فيروس كورونا

مبادرات فردية في اليمن لتقديم المساعدة للمحجورين ولإعفاء المستأجرين من الدفع

يعاني اليمن منذ 6 سنوات اليمن من حرب مدمرة تسببت في أزمة إنسانية وانهيار القطاع الصحي وتوقف إمدادات الدواء والغذاء الحيوية
yemen coronavirus

"وضع اليمن في ظل انتشار فيروس كورونا صعب جدًا إحنا عايشين بالبركة، نسبة الأمية عالية جدًا تصل لحوالي 70% ونسبة الوعي، من وجهة نظري، وتقبل الناس للنصائح وطرق الوقاية هو صفر." هكذا وصف عمار مرشد، 30 عاماً، وضع اليمن في ظل انتشار فيروس كورونا، ويضيف: "عندما نحاول توعية الناس يقولون لنا إننا نخوفهم وإنه لا يوجد كورونا في اليمن، والله سيحرسنا لأننا أصل العرب وووو."

في محاولة لرفع مستوى الوعي بخطر فيروس كورونا، أطلق عمار مبادرة شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي بدأت بمجهودات شخصية، ولمساعدة المسافرين الذين تم إيقافهم في الحجر الصحي من أجل توفير احتياجات أساسية وضرورية للمواطنين في الحجر الصحي والمطالبة بنقل النساء إلى فنادق بدلًا من المرافق الحكومية غير المؤهلة.

إعلان

يقول عمار: "تفاعل معي 3 من اصدقائي عندما نشرت على صفحتي الشخصية على فيسبوك عن وضع المسافرين في أماكن الحجر الصحي واستطعنا شراء وتوفير احتياجات أساسية للمسافرين من معقمات وصابون وأدوية ضرورية وكمامات وقفازات وحفاضات أطفال وفوط صحية، كان دافع الحملة هو نفس دوافع مبادراتنا مع نازحين الحديدة ومحافظتي صعده وعمران بسبب الحرب والمجاعة دوافعنا دوافع إنسانية بحتة أملاً منا بأن نصل لمرحلة التعايش والسلام الذي كل الناس تتمناه."

كان الوضع في غاية الصعوبة، محاولة توصيل المساعدات للموجدين في الحجر الصحي كانت تشبه تهريب مخدرات، حتى العساكر كانوا رافضين يلسموا المساعدات خوفًا من المرض، لكن الحمد لله وصلناها

طالب عمار الجهات المعنية بنقل المسافرين في الحجر الصحي إلى فنادق، وتم فعلاً نقل العوائل إلى فنادق كما تفاعل مع هذه المبادرة، محل نجارة حيث ساهم بتجهيز 30 سرير نوم لأماكن الحجر الصحي. ويضيف عمار: "للأسف هناك أشخاص كان تفاعلها سلبي كأن يقولوا في التعليقات عادي يموت 3،000 شخص من المسافرين في أماكن الحجر الصحي ولا يموت 28 مليون! نفسي افهم كيف يفكر هؤلاء؟

وبالرغم من صعوبة التحرك بسبب فرض الإغلاق في معظم المدن في اليمن، إلا أن عمار وأصدقائه استطاعوا إيصال الأغراض التي تم توفيرها للحجر الصحي في نفس اليوم: " كان الوضع في غاية الصعوبة، محاولة توصيل المساعدات للموجدين في الحجر الصحي كانت تشبه تهريب مخدرات، حتى العساكر كانوا رافضين يلسموا المساعدات خوفًا من المرض، لكن الحمد لله وصلناها."

ويعاني اليمن منذ 6 سنوات اليمن من حرب مدمرة تسببت في أزمة إنسانية هي الأكبر على مستوى العالم. كما تسببت الحرب في انهيار القطاع الصحي وتوقف إمدادات الدواء والغذاء الحيوية. بالتزامن مع الحرب كانت البلاد عرضة للإصابة بأمراض وبائية لم تعد موجودة في عالم اليوم، مثل وباء الكوليرا الذي أصاب أكثر من 2 مليون شخص، كما يعاني كثير من اليمنيين من سوء التغذية، حيث تشير التقارير الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، إلى أن "7.4 ملايين يمني بحاجة إلى علاج أو منع سوء التغذية، من بينهم 3.2 ملايين شخص يحتاجون إلى علاج لسوء التغذية الحاد."

إعلان

في ظل هذا الوضع، فإن احتمالية انتشار كورونا في اليمن مرتفعة نتيجة لاستمرار ارتفاع الحالات في الدول المحيطة. القليل من المرافق الصحية تعمل بكامل قدرتها في اليمن نتيجة للحرب أو قصف الطيران مما يسبب ضغط كبير في القدرة على الاستجابة لو تفشى فيروس كورونا في هذه البيئة الخصبة.

1586419768982-IMG_8533

يوجد في اليمن حكومتان: واحدة في صنعاء والأخرى في عدن. الصورة من صنعاء.

وقد تم الإعلان في حضرموت شرق اليمن يوم 10 إبريل عن اول إصابة مؤكدة بفيروس كورونا، مما أدى الى فرض حظر تجوال كامل في مدينة الشحر وعزلها عن كافة مدن حضرموت، خطر انتشار الفيروس يتهدد هذا البلد الذي ليس له حكومة مركزية واحدة بل حكومتان: واحدة في صنعاء والأخرى في عدن. حكومة معترف بها دولياً بقيادة الرئيس عبده ربه منصور هادي، في عدن، وحكومة يديرها الحوثيين انطلاقاً من صنعاء. وقد فشلت كِلا السلطَتَين المتنافسَتَين في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين. وقد قامت السلطات في صنعاء قامت بفتح مقرات حكومية كأماكن للحجر الصحي، لكنها تخلو من أبسط التجهيزات الأساسية وظروف الرعاية للنزلاء، كما تقول أماني الأديمي، 33 عاماً، تعمل كمدربة للفنون الجميلة، ذهبت إلى السعودية لأداء العمرة، قبل أن تصدر السلطات السعودية قرارًا قضى بسرعة مغادرة المعتمرين إلى بلدانهم نظراً لانتشار فيروس كورونا.

ﻛﻠﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻣﺶ ﻣﻌﺘﺮﺿﻴﻦ على الحجر الصحي بحد ذاته، ونعرف أﻧﻪ ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، وإنما ﻛﻞ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﻨﺎ على ظروف الحجر اللاإنسانية والمهينة

تقول أماني أنها ﻭﺻﻠﺖ اليمن في 17 مارس وتم إيقافها ﻓﻲ منطقة ﻋﻔﺮ بمحافظة ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ للحجر الصحي: "مركز الحجر الصحي كان يشبه معسكر اعتقال." أغلب الأشخاص في الحجر الصحي مواطنين يمنيين عائدين من السعودية تم إصدار قرار من سلطات المملكة بسرعة مغادرتهم،" تضيف أماني: "النساء ﻣﻦ شدة ﺍﻟﻀﻴﻖ كن يبكين بشكل متواصل. وهناك الأطفال، ﻭﻛﺒﺎﺭ ﺍﻟﺴﻦ ﺍﺭﺗﻔﻊ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺍﻟﻀﻐﻂ ﻭﺍﻟﺴﻜﺮ. لم يكن هناك كادر طبي ولا أجهزة فحص ولا نظافة ولا تعقيم ولا وجبات غذائية ولا أي شرط من شروط المحاجر في العالم." في اليوم الثاني، نظم هؤلاء المسافرين المحتجزين تظاهرة للاحتجاج على هذا الوضع، وبالفعل تم الاستجابة ونقل العائلات فقط إلى فنادق في في منطقة رداع الكائنة في محافظة البيضاء بينما بقي الرجال الذي بدون عائلات في نفس المكان. "وضعنا بعد أن تم نقلنا الى الفنادق لم يكن أفضل بكثير، لكن أﻫﻢ نقطة ﻛﺎﻧﺖ أﻧﻨﺎ توزعنا ﻭﺧﻒ ﺍﻟﻌﺪﺩ عما كان عليه الحال في الجامعة. وبدل ﻣﺎ ﻛﻨﺎ 40 ﻭﺍﺣﺪة ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﻐﺮفة ﺭﺟﻌﻨﺎ 4 فقط في غرفة لمدة 14 يومًا. ﻛﻠﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﻣﺶ ﻣﻌﺘﺮﺿﻴﻦ على الحجر الصحي بحد ذاته، ونعرف أﻧﻪ ﻟﻤﺼﻠﺤﺔ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ، وإنما ﻛﻞ ﺍﻋﺘﺮﺍﺿﻨﺎ على ظروف الحجر اللاإنسانية والمهينة،" تضيف أماني.

إعلان

ويحكي وثيق محمد فضل، مواطن يمني في الأربعينيات من عمره، والذي يعمل مع أحد شركات النقل الجماعي، قصته، حيث كان عائدًا من منطقة العبر الواقعة على الحدود اليمنية السعودية، بتاريخ 21 مارس، وتم إيقافه في نقطة محافظة البيضاء للحجر الصحي. وظل 3 أيام فوق الباص مع باقي الركاب من الرجال، لا يوجد لديهم حمامات ولا أي بيئة مناسبة لعمل الحجر الصحي: "فعليا شاهدنا الموت بعينه، كنا ننام ملتصقين ببعض من الزحمة، لم نكن نستطيع الخروج لشراء أي احتياجاتنا، ولم تعمل السلطات على توفيرها."

واتخذت السلطات عدد من الإجراءات الوقائية. فقد تم في صنعاء تنظيم حملة لرش المعقمات والمطهرات في أماكن التجمعات السكانية والأسواق والمواقف وساحات المستشفيات والحدائق والأحياء السكنية. كما أعلنت وزارة الخدمة المدنية بصنعاء تعليق العمل لـ 80% من موظفيها لمدة 14 يومًا باستثناء مصانع الغذاء والدواء والمنظفات. كما تم تجهيز مستشفى الأمل في عدن ليكون مكانًا مناسب للحجر الصحي واستقبال أي حالة مصابة بفيروس كورونا. وتم تجهيز مستشفى الكويت في صنعاء بالأدوات اللازمة لاستقبال أي حالة اشتباه بالفيروس.

ضمن مبادرة "مسامح إيجار شهر" أعلن عدد من المؤجرين أنهم سيعفون المستأجرين من إيجار شهر مارس وأبريل ومايو

وقد أطلق ناشطون يمنيون مبادرات مجتمعية مراعاة لظروف المرض والحرب منها مبادرة "مسامح إيجار شهر" التي أطلقها عضو البرلمان اليمني شوقي القاضي، حيث دعا مالكي المنازل السكنية في اليمن إلى مراعاة ظروف المرض والحرب التي تمر بها اليمن بإعفاء مستأجري بيوتهم من دفع إيجار شهر إبريل 2020. وقال إنه بدأ بنفسه حيث عفى عن المستأجرين منه في اليمن إيجار شهر إبريل. وتفاعل الكثير من المتابعين معه حيث أعلن عدد من المؤجرين أنهم سيعفون المستأجرين من إيجار شهري مارس وأبريل ومايو.

"قرأت خبر عن مراسلة بين مستأجر أعتقد أنه في سوريا يطلب فيه من المؤجر أن يعفيه من إيجار شهر، فخطرت في بالي هذه الفكرة وقلت لماذا لا نقوم بذات الأمر في اليمن،" يخبرني شوقي ويضيف: "تجمع علينا في اليمن الحرب والمرض والجوع وتوقفت الأعمال، يعيش الناس حاليًا مجاعة لكن كرامة اليمن تأبى أن يظهر وجعه كاملاً."

وبينما طالبت السلطات اليمنية والمنظمات المحلية والدولية المواطنين بالبقاء في المنازل وعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة، كان من الصعب انضباط المواطنين بلزوم منازلهم. والسبب أن معيشتهم مرتبطة بالعمل اليومي لتوفير القوت الضروري في بلد يصنف بأنه ضمن الأفقر في العالم، حيث يعيش 79٪ من السكان تحت خط الفقر. وضع أغلب المواطنين في اليمن، كوضع العم عبد الرحمن علي، الذي يعمل سائق باص وهو رب أسرة (ست بنات وولدين) حيث يقول: "كل يوم أخرج لطلب الرزق، الباص هو مصدر دخلي كنت اوصل طالبات الجامعة من البيت للجامعة والعكس، وحاليًا بعدما أوقفت الجامعة الدراسة بسبب خطورة انتشار فيروس كورونا، لهذا اتجهت للعمل في خط الستين في صنعاء فبدلا من إيصال طالبات الجامعة. اصبحت اوصل ركاب يعملوا بالأجر اليومي، وضعهم كوضعي لا يستطيعون الجلوس في بيوتهم والالتزام بالحجر الصحي." يشير العم عبد الرحمن إلى أنه يعرف مدى خطورة الوضع في ظل انتشار فيروس كورونا لكنه لا يجد أمامه إلا خيارين أما الخروج من المنزل والعمل من أجل توفير لقمة العيش لعائلته أو البقاء في المنزل والالتزام بالحجر الصحي والموت جوعًا.

يقول عمار أنه يتوقع وجود حالات إصابة باليمن، ولكن لا يتم الإعلان عنها، ويختتم حديثه بالقول: "لو سمح الله وتفشى فيروس كورونا في اليمن ستكون هناك كارثة إنسانية كبيرة. الأجهزة الطبية غير متوفرة والحجر الصحي غير مهيأ بالشكل المطلوب، والمستشفيات غير جاهزة لاستقبال حالات عادية فكيف بحالات كورونا؟ وضعنا سيكون سيئ جدًا في ظل الحرب، والوضع الاقتصادي المتأزم والحصار."