FYI.

This story is over 5 years old.

سياسة

شباب البصرة يطالبون بحقوقهم "المسلوبة"

تسمم 17 ألف شخص من المياه الملوثة بالبصرة، واحدة من أغنى مدن العراق
14058162472_7fba7060e9_k

يُظهر مقطع فيديو لتظاهرات في محافظة البصرة، جنوبي العراق، أحد الشباب المتظاهرين الذي يستقبل قنبلة الغاز المسيل للدموع ويُغطيها بعبوة صغيرة ثم يجلس عليها. بينما ضم هذا الشاب يديه على صدره، كان المصور ومن حوله يضحكون. الإ أن الأمور لا تدعو بالحقيقة للضحك. في مدينة البصرة التي تُعتبر واحدة من أغنى مُدن العالم، يخرج شبابها وبشكل مستمر منذ الأسبوع الأول من يوليو الماضي في تظاهرات ضد ما يعيشونه من "مأساة" تتعلق بإنعدام الكهرباء وغياب الخدمات وتلوث المياه التي سممت 17 ألف شخص منذ بداية هذا العام، بمعدّل ألف إصابة كلّ يوم تقريباً، بحسب الإحصائيّة التي أعلنتها مديريّة الصحّة في محافظة البصرة.

إعلان

هؤلاء الشُبان الذين يعيشون في واحدة من أغنى مدن العراق من حيث الموارد الطبيعية، أو على "بحر" من النفط بحسب التعبير السائد في العراق، لا يستطيعون الحصول على الكهرباء ولا على المياه الصالحة للشُرب، فمياه البصرة مالحة وغير قابلة للاستخدام البشري، حيث وصلت نسبة التلوث الكيميائي فيها 100% والتلوث الجرثومي 50% بحسب دائرة الرقابة الصحية في المحافظة. ويتهم السكان الحكومة المركزية في بغداد بالفساد، وإنها سمحت بانهيار البنية التحتية في المدينة.

وقد أعلنت وزارة الصحة العراقية عن ارتفاع حصيلة الضحايا خلال أسبوع من الاحتجاجات في البصرة إلى 15 قتيلا و190 جريحاً. ولكن لا يبدو أن هؤلاء الشبان يأبهون للمخاطر التي يتعرضون لها أثناء التظاهرات، فهم بحسب تعليقاتهم في السوشيال ميديا يُريدون حقوقهم "المسلوبة." البصريون الذين قدموا أول "شهيد" في الحراك الإحتجاجي العراقي عام 2015 عندما أطلق عناصر أمن الرصاص على المحتجين فسقط حينها الطفل منتظر الحلفي قتيلاً، عادوا من جديد ليُقدموا "ثمن" إصرارهم على المطالبة بحقوقهم المشروعة.

أن الذي يدير الأحداث الأخيرة في البصرة هي القنصلية الأمريكية، وهي نشطة وتعمل بكل حرية ولدينا معلومات حول ذلك

ولكن تعامل القوات الأمنية العراقية كان "عنيفاً" مع المتظاهرين رغم أنهم كانوا يُنادون بسلمية التظاهرات وعدم تجاوزهم على الممتلكات العامة حتى نهاية أغسطس الماضي. وقد استخدمت قوات الأمن العراقي الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، وهو ما أشار له المرصد العراقي لحقوق الإنسان في تقرير له قال "أن قتل المتظاهرين السلميين في جنوب العراق يبدو أنه صار ممنهجاً." وأكد مدير مكتب مفوضية حقوق الإنسان في البصرة مهدي التميمي، في مقابلة مع VICE عربية على تعرض المتظاهرون لعُنف كبير، وأضاف: "كانت الإصابات في المناطق العلوية من الجسد، وأغلبها تؤدي للوفاة."

إعلان

منذ بداية سبتمبر خرجت الأمور عن السيطرة، وحدثت أعمال "شغب" في البصرة، بدأت بإحراق مبنى المحافظة ومقار عدد كبير من الأحزاب الشيعية الموجودة هُناك، مثل أحزاب الدعوة والفضيلة والمجلس الأعلى ومكتب منظمة بدر، ومقر كتائب حزب الله العراق ومقر سرايا الخرساني، بالإضافة إلى دار إستراحة المحافظ، ومكتب النائب والقيادي في الحشد الشعبي فالح الخزعلي،" ثم مقر مفوضية الإنتخابات ودوائر خدمية، وصولاً إلى مقر القنصلية الإيرانية التي فاقمت الأزمة.

وعن حرق القنصلية الايرانية، يقول الناشط المدني حسام الخميسي، 29 عاماً، أحد المتظاهرين، في مقابلة مع Vice عربية: "إحتراق مقر مبنى المحافظة كان مفتعلاً، كان المتظاهرون بعيدين عنه بمسافة 500 متر تقريباً، وكانت هناك قوات أمنية تحرسه وعلى أسطحه عناصر أمن، وفجأة إحترق." ويضيف حسام أن "أعمال الحرق للمؤسسات الحكومية لم تكن من قبل المتظاهرين، بل بفعل موجه ونحن بريئون منه ونرفضه."

وفي خطوة منهم لـ"مساعدة" الحكومة العراقية في فرض الأمن والقبض على "المخربين" أعلن متظاهرو البصرة توقف تظاهراتهم لحين عودة الحياة لطبيعتها والعودة من جديد للشارع. وقال علي الفيصلاوي، 26 عاماً، وهو أحد المتظاهرين في إتصال هاتفي: "أجلنا تظاهراتنا لكننا سنعود من جديد للمطالبة بحقوقنا، والمطالبة بدماء إخوتنا المتظاهرين الذين قُتلوا على يد القوات الأمنية، ولن نسكت عن ذلك." وأضاف علي: "إحتراماً لحياة الناس وحفاظاً عليها سنتوقف لأيام وسنعود بقوة لمحاسبة هذه الحكومة وتثبيت موقفنا تجاه ما نعيشه من نقص في متطلبات حياتنا."

وتعتقد الأحزاب المقربة من إيران أن العبادي وحليفه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يقفان وراء الأحداث التي جرت في البصرة والإعتداء على القنصلية الإيرانية وحرق مقر هيئة الحشد الشعبي وإحدى المستشفيات التابعة له، لكنهم لا يتحدثون بشكل مُباشر عن الصدر واكتفوا بالتلميح في وسائل الإعلام أو في الصالونات السياسية في العالم الإفتراضي. فيما يرى آخرون أن الأمريكان هم المسؤولون. في مقابلة تلفزيونية له في 8 سبتمبر الحالي، قال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، والرئيس الفعلي له، أبو مهدي المهندس: "أن الذي يدير الأحداث الأخيرة في البصرة هي القنصلية الأمريكية، وهي نشطة وتعمل بكل حرية ولدينا معلومات حول ذلك ولدينا أفلام وصور تثبت ذلك."

مشكلة العراق هو وجود نخبة سياسية مصابة بهوس السرقة تدير أجهزة الدولة كآلة للنهب

وفي تعليق له في إحدى الصالونات السياسية عبر الواتساب، اطلعت عليها VICE عربية، يُبرئ النائب عن عصائب أهل الحق نعيم العبودي المتظاهرين من أعمال "الشغب" التي جرت في البصرة والإعتداء على مقرهم، ويُشير إلى وجود "مجاميع مجهولة إعتدت على المقار الحكومية ومقر القنصلية الإيرانية ومقر الحشد الشعبي أيضاً." وقد أمر رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بإقالة عدد من كبار ضباط الشرطة في البصرة بعد أيام من الاحتجاجات الدامية هناك.

ويعتقد مراقبون أن أحداث البصرة في أيامها الأخيرة لم تكن بعيدة عن "الصراع" السياسي في العراق واحتدام المواقف حول تشكيل الكتلة الأكثر عدداً في مجلس النواب العراقي و"تمسك" رئيس الحكومة المنتهية ولايته بالسُلطة، ذلك بالإضافة الى الفساد المنتشر في الحكومة الذي يرى الكثير من العرايين أنه أصل المشكلة. في مقال للكاتب باتريك كوبيرن، بعنوان "إحذروا: اضطرابات العراق سامة وقد تعدي المنطقة بأكملها،" يرى الكاتب أن مشكلة العراق هو وجود "نخبة سياسية مصابة بهوس السرقة" تدير أجهزة الدولة كآلة للنهب.