من العبودية إلى البرلمان.. هل تكون "هابي رباح" صوت المسترقين في موريتانيا؟

هابي رباح خلال وقفة احتجاجية للمطالبة بحقوق المسترقين في موريتانيا - التقطت جميع الصور بواسطة السالك زيد

FYI.

This story is over 5 years old.

مجتمع

من العبودية إلى البرلمان.. هل تكون "هابي رباح" صوت المسترقين في موريتانيا؟

أول امرأة محررة من العبودية تترشح للبرلمان الموريتاني في سابقة تاريخية

حتى عام 2008 كانت هابي رباح، تعيش كـ "مستعبدة" مع أسيادها في الجنوب الموريتاني، لا تعرف متى ولدت، ولا تمتلك أوراقًا مدنية، ولم تتعلم، كانت عبدة بكل ما تحمل الكلمة من معنى منذ صغرها حتى أصبحت امرأة.

تشارك اليوم هابي رباح - المستعبدة سابقًا - في سباق الانتخابات التشريعية الموريتانية نحو قبة البرلمان، بعدما اتفق الجناح السياسي لحركة الانبعاث الانعتاقية الحقوقية "إيرا"، التي ساعدت في تحريرها، مع حزب الصواب المعارض، على تقديم مرشحين في لوائح موحدة لخوض الانتخابات، لتكون بذلك أول محررة من العبودية تترشح لمنصب سياسي على مر تاريخ موريتانيا.

إعلان

الطريق نحو التحرر
كانت هابي كغيرها من العبيد في موريتانيا، تعيش مع أسيادها منذ ولادتها، كبرت في خدمتهم، من رعي للماشية والأعمال المنزلية. ويستغلها سيدها جنسيًا كأمة له، رزقت بابنين منه، أحدهما توفي وهو صغير، فيما يعيش الآخر معها الآن. في عام 2008 كان حقوقي جديد ينتمي لشريحة العبيد السابقين "لحراطين" يبزغ نجمه في الساحة الحقوقية الموريتانية، أسس حركة الانبعاث الانعتاقية تعرف اختصارا بـ"إيرا" بالتزامن مع ظهوره اكتشف رئيس الحركة بيرام الداه عبيد رفقة حقوقيين آخرين الحالة التي تعيش فيها هابي رباح، وخاضوا صراعًا قويًا مع أسيادها، لكنهم حرروها في النهاية.

عرفت هابي رباح لأول مرة طعم الحرية، وبدأت حياة جديدة، حياتها الجديدة قادتها إلى أن تكون مناضلة في الحركة الحقوقية التي أصبحت فيما بعد أكثر حركة حقوقية إثارة للجدل في موريتانيا، بسبب صدامها مع المنظومة التقليدية، من علماء وشيوخ قبائل وسياسيين ومن ينكرون وجود العبودية.

عندما التقينا هابي بعد إعلان ترشيحها، كانت تشارك في وقفة احتجاجية، ضد اعتقال مفاجئ لرئس الحركة دون أن تبرر الشرطة سبب ذلك. قالت هابي لـ "VICE عربية": "لقد ترشحت للبرلمان بسبب هذا الظلم الذي يقع على العبيد السابقين والمناضلين ضد العبودية، ويسعدني أن أكون أول محررة تترشح لهذا المنصب" كانت "هابي" تتحدث بحماس، كما لو أنها تتحدث تحت قبة البرلمان: "إذا نجحت لا أريد مالًا ولا أي شيئ، أطمح فقط إلى إيصال صوت العبيد المنسيين من طرف الجميع".

هابي رباح

العبودية ما تزال هنا
ينكر النظام الموريتاني وجود العبودية في موريتانيا، غير أن الحقوقيين يؤكدون بأنها ما تزال موجودة، وذلك من خلال ملفات تتعلق بالعبودية موضوعة عند المحاكم المختصة، لكنها لم تبت فيها حتى الآن. وفي آخر تقرير صادر عن منظمة Global slavery index احتلت موريتانيا المرتبة السادسة دوليًا من حيث أرقام العبودية الحديثة، حيث يعاني 90 ألفًا من أصل ما يناهز 4 مليون نسمة من هذه الظاهرة.

إعلان

لكن أرقام العبودية بشكلها التقليدي، ما تزال غائبة، عن المنظمات الحقوقية، لكنها ما تزال تكتشف من حين لآخر حالات منها، في المناطق البعيدة من موريتانيا، كان آخرها الحكم على سيدة شمال موريتانيا بالسجن بتهمة الاستعباد عام 2018. وتطمح هابي رباح إلى أن تكون أول صوت قادم من رحم المعاناة، يتحدث نيابة عن أصحابها في البرلمان القادم لموريتانيا.

يعتبر عضو الحركة والمرشح لمنصب العمدة في نواكشوط محمد جوجه، بأن ترشيح هابي لمنصب مثل منصب نائب برلماني، هو رسالة للجميع بأن هؤلاء المستعبدين بحاجة إلى من يمثلهم ويكون ممن عاش معاناتهم، ويضيف: "هابي كمحررة من الرق، يجب أن توصل معاناة أصحاب المظالم، وهذه فرصة حقيقية لهم".

محمد جوجة

رغم أن العبودية التقليدية كممارسة لم تعد بذلك الشيء الواضح للعيان كما كان يحصل قبل سنوات في موريتانيا، إلا أن مخلفاتها ما تزال واضحة على من عاشوا تلك التجربة. مريم امبارك، امرأة عاشت مستعبدة منذ صغرها في وسط البلاد، إلى أن تحررت مع إخوتها قبل سنوات بفضل تدخل منظمة نجدة العبيد وحركة الحر، ثم انتقلت بعد التحرر إلى أقصى الشمال، عن المكان الذي ذاقت فيه صنوف المعاناة.

سوى أنها تحررت، وأصبحت سيدة نفسها، غير أن شيئا آخر لم يطرأ على حياتها. تعيش مريم الآن بعيدا عن المدينة، دون أن تكون لديها أبسط مقومات الحياة، وبدون أفق لمستقبل أبنائها، تمتهن مع زوجها مهنة الرعي ولديها ثلاثة أبناء. "لا أستطيع أن أعيش في المدينة ليس لدي القدرة لذلك، وأتمنى أن يتغير حال أبنائي، لا أحد منهم لديه أوراقًا مدنية وأتمنى أن يتعلموا".

مريم امبارك تشعل النار لكي تُعد وجبة الغداء لعائلتها

معاناة متواصلة
حاول النظام الحالي في موريتانيا العمل، على محاربة الرق من خلال سن قانون جعل ممارسته جريمة ضد الانسانية لا تسقط بالتقادم، صادق عليه البرلمان عام 2015 كما أنشأ محاكم مختصة به. لكن بعض الناشطين الحقوقيين يعتبرون هذا الخطوات التي قام بها النظام، ليست سوى محاولة لإرضاء المنظمات الدولية المهتمة بمجال حقوق الإنسان، وليس لديها تأثير على أرض الواقع؛ فأمثال مريم التي كانت مستعبدة، وتعيش الآن منسية في أرض بعيدة عن المدينة والحياة الجديدة كثر، ولم تصلهم استراتيجيات الدولة في القضاء على مخلفات الرق.

ولهذا تأمل المرشحة هابي رباح بعد أن كسبت مهارات في الحديث خلال المظاهرات والنشاطات التي تنظمها الحركات، أن تكون موجودة أمام الجميع لكي تكون منبها لهم يذكرهم بأن أناسا من لحم ودم، يعيشون إما تحت وطأة الاستعباد أو آثاره المختلفة. "سأجلس لهم هناك على الطاولة، وسأتحدث عن العبيد، وعن الظلم وعن الاستعباديين"، تقول هابي.

على الرغم من ذلك لا تبدر معركة هابي الانتخابي، أو مساعيها مع رفاقها في سبيل القضاء على العبودية في موريتانيا بالسهولة التي تبدو عليها، بل تتوقع عراقيل عدة في طريقها، ، ليس أقلها نظرة المجتمع لهذه الفئة، واستغلال النفوذ التقليدي كالقبيلة والمال في الانتخابات من طرف كثيرين.

غير أن ترشحها لهذا المنصب، مجرد ترشحها في مجتمع طبقي مثل المجتمع الموريتاني، سيظل يعتبر سابقة من نوعها، وخطوة من شأنها إلقاء مزيد من الضوء على واقع هذه الفئة.