صحة

التبرع بالأعضاء بعد الوفاة: حياة يعاني مصريون في نقلها للآخرين

على الرغم من محاولات مصر لتشكيل عملية منظمة وقانونية بهدف اللحاق بموكب الأمم التي سبقتها في نقل الأعضاء من الأموات إلى الأحياء، لا تزال عمليات نقل الأعضاء تفتقر إلى إصلاحات شاملة
martha-dominguez-de-gouveia-k-NnVZ-z26w-unsplash

الصورة لـ Martha Dominguez de Gouveia عبر  Unsplash

أخذت سلمي الطوبجي، عارضة أزياء ومصممة جرافيك، قرار التبرع بالأعضاء منذ 10 سنوات، بالنسبة لها كان قرار نقل أعضائها عقب رحيلها منطقيًا، فهي ترى أن أعضاء جسدها سوف تساعد آخرين في التجربة الحياتية بشكل أفضل.

شهدت ثقافة التبرع بالأعضاء انتشارًا كبيرًا في الفترة الأخيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فقد ابدى الكثيرين رغبتهم في التبرع بأعضائهم بعد الوفاة إلى من يحتاج إليها من الأحياء، لكن عدم وضوح الإجراءات وقف عائقا أمام تنفيذ رغبة الكثيرين في ذلك، وكان الشهر العقاري، وهو جهة حكومية تابعة لوزارة العدل، مهمته توثيق بيع أو نقل الممتلكات، لا يفرق بين الرغبة الإنسانية في إنقاذ المرضى من الأحياء والخوف من تحول الأمر إلى تجارة.

إعلان

قبل نوفمبر 2022، كان توثيق التبرع بالأعضاء عسيرًا، إذ كانت الإجراءات القانونية التي يتبعها المتبرع تجعله يبغض الأمر، لأن غالبية موظفي الدولة المصرية إما كانوا يجهلون وجود تشريعات تسمح التبرع بالأعضاء بعد الوفاة أو لديهم مرجعية ثقافية ودينية تمنهم من إنهاء الإجراءات.

شعرت سلمى بالسعادة بعدما رأت أن حلمها الذي راودها لسنوات تحقق أمام أعينها، فبعد عقد استطاعت الحصول على وثيقة تضمن نقل أعضائها للمحتاجين بعد وفاتها، وتقول لـ VICE عربية،: "شفت حلمي بيتحقق على الأرض أخيرًا وبقا فيه اهتمام وخطوات حقيقية لتفعيل منظومة التبرع بالأعضاء في مصر."

سلكت سلمى مسار توثيق تبرعها بالأعضاء، في الشهر العقاري، أما في الوقت الحالي يأخذ المتبرعين الجدد طريق التوثيق في مكاتب الصحة التابعة لوزارة الصحة وأصبحت الإجراءات أسهل. 

فضلت سلمى أن تخبر أهلها عقب إتمام إجراءات التوثيق، وكان حظها جيدًا، إذ أنهم تقبلوا الأمر ولم تواجه اعتراضات، في ظل انتشار أفكار دينية تحرم نقل الأعضاء من الأموات إلى الأحياء، وتشير إلى أنهم رأوا في قرارها منطقية. تتمنى سلمى أن يحذو آخرين المسار ذاته لدعم البشر المحتاجين للأعضاء والأنسجة، في اعتقادها فإن الأعضاء تتعفن بعد الوفاة لكن حال نقلها لأحياء ستنقذ عشرات.

سلمى لم تكن الوحيدة التي أخذ قرار التبرع بالأعضاء عبر الشهر العقاري، وبالطبع أعضاء الجسد من ضمن ما يمكن توثيقه، لكن المهمة كانت صعبة وتكاد تكون مستحيلة في ظل تقاعس بعض الموظفين في تطبيق القوانين الخاصة بنقل الأعضاء، فضلاً عن عدم وجود منظومة متكاملة لنقل الأعضاء عبر المتبرعين إلى المرضى.

إجراءات التبرع بالأعضاء في مصر

"الإجراءات كانت صعبة، الموظفين لم يدركوا وجود قانون أو لوائح منظمة لنقل الأعضاء، حتى الذي كان يعلم لم يحبذ تحريك الخطوات القانونية." هكذا تقول سارة فؤاد، مؤسسة مبادرة التبرع بالأعضاء بعد الوفاة وتقول لـ VICE عربية، إن 20 شخصًا في خلال الـ5 سنوات الماضية وثقوا تبرعهم في الشهر العقاري بسبب صعوبة الإجراءات، أما في الوقت الحالي عقب طرح وزارة الصحة إقرار طبي للتبرع بالأعضاء جذب المئات للمضي قدما في هذا الأمر، وأكدت أنها تنتظر الخطوة الثانية بإصدار كارت طبي يحتوي على معلومات المتبرع كافة.

إعلان

تأمل سارة، التي دشنت مجموعة على موقع "فيسبوك" في إدراج هذه البيانات على بطاقة الهوية لتسهيل الأمر أكثر، مثلما يوضع الدين والنوع في البطاقة. من وجهة نظر سارة، فإن تدخل الدولة بخطوات فعالة على أرض الواقع مهم وضروري ولا يقتصر الأمر على المبادرات الفردية. في رأي سارة، فرنسا هي الدولة التي ترغب في تطبيق نظامها في التبرع ونقل الأعضاء، وقالت: "في فرنسا، أنت متبرع إجباري منذ لحظة الولادة، وإذا رغبت في الامتناع عن التبرع تتجه لإلغاء الأمر، الأمر هناك عكسنا تمامًا."

وافقت مصر على قانون زراعة الأعضاء في عام 2010، ولكن الأحداث السياسية المتلاحقة عقب ثورة 25 يناير وقفت حائلاً دون تنفيذ المادة الخاصة بنقل الأعضاء من الأموات إلى الأحياء، وتحدث العمليات من الأحياء إلى الأحياء في إطار عمليات زراعة أو التبرع بالأعضاء، لكن العمليات الأخرى تستورد مصر بعض الأعضاء من الخارج، مثل القرنية، التي تكلفتها تصل إلى 1,500 دولار (46 ألف جنيه مصري) من الولايات المتحدة، وتلك التكلفة في الوقت الحالي تعد باهظة بالنسبة للدولة، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها المحروسة. 

طريقة حفظ الأعضاء البشرية تتم على الشكل التالي: طبيًا، يتم نقل الأعضاء فور خروج الروح والتأكد من الوفاة، وتجري لجنة ثلاثية تضم 3 تخصصات هي: المخ والأعصاب، والتخدير، والقلب، بحسب قانون زراعة الأعضاء، في المستشفيات الحكومية التأكد من الوفاة، ويشترط ألا يكون هناك أي علاقة لأي من أعضاء اللجنة بزراعة الأعضاء، ويوافق عليها من اللجنة العليا لزراعة الأعضاء، ويتم تقدير الوقت الذي حدث فيها الوفاة وهل كانت الوفاة طبيعية أم اكلينيكية، ولا تجرى مراسم الدفن الدينية إلا بعد استخراج الأعضاء.

إعلان

يوجد طريقتين لحفظ الأعضاء، الأولى تتمثل في  وضع الأعضاء في محاليل معالجة للتخلص من السموم والحفاظ على الخلايا الخاصة بها، ثم وضعها في نوعية معينة من الثلج تتراوح درجة حرارته بين الصفر إلى أربعة درجات مئوية، والطريقة الثانية أن يتم وضع الأعضاء في أجهزة معالجة متخصصة بالاحتفاظ بالأعضاء، وتتكون من سوائل معالجة للأعضاء، مع عناصر كيماوية مغذية لضمان وصول الأكسجين والتخلص من ثاني أكسيد الكربون، وتتراوح درجة حرارتها من الـ 20 إلى 33 درجات مئوية لتهيئة الجو للأعضاء للتماثل مع درجة حرارة الجسم الحي.

وتختلف مدة بقاء العضو خارج الجسد من عضو لآخر، الكلى تعتبر أكثر عضو يظل فعال خارج الجسد، حيث تتراوح مدة الاحتفاظ به من ما بين 24 و36 ساعة، وأقل عضو هو القلب حيث يمكن الاحتفاظ به لمدة 4 ساعات فقط، والكبد من ما بين 12 و16 ساعة، لذلك السرعة في نقل العضو إلى المتبرع له مهمة.

يحظر بعض الأشخاص من التبرع بالأعضاء، ومنهم من كان لديه أو يشتبه في إصابته بحالات معينة مثل فيروس نقص المناعة البشرية والسرطان والإيبولا.

معلومات مغلوطة عن التبرع بالأعضاء 
يظن الغالبية العظمى أن التبرع بالأعضاء متاحًا للمتوفين بطريقة طبيعية في أي مكان، إلا أن سارة فؤاد، تشير إلى أن التبرع بالأعضاء يقتصر على الذين يتوفون في المستشفيات، إما إكلينيكيًا أو في إثر حادث، ويتم إنشاء نظام داخلي في وزارة الصحة يسجل فيه المتبرعين بالأعضاء وحال وفاتهم في المستشفى تبدأ عملية الاحتفاظ بالأعضاء لنقلها للمحتاجين، لأن هناك تخوف لدى البعض من حدوث تجارة في الأعضاء بعد تقنين الأمر.

تشير سارة فؤاد إلى أن أكثر المعلومات المغلوطة التي واجهتها في مبادرتها، وجود فتوى قديمة - كفتوى للشيخ محمد متولي الشعراوي، أكثر مشايخ مصر شهرة وتأثيرًا على المستوى الشعبي في النصف قرن الماضي- بشأن منع التبرع بالأعضاء من متوفى إلى حي وأن ذلك يتعارض مع إرادة الله، وكانت تواجه ذلك بأن الأزهر ودار الإفتاء سمحا بالأمر، ووضعت ضوابط عامة للتبرع منها ألا يكون الأمر مبني على الانتفاع المادي، وذكرت أن الثانية تندرج تحت اعتقاد البعض أن الأمر التبرع سيفتح بابًا أمام بيع أعضاء المتوفى بمقابل مادي.

إعلان

تجارة الأعضاء غير المشروعة 

القوانين في مصر تجرم تجارة الأعضاء بمقابل مادي، لكن بين الحين والآخر تلقي الأجهزة الأمنية القبض على متورطين في تجارة الأعضاء إما من مصريين أو مواطنين من دول إفريقية لكن عمليات الاتجار في الأعضاء البشرية موجود في مصر.

في 2019 نشرت الجارديان البريطانية تقريرًا عن مواطنة سودانية أجبرت على بيع كليتها مقابل تهريبها إلى أوروبا بطريقة غير شرعية عبر قارب في البحر الأبيض المتوسط نظير ألفي دولار ما يعادل 36 ألف جنيه مصري تقريبًا، وبعد تعافيه من العملية بأسبوعين اكتشفت اختفاء السمسار ومعه ضاعت أحلامها في العيش في أوروبا.

تسمح المادة 8 من قانون زراعة الأعضاء المصري بنقل عضو من جسد متوفى إلى شخص حي إذا وافق المتوفى على وصية موثقة، وتدعو المادة 10 إلى إنشاء سجل للمرضى الذين يحتاجون إلى زرع ويتم تنظيم نقل الأعضاء وفقاً للترتيب لكن تحدث استثناءات للحالات الحرجة التي تحتاج إلى تدخل عاجل.

أقرت دار الافتاء الازهر الشريف على مجموعة من الاشتراطات منها ألا يقع أي ضرر على الإنسان المنقول منه العضو، وألا يؤدي العضو المنقول إلى إختلاط الأنساب، وأن يتم التعامل مع جسد المتوفي بطريقة تليق به، كما أنه في حال توثيق الأمر في الشهر العقاري، وإثباته مستنديًا وكتابيًا من خلال الأوراق الحكومية الرسمية، فإنه لا يحق لأهل المتوفي رفض التبرع بالأعضاء، باعتبارها وصية يجب تنفيذها ولا يحق لهم منعها، الجسد ليس ميراثًا، بل هو ملك لله عز وجل والتبرع بالأعضاء هو من باب إحياء النفس والتعاون على البر والتقوى.

مصر في سباق التبرع بالأعضاء

في 26 سبتمبر 2022، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي البدء في تدشين أكبر مركز لزراعة الأعضاء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن بعد حديثه بدأت وسائل الإعلام المحلية في إلقاء الضوء على ضرورة التبرع بالأعضاء. لحق حديث الرئيس إعلان وزارة الصحة والسكان المصرية في نوفمبر 2022 إصدار أول نموذج للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وأعلنت أن المتبرع سوف يستلم بطاقة تفيد بقراره في التبرع بالأعضاء بعد وفاته، وأوضحت أنه سيكون سيعمل به في أي مستشفى، وأصبح ذلك النموذج بديلاً عن التوثيق في الشهر العقاري.

على الرغم من محاولات مصر لتشكيل عملية منظمة وقانونية بهدف اللحاق بموكب الأمم التي سبقتها إقليميا في نقل الأعضاء من الأموات إلى الأحياء، لا تزال عمليات نقل الأعضاء تفتقر إلى إصلاحات شاملة، ففي العقد الأول من الألفية الثانية تم الاعتراف بعمليات زرع الكلى وتأخذ جهات رسمية في الدولة خطوات فردية لزراعة الأعضاء، وكان آخرها، مستشفى جامعة عين شمس التي أجرت عملية زراعة رئة.

خطوات مصر تجاه تقنين التبرع بالأعضاء بعد الوفاة يلزمها ربط بيانات المواطنين المتبرعين مع سجلات المستشفيات كافة، الحكومية والخاصة، مع قائمة بالأشخاص المحتاجين، وحتى الآن لم تعلن الحكومة أو أي جهة وضع ذلك النظام أو البدء في تدشين آلية لذلك، وفي منتصف يناير، بدأت وزارتي الصحة والتعليم الجامعي في على تجهيز مركز لزراعة الأعضاء كاملة في مستشفيات قصر العيني، والتي من المقرر أن تشمل من كبد وكلى ورئة وقلب وغيرها، ومن المقرر إضافة آلية لنقل الأعضاء من المتوفين. بالإضافة إلى إنشاء مراكز التبرع وزراعة الأعضاء في مختلف أقاليم مصر.

في وقت سابق، قال  مستشار رئيس الجمهورية الدكتور عوض تاج الدين، إن هناك اقتراح بإضافة خانة التبرع بالأعضاء في بطاقة الهوية الشخصية حال تجديد بطاقة الهوية أو إصدارها لأول مرة، لافتًا إلى إتاحة التراجع في التبرع في أي وقت لأن الأمر ليس إجباريًا، وأشار إلى أن الأعضاء التي يمكن حصدها عقب الوفاة تتمثل في "قرنية العين والقلب والرئة والأمعاء والجلد والعظام والبنكرياس."