صحة

عن الارتفاع المرعب للولادات القيصرية في مصر

تصنف مصر الأولى عالميًا في عدد العمليات القيصرية، بنسبة 63%
aditya-romansa-5zp0jym2w9M-unsplash
Photo by Aditya Romansa on Unsplash


منذ أيام سمعت خبر ولادة ابنة خالتي، وعرفت أن جنينها مات داخل رحمها، دخلت إحدى المستشفيات الحكومية في مصر، ولم تستطع الطبيبة أن تَولدها بشكل طبيعي، لأنها أقامت عملية ربط لتثبيت الحمل من قبل، وبعد فتح رحمها لإخراج الطفل (لم تعرف الطبيبة كيف تفك الربط)، فتركتها إلى أن أتى طبيب آخر وشق بطنها لإخراج الطفل.

يفتح الأمر الحديث عن الولادة القيصرية التي انتشرت بشكل مرعب السنوات الأخيرة الماضية، مع الاحصائيات العالمية التي تشير إلى أن 1 أو أكثر  من كل 5 ولادات في العالم هي قيصرية، ويتوقع زيادة نسبة هذه الولادات لتصل إلى 29% عام 2030 حسب منظمة الصحة العالمية، هذا باستثناء أن هنالك مناطق أعلى من غيرها في نسب هذه الولادات وعلى رأسها شمال أفريقيا التي يتوقع أن تصل إلى نسبة 48% في العقد القادم. وتصنف مصر الأولى عالميًا في عدد العمليات القيصرية، بنسبة 63% وهي نسبة مرعبة، خاصًة أنها كانت في المركز الثالث عالميًا بنسبة 51.8% من سنوات قليلة ماضية. 

إعلان

وتوضي منظمة الصحة العالمية بعدم اللجوء إلى الولادة القيصرية إلا في حالات الضرورة الطبية
وأشارت المنظمة الى أن المعدل الطبيعي لحالات الولادة القيصرية يجب أن يتراوح ما بين 10-15 % من مجموع الولادات، وإن تجاوز هذه المعدلات فهذا يعني أن الكثير منها يتم دون حاجة أو ضرورة طبية.

في محاولة للتوعية بأضرار العمليات القيصرية الغير ضرورية، تم إطلاق مبادرةStop Unnecessary Caesareans أوقفوا الولادات القيصرية الغير ضرورية وحققت تفاعلًا ملحوظًا خلال أيام قليلة من انطلاقها. تعرف الولادة  القيصرية على أنها شق البطن والرحم في منطقة أعلى العانة، وتنتج جرح يتراوح من ٧- ١٠ سم أو أكثر  في البطن ظاهريًا، وهناك جروح قد تصل إلى ١٠- ٢٠ سم، بالإضافة إلى أن الجرح يحتاج من  6 أسابيع حتى 3 شهور كي يلتئم تمامًا.

تخبرني مي الشامي، 31 عاماً، صحفية مستقلة، ومؤسسة هذه المبادرة أنها أنشأت هذه المبادرة كنتاج لدراستها بالجامعة الأمريكية، الذي تطلب أن تنتج مشروعًا توعويًا لتتخرج بالإضافة إلى اهتمامها الشخصي بالأمر لمروروها بتجربة ولادة، حيث حاول طبيبها أن يقنعها بالولادة القيصرية، ولكن لوعيها بإمكانية ولادتها الطبيعية، لم تذعن للأمر. شيدت مي المبادرة بمفردها وتديرها بأكملها الآن، وتسعى لتوسيع المبادرة عن طريق فتح الباب للمتطوعين، والتواصل مع جمعيات حقوقية لمحاولة دعم الأطباء، ومراكز للدعم النفسي للأمهات الناجيات من ولادات خطرة. 

إعلان

"هذه المبادرة بالطبع لا تسعى لوصم أي امرأة تختار نوع الولادة المفضلة لها، ولكننا نحاول التقليل من الولادات القيصرية التي لا داعي لها خاصًة أنها تحتوي على مخاطر كثيرة،" تقول مي مشيرة إلى أنها تراجع المحتوى الذي تنشره مع الطبيبة المتطوعة إسراء عبد الفتاح، المدرس المساعد للنساء والتوليد بجامعة قناة السويس، للتحقق من كل ما تقدمه. 

لماذا قد نلجأ إلى الولادة القيصرية
بحسب الدكتور إيان أسكيو، مدير إدارة العلاقات الجنسية بمنظمة الصحة العالمية في أحد التقارير أن "العمليات القيصرية بالغة الأهمية لإنقاذ الأرواح في المواقف التي قد تشكل فيها الولادات المهبلية خطر، لذلك يجب أن تضمن جميع النظم الصحية الوصول في الوقت المناسب لجميع النساء عند الحاجة." لكن ليست كل العمليات القيصرية التي يتم إجراؤها في الوقت الحالي ضرورية لأسباب طبية. 

يمكن أن تكون العمليات القيصرية ضرورية ومنقذة للحياة في حالات مثل الولادة المطولة أو المتعسرة، أو ضائقة الجنين، أو لأن الطفل يظهر في وضع غير طبيعي. ومع ذلك، كما هو الحال مع جميع العمليات الجراحية، يمكن أن تنطوي على مخاطر. ويشمل ذلك احتمالية حدوث نزيف أو عدوى،  وأوقات تعافي أبطأ بعد الولادة وزيادة احتمالية حدوث مضاعفات في حالات الحمل المستقبلية. كما أنها تعرض النساء والأطفال لخطر غير ضروري من مشاكل صحية قصيرة وطويلة الأجل إذا تم إجراؤها عندما لا تكون هناك حاجة طبية.

إعلان

هناك من يتعامل مع الولادات القيصرية على أنها تجارة، بسبب سعرها المرتفع، فالولادة الطبيعية أرخص مقارنًة بالقيصرية، الأغلى والأسرع والأكثر ضمانًا

أتى التفاعل كبيرًا على صفحة المبادرة على فيسبوك، وهو ما لم تتوقعه مي، وأتت ردود أفعال متباينة أيضًا، بين من شكرنها بسبب تسليط الضوء على موضوع كهذا، لم تكن لديهن أي معلومات صحيحة عنه من قبل. وأخريات يهاجمنها دفاعًا عن الولادة القيصرية.

"هناك من يتعامل مع الولادات القيصرية على أنها تجارة، بسبب سعرها المرتفع، فالولادة الطبيعية أرخص مقارنًة بالقيصرية، الأغلى والأسرع والأكثر ضمانًا،" تشرح مي وتضيف: "الولادة الطبيعية تتطلب توليد امرأة واحدة في اليوم، لكن القيصرية لن تستمر سوى نصف ساعة، مما يعني أن الطبيب قد يتمكن من أن يوَلد 10 نساء أو أكثر في يوم واحد وبمبالغ خرافية للولادة الواحدة. لهذا ليس من مصلحة الكثير من العاملين في المنظومة الطبية وجود وعي طبي بضرورة هذه العمليات من عدمها لدى النساء." كما أن هناك ترويج لفكرة في أن العلاقة الحميمية ستتأثر في الولادة الطبيعية مقارنة بالقيصرية، وتؤكد مي أن هذا الأمر خاطيء جدًا.

وتقول: "هناك معلومات شائعة عن أن فتحة المهبل ستتسع في حال الولادة الطبيعية مما سيؤثر على العلاقة الحميمة بعد الولادة الطبيعية وهذا غير صحيح، سيتأثر المهبل عندما تلد المرأة عدد كثير من الأطفال، وليس طفل أو اثنين أو ثلاثة. بشكل عام تغيرات في المهبل يمكن أن تعود لطبيعتها ببعض التمارين الرياضية والأكل الصحي."

تشير مي إلى أن فترة التعافي التي تحتاجها الأم بعد الولادة أقل في حالات الولادة الطبيعية مقارنة بالولادة القيصرية، على رغم ما تشعر به من آلام قبل الولادة وخلالها، حيث تغادر الأم المستشفى بعد الولادة مباشرة أو بعد  24 ساعة، ولكن تحتاج الأم في حالة الولادة القيصرية من 3 إلى 5 أيام، كما تحتاج إلى 3 أسابيع تقريبًا حتى يكتمل التئام الجرح، وتتمكن من ممارسة حياتها الطبيعية مرة أخرى. كما تساعد الولادة الطبيعية على تقليل احتمالات التعرض للعدوى في حالة الولادة الطبيعية، لعدم التدخل بأدوات جراحية أو تعريض أنسجة الجسم للهواء على عكس الولادة القيصرية. 

إعلان

قصص نساء مع الولادة القيصرية
ت
حدثت مع عدد من النساء اللواتي قمن بالعملية القيصرية بدون حصولهن على المعلومات الكافية. تقول إيمان، 37 عامًا، أن الطبيب صمم الطبيب على أن تقوم بالولادة قيصريًا، ولكن لم تكن ظروفها المادية تسمح بالولادة في مركز خاص، لهذا رفض الطبيب أن يولدها.

"ذهبت إلى مستشفى عام، وكنت حاملاً بتؤام، الطفلة الأولى ولدتها بشكل طبيعي ولكن الثانية المياه نشفت عليها فقرروا أن يولدوني قيصري. المرعب أن الطبيب نسى فوطة في بطني. أصبت بسخونة شديدة وحُمة، وتم حجزي في العناية المركزة 22 يوم بعيدًا عن الجميع. وعندما اكتشفوا أمر الفوطة فتحوا لي بطني مرة أخرى. حررت محضرًا في الطبيب، ولكن لم يتم النظر فيها. لا أزال أشعر بالقهر، خاصة بعدما عرفت أن الطبيب كان يعجل بولادتي حتى يتمكن من اللحاق بفرح زميله."

شيماء، 33 عامًا، لديها قصة أخرى: "كان حملي جيدًا وصحتي بخير في أول الشهر التاسع بدأت مياه الطفل تسقط من رحمي، وعندما ذهبت لطبيبتي التي تابعت معها من أول يوم، قالت لي "لو هنستنى الطبيعي يبقى بكرة، وأنا عندي مؤتمر ومضمنش وقتي، يا إما نخلينا في الأضمن ونفتح دلوقتي قيصري. أذعنت من الرعب وفكرة عدم وجود بديل آخر أمامي لأنني تابعت مع هذه الطبيبة طوال فترة الحمل."

تهاني، 25 عامًا، تتحدث عن الضغط النفسي الذي تعرضت له حينما رفضت العملية القيصرية: "أثناء ولادتي لابني طبيعياً تركتني طبيبتي أطلق في الجنين 16 ساعة، ولم تراني. كانت ترسل لي الممرضات فقط. أصرت الطبيبة على أنني أحتاج لعملية قيصرية "كدا كدا هتولد قيصري" وعندما بكيت ورفضت، "قالتلي كده البيبي هيزرَق وهيموت." عندما سمعت ما قالته شعرت بالرعب ووافقت، كان هناك نوع من الاستغلال لحالتي بلا شك."

تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن هناك حاجة إلى رعاية عالية الجودة للمرأة لمعالجة الاستخدام المرتفع للولادة القيصرية. وتؤكد المنظمة على أهمية التركيز على الاحتياجات الفردية لكل امرأة أثناء الحمل والولادة: "من المهم لجميع النساء أن تكون قادرات على التحدث إلى مقدمي الرعاية الصحية وأن يكن جزءًا من اتخاذ القرار بشأن ولادتهن، وتلقي المعلومات الكافية بما في ذلك المخاطر والفوائد. وتشترط الحصول على رأي طبي ثان لقرار الولادة القيصرية."

كما توصي منظمة الصحة العالمية ببعض الإجراءات غير السريرية التي يمكن أن تقلل من الاستخدام غير الضروري طبياً للولادة القيصرية مثل: التدخلات التعليمية التي تشرك النساء بنشاط في التخطيط للولادة مثل ورش العمل التحضيرية للولادة، وبرامج الاسترخاء والدعم النفسي والاجتماعي للنساء من الألم.