مقابلة

حديث عن أرشيف الشتات وفيلم "لا ترتاح كثيرًا" مع شيماء التميمي

"أريد لرحلة الاستكشاف هذه أن تصبح فعل جماعي"
Al Tamimi_Don't get too comfortable_03 (1)

لقطة من فيلم "لا ترتاح كثيراً." الصور مقدمة من شيماء.

حقيبة وتذكرة وجواز سفر هي ثلاث ثوابت يختبرها الأفراد في الشتات. وعلى الرغم من تباين الأسباب التي دفعت اليمنيين للهجرة مع مرور الأجيال بين النفي والحروب واللحاق بفرص أفضل، إلا أن تداعيات رحلة الهجرة المطولة التي قطعتها العديد من العوائل اليمنية بين الخليج وشرق أفريقيا والولايات المتحدة وغيرها، ما تزال تحمل في ثناياها تعقيدات تاريخية ووجودية طغت عليها اسئلة الانتماء والهوية ووزن جواز السفر في تحديد منحنى الحياة للفرد في هذه الألفية.

إعلان

في فيلمها الأول "لا ترتاح كثيرًا" تقف شيماء التميمي أمام قصتها وقصة عائلتها العابرة للأجيال والتي تقارب في جوهرها رحلة الكثير من اليمنيين ممن سلكوا درب الهجرة. رشح الفيلم في قائمة الأفلام القصيرة في مهرجان البندقية السينمائي الدولي الذي سيقام في سبتمبر القادم وهو أول عرض لفيلم من اليمن.

شيماء هي راوية قصص بصريّة من أصل يمنيّ شرق أفريقي مقيمة في الخليج العربيّ. تتناول في أعمالها موضوعات حيويّة مثل الهجرة والهويّة والقضايا الاجتماعيّة من خلال التّعمّق في الذّات مستخدمةً أسلوبًا فنيًا يرتكز على النّمط الوثائقيّ المتجذّر في القضايا التي وجدت نفسها مهمومةّ بها. توظّف شيماء أوساط التّصوير الفوتوغرافيّ والسّينما والصّوت والكتابة في فيلمها، مازجة بين الأرشيفات التّاريخية والعائليّة وبصريات معاصرة لخلق سرديّات نابضة بالحياة. تحدثت مع المخرجة شيماء التميمي عن تجربتها في إنتاج هذا العمل والقصة التي يرويها. 

image_72192707.JPG

شيماء التميمي.

VICE عربية: مرحبا بك شيماء ومبروك! لماذا أخترت عنوان "لا ترتاح كثيرًا" للفيلم؟ 
شيماء التميمي:
عدم الشعور بالراحة، هي حالة ذهنية مستمرة من التنقل اتشاركها مع معظم اليمنيين في الشتات والمهجر، محورها معضلة الاستقرار حيث يمر الكثيرون منا بدوامة الهجرة التي نستمر فيها بالبحث عن الوجهة التالية لمشروع الاستقرار والثبات. مع تغير المعطيات في محيطنا منها وزن جواز السفر في تحديد الفرص والوجهات التي نتمكن من الوصول إليها، قد يبدو أحيانًا أن هذه الرحلة تمتد طويلًا ولا نصل أبداً للراحة. نشأنا على فكرة الهجرة كمرحلة مؤقتة تختتم بالعودة الكريمة إلى أرض الوطن، ولكن ما يمليه علينا الواقع مختلف تمامًا. فكرة الفيلم هي وليدة زمالة فنية مع ماجنوم فاونديشن ثم تطورت خلال العام الماضي.

إعلان

كيف كانت تجربة إنتاج وإخراج أول فيلم بالنسبة لك في وقت استثنائي وإغلاق شامل بسبب الظروف الصحية؟
التجربة بحد ذاتها كانت ممتعة ومليئة بالدروس. في الحقيقة لم أفكر سابقًا في صناعة الأفلام، بدت المسألة مجهدة وبحاجة إلى الكثير من التخطيط والاستعدادات. ولكن أعتقد أن التكنولوجيا وتقنيات مونتاج الحركة والصوت سمحت بتغيير هذه المفاهيم حول صناعة الأفلام خصوصًا الأعمال ذات الأسلوب التجريبي التي يندمج فيها استخدام النص والصوت والصورة والرسوم المتحركة. الخطة الأولية تضمنت رحلة إلى اليمن لتصوير بعض المشاهد هناك، ولكني لم أتمكن من الذهاب بسبب الإغلاقات. فقررت استخدام صور الارشيف ودمجها مع مقاطع صوتية ورسومات في مرحلة المونتاج التي تعاونت فيها مع الفنانة ميار حمدان وهي كذلك منتجة الفيلم. 

من خلال استخدام الأرشيف- تحديدًا أرشيف عائلتك في أعمالك، كيف تعاملت مع مسألة الخصوصية؟ 
درست الأرشيف العائلي باستفاضة خلال عملي على هذا المشروع وفي نفس الفترة مررت بمرحلة من مواجهة الذات وفي محاولة لمواجهة هذه الأفكار بدأت بالكتابة، واسترسلت في نص كان عبارة عن رسالة إلى جدي ثم قمت بتجريب قراءة الرسالة صوتيًا وتسجيلها. أتحدث فيها مع جدي الذي لم أقابله إلا عبر الصور وتعرفت عليه من القصص التي يحكيها والدي عنه. احكي له في الفيلم عن رحلة والدي "السندباد" الذي تنقل بين اليمن وتنزانيا وكينيا حتى وصل إلى الإمارات وكيف أصبح شكل عائلتنا في خضم هذه الرحلة التي ما زالت مستمرة - على الأقل بالنسبة لي.

بصراحة وجود الأرشيف في كل عائلة هو أمر في غاية الأهمية، واشعر بالإمتنان لعائلتي التي تنقلت كثيرًا ولكنها بقيت محافظة على جزء كبير من أرشيفنا العائلي الذي يوثق حياتنا وحياة أجدادنا. قررت استخدام الأرشيف للقيمة التاريخية والقصص المدفونة التي وجدتها فيها، لكنني واعية جدًا بوجود الحساسيات المجتمعية التي يمكن أن تظهر في هذا السياق خصوصًا أن الأرشيف ينتمي لعائلتي، لهدا أخذت بعين الاعتبار مسألة الخصوصية ووجدت طرق خلاقة في الحديث عن الشخصيات والقصص الموجودة في أرشيف عائلتي من دون التسبب بحساسية ومن دون تغيير جوهر القصة كذلك. مجددًا السحر يكمن في المونتاج. 

أن تحكي قصتك الشخصية من خلال عمل فني هو أمر شجاع، ويبدو سهلًا للمشاهد هل الأمر بهذه السلاسة من جهتك؟
لسنا معتادين على رؤية أنفسنا على الشاشة (تضحك). نشاهد الكثير من الأفلام ونقرأ العديد من الروايات، وأرى أن أفضلها هي تلك المستوحاة من قصص شخصية. لم أر قصة تشبهني وتشبه التجارب التي يمر بها الناس في مجتمعي فقررت اصطياد الفرصة لجلب هذه القصة بطريقة تمثلني كذلك. لأنها قصتي الشخصية ما زلت اواجه الكثير من العقبات في إيجاد الطريقة المناسبة لرواية القصة ومراعاة التفاصيل وحساسيتها. من خلال هذا الفيلم أريد للناس الذي يمرون بتجارب مشابهة أن يجدوا الحافز للبحث عن قصصهم والوصول إلى أرشيفهم للحصول على بعض الإجابات. أريد لرحلة الاستكشاف هذه أن تصبح فعل جماعي.  

من خلال هذه الرحلة المطولة في متاهات الهجرة والهوية، كيف تصفين علاقتك ببلدك الأم؟تغيرت المعطيات كثيرًا خلال السنوات الأخيرة بخصوص علاقتي مع اليمن. في السابق لم أعرف معنى أن تكون يمنيًا لأنني لم أعش هناك من قبل، ولا أعرف ما هي تفاصيل الحياة اليومية هناك. اقتصر الأمر على اليمن كبلدًا عائلتي منه وهي أرض أجدادي وكان هذا التصور بسيطًا جدًا. بعدها، أدركت التحديات التي تفرض عليك كحاملة لهذه الجنسية، وبعضها مصيري في تحديد مسكنك وعملك وفرص تطورك في الحياة وهذه كان مرحلة من السخط. بعد البحث والاستكشاف في الأرشيف والتعرف على أشخاص آخرين من نفس الخلفية، أدركت أنها ليست تجربتي أنا فحسب بل هناك الكثيرين مثلي وبدات نظرتي بالتغير من خلال صداقاتي مع يمنيين آخرين في الشتات. أنا أيضًا اهتم الطبخ والأطباق التقليدية، أصبحت الأكلات اليمنية الشهيرة محط اهتمام بالنسبة لي حيث أحاول البحث عن تاريخ طبق معين أو قصة جديدة، وهكذا أصبحت العلاقة ودية أكثر من ما مضى وتستمر بالتغير.

ماذا استنتجت من خلال بحثك المطول عن الشتات. وما هي الامتيازات التي يمكن أن ترافق هذه الخلفية على الرغم من مشاقها العديدة؟
أعتقد أنني أميل إلى لعب دور المشاهد كي أسمح لنفسي بتلقي المعلومات ودراستها بتآني. أصبح الهدف هو التعلم وفهم السرديات التي ترافق هذه المرحلة من البحث الذاتي. أما بالنسبة للامتيازات فالتعددية اللغوية والثقافية هي أبرز مثال، فأنا أتحدث ثلاث لغات العربية والانجليزية والسواحيلية. جزء منها كذلك هو مرونة الشخصية وقابلية تشكلها بحسب الثقافة التي تتقمصها اليوم. لديك الحرية لتقول أنا من هنا أو من هناك ومجمل هذه العملية يعرض عليك فرص الوصول إلى ثقافات مختلفة عن طريق التمكن اللغوي أو المعرفة الثقافية سواء كانت موسيقى أو تاريخ او طعام.