مقال رأي

كل المبررات العنيفة والحجج الغبية التي لا نريد سماعها بعد اليوم عن جريمة ضرب النساء

تشرعن الذكورية العنف ضد النساء من خلال تغذية شعور الرجل بالاستحقاق وتهيئة النساء أنفسهن لتقبل هذا العنف، بخطابٍ تدجيني ممنهج
engin-akyurt-FAtBOjZOiBU-unsplash
Photo by engin akyurt on Unsplash

قضية العنف ضد النساء من أسوأ وأعقد القضايا المتغلغلة في من المجتمعات العربية (والغربية)، فبوصفها مجتمعات ذكورية تقوم على تسلسل هرمي للقوة، يصبح من المألوف أن يُفرّغ كل فردٍ طاقته وغضبه في الطرف الأضعف، والأسفل منه في هرم القوة.

المسؤول الذي يشعر بالضغط يقهر موظفيه، وبدورهم يقهرون مرؤوسيهم، ويذهب هؤلاء المرؤوسون إلى بيوتهم للاستقواء على نسائهم، وقد تستقوى هؤلاء النساء على أطفالهن، أو نساءٍ أخريات، وتدور دائرة العنف بلا نهاية. وبوصفها مجتمعات ذكورية، فهي أيضًا تنظر للرجل باعتباره أعلى مكانةً وشأنًا من المرأة، وتؤيد هذا بنصوص دينية، ومعتقدات وتقاليد اجتماعية بالية، وتمنحه حق تأديبها وتقويمها لتسير الحياة على هواه وحده لأن "المركب اللي ليها ريّسين بتغرق." تعددت الأسباب والعنف واحد، والمرأة فقط الضحية.

إعلان

كان هناك عدة حوادث ضرب وقتل منذ بداية العام، من بينها مصرع الطبيبة الشابة آلاء رمضان، المعيدة بكلية طب المنوفية التي وصلت إلى المستشفى بكسور في الجمجمة والقفص الصدري، وفتح في جرح القيصرية، إذ أنجبت طفلتها منذ عشرة أيام فقط، وقالت عائلة زوجها إنها سقطت عن السلم ما تسبب في وفاتها، بينما اتهمت عائلتها زوجها بقتلها، ولا يزال الحادث قيد التحقيق.

ومن ثم جاءت حادثة ضرب زوجة في وسط الشارع بفستان زفافها بما سمي بـ عروس الإسماعيلية فجعتنا لسببٍ مختلف، أنها ما زالت عروسًا، وها هي تُضرب على الملأ دون أي اعتبارٍ لكرامتها، وقبل حتى أن تدخل بيتها، في ليلة زفافها التي هي -كعرف اجتماعي عالمي- اليوم القومي للعروس والذي لا يجوز فيه مضايقتها بأي شكل.

حادثة الإسماعيلية ليست منفردة، 86% من الزوجات بمصر يتعرضن للضرب والاعتداء من أزواجهن، بحسب النائبة المصرية أمل سلامة التي تقدمت مشروع قانونٍ لتغليظ عقوبة هذه الجريمة، لأن القانون المصري الحالي يخلو من مادة تعاقب على العنف الزوجي، ما يسمح لكثير من الرجال بالإفلات بجرائمهم بحجة "الحق الشرعي في تهذيب الزوجة."

إعلان

تلعب الذكورية دورًا هامًّا في ترسيخ جريمة ضرب الزوجات، لأنها تُشرعن العنف ضدهن باستراتيجيتين، الأولى هي تغذية شعور الرجل بالاستحقاق وأن هذا العنف "حقه الشرعي" بمبررات عدة، والثانية هي تهيئة النساء أنفسهن لتقبل هذا العنف، بخطابٍ تدجيني ممنهج. لهذا حين نرفض فكرة الضرب نواجه بهذه المبررات: 

"كلنا انضربنا وطلعنا زي الفل"
هذه الجملة مألوفة للغاية، تُقال في الأساس لتبرير ضرب الأطفال وتقويم سلوكهم بالعنف، وترينا لماذا نُبرمج منذ الطفولة على تقبل الضرب من "أولي الأمر" أو "رب البيت"، لهذا يتم التسامح مع الأب المؤذي، ولاحقًا يأخذ الذكر هذا الدور، بينما تستمر المرأة في تقبل الضرب كأنه من حقائق الحياة وأساسياتها. الضرب بحق الزوجة يجلب الضرب للأطفال، وضرب الأطفال يعيد دورة العنف عندما ينضجون وقد تشوهت نظرتهم للحياة، وكيفية التعامل مع الخلافات في البيت.

في مجتمع يجد كثير من رجاله البجاحة الكافية للسؤال "امتى يكون من حقي أتحكم في خطيبتي وأقول لها تلبس ايه وما تلبسش ايه؟" ويبحثون عن أنسب وسيلة لقهر زوجتهم، والتحكم في أبسط اختياراتها، وتوصف أي امرأة ذات شخصية وترفض سوء المعاملة بأنها "ناشز" تلك الكلمة البغيضة التي تعني في أصلها اللغوي "الارتفاع"، وكأن ارتفاعنا كنساء عن المعايير المُحددة لنا سلفًا جريمة في حد ذاتها، نحن بحاجة أكثر من أي وقتٍ مضى لقوانين عنيفة رادعة بحق المعتدي.

الضرب "حل شرعي" للمشاكل الزوجية
الدين أمر شديد الخطورة، فالنصوص التي تجعلك مسالمًا ودودًا، وتشجعك على أرقى الأخلاق، يمكن أن تشجع غيرك على أن يكون مؤذيًا متسلطًا أو إرهابيًّا يبيد العالم، والفارق الوحيد هو كيف فهم كل منكما نصوص الدين. توظف الذكورية الدين لصالحها، وتتمسك بأي نص يمنح الرجل تفوقًا على المرأة ورخصةً للتحكم فيها، دون التفات لحقوقها، ويستند مؤيدو ضرب الزوجات إلى الآية القرآنية "وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ" وتندلع المناقشات بين من يريدون أخذ كل الرخص الشرعية للاستمتاع بذكورتهم، بداية من ضرب الزوجة وحتى تعدد الزوجات وأخذ ضعف الميراث، وبين من يرون أن الآية نزلت في ظرفٍ محدد يخص حالةً محددة هي "النشوز" وهناك معسكر ثالث يؤكد أن الضرب المقصود هو ضرب خفيف بالسواك لا يسبب ألمًا بل تحذيرًا. يا سلام! لأ والله فرقت!

إعلان

مبدأ أن للرجل حق "تأديب زوجته" هي نظرة قاصرة تجاوزتها المجتمعات المعاصرة المتحضرة، فلم تعد المرأة تابعةً للرجل يُقوّم سلوكها ويمتلك امتياز أن يؤدبها لتفعل أو لا تفعل. المرأة شريكة كاملة الأهلية والاستقلالية أمام القانون، وكذلك في العلاقة الزوجية. علينا التفرقة بين العبادات والمعاملات الاجتماعية في الدين، فالعبادات وفلسفة التواصل مع الإله والتقرب منه أمور ثابتة، لكن تنظيم المجتمع أمور متغيرة حسب الزمان والعرف، لهذا لم تعد هناك تجارة عبيد، وأصبح لكل إنسان حق الحرية، وأُلغيت العقوبات البدنية البربرية كالبتر والحرق والغرق، والمجرمون يُسجنون ويُعاد تأهيلهم لإدماجهم في المجتمع كأفرادٍ صالحين.

بنفس المنطق تصبح وسيلة التفاهم الوحيدة بين الأزواج في زمننا الحالي هي الكلام، اللغة، التواصل، إيجاد حلول وسط تريح جميع الأطراف، وليس الضرب والإجبار من طرفٍ لطرفٍ آخر. هذه النظرة الدونية التي تجعل الرجل يرى أن ضرب زوجته من حقه هي الإهانة الحقيقية، حتى لو ضربها بريشة، أو لو لم يضربها أصلاً، مجرد الاقتناع بأن الضرب وسيلة متاحة ومقبولة أمر مهين.

الضرب ضروري في بعض الحالات
يردد البعض أن هناك "ستات تستحق الضرب" أو "في ستات بتحب كده" وقد بدأ هذا الاعتقاد من أسطورة ألَّفها الكاتب المصري مصطفى محمود في كتابه "حوار مع صديقي الملحد" مدعيًا أن ضرب الزوجة من "الإعجاز العلمي في القرآن" لأن المرأة "الناشز" تعاني من سلوك مرضي إمَّا أن يكون "المسلك الخضوعي - الماسوشيزم" وفيه تتلذذ المرأة بالضرب والشعور بأنها خاضعة للزوج، وإما أن يكون "المسلك التحكمي- الساديزم" وفيه تستمتع المرأة بالسيطرة والتكبر عليه، وفي الحالتين يكون الضرب علاجًا إعجازيًّا.

إعلان

هذا الكلام الفارغ لقي رواجًا هائلاً منذ الثمانينيات حتى اليوم، واعتبره البعض مرجعًا علميًّا فتم اقتباسه في كتاباتٍ كثيرة، رغم أن لا أساس له من الصحة، ومصطلح الماسوشية والمازوخية يُشيران لتفضيلات جنسية تجعل الشخص (امرأة أو رجلاً) يفضل الهيمنة على العملية الجنسية أو الخضوع للشريك/ة، ولا علاقة له بالحياة خارج غرفة النوم، وإذا حدث أن شخصًا ما (رجل أو امرأة) أصبح يستمتع بالإهانة الحقيقية المؤذية، سواء بتوجيهها أو بتلقيها، فهذا يدخل في بند الاضطراب النفسي الذي يقتضي علاجًا طبيًّا وليس الضرب.

بالتأكيد هناك نساء سيئات الخلق، وزوجات مسيئات، لكن العنف ليس حلًّا للمشكلة، وإذا سمحنا بالعنف للرجل فلنسمح به للمرأة أيضًا ليتحقق العدل، لكن.. هل هذه حياة سليمة؟ إذا كان الحل الوحيد لعلاج مشاكل زواجكما هو الضرب فمن الأفضل أن تنفصلا قبل أن يقتل أحدكما الآخر.

أسطورة "هي اللي استفزتني"
هناك حجة متكررة تدافع عن الرجال بإصرار وكأنهم ناقصي القوى العقلية، وتلتمس لهم العذر في أي جريمة بحجة العصبية، أو الضغوط النفسية، أو "هي اللي استفزتني" ونسمع العبارة الأخيرة في كل الجرائم ضد المرأة، بداية من التحرش وحتى الضرب والقتل، وقد يكون سبب الاستفزاز أي شيء.. ملابس لا تعجبه، طعام بارد، لهجة لا تروقه، أو حتى إذا ردت عليه وهو غاضب. هل هذا شخص طبيعي؟ هل هناك إنسان متزن يضرب كل من يستفزه؟ هل تستطيع ضرب مديرك المستفز؟ ضابط شرطة؟ بالتأكيد لا. هذا بالضبط هو جوهر القضية، إذا كان هناك رادع قوي للجريمة فلن يرتكبها أحد. إن ما يجعلنا نتعرض للضرب فعلا هو أن الرجال ينظرون لنا باعتبارنا "الحيطة المايلة" والضحية التي لن يُعاقب على أي إساءة لها، وسيمر الأمر بسلام مهما أجرم. لهذا نحتاج قانونًا صارمًا، دون قانون نحن متروكاتٍ تحت رحمة أخلاق كل رجل، وكيف ربَّاه أهله.

إعلان

تجريم ضرب الزوجات سيخرب البيت
رغم إنكار كثير من الرجالة لتوحش ظاهرة ضرب الزوجات، ودفاعهم بأنها حوادث فردية معدودة، فعندما نتحدث عن تجريم هذا الاعتداء يكون الرد التلقائي هو أن هذا سيخرب البيوت. في فيديو المحامي عصام عجاج كان يصرخ "انتو عايزين تحبسوا نص رجالة مصر" معترفًا -دون وعي- بحجم الجريمة. 

التهرب من مواجهة قضية ضرب الزوجات بحجة "هتحبسي جوزك؟ - هتخربي بيتك؟" لا يختلف عن الدفاع عن المتحرشين بحجة "هتضيعي مستقبله؟! حرام عليكي".. إنها استراتيجية لوم الضحية وإشعارها بالذنب نحو العواقب التي ستحل بالمجرم، والسؤال هنا: لماذا لا يشفق المجرم على نفسه قبل ارتكاب الجريمة؟ نحن لا نشفق على السارق ونسجنه، والقاتل ونحاكمه، وإذا كان حبس الزوج المجرم سيخرب البيت، فماذا عن تركه طليقًا ليكرر ضربه لزوجته باستمرار؟ ماذا عن صحتها النفسية والعقلية وهي محبوسة تحت سقفٍ واحد مع معتدي؟ وماذا عن الأثر النفسي على أطفالهما؟ هذا هو الخراب الحقيقي.. أسرة مشوهة مفككة خلف بابٍ مغلق، مع ضحية تعنيف قد تقع فريسة للاكتئاب والأفكار المؤذية للذات، وأطفال تتدمر نفسيتهم يومًا بعد يوم.

"ليه في عنصرية ضدنا كرجالة"
الاتهام بالعنصرية، وإطلاق ألفاظ مسيئة على النسويات عندما يطالبن بأي قوانين من شأنها تحسين أوضاع المرأة، من ردود الفعل المتكررة جدًّا من الرجال، وهذا ما فعله المحامي في الفيديو المذكور أعلاه، أنه اتهم النائبة أمل سلامة بالعنصرية ضد الرجال. لا يفهم بعض الرجال كلمة عنصرية، فنحن لا نرفضهم لأنهم رجال، ولا نطالب بسجنهم جميعًا بسبب كروموسوم Y، بل نطالب بوضع قوانين تحمينا من الرجال المسيئين، وقوانين تجعل حياتنا عادلة وأكثر إنسانية وإنصافًا، هذه ليست عنصرية، لكن حين نهدد الامتيازات المطلقة التي تجعل الرجال أشبه بأنصاف آلهة يبدو الأمر وكأننا نضطهدهم.

إعلان

تدجين النساء وتطبيعهن مع العنف أو.. "تحمّلي إلى الأبد"
في كل نقاش حول ضرب الزوجات تظهر أصوات تنتقد الضحية.. "لماذا لا تنفصلين عنه؟ أنت معدومة الكرامة.. قلنا لك أن تتركيه" رأينا هذا مع عروس الإسماعيلية لأنها رقصت في فرحها ولم تُلغي الزيجة، تعليقات أسوأ من الجريمة نفسها، خصوصًا إذا ركّزنا مع تعبيراتها المتوترة أمام الكاميرا، وحديثها المختصر، والنظرات القلقة التي ترمق بها زوجها، والجمل التي تتمحور حول "أنا السبب.. أنا عصبية." هذه امرأة لا يجب أبدًا أن نحاسبها، لكن الذكورية تدمر شعورنا بالتعاطف مع الزوجة الضحية، فبجانب المبررات السابقة التي ترسخ فينا أن من حق الرجل أن يمد يده علينا.

هناك عوامل تجعل الضحية مؤهلة لتقبل الإساءة:

ذاكرة الأب العنيف
كثير من الرجال قساة مع أطفالهم، وحتى إذا سلموا من سوء النية، فقد يقدمون الحب للأطفال بطريقة تشوش إدراكهم، مثل خلط الحب بالعنف، تعنيف الطفلة والصراخ فيها وإرهابها، ولاحقًا تبرير هذا بـ"بابا بيحبك وبيخاف عليكي، وبيزعق لك عشان مصلحتك." هذه السلوكيات تنغرس في كيان الابنة وتربط في ذهنها بين الحب والعنف، فتميل لشريكٍ مسيئ يعيد إنتاج ما فعله الأب، يضربها لأنه يغار، يتحكم في ملبسها وتصرفاتها كطفلة، يعنفها ويؤذيها نفسيًّا وجسديًّا لأنه يخاف عليها، ثم يعتذر لأنه يحبها وكل هذا بسبب غيرته، فتسامحه. قبل أسابيع قرأت منشورًا على فيسبوك يقول: "احنا الستات عايزين الراجل اللي يبص لنا فنخاف ونقعد ساكتين، أمَّا اللي يقول لنا (براحتك) ده أختنا." هذه جملة تعكس أعتى درجات التطبيع مع العنف الزوجي بسبب البيئة المريضة التي ربتنا، وتعكس أيضًا الذكورية السامة لفكرة "الرجل الحِمِش."

إعلان

"الراجل بطبعه حِمِش"
منذ طفولتنا نسمع عبارات "خذي الرجل الحِمِش/الشهم/الشديد" ويتم التسامح مع مظاهر المعاملة العنيفة، من اللهجة الجافة المُعنفة، والصوت العالي، الإهانة وانفلات اللسان، إلى حد الإيذاء البدني، بحجة أن هذا هو طبع الرجل الحِمِش، الغيور، ويتم التسويق له باعتباره الرجل المثالي. من أسوأ ردود الفعل على واقعة عروس الإسماعيلية هي تعليق المذيعة ياسمين عز: "الراجل حمش بطبعه وعلى المرأة أن تحتويه."

ربط الذكورية بـ "الحمشنة" والرجولة بشكلٍ ممنهج، يؤدي إلى تسامح ثقافتنا مع بطش الرجال وتمجيده من ناحية، ووصم الرجال المتعقلين المحترمين من ناحية أخرى، وابتزازهم عاطفيًّا ليمارسوا العنف على النساء دون رغبة منهم ليستحقوا لقب "رجل." وانتشرت هذه المفاهيم المشوهة عن الرجولة في جميع الطبقات الاجتماعية والفكرية والتعليمية، ومهما كانت عواقب العنف الذكوري يطالبنا المجتمع بأن "نتحمل الرجل" ونحتويه، ونمتص غضبه و"نيجي على نفسنا" لتستمر الحياة.

وهذه مفارقة مضحكة لأن نفس الثقافة الذكورية التي تغفر للرجل أي جريمة أو تصرفات متهورة وغير عقلانية بحجة "الحمشنة" تتهم النساء دومًا بأنهن عاطفيات وناقصات عقل، وتنزع منهن كثير من الحقوق بهذه الحجة! علينا أن نسأل أنفسنا سؤالاً: من "الحمش" حقًّا؟ رجل يُشعر أهل بيته بالتهديد والخوف من غضبه باستمرار؟ أم رجل يوظف طاقته النفسية والجسدية والعقلية ليتواصل مع عائلته، يتفاهم بالكلمات، ويحميهم من العالم؟ إن العنف ليس سلوكًا مقبولاً يمكن أن نتسامح معه أو نحتويه بأي مبرر، ولا يمت للأخلاق والإنسانية بصلة.

"بنت الأصول تستحمل" 
مرةً أخرى التعامل مع الرجل باعتباره ناقص القوى العقلية، تتربى النساء على الصبر على مساوئ الزوج/الشريك، وأن عليها تحمل نوبات غضبه وتقلبات مزاجه، ويتم التسويق لهذا بعباراتٍ مثل "بنت الأصول تستحمل" و"حافظي على بيتك - داري على شمعتك" ومع الوصمة الاجتماعية المتعلقة بالانفصال أو الطلاق، تتبرمج كثير من النساء على أن لا خيار أمامها سوى الاستمرار في علاقة مسيئة ومؤذية، وإلا فهي عديمة التربية ونذلة. السوشيال ميديا تذخر بآلاف البوستات التي تتحدث عن "بنت الأصول" وبنت الأصول المشتهاة هذه أقرب إلى كيس ملاكمة يتلقى الضربات دون "آه."

يُجرّم القانون المصري الحالي الضرب إذا أفضى إلى إصابة يتجاوز علاجها مدة ٢٠ يومًا، لكن الزوجة التي يضربها زوجها ليست دائمًا واعيةً بحقوقها القانونية، وأغلب الأطباء الذين سيعالجونها سيطيبون خاطرها بكلمة ويصرفونها إلى البيت، ستشجعها عائلتها على الصبر والتحمل، وستنصحها الصديقات بالحفاظ على بيتها خصوصًا إذا لم يكن لها مصدر دخل، ومنفذو القانون لا يملكون آليةً لحماية المعنفات حصرًا، لا توجد ملاجئ لحمايتها وأطفالها، ولا يوجد قانون يجعل ضرب الزوجة أعنف عاقبةً من أي حادثةٍ أخرى، ليفكر المسيئون ألف مرة قبل أن يفعلوها.

التعليم والمستوى المادي المرتفع لا يحمينا، الاستقلال المادي لا يحمينا، أفراد عائلتنا وعائلة الزوج لا تحمينا، إذا لم تكن هناك عواقب شديدة العنف بحق كل من يؤذي امرأة فلن يتوقف الإيذاء.