FYI.

This story is over 5 years old.

سياسة

حقائق لم يذكرها تحقيق نيويورك تايمز حول مقتل المسعفة رزان النجار

هل كانت اصابة مباشرة في الصدر أم أنها رصاصة مرتدة؟
غزة

لقطة لرزان النجار من وثائقي نيويورك تايمز

في الـ30 من ديسمبر الماضي أصدرت صحيفة The New York Times الأمريكية تحقيقًا حول مقتل المسعفة المتطوعة رزان النجار من قطاع غزة، من قبل الجنود الإسرائيليين، في الأول من يونيو 2018 خلال عملها التطوعي في تقديم الإسعافات الأولية للمصابين على الحدود الشرقية للقطاع، ضمن فعاليات مسيرات العودة وفك الحصار. التحقيق تساءل ما إذا كان مقتل المسعفة النجار على أيدي جندي إسرائيلي حادثًا؟ من الواضح أن معد التحقيق بذل جهدًا كبيرًا في جمع معلومات عن سماتها الشخصية وحياتها العائلية، وكذلك في استخدام تقنيات حديثة في صناعة التحقيق المرئي.

إعلان

رزان أشرف النجار، 21 عامًا، شابة فلسطينية في مقتبل العمر، كانت تسكن في منطقة خزاعة شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، وبعد انطلاق مسيرات العودة وفك الحصار في الـ30 من مارس الماضي، والتي خلفت المئات من المصابين في تلك الفترة، قررت استثمار خبرتها من خلال التدريبات التي تلقتها مسبقًا في الإسعافات الأولية، وانضمت إلى فريق المسعفين مع الإغاثة الطبية. وبالفعل، وكما ذكرت الصحيفة، كانت النجار تتمتع بالشجاعة وبروح قيادية بالفطرة بحسب ما قال زملائها وعائلتها، كما أنها كانت مسعفة بارعة، لا تتوانى عن تقديم الخدمات الطبية والإسعافات الأولية للمصابين، لكنها أيضًا كانت حذرة من عدم التواجد والوقوف بين المتظاهرين لفترات طويلة هي وزملائها حتى لا يكونوا عرضة للإصابة بحسب ما أفاد زملائها لـ Vice عربية.

وبعد التدقيق في تحقيق نيويورك تايمز، وضعنا بعض الملاحظات عليه، وقمنا ببعض المقابلات مع زملاء النجار المتطوعين، وبالاطلاع على شهادات التقرير الطبي وشهادة أحد الأطباء، ظهر معنا عدة حقائق لم يتم الإشارة إليها. لذلك سنعمل على مقارنة بين الشهادات التي حصلنا عليها وما تم ذكره في التحقيق لنوضح الفرق بين تقرير الصحيفة وما توصلنا إليه. (تقرير نيويورك تايمز بالخط الغامق).

الساعة 6:17 مساءً
"قبالة المتراس الإسرائيلي، ركضت روزان النجار نحو السياج لمساعدة شاب على مرأى من الجنود الإسرائيليين. قام شخص من ورائها بإلقاء حجارة نحوهم مستغلاً وجودها كغطاء."

تقول الصحيفة هنا أن هناك شخصًا قام بإلقاء الحجارة من خلف النجار (تم ترجمة اسمها الى روزان لسبب ما وليس رزان في بعض الفقرات) مستغلاً وجودها كغطاء، بينما المقطع المصور الذي عرضته صحيفة نيويورك تايمز يظهرها برفقة 4 من زملائها المسعفون يرفعون أيديهم في الهواء ويتقدمون بحذر نحو شابان مصابان، ولم يظهر في المشهد أي شاب يلقي الحجارة من خلفها أو يستغل تقدمها كغطاء.

إعلان

رامي أبو جزر، 29 عامًا، مسعف متطوع في الإغاثة الطبية وزميل رزان، قال لـVice عربية: "وصلنا نداء استغاثة بوجود إصابتان بجوار الحدود مباشرة، موقعهم كان خطر جدًا، فقررنا أن نذهب أنا ورزان وبعض الزملاء، رفعنا أيدينا في الهواء، تقدمنا بهدوء، كنا نلبس معاطفنا البيضاء، وبعد أن اقتربنا لنقطة الصفر، رفع الجنود أسلحتهم وأطلقوا الرصاص على الأرض بجوارنا، مع العلم لم يكن أي من المتظاهرين قريبًا منا." رامي وزملاءه شعروا بالخطر وتراجعوا مباشرة.

6:20 مساءً
"تحاول روزان التعافي من أثر الغاز المسيل للدموع الذي استنشقته لتوّها، وبالقرب منها يبدأ المحتجون في تمزيق جزء جديد في السلك الشائك."

تقرير الصحيفة يشير الى وقوف النجار بالقرب المتظاهرين بعد تعرضها لاستنشاق الغاز. لكن قنابل الغاز التي أطلقها الجنود الإسرائيليون، لكن المسعف محمود عبد العاطي، 34 عامًا، وهو أيضًا مسعف متطوع في الإغاثة الطبية، أكد لنا أنهم وبعد استنشاقهم للغاز، ابتعدوا عن المتظاهرين في منطقة اعتقدوا أنها آمنة، وقال: "ابتعدنا كمسعفين ورزان معنا لأخذ استراحة بعد استنشاق الغاز، وكان بيننا وبين المتظاهرين قرابة 15 مترًا." وهذا ما يثبت عكس رواية الصحيفة، التي تقول أن المسعفون كانوا متواجدين بالقرب من المتظاهرين لحظة إطلاق النار باتجاههم.

6:31 مساءً
"يتوجه أحد الجنود الإسرائيليون بنظره نحو المكان الذي تقف فيه زران وعلى ما يبدو أنه يرى شخصاً يلوّح بالعلم الفلسطيني عالياً، وعدداً من المحتجين يتجولون في المكان، ومجموعة من المسعفين يساعدون أحد المحتجين على التعافي من أثر الغاز المسيل للدموع. ليس ثمة تهديد صادر عن أي شخص في تلك المنطقة؛ فالغاز المسيل للدموع يحقق هدفه المرجو حيث يحول دون الحاجة إلى استخدام القوة الفتاكة. ..فجأة، دوت طلقة نارية أخرى."

إعلان

هنا تقول الصحيفة، أن الأجواء كانت هادئة نسبيًا، ولا يوجد ما يستدعي استخدام قوة فتاكة، لكن ورغم ذلك سُمع صوت طلقة نارية، ولكن ما سنثبته أنه أطلقت طلقتان ناريتان في ذات اللحظة على المسعفين من القناصة الإسرائيليين. وفق شهادة المسعف أبو جزر، وهو أحد المسعفين الذين أصيبوا لحظتها، والذي يقول: "في لحظة ما قالت المسعفة رشا قديح، الجندي بصوب علينا، مِلْتُ بجسدي إلى الخلف قليلاً ناحية اليسار ورفعت يدي، وقلت لها، نحن مسعفون ما دخلنا، وقبل أن أعدل من وقفتي، سمعت صوت انفجار قوي، وشعرت بالرصاصة تخترق ساقي، شعرت بالخوف وهربت للخلف، لكنني سقطت على الأرض بعدما ابتعدت عدة خطوات."

كانت هذه إحدى الرصاصتين اللتين أطلقتا لحظتها من قبل الجنود الإسرائيليين، وتسببت بجرح عميق فوق ركبة المسعف أبو جزر اليسرى، إلى جانب إصابته بثلاث شظايا أخرى، ويقول: "لولا أنني التفت بجسدي على رشا للخلف، لكانت الرصاصة تسببت في اصابة أكثر ضرراً." وهذا مثبت في إحدى مقاطع التصوير التي عرضتها الصحيفة في تحقيقها، إلى جانب إثباته بالتقرير الطبي من المستشفى الذي اطلعنا عليه.

أيضًا، المسعف عبد العاطي الذي كان يقف بجوار رامي، أصيب بشظايا في منطقة الحوض والخصيتين ويده، ويقول: "شعرت بإصابتي بين القدمين، وضعت يدي على بطني ونزلت بركبي على الأرض بسبب الألم." حاول عبد العاطي تمالك نفسه قليلاً، من ثم رفع رأسه ليرى زميلته رزان النجار واقفة أمامه على جهة اليمين، تنظر للخلف ويدها على ظهرها. لنلاحظ هنا، أن عبد العاطي، بعدما أُصيب ونزل بركبتيه على الأرض، شاهد رزان تقف أمامه وليس خلفه كما تذكر الصحيفة في رسمتها ثلاثية الأبعاد التي استخدمتها في تحقيقها المصور.

إعلان

قد يكون هذا ليس كافيًا، لكن بالعودة إلى اللقطة التي اعتمدت الصحيفة فيها على تحديد شخصية رزان في الدقيقة 10:35 من عمر التحقيق المصور، لم تكن واضحة المعالم، ولا يمكن الجزم بأنها رزان، وهذا ما يؤكده المسعف أبو جزر والذي يقول أن من أشارت له الصحيفة في تحقيقها ليست رزان وأنها مسعفة أخرى. ويؤكد رامي ومحمود أن رزان كانت بجوارهم وأقرب منهم للحدود وليس العكس، بينما يبدو أن المسعفة التي تتم الاشارة إليها في الفيديو أبعد من رامي ومحمود عن الحدود. ولكن بنفس الوقت لا يمكن التأكد من هوية المسعفة، فالصورة غير واضحة أبداً.

"يقول قائد عسكري إسرائيلي رفيع المستوى: "إذا لم أُصب الهدف واصطدمت الطلقة بصخرة، فلا يمكنني أن أحدد مسارها لاحقاً." حاولت الصحيفة إثبات إمكانية إصابة الرصاصة في صخرة وانفجارها لتتطاير شظاياها على المسعفين، لكن المسعف أبو جزر، يتساءل: "كيف تكون الطلقة اصطدمت بصخرة، وهي التي أصابتني في ساقي مباشرة، وانفجرت لحظتها لتصيبني بشظايا في ساقاي ويدي اليسرى، وتصيب زميلي عبد العاطي في مناطق متفرقة من جسده؟" وتابع: "قبل أن نصاب بالرصاص والشظايا، كانت رزان تقف على جانبي الأيمن، ولم تكن هناك مسافة كبيرة بيننا، فكيف أصيبت بصدرها بذات الرصاصة التي أصابتني في قدمي؟"

"لكن إعادة استحضار المشهد الذي أجرته التايمز تؤكد حدوثه؛ فالطلقة أصابت الأرض أمام المسعفين ثم تحولت إلى شظايا وارتدّ جزء منها للأعلى مخترقاً صدر روزان."

ولأن القتل العمد لأي مسعف أو مدني يعد جريمة حرب بحسب القانون الدولي، سرعان ما أقرت إسرائيل أن قتل النجار لم يكن مقصوداً، وهذا ما أكدت عليه أيضاً الصحيفة - رزان لم تكن مستهدفة بل أصيبت برصاصة مرتدة. ولكن الدكتور محمد أبو هلال، مسؤول ملف توثيق جرائم الحرب ورئيس قسم الاستقبال والطوارئ بالمستشفى الأوروبي جنوب قطاع غزة، والذي استقبل ووثق حالة المسعفة النجار لحظة وصولها للمستشفى، يشير الى أن اصابة رزان لا تدل على أن الطلقة اصطدمت بالأرض. ويشرح لـ Vice عربية: "عندما وصلتنا رزان وجدنا أنها أصيبت برصاصة في الصدر، خرجت من ظهرها، حيث أخرجنا عدة شظايا من أعضائها، إحداها كانت شظية مستقرة في القلب، إثر انفجار الرصاصة داخل جسدها."

وهذا ما يؤكد عليه أيضاً بيان مركز الميزان لحقوق الإنسان الذي صدر يوم 1 يونيو 2018، والذي قال: "أطلقت قوة متمركزة بالقرب من السياج الشرقي الفاصل شرق محافظة خان يونس النار تجاه المتطوعة لدى الإغاثة الطبية الفلسطينية رزان أشرف النجار، ما أدى إلى إصابتها بعيار ناري في الصدر خرج من الظهر نقلت على إثره إلى مستشفى ناصر في المحافظة نفسها، لتعلن المستشفى عن استشهادها بعد حوالي نصف ساعة من وصولها للمستشفى متأثرة بجراحها التي أصيبت بها." وتشير التقارير الطبية الى أن الرصاص الذي أطلق نحو رزان وغيرها في ذلك اليوم وهو عبارة عن رصاص متفجر (قنبلة متفجرة داخل رصاصة ويزيد حجمها عن الرصاص الحي العادي بمرتين تقريبًا، تسبب تمزق الأنسجة والأوردة والعضلات، وهو سلاح محرم دولياً).

وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان قد وثق تقرير له استخدام إسرائيل للرصاص المتفجر والغازات السامة تجاه المتظاهرين على حدود غزة بصورة مفرطة. وخلُصَ الأورومتوسطي في تقريره إلى أنّ القوات الإسرائيلية أصابت أعدادًا كبيرة من المدنيين بشكل متعمد. وفي معظم الحالات، لم يكن المستهدفون بالرصاص يشكلون خطرًا حقيقيًا.

هذه هي بعض الحقائق السابقة التي لم يذكرها تحقيق نيويورك تايمز بحسب بحثنا، والذي يتمثل أهمها، بتلقي رزان النجار رصاصة متفجرة وانفجارها في صدرها مباشرة، بحسب الشهود المتواجدين في المكان لحظة إصابتها، إلى جانب شهادة الأطباء والمراكز الحقوقية، مما يعني أنه تم استهدافها وليس تلقيها شظية رصاصة فقط لكونها في المكان الخطأ.