشيماء سيف، فهؤلاء عملة نادرة الظهور على الشاشة في رمضان.

منصة إنتاج واحدة، أفضل لنا جميعاً
عندما بدأنا مشاهدة الدراما هذا العام، وحتى قبل ذلك، علمنا أن شركة واحدة تنتج أكثر من نصف المسلسلات، ولا أعلم لماذا انزعج البعض من هذا الأمر. هل تريدون أن تتعدد شركات الإنتاج فنصاب بالحيرة من كثرة الخيارات والتنوع، هذه إحدى بشاعات الرأسمالية المتوحشة، صنعت خيارات عديدة دون أن يكون هناك احتكار لطرف على حساب آخر. على الناحية الأخرى، تأتي إحدى بشاعات الاشتراكية، صنعت كياناً واحدًا يسيطر على كل شيء. لكن مع الحالة المصرية، فالأمر لا يمت بصلة للرأسمالية أو الاشتراكية، فالكيان المسيطر على الدراما في مصر هو شركة خاصة لكنها ليست في الحقيقة شركة خاصة تمامـًا بل هي مملوكة للدولة في نفس الوقت، لكنها ليست مملوكة للدولة بمعنى أنها قطاع عام، بل هي مملوكة لجهاز ما… واضح؟

رمضان القادم أحلى مع Watch it
أليست كل الأسباب السابقة تكفي لمشاهدة دراما رمضان على منصة Watch it؟ بلى، ففي لحظة ما سوف تشعر أنك تشاهدها رغماً عنك ليس فقط لجودة مسلسلاتها وأنها أعمال أصلية أصيلة، بل لأنها أعمال تشبهنا وتقترب منا ومن مشاكلنا اليومية مثلها مثل الإعلانات التليفزيونية. انتظروا العام القادم، ولا تتوقعوا أن تكون المشاهدة مجانية.

وفي خضم انخراطنا في المشاهدة "المكثفة" خلال الأسابيع الماضية، أعلنت شركة نتفليكس منذ أيام أن قصة ما وراء الطبيعة للكاتب الراحل أحمد خالد توفيق سيتم إنتاجها وعرضها على الشبكة، وسيقوم بإخراجها عمرو سلامة. وسوف يكون العمل أول مسلسل مصري من إنتاج نتفليكس. تخيلوا أن نتفليكس تريد إنتاج مسلسلات مصرية أصلية تنافس بها إنتاج شركاتنا في مصر. وتخيلوا معي أن تقوم نتفليكس بإنتاج مسلسلات رمضان للعام القادم؟ لن أتخيل سننتصر على نتفليكس بكل تأكيد في الموسم الرمضاني القادم .. يحيا Watch it.