article-illustration-qaduda
حريات

تهريب المتعة الجنسية: سكس تويز في سوريا

"ممكن حدا يقلي الناس ميتة جوع وانتي شارية هيك شي"

على امتداد سوق الحميدية في العاصمة السورية دمشق، يمكن مشاهدة ألوان اللانجري الصارخة المعلقة علناً مهما بلغت من عدم الاحتشام، وبدلات الرقص المختلفة، وفي أحد أسواقه الفرعية سوق القيشاني أو سوق العرايس الذي يعود تاريخه لأكثر من مئة عام، يمكن إيجاد كل مستلزمات العروس من فساتين وإكسسوارات وبالطبع اللانجري بألوانه المختلفة الصارخة المعلقة علناً مهما بلغت من عدم الاحتشام.

عند مرورك بالسوق، من غير المستغرب أن يعلن البائع علناً عن بضاعته، وينادي الشابات اللواتي يمشين مع أمهاتهن في السوق "عم تجهزي آنسة؟" ويعرض أمام العرائس وأمهاتهن قطع اللانجري وبدلات الرقص المختلفة المختلفة لإغراء العريس وإسعاده. في الفالنتاين، يمكن أن إيجاد عروض "أمسية عيد الحب" التي تتضمن لانجري، وردة حمراء، وأحياناً كلبشات (قيود شرطة). تعرض محلات اللانجري بضاعتها بشكل صارخ مهما كانت جريئة، سواء أزياء مخصصة للعلاقات السادومازوخية، أو لانجري بلدي بعبارات مثل (قَطعني). 

إعلان

ألهمت هذه المحلات مالو هالاسا ورنا سلام لتأليف كتاب بعنوان:  Secret Life of Syrian Lingerie، نشر عام 2008، والذي يتحدث عن اللانجري المميز والغرائبي أحياناً في سوريا، حيث تقول المؤلفتان: "يمكنك مشاهدة كيفية دمج الفكاهة مع التصميمات التقليدية المثيرة، ويمكن أن ترفق معها أجهزة موسيقية يمكن التحكم فيها عن بعد، حتى أن بعض القطع تتضمن شخصيات كرتونية مشهورة عالميًا مثل تويتي بيرد. ومن المفارقات أن الطبيعة الجديدة والكرتونية لهذه العناصر تمنحهم إحساسًا بالبراءة. نظرًا لأن سوريا كانت تفرض حظرًا على استيراد المنتجات الأجنبية، فقد تم تصنيع جميع التصميمات والمكونات محليًا، مما سمح بتطور أسلوب فريد للغاية." تربط المؤلفتان ثقافة اللانجري مع الثقافة الإسلامية المنفتحة على المداعبات بين الزوجين وأهمية تحقيق المتعة الجنسية.

حتى الآن ومع كل ما شهدته سوريا من حروب وقتل وحصار، ما زالت هذه البضائع على حالها، إلا أن الجودة اختلفت كثيراً. سوريا المشهورة بقطنياتها وخيوطها تستبدل ما اشتهرت به بأقمشة منخفضة الجودة أقرب إلى النايلون لتتناسب القدرة الشرائية في  سوريا. لم يتغير أي شيء آخر غير الجودة، فالتقاليد التي تقتضي أن تتجهز العروس بلوازمها تبقي هذا السوق مفتوحاً مهما كان.

من هذه التفاصيل قد نتخيل أن سوريا منفتحة على عالم المتعة الجنسية، لكن هناك حدود لذلك طبعاً كما تذكر إحدى شركات اللانجري في إعلاناتها على الفيسبوك: "معظم منتجات الشركة خارجة عن المألوف وعن اللانجري التقليدي وذلك بهدف تحفيز المداعبات المشروعة وإثارة الغريزة الجنسية وإشباعها في حدود ما هو مباح ضمن العلاقات الزوجية."

إعلان

كل ما يقدم لإمتاع الزوج مثل اللانجري مسموح ومحبب ومرحب بوجوده، وما يخرج عن ذلك يعتبر فسوقاً وربما اعترافاً بشهوة المرأة والعلاقات المثلية.

جملة "حدود ما هو مباح ضمن العلاقات الزوجية" تدفع للتساؤل، ما هو المباح وغير المباح؟ خصوصاً بالنسبة لشركة تبيع "وشوم جسد قابلة للأكل للجنسين." يمكننا التخمين أن حدود المباح تعني أن المنتجات مخصصة لعلاقة بين رجل وامرأة. وفي حالة الألعاب الجنسية "المباحة" فهي ألعاب يمكن إيجادها في الأسواق مثل لعبة دارتس (لعبة رمي السهام) مكتوب على أقسامها وضعيات جنسية أو أوامر بالمداعبة. تخبرني ميسرة، ٢٩ عاماً: "كنا في الصف الثامن عندما جاءت صديقتي لتخبرنا أن والدتها اشترت لعبة دون أن تدرك أنها لعبة جنسية، واضطرت الفتاة لشرح الأمر لوالدتها، وكان هذا محرجاً جداً. هذه القصة ضحكنا عليها لسنوات."

ولكن لكل شيء ظل، وفي هذه الحالة الظل هو بيع ما هو "غير مباح" وغير قانوني وغير مقبول اجتماعياً: الألعاب الجنسية مثل الديلدو وVibrator، أي الأدوات التي يمكن استخدامها لإمتاع الذات. بالنسبة للحكومات العربية تعد هذه أدوات "مخلة بالحياء." لا تكشف القوانين السورية بالتحديد طبيعة هذه الأدوات تماماً، فبحسب المادة 519 من قانون العقوبات السوري: "يعاقب بالعقوبات نفسها من أقدم على صنع أو تصدير أو توريد أو اقتناء كتابات أو رسوم أو صور يدوية أو شمسية أو أفلام أو إشارات أو غير ذلك من الأشياء المخلة بالحياء بقصد الاتجار بها أو توزيعها أو أعلن أو أعلم عن طريقة الحصول عليها" بالعقوبة "من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من ثلاثين ليرة إلى ثلاثمائة ليرة."

إعلان

ذكرت الأدوات ضمن الاجتهادات القضائية المتعلقة بالجرائم الجنسية  "إن الفعل المنافي للحشمة لا ينحصر بأفعال اللواطة والإيلاج، إنما يشمل كل فعل يقع على شخص في موضع يؤذيه في عفته ويلحق العار به، مثل ملامسة العورة بالآلة التناسلية وما شابه ذلك من الأفعال التي تعتبر في نظر المجتمع منافية للحشمة. وفي مثل هذه الحالة لا يشترط وجود تقرير طبي يثبت وقوع الفعل. (نقض سوري - جناية أساس 121، قرار 119، بتاريخ 19 شباط/فبراير 1983).

في الحقيقة يمكن الحصول على الصور الجنسية بسهولة كبيرة بسبب الانترنت، لكن "غيرها من الأشياء المخلة بالحياء" التي يصعب الحصول عليها هي أدوات المداعبة الذاتية أو السكس تويز. ترتبط هذه الأدوات في ذهنية الناس بالمرأة الشهوانية أو المثلية، وهذا ما يجعلها ممنوعة وغير مرغوب بها وينظر لها كفجور، عدا ذلك فكل ما يقدم لإمتاع الزوج مثل اللانجري مسموح ومحبب ومرحب بوجوده، وما يخرج عن ذلك يعتبر فسوقاً وربما اعترافاً بشهوة المرأة والعلاقات المثلية.

لا يخفى على أحد أن الألعاب الجنسية متوفرة بالفعل في سوريا داخل بعض محلات اللانجري، لكن شراؤها لا يخلو من بعض التعقيدات، إذ على الزبون/ة التلميح بشكل جيد ومعرفة المحل بالضبط، وذكر اسم شخص وسيط.

بعد أكثر من عشر سنوات من معاناة سوريا في الحرب، تدمرت خلالها الكثير من المناطق بشكل كامل مما أدى لموجات نزوح كبيرة إلى العاصمة أو خارج البلاد، ولحق بذلك أزمات اقتصادية كبيرة، أكثرها وقعاً كانت عقوبات قيصر التي ساهمت بتدهور الليرة السورية وبالتالي القدرة الشرائية، مع ارتفاع أسعار العقارات في المناطق التي لم تتضرر أو المناطق الآمنة مثل مدينة دمشق، ما زالت الأدوات الجنسية تجد إقبالاً بين السوريين، بحسب مجد، 26 عاماً (اسم مستعار) الذي بدأ تجارته بسبب ما أسماه "الأزمة." تماماً.

إعلان

شو الـ 300 دولار قدام متعة لوقت طويل بدون الحاجة لحدا، أو حتى تخلي علاقتك مهما كانت ميولك الجنسية مع الشريك تجربة أفضل. وفوقها الكهربا مقطوعة أغلب الوقت ومافي شي الواحد يعمله.

يمتلك مجد صفحة على إنستغرام مخصصة لبيع ألعاب جنسية "مهربة وذات جودة عالية" على حد قوله. أطلق صفحته قبل شهر، ويخبرني أنه أصبح يتابع أشخاصًا بشكل غير عشوائي، ويختار من يرى أنهم "منفتحين أكثر" في معظم الأوقات، كان يتم رفض طلبات المتابعة، لكنه أحياناً يحصل على رد على الخاص من حساب حقيقي أو وهمي. يقول مجد: "لم يمض أكثر من شهر ولدي عشرون زبونة بالفعل، منهن من تواصلن معي من حساباتهن الحقيقية." 

تصل بضاعة مجد إلى لبنان بعد طلبها من مواقع على الإنترنت، ثم من لبنان تصل الى سوريا لبنان إلى سوريا براً، مخبأة بين الملابس أو أي أدوات شخصية، ولكونها لا تتعدى قطعة أو اثنتان حسب الطلب يسهل إخفاؤها وتهريبها.

يعرف مجد أن كثير من الزبائن يترددن بالتواصل معه بشكل شخصي، ولهذا يقوم بإرسال بضاعته عبر شركات الشحن الداخلية بدلاً من اللقاء الشخصي، إذ يدفع الزبون سعر القطعة مع مصاريف شحنها لشركة الشحن التي لا يدرك العاملون فيها غالباً ماهية هذه البضاعة. ويضيف: "في الحقيقة كل من كلمني كنّ من النساء، حتى الحسابات الوهمية تستخدم اسم امرأة. مع ذلك أنا متأكد أن هناك رجال قد يطلبون من صديقاتهم الإناث إتمام العملية بدلاً منهم أو يستخدمون حساب وهمي لعدم كشف هويتهم."

لانا (اسم مستعار)، ٢٩ عاماً، واحدة من زبونات مجد، تخبرني أنها تحمست عند رؤية حساب مجد على انستغرام وتواصلت معه باسمها الحقيقي، وهي الآن بانتظار وصول طلبها. وتضيف: "أعلم أن هناك محلات تبيع ألعاب جنسية، لكني كنت مترددة وخائفة من شرائها من محل معروف. الأمور أسهل عبر الإنترنت، ولدي الآن أنواع مختلفة من السكس تويز، الرخيصة البسيطة، أو ذات الثمن المرتفع."

إعلان

يبدأ سعر الهزار vibrator عند مجد من 300 دولار، وهو أكثر من الدخل الشهري لأي موظف، حيث يبلغ متوسط ​​الأجر الشهري لموظف الخدمة المدنية اليوم أقل من 100 ألف ليرة سورية (حوالي 23 دولاراً) ، فيما لا يتجاوز سقف راتب المدير العام للمصرف الحكومي 156 ألف ليرة- وفق الزيادة الأخيرة في الأجور.

لكن حسب مجد "دائماً بكل مكان فيه عالم معها مصاري، وأحياناً بيكونوا تجميعة" ويضيف: "بس شو الـ 300 دولار قدام متعة لوقت طويل بدون الحاجة لحدا، أو حتى تخلي علاقتك مهما كانت ميولك الجنسية مع الشريك تجربة أفضل،" يقول مازحاً ويضيف: "وفوقها الكهربا مقطوعة أغلب الوقت ومافي شي الواحد يعمله."

استنزفت سنوات الحرب قطاعي الطاقة والكهرباء، حيث هبط نصيب الفرد من استهلاك كهرباء الى 15% مما كان عليه في عام 2010. ووصل التقنين في التيار الكهربائي بدمشق خلال النصف الأول من عام 2022 إلى 6 ساعات من الانقطاع لكل ساعة من الكهرباء، بسبب عدم توفر الفيول والغاز اللازمين لتشغيل محطات التوليد.

يمكن اعتبار الألعاب الجنسية في الأزمات الاقتصادية كرفاهية، لكنها لا تختلف عن رفاهية شراء الملابس والسفر، والذهاب للمطاعم التي أصبحت بمعظمها ذات أسعار خيالية في دمشق. لكن قد يكون الفرق الوحيد هو أن الألعاب الجنسية تحمل وصمة. تقول لانا: "لا يمكنني أن أقول لأصدقائي إني اشتريت لعبة جنسية بهذا السعر. لن يوصموني بسببها، إنما بسبب سعرها في ظل هذه الظروف، خصوصاً وإني أعمل في أكثر من مهنة لأتمكن من العيش" وتكمل "يعني ممكن حدا يقلي الناس ميتة جوع وانتي شارية هيك شي!"

يمكن إيجاد "ألعاب جنسية" بأسعار أرخص وفي متناول الكثير بحسب مجد، "لكنها أقل أماناً، وأقل جودة." ويتوقع مجد أن تبقى هذه التجارة في الظل، ليس بسبب القانون أو العامل الاقتصادي بل بسبب "الخوف من الوصم، ورفض فكرة الألعاب الجنسية مجتمعياً." ولذلك لا ينوي الاستمرار دائماً في هذا العمل، لأنه لا يحب الظل بحسب قوله.

إعلان

في كتير بشوفوا انو هيك أدوات مرتبطة بفكرة المرأة الوحيدة، والعاجزة عن الحصول على حياة جنسية حقيقية.

سارة (اسم مستعار)، 24 عاماً، طالبة في كلية الطب، وكاتبة محتوى متطوعة لصفحات فيسبوك تُعنى بحقوق النساء، تعتبر أن الإقبال على شراء الألعاب الجنسية مصدره الفضول، ولكنه لن يصبح أمراً عادياً أو متقبلاً في المجتمع في وقت قريب. وتضيف: "رح يكون في ناس أكيد بدها تجرب، خصوصي أنو عندنا فضول تجاه السكس تويز بسبب الأفلام والإنترنت. لكن هناك الكثير من النساء يخفن من الوصم حتى أمام أنفسهن. في كتير بشوفوا انو هيك أدوات مرتبطة بفكرة المرأة الوحيدة، والعاجزة عن الحصول على حياة جنسية حقيقية."

وتضيف سارة أنها تتمنى لو يكّف العالم عن إقحام نفسه في غرف النوم الخاصة سواء كانت لنساء وحيدات، أو علاقات جنسية مغايرة تتضمن بعض المرح الإضافي، أو العلاقات المثلية، وتضيف: "مو بس المجتمع، حتى الأمن ممكن يفتش بين رجلينا!"

لا توجد تقارير كافية عن الأمر، سوى بعض المقالات التي تتكلم عن وجود الألعاب الجنسية في دمشق رغم منع استيرادها، لكن لا نعرف عمّا إذا كانت الجمارك تداهم هذه المحلات. هل يمكن أن يلاحق الأمن من اقتنى لعبة جنسية؟ يبدو هذا سريالياً قليلاً، لكنه قانوني. 

الأمن السوري يمتلك صلاحية واسعة تتعدى القوانين حتى، فلو كانت القوانين غير واضحة، يمكنه أن يتصرف بما يراه الضابط، أما في حالة الجمارك فغالباً ما يستفيدون شخصياً من البضائع المصادرة. مع ذلك يمكن أن يقضي تقرير من مخبر على حياة مجد أو غيره ممن يتاجرون بالأدوات الجنسية الممنوعة، وقد يصل هذا إلى المقتنين. حالة عدم اليقين الأمني في هذه الأمور تسمح بوجودها، وفي الوقت نفسه لا تسمح لأحد بالاطمئنان لأي شيء يفعله، سواء في حياته الجنسية، أو العملية، أو أي شيء آخر.