قصة اسم

Freepik

رأي

اسمي بدار- ليس بدر وأكيد ليس بسمة

أنام قريرة العين أن أحداً ممن أحببتهم لن يفكر بتسمية ابنته على اسمي

اسمك بدار. كتير غريب، أول مرة بسمعه؟ شو معناه؟ السؤال الأبدي التقليدي لكل أصحاب الأسماء الغريبة أو الغير مألوفة. في البداية كان السؤال يزعجني، حاولت عدة مرات أن أجيب، "ما إله معنى، بس بدار، صف أحرف." ولكن هذا الجواب جلب لم يمر بسلام، وتم اعتباري قليلة ذوق أو جاهلة. أكيد في معنى لـ اسمك؟ ويبدأون بدرس لغة عربية. لم أفكر أبداً بالكتابة عن قصة اسمي قبل تداول هاشتاغ قصة اسمي على تويتر. ولكن لدي بعض الشجاعة (والقليل من الوقت) لاخبركم قصة هذا الاسم الغريب.

إعلان

القصة التي اخترتها لمعنى اسمي، بسيطة جداً. "بدار من البدر، القمر المكتمل." الجواب للأسف، لا يقنع كثيرين، البعض يرى فيه نوعاً من التغزل بنفسي فما يسمعونه هو "أنا زي القمر." معنى اسمي لا يقنعني أيضاً ولكن قررت إعتماد هذا الشرح، لأنه الأفضل لإنهاء الحديث عّن الإسم والانتقال من التركيز عَلي إلى أي شيء آخر- نوع الثلاجة التي خلفك مثلاً.

من الممتع توقع ردات الفعل المختلفة عندما أشرح لهم معنى اسمي. البعض يقتنع بدلالة البدر، اممممم بدار من بدر، منطقي. وآخرين يقولون "طيب ليه الألف، ليه ما اسمك بدر." انو جد؟ ليه ما سموني بدور أو بَدرة أو حتى بندر؟ ليه؟ وهناك طبعاً من يحبون إظهار مواهبهم اللغوية ومعرفتهم الواسعة باللغة العربية، وتأتي إجابتهم بالعادة مع صوت وقور: "اسمك يا بنتي أصله من البذار بذار القمح،" أو "بدار، ليست من البدر، بدار أصلها من بَدري بمعنى مبكر أو بدايات الفجر." قد تكون هذه التفسيرات صحيحة. ولكن ما الذي سيتغير إذا كان معنى إسمي بدراً أو قمحاً؟

اللوم كل اللوم على مخترع هذا الإسم: والدي. في الحقيقة لا أحد يعلم لماذا إختار هذا الإسم، ولا والدي نفسه فكما يقول "الاسم طلع براسي وحبيته." من غير الواضح، لماذا بمجرد رؤية طفلته الثالثة اضطر إلى إختراع شيئاً كـ بدار؟ لماذا لم يختر إسماً فلسطينيا كـ مجدل مثلاً؟ أو رومانسياً كـ ورد؟ أو حتى مألوفاً كـ مريم؟ بيني وبينكم، لا أخفي أنني أحب فكرة أنه قام بإختيار إسم لا يشبه أحداً، وهو شخصياً فخور باختراعه: "اسمك كتير حلو يا مجنونة،" يقول لي في كل مرة بنق وأطالب بإسم أحلى.

لا شك أن حصولي على اسم "غريب" هو أمر جيد، فمن السهل أن تختار الإيميل الذي تريده. بدار سالم، نقطة. ولا أسهل. وليس علي أن أقلق من تشابه الأسماء، في الحياة الواقعية أو الافتراضية. وأنام قريرة العين أن أحداً ممن أحببتهم لن يفكر بتسمية إبنته على اسمي -واضحة لإنها. كتير.

إعلان

ولكن العيش مع اسم غير مألوف له مشاكله أيضاً، حيث تشير الدراسات إلى أن الناس يفضلون التعامل مع الأشخاص الذين لديهم أسماء أسهل في النطق أو الأكثر شيوعاً (أنا شخصياً سأعتبر ذلك مع الأمور الإيجابية لاسمي) كما أن أصحاب الأسماء المألوفة غالباً ما يحصلون على مناصب عليا في العمل (آها). كما تشير دراسة أخرى إلى وجود علاقة قوية بين الإسم والسلوك الإجرامي، فقد وجد باحثون أن الأشخاص الذين لديهم أسماء غير شعبية كانوا أكثر عرضة للانخراط في نشاطات إجرامية (ها!)

مشاكلي مع اسمي أبسط قليلاً من ذلك. المشكلة الأولى أن لا أحد يتذكره، في كل مرة تلتقي بها بنفس الأشخاص (حتى في نفس الليلة) عليك أن تعيد اسمك عليهم مرة بعد أخرى -قبل أن تتعب وتوافق على أي اسم يختارونه في حال كان فيه على الأقل حرف الباء. أما في الإيميلات، فالأكثرية (99.1%) تعتبرني رجلاً "بدر" وحتى أن البعض يقوم بتغيير اسمي في كل مرة إلى Bader وكأن اسمي خطأ إملائي. كما لكم أن تتخيلوا عدد المرات التي تلقيت فيها مكالمات تطلب أن تتحدث مع السيد بدر:

-ممكن نحكي مع السيد بدر
-نعم، معك بدار
-عفواً؟ انتي السيد بدر؟
-لا بدار أنا، بنت، بداااار
-ما فهمت؟

وببلش شرح، حتى أقول لهم بالنهاية:
-صحيح أنا السيد بدر، شو المطلوب.

السيد بدر ليس أسوأ موقف في الواقع. فهناك من ذهب أبعد من ذلك. على بطاقة الائتمان مثلاً اسمي "نوال بدر" لماذا؟ لأن موظف البنك العبقري قرر أن اسم والدتي (كما هو مكتوب في جواز السفر) هو في الحقيقة اسمي، لأنه ببساطة لا يوجد أحد اسمه "بدار" فقرر أن يسميني اسماً على مزاجه. وفي كل مرة استخدم البطاقة (لأن جميع محاولاتي بتغيير الاسم عليها فشلت) تنتابني القشعريرة كلما سمعت أحد الموظفين يقول: شكرًا مدام نوال. وأشعر وكأنني أعيد إحياء اسم والدتي المتوفاة، أو أتقمص شخصيتها. والأمر أصبح معقداً لدرجة أن علي أن أثبت الآن أنني لست نوال!

على المعبر الأردني، في طريقي إلى فلسطين، تأخذ الأمور منحنىً أكثر درامية. ففي كل مرة أقف فيها أمام موظف الجوازات، يجب أن أكون مستعدة بقصة جديدة. في المرة الأولى التي أجبت بها عن معنى اسمي بـ "بدار من البدر" أعتقد الموظف أنها فرصة لتسميعي بعض الغزل. وعليكم أن تروا وجه الضابط الآخر وهو يحاول فك طلاسم إسمي عند المناداة على الأسماء لاستلام جوازات السفر. في كل مرة، أسمعه ينادي بشكل متردد على اسم غريب أعلم أنه يقصدني. أحياناً ينادي على بادرة، بّدار، بتشديد الباء، وحتى بسمة (لا تسألوني كيف) وأرى كل تلك النظرات عندما أظهر أنا من بين الجماهير المترقبة، أتقدم نحو الضابط وأجيب بكل ثقة وبصوت عال ليسمع الجميع "قَصدك بدار" وكأنني بذلك أنفي غرابة الاسم، ولتبدأ سلسلة الأسئلة من جديد. بدار؟ شو يعني بدار؟