طفل الأنبوب


مرأة

قصص نساء تونسيات خضعن لعملية طفل الأنبوب

"في كل مرة يخبرونني بفشل المحاولة أشعر بإحباط كبير، لكن الصوت في داخلي يقول لي حاولي مجددًا"

يعد طريق الأمومة والأبوة لمن يعانون إشكاليات في الإنجاب صعبًا ومعقدًا جدًا في تونس. أمام تضافر عدة ظروف، يتحول هذا الحلم إلى كابوس، لا سيما إذا كانت تقنية طفل الأنبوب هي الخيار المتبقي للزوجين لإنجاب طفل. بسبب مزيج من عدة ظروف شخصية أو عائلية، يتحول هذا الحلم إلى كابوس، خاصة إذا كانت تقنية طفل الأنبوب هي الحل الوحيد للزوجين للظفر بطفل.

على الرغم من أن الزوج يشكل جزءًا رئيسيًا من هذه التجربة، إلا أن الزوجة غالبًا ما تخوضها بمفردها في ظل إما امتناع الزوج عن العلاج أو رفضه للمساهمة في تحمل التكاليف الباهظة لعملية طفل الأنبوب. ويرفض الأهل هذه التقنية في أحيان كثيرة ويضعونها تحت خانة الحلال والحرام.

إعلان

تقنية طفل الأنبوب هي عملية تلقيح اصطناعي أو تخصيب خارج الرحم قبل أن يتم نقل البويضة المخصبة إلى الرحم. تعتمد هذه التقنية على مجموعة من التدخلات الطبية لمساعدة الحيوانات المنوية على تخصيب البويضة في المختبر ثم نقلها في شكل أجنة إلى رحم الزوجة من ٣ إلى ٥ أيام بعد عملية الإخصاب. 

ويتم اللجوء إلى تقنية طفل الأنبوب في حالة ضعف المبايض، أو انسداد القنوات عند المرأة، وضعف الحيوانات المنوية لدى الرجل، أو انعدامها أحيانًا، وفي حالات العقم غير المفسر. وفي هذه الحالة الأخيرة، فإن  نسبة نجاح العملية وافرة جدًا حسب الدكتور إسكندر بن علية، أخصائي في أمراض النساء والتوليد. 

ووفقًا للدكتور بن علية، فإن نسبة نجاح عمليات طفل الأنبوب تتراوح بين ٤٠ بالمئة في المرة الأولى و٦٠ بالمئة في المرة الرابعة، وهي نسبة تضاهي النسب المسجلة في أوروبا على الرغم من أن مصحاتهم لا تقبل إجراء العملية لمن تجاوزت عمر الأربعين سنة لضمان نجاحها على حد تعبيره.

التقينا عددًا من النساء مما خاضوا تجربة طفل الأنبوب وروا لنا قصصهم الممزوجة باليأس والأمل والخوف والفرح.  ※ جميع الأسماء مستعارة.

نقص كبير في الهرمونات

بالنسبة إلى رانية، ٤٠ عامًا، من محافظة المنستير، فإن التعقيدات الهرمونية دفعتها لخوض تجربة طفل الأنبوب.

تروي رانية تروي لـ "VICE عربية": "تزوجت في عمر الـ ٣١ سنة ولم أرزق بأطفال بشكل طبيعي. حينها زرت طبيبة لأحاول فهم ما يمنع ذلك فأخبرتني أن حملي مستحيلًا لأني أعاني من انقطاع الطمث منذ فترة بلوغي، واستخدم الدواء لمساعدتي في تلك المشكلة باعتبار أن لدي نقص كبير في هرمون المنشط للحوصلة (Follicle-stimulating hormone) والهرمون اللوتيني (Luteinizing hormone). كما أعاني من مشكلة قصور الغدد التناسلية (Hypogonadisme). كان كلام الطبيبة مدمرًا لدرجة أنني قررت عدم الرجوع إليها ولا أطرق باب أي طبيب مجددًا. وبعد مرور ثمان سنوات من المرارة، تراجعت وزرت طبيبًا آخر وأخبرني أن لا دواء لحالتي لأن مشكلة الهرمونات التي أعاني منها كانت معقدة. كان كلامه محبطًا، لكنني طرقت باب طبيب آخر طلب أن أجري وزوجي تحاليل لجميع الهرمونات. اتضح أن زوجي يعاني من تشوهات كبيرة وقال لي أن أجرب عملية أطفال الأنابيب."

إعلان

أخبرت شقيقات زوجي ووالدته وإحدى جاراتنا بأنني سأقوم بصلاة استخارة من أجل طفل الأنبوب. لكني فوجئت بنظراتهم المستنكرة في البداية ثم تبعتها كلماتهم لن أنساها أبدًا: "هل ستقومين بصلاة استخارة من أجل طفل زنا؟ كيف تفكرون بإنجاب طفل سيكون بعين الجميع لقيطًا؟"

"طفل زنا"

أماني، ٣٩ سنة، من محافظة قفصة، اضطرت للتوجه إلى طفل الأنبوب لكنها فوجئت برفض عائلة زوجها التي أصرت على أن الأمر حرام.

تقول أماني: "بعد مرور خمس سنوات من الزواج دون انجاب، قمت خلالها بالعديد من المحاولات للحمل بشكل طبيعي. اقترحت على زوجي في النهاية أن نتجه لطفل الأنبوب. درسنا المسألة جيدًا، خصوصًا من ناحية مادية، لأن تكاليف طفل الأنبوب باهظة، ثم قررنا أن نخوض التجربة لعلنا نرزق بطفل. كنت سعيدة جدًا، حتى أنني أخبرت شقيقات زوجي ووالدته وإحدى جاراتنا بأنني سأقوم بصلاة استخارة من أجل طفل الأنبوب. لكني فوجئت بنظراتهم المستنكرة في البداية ثم تبعتها كلماتهم لن أنساها أبدًا: "هل ستقومين بصلاة استخارة من أجل طفل زنا؟ كيف تفكرون بإنجاب طفل سيكون بعين الجميع لقيطًا؟""

صُدمت أماني مما قيل لها ولم تستطع أن تجد الشجاعة للرد. عند عودتها إلى المنزل، شاركت الخبر مع زوجها الذي فوجئ بنفس القدر. أخبرنه أن طفل الأنبوب محرم وأنهن لن يقبلن أن يكون بينهن "ولد حرام." على الرغم من محاولاته لإقناعهن، إلا أنهم رفضوا وبدأ زوج أماني بالشك في شرعية أفعالها. توترت أماني لكنها وجدت حلاً لتهدئة اعتراضات أهل زوجها من خلال طلب مشورة شيخ ديني.

وتكمل: "في الغد توجهت إلى أحد الشيوخ الثقات ورويت له ما حدث فوجدته يقول بلا تردد بأن طفل الأنبوب حلال طالما أنه سيجري بين زوج وزوجة وأنه لن يحدث اختلاط في النطف والأجنة. طلبت منه أن يرافقني إلى بيت عائلة زوجي ويخبرهم بذلك فلم يمانع، وهو ما حدث فعلًا بحضور زوجي أيضًا. حاولت والدة زوجي المماطلة في البداية لكنه طمأنها ووافقوا على مضض، وبدأنا مباشرة الإجراءات والتحاليل. فشلت المحاولة الأولى والثانية، وكنا على وشك اليأس لأنه لم يتبق سوى القليل من مدخراتنا المالية، وخشينا فشل المحاولة التالية.

إعلان

اقترضت أماني الجزء الأكبر من مصاريف العملية الثالثة والأخيرة من العائلة والأصدقاء، بينما أكمل زوجها ما تبقى وخاضا التجربة بكل خوف وقلق. لكن ما انتظروه لسنوات حدث: نجحت التجربة أخيرًا ورزقا بطفلة.

"كانت سعادتنا لا توصف…لقد نسيت التعب الكبير الذي عشته فترة الحمل والتكاليف الباهظة. لكن المؤسف أن عائلة زوجي لم تكن سعيدة بذلك. مازالوا يعتقدون أن طفلتي "بنت حرام"- وهذا ما يزعجني كثيرًا،" تقول أماني.  

زوجي رفع علي قضية طلاق للضرر

أما رجاء، ٣٧ سنة، من محافظة قابس، شعرت بخيبة أمل كبيرة في زوجها الذي بالكاد شاركها الأعباء المادية لأربع عمليات طفل أنبوب، وتخلى عنها في النهاية.

تقول رجاء: "بعد مرور أربع سنوات من الزواج لم ينتج عنها أطفال، توجهت إلى العلاج لأكتشف أنني أعاني من تكيس في المبايض يعيق عملية الحمل طبيعيًا، بينما رفض زوجي القيام بأي تحاليل متمسكا بقوله أنه لا يعاني من أي مشاكل.

 حينها اقترحت أن نقوم بعملية طفل الأنبوب فرفض الأمر بشدة وأخبرني أنه غير ملزم بتحمل تكاليف العملية طالما أنه بصحة جيدة. أخبرته أنني سأتحمل الأعباء المالية فقبل وخضنا التجربة أربع مرات، وساهم بدفع تكاليف اثنين منها، لكنهم فشلوا جميعًا. كنت أشعر أنني أموت حرفيًا مع فشل كل محاولة وأدخل في حالة اكتئاب شديدة. وما أحزنني أكثر أن زوجي لم يكن يبالي ويكتفي بالقول أنت السبب في خسارة كل هذه التكاليف."

وتكمل: "وجدته في أحد المرات يجمع ثيابه ويخبرني أنه سيترك المنزل دون شرح. بقيت بضعة أشهر لا أعرف ماذا يجري حتى دق الباب في أحد الأيام لأفاجأ بأحدهم يسلمني استدعاء يفيد بأن زوجي قد تقدم ضدي بقضية طلاق للضرر مدعيًا أنني أعاني من مرض وراثي يمنع حملي- كنت على علم به قبل الزواج وتعمدت إخفائه عنه. طالبني بتعويض عن الضرر المعنوي قدره ٤٠ ألف دينار و٥٠ ألفا تعويضًا عن الضرر المادي والحال أن كل التحاليل والتقارير الطبية تؤكد أن كل ما أعانيه هو تكيس في المبايض لا غير." 

إعلان

كان الاستدعاء موجعًا جدًا لرجاء التي تذكرت مقدار الألم والخوف والقلق الذين عانت منه بسبب الأدوية والحقن والتحاليل الكثيرة في سبيل أن تنجب طفلًا يسعدها. بكت كثيرًا ولكنها قررت أن لا تنهار وأن تستجمع قواها وتقاضيه بسبب الكذب والافتراء وهو ما يحدث حاليًا.

صحيح أن التكلفة الباهظة جعلتني أستفيق من حماسي الزائد، ولكن ما جعلني أن أنتبه لحماقتي حقًا هو أن زوجي لم يكن معي في هذه التجربة

تكلفة باهظة

وفقًا لـ نور، ٣٦ سنة، من تونس العاصمة، فإن سعيها وراء الحصول على طفل عبر تقنية طفل الأنبوب استنفدها ماديًا ومعنويًا في ظل وجود زوج رفض أن يشاركها كل أعباء التجربة.

تحكي لنا نور: "تزوجت منذ ست سنوات وكأي امرأة كنت أحلم أن أكون أمًا، ولكن مع مرور السنوات دون حدوث حمل، لجأنا إلى الأطباء، وأخبرونا أن ما يمنع الحمل هو انعدام الحيوانات المنوية لدى زوجي واقترحوا علينا طفل الأنبوب. من هنا بدأت رحلتي الشاقة، إذ رفض زوجي القيام بالعملية وطلب أن أتحمل كل التكاليف المادية. قبلت ذلك معزية نفسي بأن المال يهون في سبيل طفل يناديني ماما."

خاضت نور لست عمليات طفل الأنبوب استنفذت خلالها طاقتها الجسدية والمعنوية والمادية إلى جانب زوج لا يبالي.

تقول نور: "لم أكن أتوقع أنني سأتجاوز التجربتين لأحصل على طفل. في كل مرة يخبرونني بفشل المحاولة أشعر بإحباط كبير لكن الصوت في داخلي يقول لي حاولي مجددًا، على رغم من المعاملة السيئة من بعض الأطباء ولهفتهم المفرطة على الأموال أكثر من حرصهم على النجاح. أنفقت ما يناهز الستين ألف دينار (حوالي ٢٠ ألف دولار) وبعت سيارتي ومجوهراتي واتجهت لأخذ قرض من البنك بلا نجاح. صحيح أن التكلفة الباهظة جعلتني أستفيق من حماسي الزائد، ولكن ما جعلني أن أنتبه لحماقتي حقًا هو أن زوجي لم يكن معي في هذه التجربة. فإلى جانب عدم مشاركته الأعباء المادية، تعمد أن يكون غائبًا بين العمل والسهر لأوقات متأخرة حتى أنه لم يكن إلى جانبي لحظات انهياري وحزني بعد فشل كل محاولة وفي الأيام التي أعود فيها منهكة جدًا بسبب التحاليل والحقن، رغم أن السبب المباشر لهذا الفشل هو عدم جودة حيواناته المنوية." بعد استراحة قصيرة، قررت نور الانفصال عن زوجها.

ويشير بعض الأطباء في تونس أن تكلفة عملية طفل الأنبوب لا تتجاوز ألفي دولار في الحد الأقصى، لكن كل من تحدثنا إليهن أكدن أن التكلفة لا تقل عن ثلاثة آلاف دولار وتصل في بعض الأحيان إلى ٤٥٠٠ دولار.