GettyImages-1714846522

تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على قطاع غزة في ٩ أكتوبر ٢٠٢٣ (صورة لـ Mustafa Hassona عبر Getty Images)

سياسة

أخلاقية حرب إسرائيل على غزة: بعض الإجابات على الأسئلة الأكثر تكرارًا

التجريد من الإنسانية هي عملية خطيرة تهدف لتصوير الأفراد أو الجماعات على أنهم أقل من إنسان كامل، مما يؤدي إلى تهميشهم والتمييز ضدهم

لا تحتل القضية الفلسطينية والحرب الحالية التي تشنها إسرائيل على غزة عناوين الأخبار فحسب، بل لديها عمق وتأثير في قلوب وعقول الناس في جميع أنحاء العالم بسبب ارتباطها المباشر بقوى الاستعمار وأخلاقيات النزاع والحق في المقاومة. كما أنها تشكل نقطة أساسية لاختبار نصوص القوانين الدولية وكيفية تطبيقيها على أرض الواقع، إضافة إلى سياسة الكيل بمكيالين التي تعود للواجهة دائمًا عندما يتعلق الأمر بالشعوب الأصلانية وحقها بالحياة والعدالة. من الصواب والخطأ إلى مسؤوليات الدول والأفراد، سنحاول في هذا المقال الإجابة على الأسئلة الأخلاقية الملحة المحيطة بالحرب الإسرائيلية الحالية على غزة، الحرب المستمرة منذ ٢١ يومًا والتي أدت لمقتل أكثر من ٧ آلاف فلسطيني حتى الآن، بالإضافة إلى مئات المفقودين الذين لا يزالون تحت الأنقاض.

إعلان

هل لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها؟
"لإسرائيل الحق في الدفاع عن النفس." تكررت هذه الجملة في كل مكان، من قبل رؤساء الدول الغربية ووسائل الإعلام، بحيث تحولت لحقيقة مطلقة حقيقة يصعب الجدال معها -بعد مقتل 1200 إسرائيلي خلال هجوم حماس واختطاف حوالي ٢٠٠ شخص.

الحق بالدفاع عن النفس يستخدم من قبل إسرائيل وقادتها كأداة خطابية رئيسية للحرب على غزة. من خلال استحضار الدفاع عن النفس، تغير مسار الصراع الحالي من كون إسرائيل دولة محتلة تمارس الجرائم الاستعمارية ضد الفلسطينيين للتركيز على الأضرار التي تكبدتها هي نفسها نتيجة لذلك. ولكن هل إسرائيل، باعتبارها القوة المحتلة في الأراضي الفلسطينية، تتمتع بحق مشروع في الدفاع عن النفس بموجب القانون الدولي؟

بداية، الدفاع عن النفس بموجب القانون الدولي هو تقليديًا حق فردي. ولكن عندما تواجه قوة الاحتلال مقاومة من السكان المحتلين، فإن ذلك لا يعد هجومًا من السكان المحتلين، بل هو رد فعل على الاحتلال نفسه. ولهذا السبب، من الصعب على الدول المحتلة المطالبة بحقها في الدفاع عن النفس، حيث أن المقاومة الجماعية هي رد فعل على الاحتلال نفسه. في الحالة الفلسطينية، الاحتلال الإسرائيلي يعتبر في حد ذاته السبب الجذري للعنف، مما يعني أن التأكيد على أن لإسرائيل الحق بالدفاع عن النفس لا يجب أن يكون مبرراً لاستخدام القوة المميتة ضد المدنيين في غزة والذي يؤدي بشكل مباشر إلى انتهاك القوانين الدولية.

تحدد اتفاقية جنيف الرابعة الالتزامات الأساسية على القوى المحتلة تجاه السكان المدنيين في الأراضي المحتلة، حيث "تكلف قوة الاحتلال بضمان الأمن والرفاهية وحقوق الإنسان للسكان المدنيين الخاضعين لسيطرتها." وحتى لو جادلت إسرائيل بحق الدفاع عن النفس باعتبارها قوة محتلة، فإنها ستكون ملزمة بمبادئ "التناسب والضرورة" التي تتطلب أن يكون أي استخدام للقوة متناسبًا تمامًا مع التهديد وضروريًا لتحقيق أهداف أمنية معينة دون انتهاك حقوق السكان الخاضعين للاحتلال. ما تفعله إسرائيل في غزة في هذه الحرب وما سبقها، ينتهك كافة الشروط المعروفة للدفاع عن النفس.  استخدمت إسرائيل القوة العسكرية غير المتناسبة (وغير الضرورية) من خلال استهداف المباني المدنية والمستشفيات والكنائس والمدارس والمخابز وقتل مئات الأطفال، وإبادة عائلات بأكملها، وإلحاق دمار واسع النطاق، ومعاقبة جميع السكان المحاصرين جماعيًا. وبحسب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فإن إسرائيل "أسقطت ما يوازي ربع قنبلة نووية على قطاع غزة." كما توصّلت "هيومن رايتس ووتش" استنادًا إلى فيديوهات تمّ التحقق من صحّتها وروايات شهود، إلى أنّ القوات الإسرائيلية استخدمت الفسفور الأبيض في عمليّات عسكرية نفذتها في لبنان وغزّة يومي ١٠ و١١ أكتوبر على التوالي. 

إعلان

بحسب مقال لنورمان فينكلستين فإن "إسرائيل ليس لديها تفويض قانوني لاستخدام القوة ضد الفلسطينيين لأنه لا يمكن لإسرائيل أن تدعي حق الدفاع عن النفس إذا كانت ممارسة هذا الحق ترجع إلى خطأ الاحتلال غير القانوني/الحرمان من تقرير المصير. بمعنى أنه لا يمكن استخلاص أي فائدة أو حق قانوني من أي عمل غير قانوني."

هل يحق للفلسطيني الدفاع عن نفسه؟

إن مفهوم حركات المقاومة التي تدافع عن نفسها ضد الاحتلال له جذور عميقة في القانون الدولي. ومن النضالات ضد الاستعمار إلى المعارك المعاصرة من أجل تقرير المصير، اعترف القانون الدولي باستمرار بشرعية مثل هذه الحركات الحق في تقرير المصير. كما تعترف مواثيق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية المختلفة بالحق في مقاومة الاحتلال. ويعترف هذا الحق بأن لجميع الشعوب الحق في أن تحدد "بحرية وضعها السياسي، وأن تسعى إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإدارة مواردها الطبيعية."

مجددًا، يوفر القانون الإنساني الدولي، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة، الحماية للمدنيين الذين يعيشون تحت الاحتلال وضمان سلامتهم. وفي غياب هذه الحماية يصبح حق الدفاع عن النفس ضرورة. يعترف قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ٢٦٤٩ الذي اعتمد في عام ١٩٧٠، بشرعية النضال ضد الهيمنة والاحتلال في سياق تقرير المصير. وينص على أن "الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية لها الحق غير القابل للتصرف في النضال من أجل تقرير المصير، وأنه ينبغي استخدام جميع الوسائل المتاحة في النضال، بما في ذلك الكفاح المسلح." ضمن هذا الإطار، فإن ما قامت به/تقوم به حركة حماس وحركات المقاومة الفلسطينية ضد أهداف إسرائيلية هي ضمن القانون الدولي الذي يعترف بشكل واضح بشرعية حركات المقاومة التي تدافع عن نفسها ضد الاحتلال. وفي مواجهة الاحتلال، يجوز لحركات المقاومة أن تلجأ إلى هذا الحق، "غير القابل للتصرف" في النضال من أجل تقرير المصير.

إعلان
GettyImages-1723112231.jpg

(صورة لـ Belal Khaled/Anadolu عبر Getty Images)

هل ما يحدث في غزة هو جريمة إبادة جماعية؟
لا شك أن مصطلح "الإبادة الجماعية" يحمل وزنًا هائلًا، فهو يرمز إلى أحد أحلك جوانب تاريخ البشرية. الإبادة الجماعية، هي محاولة متعمدة ومنهجية لإبادة مجموعة عرقية أو عنصرية أو دينية معينة. ولكن هل يفي الصراع الدائر في غزة بالمعايير المنصوص عليها في القانون الدولي؟ 

بداية، ما الذي يحدد الإبادة الجماعية؟ أولًا، نية التدمير. في قلب أي إبادة جماعية هناك نية واضحة لإبادة مجموعة معينة، كليًا أو جزئيًا. وهذا يشمل الدمار المادي البيولوجي والثقافي، وثانيًا، تشمل أعمال الإبادة الجماعية أفعالًا مختلفة، مثل قتل أعضاء الجماعة، أو التسبب في أذى جسدي أو عقلي خطير. وثالثًا، يجب أن تكون الإبادة الجماعية منهجية، بمعنى أنها ليست حادثة عشوائية أو معزولة، بل تتضمن أعمال منهجية ومنظمة وواسعة النطاق تهدف إلى القضاء على الفئة المستهدفة.

الحرب الحالية على غزة تستوفي عدد من المعايير القانونية للإبادة الجماعية أولها نية التدمير. يرى بعض النقاد أن السياسات والإجراءات الإسرائيلية في غزة قد لا تظهر صراحةً نية تدمير الشعب الفلسطيني ككل. ولكن في نفس الوقت، يشكل الفلسطينيون في غزة مجموعة قومية وعرقية متميزة، ومن الصعب إثبات أن الإجراءات الإسرائيلية التي تتقصد إيقاع أكبر عدد من القتلى لا تسعى للقضاء على هذه المجموعة.

 ولا تنفي التصريحات الإسرائيلية ذلك، حيث كرر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعده أكثر من مرة بـ "تسوية" القطاع الذي يأوي ٢.٣ مليون مدني محاصر منذ ١٦ عامًا بالأرض. بينما اعترف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي بأن هدف حملة القصف الإسرائيلية المستمرة على غزة هو إلحاق أضرار جسيمة وليس استهداف المنشآت العسكرية لحماس. كما أكد دانييل هاغاري، المسؤول في الجيش الإسرائيلي، بحسب صحيفة هآرتس بأن قصف غزة يهدف "لإلحاق الضرر وليس على الدقة." وهو ما أكد عليه تقرير لمنظمة العفو الدولية الذي أشار إلى أن "القوات الإسرائيلية استهتاراً صادماً بأرواح المدنيين." 

إعلان
GettyImages-1715033159 (1).jpg

(صورة لـ Abed Rahim Khatib/Anadolu Agency عبر Getty Images)

وحذر خبراء الأمم المتحدة بوضوح في تقرير نشر في ١٩ أكتوبر من أن ما تقوم به إسرائيل "يرقى لخطر الإبادة الجماعية." وقال الخبراء أن الحصار الكامل المفروض على غزة، إلى جانب أوامر الإخلاء غير العملية والنقل القسري للسكان، يشكل انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي إضافة لكونها إجراءات "قاسية بشكل لا يوصف." وأشار التقرير إلى أن التدمير المتعمد والمنهجي لمنازل المدنيين والبنية التحتية (المعروف باسم "قتل المنازل") وقطع مياه الشرب والأدوية والمواد الغذائية الأساسية محظور بشكل واضح بموجب القانون الجنائي الدولي. 

ماذا يعني تجريد الفلسطيني من إنسانيته؟
تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم dehumanization هو جزء أساسي من الحرب الإعلامية على الفلسطينيين. وقد ظهرت هذه الاستراتيجية منذ بداية الحرب على غزة، حيث وصف نتنياهو غزة بأنها "مدينة الشر" واعتبار حربه على غزة "حرب النور ضد الظلام" قائلاً: "نحن أبناء النور بينما هم أبناء الظلام وسينتصر النور على الظلام." كما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت "نحن نقاتل ضد حيوانات." وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، "بأن الشيء الوحيد الذي يحتاج إلى دخول غزة هو مئات الأطنان من المتفجرات، " وقد تم تشبيه الفلسطينيين بـ "الجرذان أو الثعابين" على حسابات السوشيال الميديا الإسرائيلية. كل هذه التصريحات هي أمثلة واضحة على هذه الاستراتيجية، والتي تهدف إلى تجريد الفلسطينيين من انسانيتهم وبنفس الوقت تبرير جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

إعلان
GettyImages-1722815633.jpg

(صورة لـ MAHMUD HAMS/AFP عبر Getty Images)

بالتوازي مع التصريحات الإسرائيلية، قام العديد من الصحفيين والسياسيين بتعميم معلومات كاذبة دون تقديم أي أدلة حول هجوم حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة، مفادها أن الحركة "قطعت رؤوس ٤٠ طفلًا" و"اغتصبت النساء" بهدف تصوير الفلسطيني "باعتباره خطيرًا وهمجيًا ومفرطًا في الجنس."  نفت حركة حماس هذه "الاتهامات." الحكومة الإسرائيلية أشارت كذلك أنها لا تستطيع تأكيد قطع رؤوس أطفال في الهجوم، ولكن بدأت لجنة تابعة للأمم المتحدة مؤخرًا التحقيق في احتمال حدوث جرائم عنف جنسي في ٧ أكتوبر.

التجريد من الإنسانية هي عملية خطيرة تهدف لتصوير الأفراد أو الجماعات على أنهم أقل من إنسان كامل، مما يؤدي إلى تهميشهم والتمييز ضدهم وقبول/تبرير وقوع العنف عليهم. وقد تعرض الفلسطينيون خلال سنوات نضالهم الطويلة لخطابات وسياسات وأفعال تجردهم من إنسانيتهم عبر وسائل مختلفة، بما في ذلك الصور النمطية والتصوير الإعلامي والخطاب السياسي الذي شوه صورة الفلسطيني في عيون كثيرين. تجريد الفلسطينيين من الإنسانية وشيطنتهم يقلل من القدرة على التعاطف معهم ويبرر السياسات والإجراءات القمعية تجاههم. عندما يُنظر إلى الأفراد أو الجماعات على أنهم "أقل"، يصبح من الأسهل تبرير سوء معاملتهم، بل وحتى قتلهم قصفًا أو جوعًا أو عطشًا، كما هي الحال في غزة.

إعلان

هل فقد العالم بوصلته الأخلاقية؟ 

غالباً ما يُنظر إلى القانون الدولي، وهو مجموعة القواعد التي تحكم العلاقات بين الدول، باعتباره حجر الزاوية والبوصلة الأخلاقية للعيش في عالم عادل ومنظم. ومع ذلك، فالقانون الدولي يمكن أن يكون درعًا وسلاحًا في نفس الوقت، حيث تستخدمه الدول لصالحها عندما يناسب مصالحها فقط، وتقوم بتحريفه أو تجاوز حدوده عندما لا يخدم أغراضها. نفس الدول التي تدافع عن القانون الدولي يمكنها بنفس السهولة تحريف مبادئه والتلاعب بها عندما تجدها غير ملائمة أو عندما تتعارض مع أهدافها.

GettyImages-1723111181.jpg

(صورة لـ YASSER QUDIH/AFP عبر Getty Images)

هذا ما ظهر بشكل واضح خلال الحرب الحالية على غزة، حيث تغيرت التصريحات وتبدلت الأخلاقيات عندما تعلق الأمر بالفلسطينين. لمدة ٢٠ شهرًا، قامت الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين بإدانة الحرب على أوكرانيا بسبب قتل المدنيين ووصفت الهجمات الروسية على المدن والبنية التحتية الأوكرانية بأنها "همجية" و"جرائم ضد الإنسانية." ولكن الآن، بينما تقصف إسرائيل قطاع غزة، وقف العالم مع إسرائيل، وقدم معظم زعماء الدول الغربية دعمهم الكامل لـ"حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها ودعمها لها غير المشروط في حربها ضد حركة حماس بغزة"، بحسب تصريحات رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. 

الولايات المتحدة، أكبر داعم عسكري لإسرائيل، حيث تقدم لها مساعدات دفاعية بقيمة ثلاثة مليارات و٨٠٠ مليون دولار سنويًا، ذهبت لأبعد من ذلك وقدمت دعمًا عسكريًا وماليًا جديدًا لإسرائيل. جدير بالذكر أن الطائرات الإسرائيلية التي تقصف غزة، "هي طائرات أمريكية الصنع، ومعظم الذخائر التي تستخدم الآن موجهة بدقة، كما يتم إنتاج بعض الصواريخ الاعتراضية الخاصة بنظام الدفاع الجوي الإسرائيلي "القبة الحديدية" في الولايات المتحدة."

إعلان

الولايات المتحدة رفضت حتى الآن كل محاولات وقف الحرب على غزة، واستخدمت مؤخرًا حق النقض (الفيتو) ضد قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدعو إلى وقف إطلاق النار لتمكين وصول المساعدات إلى قطاع غزة المحاصر لأنه "لم يذكر حق إسرائيل في الدفاع عن النفس." وهذا هو القرار الثاني لمجلس الأمن الدولي الذي يفشل بعد رفض مجلس الأمن مشروع قرار صاغته روسيا يدعو إلى "وقف فوري لإطلاق النار ووصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى غزة، وإدانة "جميع عمليات قتل المدنيين، الإسرائيليين والفلسطينيين." وصوتت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا واليابان ضد القرار الروسي "لأنه لم يدين حماس في مسودة النص."

هل نشهد "تجريماً" للتضامن مع فلسطين؟
أصبح أي شخص يظهر تضامنًا مع الفلسطينيين متهمًا أو مشكوكًا فيه ضمن استراتيجية متعصبة وعنصرية يتم فيها شيطنة مجموعة كاملة من الأشخاص أو اعتبارهم مسؤولين عن تصرفات مجموعة أخرى. وعلى الرغم من عدم أحقية هذا المنطق، قامت عدة حكومات غربية بتطبيق ذلك على أرض الواقع مخلة بالقوانين والنظريات التي من المفترض أنها تأسست عليها ضمن احترام حرية الفكر والضمير والدين والمعتقد. في بريطانيا، قد يصبح التلويح بالعلم الفلسطيني أو ترديد هتاف يدعو إلى حرية فلسطين جريمة جنائية. في فرنسا وألمانيا، تم قمع المظاهرات المؤيدة لفلسطين بحجة "معاداة السامية" -شمل خنق الأصوات المعارضة حتى من اليهود أنفسهم. في الولايات المتحدة، تم إلغاء عدد من المؤتمرات الفلسطينية، كما تم استهداف الفلسطينيين بشكل مباشر (طعن طفل فلسطيني). في بلدان أخرى، يواجه عدد من الموظفين والطلاب والعمال المؤيدين للفلسطينيين تهديدات بإنهاء الخدمة أو تم فصلهم تعسفيًا. وتعرضوا لحملات تشهير أو تم ارسال خطابات تهديد ومطالب بالفصل لرؤسائهم. قد لا نرى تجريمًا للتضامن مع فلسطين بشكل قانوني واضح، ولكن ما نشهده هو جعل هذا التضامن مُكلفًا، مهنيًا ونفسيًا وأخلاقيًا.

GettyImages-1724480140.jpg

أعتقلت الشرطة الفرنسية عدة أشخاص تجمعوا في باريس، في 14 أكتوبر 2023، لإظهار الدعم لفلسطين. (صورة لـ Telmo Pinto/NurPhoto عبر Getty Images)

على نفس الجبهة، تقوم وسائل التواصل الاجتماعي، بفرض رقابة متعمدة على المنشورات الداعمة لفلسطين وحظر منشوراتهم shadow banning مما يعود لتسليط الضوء على التعامل غير العادل مع المستخدمين مع توسع الحرب على غزة. قد يكون من الصعب إثبات حظر الظل (الذي يؤدي إلى تقليل أولوية المنشورات خوارزميًا بحيث يصعب العثور عليها)، لكن المستخدمين في جميع أنحاء العالم يقولون إن أي منشورات تحتوي على محتوى فلسطيني، أو تشير إلى غزة، تحصل على عدد مشاهدات وتفاعل منخفض بشكل غير معتاد. وقد تعرضت شركة ميتا لانتقادات هذا الأسبوع بعد أن وثق المستخدمون خللًا في ترجمة كلمة "فلسطيني" وتحويلها إلى "إرهابي" في ملفات تعريف متعددة على موقع إنستغرام، قبل أن تعتذر الشركة على ما وصفته بالخلل. 

في ظل الوضع المأساوي في غزة والقصف المتواصل والتحيز الإعلامي، تشكل وسائل التواصل الاجتماعي شريان حياة بالنسبة لسكان غزة. لكن الحصول على المعلومات من داخل غزة، وإخراج المعلومات من غزة، أصبح صعبًا بشكل متزايد مع قطع إسرائيل خدمات الإنترنت والكهرباء. 

كل ليلة، يبدأ سكان غزة بنشر منشوراتهم الأخيرة ويكتبون نعواتهم الخاصة في حال لم يروا نهار اليوم التالي، فيما يتمنون بنفس الوقت حدوث معجزة توقف الحرب وتنهي القتل "ونصحى نلاقي كل شي خلص أو يكون حلم وبس،" كما يقول مقداد من غزة في منشور له على إكس.

تعديل: أعلنت إسرائيل الجمعة الموافق 17 اكتوبر خفض حصيلة القتلى في السابع من أكتوبر من 1,400 إلى 1,200، مشيرة إلى أن ذلك مرده لاحتساب "جثث لمقاتلي حركة حماس من ضمن الحصيلة الأولية للقتلى على أراضيها."

ملاحظة 2: تم تعديل المقال والإشارة لتحقيق الأمم المتحدة بخصوص احتمال حدوث جرائم عنف جنسي، هذه المعلومات لم تكن متوفرة عند نشر المقال.