مقال رأي

انفجار مرفأ بيروت -عندما تتحول المأساة إلى "عمل فني"

العمل الفني عليه تعرية وتسمية الجلاد وإظهار وجه الضحية لا العكس
123543-296_w760
صور بالأبيض والأسود للضحايا الذين قضوا في انفجار مرفأ ييروت للفنان الأميركي برادي بلاك.

هزت جريمة مرفأ بيروت العالم، وأصبح تاريخ ٤ آب مرادف للقتل والدمار والتهجير، في انفجار صنف أنه ثاني أكبر أنفجار غير نووي في العالم وترك خلفه مئات القتلى والجرحى، وما زال الجرحى حتى اليوم يفارقون الحياة، كان آخرهم ابراهيم حرب الذي توفي بعد 14 شهراً من الأنفجار متأثراً بجراحه.

إعلان

كانت لهذه الجريمة الكبيرة مقاربات ثقافية وفنية وتجارية مختلفة أثارت ردود فعل وسجالات كثيرة خلال سنة كاملة. الفن والثقافة قد تكون من أهم الأساليب لتعزيز وتوثيق الذاكرة الجماعية للمجازر، ولكن في حالة مرفأ بيروت ما تم طرحه من أعمال فنية يُعبر بمعظمه عن استسهال واستخفاف بحجم المأساة.

مثلاً، بعد أيام قليلة من الانفجار (22 آب 2020)، اختارت الإعلامية اللبنانية رابعة الزيات أن ترتدي فستاناً يمثل الكارثة التي حدثت في بيروت وسط ركام شارع الجميزة (الشارع التراثي والشهير بالمطاعم والمقاهي) الذي توفي فيه العديد من الأشخاص.

naja-anabeirut.jpeg

الصورة أثارت الكثير من السخط، ولكن كشفت الإعلامية أن الصورة مسربة من فيديو كليب كانت تقوم به مع قناة الجديد لحملة تبرعات لضحايا 4 آب، إلا أن الفيديو كليب بعنوان "رابعة الزيات: أنا بيروت" لم يكن أفضل أبداً من الصورة… 50 ثانية من صف الكلام المعلوك عن بيروت التي لا تموت- ماذا عن أكثر من 200 شخص الذين قضوا بالانفجار؟

من رابعة ننتقل إلى المعماري نديم كرم، الذي قام بتصميم مجسم كبير سمي "مارد" وضع أمام مرفأ بيروت مع حلول السنوية الأولى لتفجير المرفأ. شكل أيضاً هذا المارد البشع حملة انتقادات وسخرية على السوشيال ميديا، واتهم كرم بالسطو على قضية مرفأ بيروت وخاصة أن المجسم هو بالترتيب مع جهات حكومية. لماذا كل هذا الاستعجال في وضع تفجير مرفأ بيروت في إطار الذكرى وهو بعده ساري المفعول، لا الجريمة كُشفت، ولا التحقيق انتهى؟ القضية لم تُحل بعد، لم يتم معاقبة الجناة ولا تحقيق مطالب أهالي القتلى. توابع الانفجار ما نزال نعيشها كل يوم، بمعنى أن الانفجار لم يصبح ماضياً بعد.

ما هو الهدف الأساسي من هذه الأعمال الفنية؟ هل نريد أعمال فنية موجه للخارج؟ لشرح ما حصل لمن لم يعيشوا الانفجار، أم تريد تذكيرنا، نحن من عشنا الانفجار بما جرى؟ نحن لم ننسى أصلاً. لقد تحول مرفأ بيروت ومبنى الأهراءات تحديداً لمحجة للتصوير والسلفيز من قبل الفنانين. ولكن عندما يعتبر وزير سابق (فادي عبود) أنه من الممكن أن تحول هذه الأهراءات إلى قلعة بعلبك جديدة تجذب ملايين السياح، لم علينا أن نستغرب من قيام فنانين بتصوير فيديو كليبات في قلب المرفأ - بينهم محمد رمضان الذي سرح ومرح في "مسرح الجريمة."

ليست كل الأعمال الفنية بلا معنى واستغلالية، قام الفنان الأميركي برادي بلاك، المقيم في بيروت في مايو 2021 برسم 204 بورتريه لوجوه ضحايا انفجار مرفأ بيروت، وتم وضع هذه الصور في وسط العاصمة من جهة مدخلها الشمالي، حيث يراها عشرات آلاف الناس الذين يقصدون بيروت يوميًا. قيمة هذا العمل هي بكونه توثيقًا لهؤلاء الضحايا، بأنهم ليسوا أرقاماً وبأن لهم حكايات وعناوين وصور ووجوه. العمل الفني عليه تعرية وتسمية الجلاد وإظهار وجه الضحية لا العكس.

المشكلة ليست باستخدام مأساة الانفجار فنياً، إنما المشكلة هي في إستخدام الفن لأغراض شخصية شوفانية بحتة، مع معالجات ركيكة وتجهيل متعمد للمسؤولين، ضمن حرص معظم الفنانين على علاقاتهم مع السياسيين. ظهر جلياً عندما قامت أحدى الجمعيات بدهن الحائط المقابل للمرفأ وأزالوا شعارات سابقة لمتظاهرين كانت تحمّل مسؤولية التفجير للسلطة كجملة "دولتي فعلت هذا" وقاموا برسم عصافير وسماء زرقاء مكان الشعارات، ليؤدي الفن مجدداً دور الطمس بدل الكشف عن الحقيقة.