FYI.

This story is over 5 years old.

موسيقى

دود الأذن.. لماذا تعلق الأغنية بعقلي ولا تخرج؟

تحدث الظاهرة بسبب سماعنا الأغنية عدة مرات خلال وقت قصير أو تعرّضنا لها في مكانٍ عام أو ربطنا بينها وبين حدثٍ مُعيّن أو رائحةٍ مُعيّنة

الصورة من فليكر

في الطريق من البيت إلى العمل، قرر سائق الأجرة تشغيل أغنية من اختياره، لم أعر الأمر اهتمامًا، تصفحت فيسبوك وتويتر سريعًا والأغنية تدور حولي، وعندما وصلت إلى العمل، وجدت نفسي أردد لا إراديًا "صاحبي يا اللي نسيت عشرة زمان، مان مان مان" ولم أكن أعرف ماذا أردد ولماذا أردد هذه الجملة تحديدًا، فقررت البحث عنها، وعندما كتبتُها على جوجل جاء الرد بمئات الروابط، إحداها لمهرجان "صاحبي يا صاحبي" وعندما استمعت له كاملًا، لم يجذبني وأغلقته.

إعلان

بعد عِدة أيام، أثناء سيري في الشارع، وجدت نفسي أردد "صاحبي يا صاحبي يا صاحبي عم الناس" بلا إرادةٍ مني دارت الأغنية في عقلي مرة أخرى، هذه المرة ذهبت لها واستمعت، وظللت استمع وأردد كلماتها لعِدة أيام، في الشارع والمنزل ومقر العمل، دارت الأغنية بعقلي ولم تتوقف حتى عندما لم أكن أستمع إليها، وهو ما أزعجني وحاولت التخلص منها، لكنني لم أستطع إلا بعد أن ضجرت تمامًا منها، وتذكرت أنها ليست المرة الأولى التي تعلق بها أغنية في عقلي ولا أتمكن من التخلص منها. وقت دراستي في الجامعة، في أيام الامتحانات تحديدًا، كانت الأغاني تلتصق بعقلي كدودة تمتص كل ما وقر بذاكرتي، أجلس وفي يدي ورقة الأسئلة، أقرأ ويرد عقلي "يا عم سلامة، ما تقول لي في إيه، هي القيامة، قامت ولا إيه؟" وهو ما لا أبحث عنه وقتها، لكن عقلي لا يُسعفني على تذكّر ما قرأته ليلته في المنهج الدراسي، كل ما تمكنت من تذكره كانت كلمات أغنية حكيم. لذلك فكرت أن أبحث عن الظاهرة، وما السبب في التعلّق الشديد بجملة من أغنية وترديدها لا إراديًا؟

دود الأذن العالق في عقلي
عندما بحثت عن الظاهرة، وجدت أن لها اسمًا معروفًا وهو "دود الأذن - Earworms" وتُعرف أحيانًا باسم دود المخ أو متلازمة الأغنية اللاصقة أو التصوّر الطوعي للموسيقى (Involuntary Musical Imagery)، وهي ظاهرة تحدث عندما يكرر العقل البشري أغنية أو لحنًا مُعينًا بلا إرادة منه، وبحسب موقع Wordspy فالكلمة جاءت من الأصل الألماني "Ohrwurm" أو ما يعلق بالذاكرة ويتكرر لا إراديًا.

قديمًا كان البشر يستخدمون الأغاني والشِعر في حفظ المعلومات المهمة فيما يخص المواد الدراسية مثلًا، مثلما فعل بعض الأزهريون في مقطعًا استمعت لها منذ يومين، حيث نظموا شِعرًا يمزج بين الكلمات الإنجليزي مثل (Monkey - Donkey - Bed - Head) بجانب معانيها في قصيدة، حتى يتسنّى لهم حفظ الكلمات ومعانيها بسهولة، ورغم تنوين الكلمات الإنجليزية، إلا أن القصيدة كانت مضحكة ولطيفة وسهلة الحفظ بالفعل، لأن الموسيقى والشعر لديهم الميل دائمًا إلى أن يلتصقوا بعقلك ولا يتوقفون عن الدوران.

إعلان

وتقول د. فيكي ويليامسون عالمة النفس الموسيقي، وهو فرع خاص بمزج الدراسة بين علم النفس وعلم الموسيقى (Psychology & Musicology) إنها شخصيًا لم تكن تعلم أن للظاهرة اسمًا، رغم أنها اختبرتها مرات عديدة، لذلك قررت البحث وراء الظاهرة، وأنشأت موقعًا إلكترونيًا تحت اسم earwormery حتى تتمكن من جمع أكبر قدر من القصص الخاصة بتعلّق العقل بالأغنيات، واستطاعت بالفعل جمع الكثير من القصص عن ما يقرب من 2500 أغنية تلتصق بالعقل عند سماعها.

أوضحت ويليامسون أن الأسباب التي تجعل الأغاني تعلق بعقولنا هي إما أننا سمعناها عدة مرات خلال وقت قصير، أو تعرّضنا إلى سماعها في مكانٍ عام، أو ربطناها بحدثٍ مُعيّن أو رائحةٍ مُعيّنة، مثلما حدث مع إحدى السيدات التي حكت على الموقع المذكور أعلاه، أن أغنية "Bananarama" للمغني ناثان جونز علقت في عقلها أثناء أدائها لإحدى الامتحانات وهي في الـ 16 من عمرها، وقالت إن الأغنية ارتبطت بالتوتر، فعندما تواجه موقفًا موتّرًا كالولادة فإنها تتذكر الأغنية على الفور وتردد في عقلها بلا إرادة. فكّرت ويليامسون في أن فكرة ظاهرة دود الأذن تكمن في أن الأغاني والموسيقى جزءًا من الإبداع الشخصي لشاعر وملحن قررا أن يضعا قطعة من روحيهما داخل العمل الفني - في هذه الحالة الأغنية-، لذلك وصلت بسهولة إلى مشاعر المتلقي وعلقت بعقله، لكن هذا لا ينطبق مثلًا على الأغاني الرديئة التي تعلق في ذاكرتنا، فلماذا تعلق الأغاني بهذا الشكل في عقولنا رغم رداءتها.

يقع 74% من البشر فريسة لدود الأذن من الأغاني، و15% في أغاني الإعلانات و11% في الموسيقى المعزوفة بالآلات

د. كيلي جاكوبسكي من جامعة درم في بريطانيا تشير الى أن الأغاني التي ينطبق عليها لفظ دود الأذن هي الأغاني ذات اللحن البسيط والسهل على الأذن، والكلمات المتناغمة مع ذلك اللحن، حتى لو كان اللحن ومعه الكلمات شديدي الرداءة، مثل أغنيات بعض الإعلانات التي تُعرض على القنوات التلفزيونية، والتي تتكوّن من موسيقى بسيطة تصاعديه ومع تكرار جملة أو بعض الجمل المعينة خلال الأغنية، والذي ينطبق على إعلانٍ آثار الجدل في الشهور الأخيرة. ينطبق ذلك على أغنيات الطفولة الأجنبية مثل (Twinkle Twinkle) التي تمتلك كلمات بسيطة ولحنًا سهل الالتقاط يبدأ بإيقاع هادئ، ثم يعلو قليلًا مع الكلمات، إلى أن يهدئ مرة أخرى في نهايته، وهو ما حذت حذوه الكثير من الأغاني العربية والأجنبية، التي استخدمت اللحن والكلمات البسيطة في التسلل إلى عقل المُستمع والتغذّي على ذكرياته وعدم الخروج منه، وهُنا يأتي السؤال الذي يطرحه معظم من يحاول البحث عن الظاهرة.

كيف أتمكن من التخلّص من دود الأذن؟
بحث جيمس كيلاريس، أستاذ التسويق في جامعة سينسيناتي الأمريكية، عن دود الأذن، ووجد أن ما يقرب من 99% من البشر يقعون فريسة بين أنياب الأغنية التي تتغذى على ذاكرتهم، ولا يعلم لماذا تعلق بعض الأغاني في عقول البشر دون غيرها، لكنه اتفق مع ما قالته دكتور كيلي جاكوبسكي في أن الأغاني التي تتميز بلحن تصاعدي لطيف وإيقاع مُحرّك وكلمات متكررة هي الأكثر التصاقًا بعقول مستمعيها. وبحسب البحث يقع 74% من البشر فريسة لدود الأذن من الأغاني، و15% في أغاني الإعلانات، و11% في الموسيقى المعزوفة بالآلات. وللأسف، لا توجد حتى الآن طريقة أساسية ومُجرّبة بشكلٍ علمي في التخلص من دود الأذن من الأغاني، لكن هُناك بعض النصائح التي قد تُساعد على التخلّص منها: غنّ أغنية أخرى أو استمع لأخرى، مارس نشاطًا يلهيك عن التفكير في الأغنية، استمع إلى الأغنية التي تتكرر عقلك حتى تملّها، استمع إلى الراديو، شارك الأغنية مع صديق أو عدد من الأصدقاء، لكن لا تستغرب إذا قرروا عدم التحدث معك مطلقًا. حاول أن تتخيل الأغنية باعتبارها دودة حقيقية وطاردها في عقلك حتى تُخرِجها من هُناك.

لكن عليك الحذر من أن تكون مصابًا بمتلازمة إندوموسيا (Endomusia)، حيث يسمع المُصابون بها أصواتًا وأغنيات حولهم كأنها حقيقة وليست مجرد أغنية علقت في العقل، فإذا شعرت بأنك تسمع الأغاني كأنها تعمل من حولك دون أن تكون كذلك، عليك زيارة الطبيب المختص. وعليك الحذر أيضًا، من أن تحاول طرد الأغنية المُلتصقة بالعقل بأغنية أخرى، فتلتصق الأغنية الثانية في عقلك وتحاول طردها بأغنية أخرى وهكذا، في حلقات لا نهائية من الأغنيات دود الأذن.