حرب غزة

معركة الإعلام والمصطلحات: حرب أخرى تتزامن مع الحرب الإسرائيلية على غزة

"هل تدين حماس؟"
3_01

تزامنًا مع الحرب التي بدأت على قطاع غزة في السابع من أكتوبر الجاري، والتي بدأت باجتياح نفذه مقاتلون من الذراع العسكري لحركة حماس ونتج عنه مقتل ١٣٠٠ إسرائيلي، نشبت حرب إعلامية أخرى ضد الفلسطينيين نفذتها وسائل إعلامية أجنبية، وذلك بتغطية الأحداث في قطاع غزة بطريقة تفتقر إلى الحيادية والنزاهة. تباينت أساليب الانحياز لصالح إسرائيل على صفحات وشاشات الإعلام الأجنبي، فشملت اللغة، الصور، المقابلات المؤطرة، ونشر الأخبار الزائفة.

إعلان

في هذا المقال، سأعرض بعض الحيل التي اعتمدتها بعض المنصات الإعلامية الإسرائيلية والغربية للتشويش على أحداث ٧ أكتوبر حتى الآن.

أكذوبة الأربعون رضيعًا الذين قتلتهم حماس 

بدأت الحرب الإعلامية بأخبار كاذبة نشرتها وسائل الإعلام الإسرائيلية مفادها أن لديها صور أطفال رضع قطعت حماس رؤوسهم. انتشر الخبر كالنار في الهشيم رغم عدم نشر الجيش الإسرائيلي لأي صورة من الصور التي قالت أنها تمتلكها. هذا الخبر الزائف لاقى رواجًا وصل إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن والذي أعلن في مؤتمر صحفي أنه رأى الصور بنفسه. لكن البيت الأبيض عاد وتراجع عن هذه التصريحات قائلًا أنه لم يتسنى لأي مسؤول في البيت الأبيض رؤية هذه الصور والتحقق منها.

على الرغم من عدم التأكد من صحة الصور، واعتبار الأخبار غير موثوقة، إلا أن وسائل إعلام أجنبية تداولت "أخبار غير مؤكدة عن ذبح أطفال إسرائيليين." وإذا كان الخبر غير موثق فلماذا تم نشره من الأساس؟

اللغة المنحازة

إن استخدام وسائل الإعلام المعروفة لتعبيرات "الإسرائيليون يقتلون، والفلسطينييون يموتون" لوصف ضحايا القصف الصاروخي الإسرائيلي، هو أمر خاطئ، لأنه قد يعطي الانطباع بأن الفلسطينيين وحدهم هم من يموتون في هذا النزاع، وأن الإسرائيليين فقط هم من يقتلون.

وفي مقابلة مع سكاي نيوز، قالت الناشطة يارا عيد لمذيعة البرنامج التي استخدمت هاتين الكلمتين، إنها يجب عليها أن تستخدم كلمة "قتل" وليس "الموت"، لأن الفلسطينيين يقتلون على يد قوات الاحتلال، وأن هذه الإعلامية يجب أن تتحلى بإلتزام أخلاقي وتستخدم المفردات المناسبة في وصف ما يحدث.

الإجتزاء

إعلان

في مؤتمر صحفي عقدته إحدى الرهينتين اللتين احتجزتهما حماس لأكثر من أسبوعين في غزة، قالت الرهينة الإسرائيلية المحررة يوشيفيد ليفشينز إنها تلقت معاملة جيدة من مقاتلي حماس أثناء احتجازها في أحد الأنفاق في غزة. لكن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إجتزأت هذا الجزء واحتفظت بالجزء الذي قالت فيه إنها "مرت بالجحيم"، وأن متعلقاتها سُرقت وهي على ظهر الدراجة النارية التي أقلتها من الكيبوتس إلى الكيبوتس إلى قطاع غزة.

Screenshot 2023-11-03 at 4.30.15 PM 2.jpg


التشكيك

ساهم الرئيس الأمريكي جو بايدن في الحرب الإعلامية بين إسرائيل وحماس، حيث قال أنه لا يثق بأرقام أعداد القتلى الفلسطينيين التي نشرتها حماس، وشكك في صحتها. كما أنه لم يشكك في أرقام القتلى الإسرائيليين، والتي لم يتم توثيقها أيضًا. وقال بايدن إن مدنيين فلسطينيين كانوا من بين ضحايا العدوان الإسرائيلي، لكنه اعتبر ذلك "نتيجة طبيعية للعدوان." وسرعان ما تبنّت وسائل الإعلام الغربية خطاب بايدن، وبدأت تتحدث عن أعداد القتلى الفلسطينيين في غزة، والتي وصلت إلى أكثر من ٨٠٠٠، وهو رقم غير معتمد.

ودعم الصحافي السابق في رويترز لوك بيكر ادعاءات بايدن، قائلًا إن حماس تميل إلى زيادة عدد الضحايا كجزء من دعايتها الإعلامية. وزعم بيكر أن هناك أطباء لديهم أرقام أخرى ولكنهم يخشون الكشف عنها خوفًا من عقاب حماس.

ردت وزارة الصحة في قطاع غزة على هذه الادعاءات بنشر جميع أسماء الشهداء وأعمارهم وأرقام هوياتهم، لكن ذلك لم يكن كافيا لمن اختار أن يصدق ادعاءات بايدن، التي تفتقر إلى الأدلة بشكل واضح. والهدف من هذه المحاولات للتشكيك في عدد الضحايا هو تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، وبالتالي السماح بالمزيد من المجازر بحقهم.

إعلان

نزع الإنسانية عن الفلسطينيين حملت أوجه كثيرة منذ بداية الحرب. فبينما قال فيه وزير الدفاع الإسرائيلي يوأف جالانت في بداية الحرب أن الفلسطينيين في غزة هم "حيوانات بشرية"، تعمدت وسائل إعلامية أخرى لاستخدام كلمات مثل "الإرهابيين" و"دروع بشرية" في محاولة للتخفيف من التأثير الذي قد يجلبه رقم الضحايا الكبير في غزة.

صور غير حقيقية

نشرت صحيفة ذا تايمز البريطانية اليومية خبرًا رئيسيًا بتاريخ ١٢ أكتوبر، استخدمت فيه صورة لأطفال من قطاع غزة أصيبوا نتيجة لقصف إسرائيلي وعنونته "إسرائيل تنشر صورًا لأطفال مشوّهين." ومع الصورة، وضعت تعليقًا يشير إلى أن هؤلاء الأطفال هم من ضحايا القصف الإسرائيلي.

وعلى الرغم من أن الصورة كانت مصحوبة بوصف يشير إلى الحقيقة، إلا أن العنوان الذي ورد بخط عريض فوق الصورة كان مضللًا حيث أشار إلى أن هؤلاء الأطفال هم إسرائيليون مشوّهون. 

ولا يقتصر التضليل على وسائل الإعلام الغربية فقط، بل يمتد إلى المشاهير أيضًا. في بداية الحرب، نشرت الممثلة الأمريكية جيمي لي كورتيس والمغني الكندي جاستن بيبر صورًا لأطفال قتلى، معبرين عن تضامنهما مع إسرائيل، واعتقادهما بأنهما أطفال إسرائيليون. لكن في الحقيقة الصور كانت لأطفال فلسطينيين استشهدوا في غزة نتيجة القصف الإسرائيلي.

تعرض كل من جيمي وجاستن لانتقادات عبر الإنترنت لنشرهما صورًا من غزة التي مزقتها الحرب مع تعليقات مؤيدة لإسرائيل، ومنذ ذلك الحين قاما بحذف منشوراتهما.

jaimejustin.png

هل تدين حماس؟

أصبح هذا السؤال بمثابة تذكرة دخول للعديد من البرامج الحوارية في البرامج العالمية. وعلى رغم من أن بيرس مورغان يعتبره البعض أفضل مذيع تلفزيوني يغطي حرب غزة، إلا أنه يتمتع بتميز واضح في أسلوبه. فغالبًا ما يسأل الضيوف الفلسطينيين (أو المؤيدين لفلسطين) عما إذا كانوا يدينون تصرفات حماس. لكنه لا يطلب من الضيوف الإسرائيليين إدانة تصرفات إسرائيل، التي قتلت وأصابت آلاف الفلسطينيين، وتسببت في نزوح معظمهم داخليًا.

إعلان

في حوار مع السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة حسام زملط، سئل مورغان السؤال عينه إلى زملط، ليجيبه زملط بالتساؤل عن سبب عدم طرح هذا السؤال على الضيوف الإسرائيليين. كما طرح باسم يوسف أيضًا نفس السؤال عليه، فأجاب مورغان أنه يستطيع أن يدين حماس ثم يغادر اللقاء إذا كان هذا هو الهدف الرئيسي من الحوار. 

في مقابلة مع السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة حسام زملط، طرح بيرس مورغان عليه السؤال نفسه الذي يطرحه باستمرار على الضيوف الفلسطينيين، وهو عما إذا كانوا يدينون أعمال حماس. رد السفير زملط بالتساؤل عن سبب عدم طرح هذا السؤال على الضيوف الإسرائيليين. وطلب مورغان أيضًا من الإعلامي المصري باسم يوسف أن يدين ما فعلته حماس، فكان رد يوسف أنه إن كان هذا هو هدف اللقاء فإنه يستطيع أن يدين حماس ومن ثم يغادر، لكن الموضوع أعقد من ذلك. 

كما أن بيرس مورغان لا يسمح لأي من ضيوفه بالحديث عما حدث ويحدث قبل السابع من أكتوبر وبعده. فعندما يحاول أحد الضيوف الحديث عن الأسباب التي دفعت حماس إلى إطلاق الصواريخ، مثل الحصار الإسرائيلي على غزة  الذي بدأ قبل أكثر من خمسة عشر عامًا، يقاطعه مورغان ويصر على عدم الحديث عن الماضي.

وفي مقابلة مع الناشطة الفلسطينية رحمة زين، سألها مورغان عما إذا كانت نادمة على أسلوبها في التعامل مع مذيعة قناة سي إن إن، كما سألها عما إذا كانت تدين أعمال حماس. تجاوز مورغان دوره كمحاور ليصف أعمال حماس بأنها "فعل مقرف"، في حين أنه لم يستخدم مثل هذه الأوصاف عند الحديث عن أي اعتداءات إسرائيلية على المدنيين.

ربمّا هذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها الإنحياز في الإعلام الدولي بهذه الصورة الفجة، ولكنه أظهر وللأسف أن  بعض وسائل الإعلام التي لطالما روجت لنفسها أنها وسائل إعلامية نزيهة ومتوازنة، لم تدخّر أي مجهود لدعم الجانب الإسرائيلي على حساب الفلسطيني، حتى وإن تضمن ذلك تبرير قتل المدنيين في قطاع غزة بشكل يومي.

إن الإعلام مهنة نزيهة هدفها أن تزيد معرفة الجمهور وتساهم في تشكيل الرأي العام بصورة لا تعتمد أبدًا على التضليل، لكن الإعلام أسيء إستخدامه كثيرًا خلال الحرب الدائرة حاليًا. وإن كان من المستحيل وقف هذه الدعايات الموجهة، فإن زيادة معرفة الجمهور بكيفية إستهلاك الإعلام أصبحت ضرورة حتمية.