FYI.

This story is over 5 years old.

طبخ

رحلتي في تعلم طهي الطعام ذاتيًا بعد الثلاثين

البداية كانت بانتقالي للعيش بمفردي، بدأت تعلم الطهي اضطراريًا بوجبات بسيطة بمساعدة أمي، ثم انتقلت إلى "مرحلة الوحش" بعد أن تحول الأمر إلى شغف
طعام

myfriendscoffee.com

قبل أعوام كثيرة، كنا نتساءل أنا وصديق عن سر السعادة التي يراها كل منا في عين أمّه حين تُحضّر طبقًا شهيًا، عن سر الفخر بـ"الطبيخ الحلو"، عن الاتصالات الهاتفية الكثيرة التي تجريها مع صديقاتها للحديث عن أفضل طريقة لتحضير إحدى الوجبات. لم نصل لإجابة قاطعة. كان الأمر غامضًا بالنسبة لنا، وتعليقاتنا الساخرة كانت تحطُ من قيمته إجمالًا.

وقبل أيام قليلة، قمتُ بتحضير وجبة حلا لي مذاقها. وجدتني على الفور ألتقط صورًا لها وأشاركها مع مجموعة من أصدقائي عبر فيسبوك. اقتطعت جزءًا من الوجبة ومنحته حارس العقار الذي أسكن فيه. اتصلت بصديق ليحضر ويتناول معي الطعام. وددت لو دعوت كل الجيران لمشاركتي أيضًا. وأخيرًا حين هاتفت أمي ليلًا تحدثت معها طويلًا عن هذا الإنجاز الكبير.

إعلان

انقضى من عمري ثلاثون عامًا وأنا لا أفقه من شؤون الطهي وتحضير الطعام شيئًا. كنت ضيفًا خفيفًا على المطبخ. أدخله سريعًا وأخرج منه بعد دقائق معدودات. أُسخّن الخبز بعد إخراجه من الثلاجة. أعدُ الشاي. أكبر إنجازاتي كانت وضع البطاطس في الزيت وما يواكبه من طقوس مَرِحة مثل قذف بعض قطرات المياه داخل وعاء الزيت أو (الطاسة) كما نُطلق عليها في مصر، وإلقاء البطاطس في الوعاء ثم الركض بعيدًا لتجنب قطرات الزيت الملتهب المتطايرة.

لم تراودني يومًا، رغم عشقي للطعام، فكرة تعلّم الطهي. كنت أهاب المطبخ. محفورة في ذاكرتي صور لوالدتي حين كانت تعد لنا الطعام في نهار رمضان. كنت أراها في الساعة الأخيرة قبل أذان المغرب تتحرك يمينًا ويسارًا بسرعة جنونية. تسابق الزمن للانتهاء من الطعام قبل أن ينطلق صوت المؤذن مُعلنًا الإفطار.

الأزمة هنا أن الجميع يُحضّر الطعام بطريقته الخاصة، حتى أسهل الوجبات تجد اختلافًا في تحضيرها.

محفور أيضًا في الذاكرة بعض من أحاديث أصدقائي الرجال من محبي الطهي عن تحضير الطعام؛ المقادير، أنواع التوابل المستخدمة (لم أكن أعرف أسماء كثير منها)، مدة وضع الإناء على الموقد. تلك التفاصيل كانت تضاعف خوفي من اقتحام هذا العالم.

لم تتغير تلك القناعة بمرور السنوات. علاقتي بالطعام تتلخص في أكل كميات كبيرة منه حين أعود للمنزل بعد العمل. وأحيانًا أتناول بعض الوجبات خارج المنزل، تلك التي اعتادت أمي أن تطلق عليها "أكل الشارع" تحقيرًا لها في محاولة لصرفي عنها.

وهنا كانت أزمة أخرى، ستتجلى بوضوح فيما بعد؛ كنتُ أعلم أن الطعام الذي تعده أمّي "صِحّيّ" بالمقارنة بأكل الشارع لكنّ وجبات المطاعم لها بريقها الخاص؛ رائحة نفّاذة ومذاق حلو. والوصول لوجبةٍ تجمع بين حلاوة الطعم وجودته يبدو أمرًا صعبًا.

إعلان

ابتعدت عن منزل عائلتي دون زواجٍ. أعيش الآن بمفردي. لم يعد أمامي إلا خيارًا واحدًا؛ الأكل من المطاعم. قمت بتجربة كل المطاعم المحيطة بمنزلي. لم أترك واحدًا إلا وتناولت كل الأصناف التي يُقدمها لزبائنه أكثر من مرة. كنت أحصل على إجازة من أكل المطاعم يوم عودتي لزيارة أمي.

أرهقني أكل الشارع ماديًا. بات يستنزف الجزء الأكبر من دخلي الشهري ورغم ذلك ظل خيار الطهي وتحضير الطعام مستبعدًا. المرة الأولى التي فكرت فيها أن أقتحم هذا العالم كانت بعد وعكة صحية. قال الطبيب يومها إن "المداومة على الطعام غير الصحي" سبب المرض. ونصح بتقليل الكميات التي أتناولها من "أكل الشارع". هو أيضًا كان يستخدم اللفظ نفسه.

أحد هؤلاء المبتدعة وينتمي لمدرسة التوابل. وهي مدرسة ترى المطبخ المصري فقيرًا في استخدام التوابل. نصحني بزيادة جرعات التوابل دون قلق لأن "كله بيخش في بعضه وبيعمل نكهة حلوة" على حد قوله.

شجعني صديق علّمَته والدته الطهي منذ الصغر. قال لي إن مخاوفي من الطبخ ستنتهي ولن تعود مرة أخرى حين أنجح في إعداد وجبة شهية.

الصفحة الأولى في كتاب الطبخ لم أدوّن فيها وصفة لإحدى الأكلات سهلة التحضير. كنتُ أبحث عن شخص أو كتاب أو حتى قناة على يوتيوب أرجعُ إليها كلما اختلط الأمر عليّ. أعرف منها الوصفة المثالية لما أود تحضيره. كان الهدف أن أصنع طعامًا شهيًا فيه من حلاوة "أكل الشارع" وجودة وجبات أمّي.

الأزمة هنا أن الجميع يُحضّر الطعام بطريقته الخاصة، حتى أسهل الوجبات تجد اختلافًا في تحضيرها. اخترت أن تكون أمي مرجعًا لي. الاتصالات الهاتفية قبل وأثناء وبعد تحضير الطعام كانت كثيرة. أسئلتي كان يغلب عليها السذاجة. سذاجة مبتدئ يقتحم عالمًا لا يعرف عنه شيئًا لكنه رغم ذلك يقتحمه بجسارة وثقة كبيرة بالذات.

إعلان

بدأت مع المكرونة والبانية (صدور الفراخ المَقلية في الزيت) والبطاطس. وجبة مثالية لرجل أعزب. لا يستغرق تحضيرها وقتًا ولا تتطلب جهدًا كبيرًا لكنني مللتُها سريعًا. أو بالأدق كرهت أن أقف عند مرحلة المبتدئين وقررت أن أخطو خطوات أخرى.

قديمًا، كنت أتأفف حين تخبرني أمي أن الطبق الرئيس في وجبة الغداء سيكون "طبيخًا". وأقصد هنا صينية الكوسة أو البطاطس أو البامية أو غيرها من أنواع الخضروات التي تكسوها، في الأغلب، صلصة الطماطم. كانت أمي تُحضِر إلى جانب الطبيخ طبق أرز ولحوم.

خطوتي التالية في عالم الطبخ كانت الوصول إلى هذه المرحلة. القُدرة على تحضير الوجبة التي تأففت منها لسنوات بعناصرها الثلاثة؛ الطبيخ (بطاطس أو بامية أو كوسة في الأغلب) والأرز واللحوم.

نجحت منذ المحاولة الأولى. لم أخفق في شيء. العناصر الثلاثة كانت صالحة للاستعمال الآدمي. لم تنقطع الاتصالات مع أمّي منذ التفكير في الوجبة مرورًا بتحضيرها ثم أخيرًا جاءت مكالمة النصر بعدما تمّت المهمة على أكمل وجه.

وهنا أول شيء تعلمته من الطبخ؛ ألا أستصغر شيئًا قط. كل الوجبات يُبذل فيها جهد. يتفاوت من وجبة لأخرى دون شك لكن حتى تلك الوجبات التقليدية تستغرق وقتًا وجهدًا لإعدادها.

أصبحت الآن متصالحًا مع هذه الوجبات. حين أعود لمنزل العائلة وأجد تلك الأطباق على المائدة لا أتأفف مطلقًا. كنت مشُوشًا بعض الشيء في تلك المرحلة. ورغم اعتمادي أمي مرجعًا طبخيًا إلا أنني كنت في بعض الأحيان أرغب في التجديد.

كنت استشير بين الحين والآخر بعضًا من أصدقائي من محبي الطهي. والرجال المتقنون للطهي يعتزون بطرق تحضيرهم للطعام أيّما اعتزاز. تفاخرهم في هذا الشأن يفوق تفاخر النساء. ربما مرجع ذلك إلى أن الرجال لا توكل إليهم في الأغلب مهام الطهي وتجهيز الطعام في مجتمعاتنا، لذلك حين يقتحمون هذا العالم ويقطعون فيه شوطًا يبدو الأمر لهم بمثابة الإنجاز الكبير.

إعلان

كثير منهم اقتحم هذا العالم دون أن يملك الحد الأدنى من الخبرة السابقة؛ أحدهم جاءته فرصة عمل في مدينة أخرى بعيدًا عن عائلته فقرر أن يتعلم الطبخ بمفرده. لا يسأل إلا نادرًا. يُجرب ويبتكر ويعد طعامًا سيئًا لكنّه يراه الأفضل في العالم. وآخر كان يوتيوب فقط وجهته للتعلّم وظن بعد مشاهدة بعض مقاطع الفيديو أنه بات خبيرًا لديه القدرة على تأليف كتب في إعداد الطعام. مع الوقت ترسخّت لدىّ قناعة أن من لم يقف بجوار أمه في المطبخ ليتعلم منها ويتابعها بصبر وتأنٍ فهو مبتدع لا محالة!

أحد هؤلاء المبتدعة وينتمي لمدرسة التوابل. وهي مدرسة ترى المطبخ المصري فقيرًا في استخدام التوابل. نصحني بزيادة جرعات التوابل دون قلق لأن "كله بيخش في بعضه وبيعمل نكهة حلوة" على حد قوله.

استجبت للأسف لنصيحته. كنت أجهّز وجبة الرجل الأعزب (مكرونة + بانية + بطاطس مقلية) أغرقت صلصة المكرونة بالتوابل كما قال لي؛ وضعت ورق لاورا. وريحانًا مطحونًا. وقرفة. ومستكة. وحبة البركة. وحبهان. وخلطة توابل مخصصة للبطاطس المقلية. كل هذا بالإضافة إلى الفلفل الأسود والكمون والملح.

نصيحة صديقي كانت في محلها: "كله دخل في كله". كان أسوأ طبق مكرونة تذوقته في حياتي. لم أتناول منه سوى ملعقتين. أصدقائي الذين تواجدوا معي في هذا اليوم لفظوها سريعًا.

وكان هذا هو الدرس الثاني: تعامل مع التوابل بحذر. وتعامل أيضًا مع نصائح أصدقائك الرجال بحذر أكبر.

وعلى ذكر الرجال والنساء، أذكر أنني أثناء التحضير لعزومة كبيرة جاءت إحدى المعزومات، وكانت زوجة أحد الأصدقاء لتتابع إعداد الطعام. كنتُ أقطّع البطاطس تمهيدًا لوضعها في الصلصة فسخرت من طريقة التقطيع. بدا لها أنني ساذج وأن الطعام سيكون سيئًا. في الحقيقة كنت أُقطّعها بطريقة غبيّة لكنني رفضت هذا الاستعلاء الأنثوي وقلت لها إنها "طريقة جديدة لا يعرفها المبتدئون".

إعلان

واجهتني أزمة أخرى. إعداد الطعام لا يبدأ من المطبخ لكن من السوق. وكلما تقدمت خطوة للأمام وحاولت تحضير وجبة جديدة كلما زادت قائمة الطلبات التي يجب إحضارها.

في البداية، كنت أرفض الذهاب للسوق المجاور للمنزل حيثُ يتراص الباعة منذ الفجر وحتى غروب الشمس. أكره الزحام. وأكره "الفِصال" في الأسعار. وأكره خداع بعض الباعة. كنت أذهب للمحلات الكبيرة (الهايبر) تلك التي تجد فيها كل أصناف الخضار واللحوم والمعلبات والمنظفات. هناك يُغلفون الأشياء بشكل أنيق. لا يزعجك البائع بأسئلة كثيرة. تنتقي ما تشاء ثم تدفع وترحل إلى منزلك بهدوء.

كنت كلما ذهبت لتلك المحلات أنفق أموالًا كثيرة. ذات يوم حسبت تكلفة إعداد إحدى الوجبات التي قمت بإحضار مكوناتها بالكامل من ذاك المحل. كانت تكلفة الوجبة قريبة جدًا من مثيلاتها في المطاعم التي اعتدت زيارتها قبل تعلم الطبخ. قلت لنفسي إذا كان الأمر كذلك فلمَ أهدر كل هذا الوقت في الذهاب للمحل ثم تحضير الطعام؟

أخبرتني أمّي أن أسعار السوق أرخص من تلك المحلات. ورغم ذلك رفضت مجددًا الذهاب للسوق. اعتمدت في البداية على حارس العقار ليتولى هذه المسؤولية ثم لجأت إلى محل خضروات صغير قريب من منزلي للغاية كان يُوصل الطلبات حتى باب المنزل.

ورغم ذلك، لم أجد مفرًا من زيارة السوق؛ لأن المحل الصغير يُغلق أبوابه مُبكرًا. وفي أحيان كثيرة لا أجد ما أريده إلا في السوق. كما أن الاعتماد على آخرين في انتقاء الخضروات تكون نتائجه أحيانًا كارثية كأن تقوم بشراء كيلو طماطم وتطالب البائع بإيصاله المنزل وحين يصلك تجد أكتر من نصفه غير صالح.

شعرت في تلك اللحظة أن دخولي المطبخ كان مجرد البداية لسلسلة من القرارات التي لم تكن في الحسبان.

إعلان

تحيّنت الأوقات التي يقل فيها الزحام. الساعتان السابقتان لغروب الشمس كانتا اختيارًا مثاليًا بالنسبة لي. السوق المجاور للمنزل سوق موظفين. أى أن أغلب زبائنه من الموظفين العاملين بالأبنية الحكومية المجاورة لمنزلي لذلك ينشط في أوقات خروجهم منه ويخمد بعد رحيلهم.

في الساعات الأخيرة من انتصاب السوق يختفي الزحام لكن ولسوء حظي تختفي معه أصنافًا انقض عليها الموظفون نهارًا. كما أن الباعة الذين يستمرون بعد رحيل الموظفين قليلون ويستغل أغلبهم ذلك فيقوم برفع أسعار بضاعته استنادًا إلى عدم وجود باعة كُثُر.

لا مفر إذًا من الذهاب للسوق في منتصف النهار والالتحام بجموع الموظفين. وما أقبحه التحام. بدأتْ رحلة التزاحم والفصال والبحث عن أرخص بائع وتجنب الاحتكاك بالنساء إلى غير ذلك من التفاصيل.

لم أكن أذهب إلى السوق إلا مضطرًا حين ينفد من المطبخ قوامه الأساسي، لذلك أكون مُطالبًا بإحضار العديد من الأشياء؛ خضروات وفواكة وتوابل ولحوم. كنت أعود للمنزل أحمل العديد من الشنط البلاستيكية المليئة بالخيرات. لا أقوى على السير بها إلى المنزل مباشرة دون توقف. كنت أتوقف مرتين أو ثلاث لالتقاط الأنفاس وإراحة يديّ.

رغم ذلك، كنت أكتشف بعد عودتي للمنزل كل مرة أن هناك شيئًا لم أحضره. كثرة الطلبات تُنسي بعضها بعضًا. والمؤلم أنني أتذكر ذلك المنسيّ فور عودتي للمنزل مباشرة. بات معتادًا أن أضع الشنط البلاستيكية في المطبخ ثم أعود للسوق مسرعًا. تغلبت على هذه الأزمة لاحقًا بكتابة كل ما أحتاجه في ورقة صغيرة. أكتبها بتمهّل حتى لا أنسى شيئًا.

تقدمت خطوة تلو الأخرى في عالم الطبخ. أؤمن بأهمية التدرج وعدم الاقتراب من "مرحلة الوحش" إلا بعد فترة من التعلّم ورغم ذلك كانت الحماسة تقودني أحيانًا للاقتراب من المناطق المحظورة؛ كأن أقوم بإعداد صينية قرع عسل بالبشاميل بعد مرور أقل من أسبوعين على بداية تعلّم الطبخ، وكانت النتيجة جيدة جدًا.

إعلان

واجهتني منذ بدأت تعلم الطبخ قبل نحو عام من الآن أزمة أخرى تتمثل في الوقت الذي يستغرقه إعداد الطعام. كلما استغرق الطهي وقتًا طويلًا تذكرت جملة قالتها إحدى زميلاتي في العمل قبل عامين، ويبدو أنها جملة مألوفة لدى النساء المصريات، حين أخبرتني عن كرهها لوجبة محشي ورق العنب. وهي بالمناسبة الأقرب إلى قلبي. قالت لي إن سبب الكراهية أن ورق العنب يحتاج ساعاتٍ لإعداده ثم يأكله أبناؤها في خمس دقائق فقط.

في مرات عديدة. كنت اتّبع الخطوات التي قالتها أمّي بدقة لكنني أجد اختلافًا في الطعم. وحين أراجع طريقة التحضير أكتشف أن شيئًا صغيرًا غفلت عنه تسبب في هذا الاختلاف؛ لذا، صرت أدخل المطبخ منتبهًا. لا أطهو إلا وأنا في كامل تركيزي. مجددًا أدركت أنني في حاجة لكتابة الخطوات على ورقة لتجنب التعثر. الورقة تضم كلَ شيء؛ المقادير، خطوات الإعداد، والطريقة المثالية لتقديم الطعام أيضًا.

لم أتغلّب على أزمة الوقت بسهولة. الخوف من الأخطاء يدفع للتمهّل والتأني. بعد أشهر وصلت لحل جيد. منطقة وسطى آمنة. سأتناول كل يوم طعامًا سهل التحضير لا يستغرق وقتًا طويلًا على أن تُخصص العطلة الأسبوعية للوجبات المعُقدة.

وهذا درس جديد تعلمته من الطهي؛ التفاصيل الكثيرة تدفعك للتنظيم وترتيب الأولويات. الورقة التي أكتبها قبل النزول للسوق. والورقة التي أكتبها قبل دخول المطبخ. صارت لهما شقيقات أخريات. واحدة لمواعيد المقابلات اليومية. وأخرى تُكتب كل صباح تتضمن خطة عمل هذا اليوم. وثالثة في بداية كل شهر تتضمن الكتب والأفلام التي أنوى قراءتها ومشاهدتها. يقودك دخول المطبخ إلى حياة أكثر نظامًا وترتيبًا ودقة. كما يساعدك على توفير بعض الأموال.

بمرور الوقت، بدأ الملل والإنهاك يتسربان إلىّ لكنّ هُجران المطبخ لم يعد في الحسبان. لذلك قررت أن أكتفي بالطبخ أربعة أيام في الأسبوع. والثلاثة أيام الأخرى أتناول في الأول منها الطعام في منزل العائلة. وفي الثاني أكتفي بتسخين بعض الطعام الذي منحتنيه أمّي في اليوم السابق. أمّا اليوم الثالث والأخير فأذهب فيه لأحد المطاعم المجاورة لمنزلي.

زيارة المطاعم الأسبوعية تتضمن تفاصيل كثيرة؛ بدءًا بمحاولة انتقاء الوجبات الغريبة التي لم يسبق لي تناولها. مرورًا بالتعرّف على الطهاه وسؤالهم عن المقادير وطريقة إعداد تلك الوجبات (تفشل تلك المهمة في بعض الأحيان). نهايةً بمحاولة طهيها في المنزل خلال الأربعة أيام الأولى من الأسبوع.

رغم مرور عام على بدء دخولي المطبخ إلا أنني ما زلت أشعر بالرهبة من بعض الوجبات. الأسماك تحديدًا لا أقترب منها. وما زلت أشعر أنني لا أفقه شيئًا في هذا العالم كلما وقفت إلى جوار أمّي لأراقبها تعد أصنافًا شهية متعددة من الطعام في وقت قياسيّ.