FYI.

This story is over 5 years old.

علوم

كيف سيواجه العالم عصر ما بعد المضادات الحيوية؟

البكتيريا المقاومة تجتاح العالم، والحل في تطوير جيل جديد من المضادات الحيوية، وعدم الإسراف في استخدامها أو "اللجوء للوصفات الشعبية القاتلة"
Antibiotics

داخل صيدلية بإحدى المناطق الشعبية بالقاهرة، وقفت سيدة شابة تحمل طفلها البالغ من العمر 3 سنوات، والمُصاب بارتفاع طفيف في درجة الحرارة، تسأل الصيدلي على أحد أنواع المضادات الحيوية، التى تؤخذ عن طريق الفم، يُطالبها الصيدلي بوصفة طبية فتنفي وجودها، فالسيدة لم تفحص ابنها عند طبيب من الأساس.

تقول السيدة إنها لطالما تستخدم نوعًا من المضادات الحيوية دون أن تستشير أى طبيب "ابنى يُصاب بنفس المرض كل فترة قصيرة، ولا أملك ثمن كشف الطبيب، لذا؛ أعطيه المضاد الحيوي كلما ارتفعت درجة حرارته".

إعلان

لا تعلم السيدة شيئًا عن ما يحدث في العالم، فتعليمها المتوسط، وحالتها الاقتصادية شبه المُعدمة، لما يتركا لها الوقت الكافي للتفكر بشأن أمور على شاكلة "البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية"، تقول السيدة إنها لا تهتم بذلك الشأن، فقط تريد أن يُشفى طفلها، بأقل تكاليف ممكنة، ودون الحاجة لاستشارة أطباء يبتلعون أكثر من ربع راتبها الشهري.

يُقصد بمصطلح المقاومة فقد فعالية الدواء جراء تبدل الميكروبات والفيروسات والطفيليات، فالدواء المخصص لعلاج نوع معين من البكتيريا لا يُصبح ناجعًا بسبب أن تلك البكتيريا اكتسبت مُقاومة وحصانة منه.

فبراير الماضي أصدرت منظمة الصحة العالمية تقريرًا كارثيًا جاء فيه أن العالم على وشك فقد فعالية المضادات الحيوية، جاء فيه إن نحو نصف مليون شخص يصابون بالسل المقاوم للمضادات الحيوية كل عام، فما هي مقاومة المضادات الحيوية؟

يقول الصيدلي "شريف عبد العظيم لـ VICE عربية إن مصطلح المقاومة يُقصد به فقد فعالية الدواء جراء تبدل الميكروبات والفيروسات والطفيليات، فالدواء مثلاً المخصص لعلاج نوع معين من البكتيريا لا يُصبح ناجعًا بسبب أن تلك البكتيريا اكتسبت مُقاومة وحصانة من ذلك النوع من الدواء.

تؤدي مقاومة المضادات الحيوية إلى قلق عالمي بالغ، إذ أن انتشارها يُهدد القدرة البشرية على علاج الأمراض المعدية، وهو الأمر الذي سيؤدي لوفاة مجموعات كبيرة من البشر جراء أمراض بسيطة كان من الممكن علاجها في الماضي. ويقول شريف إن مقاومة المضادات الحيوية ستجعل من الصعب القيام بالتدابير العلاجية في مجموعة كبيرة من الأمراض، من ضمنها السرطان والسكري والجراحات القلبية التي يُمكن أن يحدث خلالها أو بعدها أى نوع من العدوى.

إعلان

وبحسب منظمة الصحة العالمية فإن مقاومة المضادات الحيوية تظهر بسبب الطفرات الوراثية في البكتيريا، وهي عملية حتمية، ستحدث عاجلاً أم أجلاً، إلا أن الاستخدام المُفرط لتلك الأدوية دون مراقبة طبية يُسرع من العملية، كما أن أساليب مكافحة العدوى والظروف الصحية غير المناسبة في الدول النامية أو الفقيرة تُساعد على انتشار تلك المقاومة.

ومؤخرًا، انتشرت العديد والعديد من أنواع البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، إذ قال تقرير نُشر في يناير الماضي إن أكثر أنواع البكتيريا التى تم الإبلاغ عنها هي الإشريكية القولونية، والكيليبيسلا الرئوية، والمكورات العنقودية الذهبية والسالمونيلا.

وينص التقرير على أن نسبة مقاومة البكتيريا لواحد على الأقل من المضادات الحيوية الأشيع استخداماً فيما بين المرضى الذين يُشتبه في إصابتهم بالتهابات في مجرى الدم تتراوح من صفر إلى 82%، فيما تراوحت معدلات مقاومة البنسلين – وهو الدواء المستخدم منذ عقود من الزمن لعلاج الالتهاب الرئوي بجميع أنحاء العالم – بين صفر و51% فيما بين البلدان المُبلِّغة عنه. أما معدلات مقاومة التهابات المسالك البولية الناجمة عن الإشريكية القولونية للسيبروفلوكساسين، وهو مضاد حيوي يشيع استخدامه لعلاج هذه الحالة الصحية، فقد تراوحت بين 8% و65%.

مقاومة المضادات الحيوية تُمثل حالة طواريء قصوى تستوجب التعامل معها بمنتهى السرعة والحزم، وإلا "سيضطر العالم للعودة للعصور التى يموت فيها الناس من العدوى المشتركة، والوقت التى كانت فيه الجراحات البسيطة خطرًا على الحياة".

"باينام وفانكومايسين وأفروزوليد" ثلاث أنواع من المضادات الحيوية التى يتم استخدامها بكثافة في مصر، رغم أنها مخصصة لأمراض الالتهاب الرئوي الحاد، يقول الدكتور هاني مهنى، المتحدث الإعلامي لنقابة الأطباء المصرية لـ VICE عربية، مشيرًا إلى أن تلك المضادات يجب أن لا تستخدم إلا بعد إجراء تحاليل ومزرعة "وهو الأمر الذى لا يحدث في معظم الحالات".

إعلان

ويرى "مهنى" أن مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية أمراً قديماً، يتطور باستمرار بسبب الإسراف في تناول المضادات الحيوية من جانب المرضى: "يلجأ المريض للتداوي بمُضاد حيوى ما، فيكون جسده مناعة ضده، وحينما يمرض مرة أخرى، يُضطر للجوء إلى مضاد حيوى أقوى، وهكذا، وفجأة، يكتشف أن البكتيريا اكتسبت مناعة ضد كل المُضادات الحيوية، لأنه أساء استخدام الدواء من البداية".

وبحسب الدكتور "مهنى" ظهرت بالفعل حالات بكتيريا مُقاومة جزئية للمضادات الحيوية، إذ سجلت التحاليل الطبية في مصر حالة مُقاومة لـ 18 نوعاً من المضادات الحيوية. وهو ما يعلق عليه المتحدث الرسمى باسم نقابة الأطباء بالقول "إن منظمة الصحة العالمية أعلنت أن عام 2050 سيكون بداية لـ"عالم ما بعد المُضادات الحيوية".

لكن، كيف يُمكن مواجهة الإسراف في تناول المضادات الحيوية؟ قبل شهرين، حذرت وزارة الصحة السعودية من بيع المضادات الحيوية دون وصفات طبية معتمدة من أطباء مرخص لهم مزاولة المهنة من السلطات السعودية، وأقرت غرامات تتعدى 26 ألف دولار علاوة على إلغاء تراخيص الصيدليات المخالفة للقرار، فيما تعقد نقابة الأطباء في مصر مؤتمرات متواصلة للأطباء حديثي التخرج في محاولة للسيطرة على المبالغة في كتابة الوصفات الطبية التى تحتوى على مضادات حيوية.

ويقول المتحدث الإعلامي لنقابة الأطباء المصري، إن التعامل مع المضادات الحيوية يجب أن يكون "كأدوية المخدرات" فعلى الطبيب الالتزام بصرف المُضاد الحيوى بناءً على تحاليل معملية لكشف النوع المناسب للمرض، وفى حالات الضرورة القصوى فقط، كما يجب توعية الصيدلى بخطورة صرفها وتحذير المريض من تعاطى الأدوية دون وصفة طبيب متخصص هي الجبهة الرابعة التي ستمنع انتشار وباء البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.

إعلان

يقول الباحثون إن أزمة المضادات الحيوية تحتاج للتضافر مثل طبقة الأوزون، ونقص المساحات الخضراء والمناطق المحمية، علاوة على عمل أبحاث علمية على أنواع جديدة من المضادات عصية على المقاومة.

المدير العام لمنظمة الصحة العالمية "تيدروس أدهانوم جبريسوس" قال في بيان صحفي إن مقاومة المضادات الحيوية تُمثل حالة طواريء قصوى تستوجب التعامل معها بمنتهى السرعة والحزم، وإلا "سيضطر العالم للعودة إلى العصور التى يموت فيها الناس من العدوى المشتركة، والوقت التى كانت فيه الجراحات البسيطة خطرًا على الحياة".

لكن، يبدو أن المشكلة تتفاقم، وأن الحل لن يكون سهلاً، فالمقاومة آخذة في الانتشار، والاستخدام المُسرف في المضادات الحيوية لا يزال مستمرًا. وحسب الصيدلي شريف عبد العظيم، تتزايد عاماً تلو عام الكميات المباعة من المضادات الحيوية حول العالم، فمن ضمن قائمة أكثر الأدوية مبيعًا في مصر، هناك 8 أصناف من المضادات الحيوية في المراكز العشرين الأولى، فكيف يُمكن مواجهة تلك الأزمة في المستقبل؟

اقترحت ورقة بحثية نُشرت في دورية نيتشر عددًا من المحاور لمواجهة تلك المشكلة، من ضمنها وجوب التعامل بشكل عالمي مع المشكلة، ويقول الباحثون إن أزمة المضادات الحيوية تحتاج تضافر مثل طبقة الأوزون، ونقص المساحات الخضراء والمناطق المحمية، علاوة على عمل أبحاث علمية على أنواع جديدة من المضادات عصية على المقاومة.

وتُشير "ماجا شيلتر" الباحثة في مجال المضادات الحيوية بجامعة "ستوكهولم" إلى أن التعامل مع أزمة المضادات الحيوية تتطلب تغييرًا في استراتيجية لمواجهة الأزمة، ووضع محاذير شديدة على صرف الأدوية كلها، وبخاصة المضادات الحيوية، مؤكده في تصريحات خاصة لـ VICE أن تلك الحلول "ستأخر فقط المشكلة ولن تنهيها" فـ"عالم ما بعد المضادات الحيوية قادم دون ريب".

"لا نرى بديلاً حتى الآن للمضادات الحيوية" يقول الصيدلي "شريف عبد العظيم" مشيرًا إلى أن العدوى البكتيرية "لا يمكن تحجيمها دون مضاد حيوي مناسب". يضيف شريف بنبرة يملؤها التشاؤم إن "مستقبل الرعاية الصحية مظلم، فغياب المضادات الحيوية أمرًا يستحيل معه تقديم خدمة صحية جيدة" ويؤكد أن الوتيرة الحالية لاكتشافات البكتيريا المُقاومة للمضادات "تعنى أن العالم لن يمر عليه أكثر من ربع قرن قبل أن يفقد خط الدفاع الأهم في مقاومة المرض.. المضاد الحيوي" ووقتها "سيكون علينا العودة إلى عالم الأعشاب والوصفات الشعبية القاتلة التى تضر أكثر مما تفيد".