سياسة

بعد مرور عامين، ماذا حصل لقتلى مجزرة القيادة العامة في السودان؟

تم العثور على ما لا يقل عن 100 جثة يعتقد أنها لأشخاص قتلوا في فض الاعتصام متعفنة في مشرحة
48008405428_824aa911ff_b

بعد عامين من مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في السودان في 3 يونيو 2019، لا يزال السودانيون ينتظرون نتائج التحقيق.  خلال الأسابيع الماضية تظاهر آلاف السودانيين بالعاصمة الخرطوم للمطالبة بالقصاص لقتلى الاحتجاجات، تزامنا مع الذكرى الثانية لفض اعتصام القيادة العامة مطالبين بالعدالة للشهداء.

ونظم المتظاهرون مخاطبات أمام مجلس الوزراء مطالبين بالإسراع في تشكيل المجلس التشريعي والمحكمة الدستورية وغيرها من المؤسسات. كما تم تنظيم اعتصام أمام مستشفى التميز الذي دخل شهره الثاني للمطالبة بتشريح الجثامين المكدسة في المشرحة منذ 2019.

إعلان

وكانت حددت لجنة التحقيق المستقلة في أحداث فض الاعتصام أمام مقر قيادة العامة للجيش السوداني، 3 أشهر لإعلان نتائج تحقيقها.

ماذا حدث خلال فض الاعتصام؟
بدأت الاحتجاجات التي عمّت البلاد في خارج الخرطوم في منتصف ديسمبر 2018، بسبب ارتفاع الأسعار، لكنها تطورت بسرعة إلى احتجاجات ضد عمر البشير، رئيس السودان طيلة 30 عامًا. بلغت الاحتجاجات ذروتها في اعتصام بالقرب من مقر القيادة العامة للجيش في أبريل والذي أسفر عن الإطاحة بالبشير في 11 أبريل. تولى السلطة مجلسا عسكريا انتقاليًا، بقيادة عبد الفتاح البرهان ونائبه الجنرال محمد "حميدتي" حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع.

في ٣ يونيو ٢٠١٩، قامت القوات الأمنية بدعم من قوات الدعم السريع بفض اعتصام شعبي للمطالبة بتسليم السلطة للمدنيين أمام مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم، ما أسفر عن مقتل 66 شخصًا، بحسب تقديرات رسمية، و128 شخصًا وفق معارضين. كما تم تسجيل حالات "اختفاء قسري لمئات المواطنين" في أعقاب تلك الأحداث.

 وقالت "هيومن رايتس ووتش" أن الهجمات القاتلة على المتظاهرين كانت "مُبرمَجة وقد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية."

إعلان

مصير القتلى؟
بعد فض الاعتصام، تشير تقارير إلى أن قوات الدعم السريع قامت برمي جثث المحتجين السودانيين في النيل الأزرق، حيث تم العثور على 40 جثة كانت تطفو على سطح النيل بحسب لجنة أطباء السودان المركزية. 

في مطلع هذا العام، أشارات مصادر أمنية إنه تم العثور على ما لا يقل عن 100 جثة يعتقد أنها لأشخاص قتلوا في فض اعتصام القيادة العامة متعفنة في مشرحة مستشفى التميز في الخرطوم.  وكان السكان الذين يعيشون بالقرب من المستشفى احتجوا عن سبب انبعاث روائح كريهة من مشرحة المستشفى الأكاديمي، والتي اتضح لاحقًا أنها بسبب تحلل الجثث نتيجة الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي. وبحسب جريدة سودان تربيون، تصاعدت الأمور واتهم مسؤول في النيابة العامة هيئة الطب العدلي من جهات عديدة بسوء التعامل مع الجثث المجهولة في المشارح. 

وأشار رئيس لجنة المفقودين، القاضي الطيب العباس، إنه يريد من السلطات فحص الحمض النووي للجثث في المشرحة قبل دفنها. وقد أنكرت إدارة مشرحة التميز أن الجثامين تعود لمفقودي القيادة العامة، وقال رئيس اللجنة الوطنية للتحقيق في فض الاعتصام نبيل أديب: "اللجنة تنتظر تقرير النيابة للتحقق من الجثث، ومعرفة أوقات الوفاة لكل جثة وعلاقتها بمجزرة فض الاعتصام، وإذا توصلت اللجنة إلى أن الجثث ليست لها صلة باللجنة ستؤول الأمور إلى وكيل النيابة الأعلى."

إعلان

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين معنيين بالتحقيق (مسؤول بوزارة العدل، ونائب عام سابق، ومحقق كبير) أن المحققين اكتشفوا مؤخرًا مقبرة جماعية خارج الخرطوم، في أم درمان، تحتوي على جثث عدة لمئات الأشخاص الذين يشتبه في أنهم قتلوا خلال فض الاعتصام. وفي حال تأكد ذلك، فإن عدد القتلى من ذلك اليوم سيكون أعلى بكثير مما هو معروف. وقال المحققون إن خبراء الطب الشرعي، الذين أرسلتهم الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، سيصلون إلى السودان الشهر المقبل لإجراء تقييم أولي للموقع. 

محاولات للتغطية
يقول خبراء الطب الشرعي ومحققون إن التحقيق في حادثة فض اعتصام الخرطوم "أعاقته قوات الأمن، من خلال محاولات التستر على الأدلة."

في مايو، أعلن النائب العام السوداني تاج السر الحبر قبل بضع أيام من استقالته أنه أبلغ القوات المسلحة السودانية رسمياً بتسليم المتورطين في مقتل شخصين في ذكرى فض الاعتصام، ممثلاً بالشخص الذي أمر بإطلاق النار والأشخاص الذين أطلقوا النار بالأسلحة المسلمة إلى النيابة. وأشار أن السبب وراء تنحيه عن منصبه هو بسبب العرقلات الأمنية النابعة من الأجهزة الأمنية التي تحجب الأدلة عن مكتبه الذي يحقق في عمليات القتل. وقال الحبر إن المحققين قد جمعوا الأدلة وأجروا مقابلات مع أشخاص يعيشون بالقرب من موقع المقبرة للتأكد من وقت وصول الجثث وكيف تم نقلها وما هي المركبات التي تم استخدامها، وقال أن"لدينا شهود مهمين للغاية أدلوا بشهادتهم" عن ماذا حصل.

 في حين أن البعض لديهم علاقة حب/كراهية مع الحكومة الجديدة، إلا شريحة كبيرة من الشعب تعتقد أن الحكومة تحاول التخلص من الأدلة التي قد تربطهم بمجزرة القيادة العامة. وقال المعز محمد، الذي قُتل شقيقه سعيد برصاص قوات الأمن السودانية في مجزرة 3 يونيو لـ نيويورك تايمز: "إنهم يؤخرون النتائج عن عمد. الكل يعرف من قتل الناس."

لا يمكن القول حتى عن إذا سوف يتم إرجاع الحق لكافة  أهالي هؤلاء الموتى ولكن هناك أمل. في هذا الأسبوع، أصدر القضاء السوداني أول حكم إعدام تحت المادة رقم 186 من القانون الجنائي للدولة على المواطن المدعو، أشرف الطيب عبد المطلب، المعروف بـ"أبجيقة" والذي كان متعاقداً مع جهاز الامن، بتهمة قتل مواطن في 25 ديسمبر 2018.  كما أدين المواطن المدعو عبد المطلب بتهمة إصابة مواطن آخر بالرصاص. وصدر حكم المواطنين تحت المادتين 186 و130 (القتل العمد).

في 21 أغسطس 2019 بدأت السودان مرحلة انتقالية تستمر 53 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم السلطة خلالها كل من الجيش وقوى مدنية. ولكن لا يزال السودان يعاني من العديد من الأزمات بعد ٣٠ عاماً من حكم عُمر البشير. ويشتكي المواطنون من نقص في السلع الأساسية، مثل الخبز والوقود. وتشهد البلد ارتفاعًا كبيراً في معدلات التضخم وصلت إلى أكثر من 363% بحسب الجهاز المركزي للإحصاء، واحد من أعلى معدلات التضخم في العالم.