ومع تفاقم الوضع الأمني بات نحو ثلثي سكان اليمن بحاجة ملحة إلى مساعدات عاجلة لإنقاذ من الموت جوعًا ومرضًا، وهو ما تولت مسؤوليته منظمات الإغاثة الدولية والمحلية، لكننا حصلنا على صور وتقارير تثبت دخول مساعدات إنسانية للبلاد عبر منظمات دولية ومحلية، منتهية الصلاحية أو غير مطابقة للمواصفات، بغرض توزيعها على المستفيدين. وتثبت هذه التقارير الصادرة عن هيئة المواصفات والمقاييس اليمنية في صنعاء، وصول كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية مقدمة من برنامج الغذاء العالمي، القمح على وجه الخصوص الغير مطابقة للمواصفات وغير صالحة للاستخدام الآدمي، بحسب فحوصات مخبرية.تدفقت مساعدات إنسانية كبيرة على اليمن من بداية الحرب في العام 2015، عبر مينائي الحديدة وعدن، وكان آخرها حصول اليمن على أكثر من ملياري دولار في مؤتمر المانحين الذي عقد في السويد نهاية فبراير 2019، لمواجهة الاحتياجات الإنسانية الملحة والمتزايدة في المناطق المنكوبة.
تدفقت على اليمن مساعدات إنسانية كبيرة من بداية الحرب في العام 2015 حتى اليوم، عبر ميناء الحديدة على الساحل الغربي لليمن، والواقع تحت سيطرة الحوثيين، وميناء عدن التابع للحكومة الشرعية، وكان آخرها حصول اليمن على أكثر من ملياري دولار في مؤتمر المانحين الذي عقد في السويد نهاية فبراير 2019، لمواجهة الاحتياجات الإنسانية الملحة والمتزايدة في المناطق المنكوبة.وعبر معلومات حصلنا عليها من مركز أريج للأبحاث التابع لشبكة أريج للصحافة الاستقصائية؛ فإن إجمالي المساعدات التي دخلت اليمن تجاوزت أكثر ملياري ونصف المليار دولار في العام 2018 من خلال مجموعة من الدول في مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، بزيادة مليار دولار عن العام 2017، وعبر منظمات الأمم المتحدة المختلفة تقدم أغلب هذه المساعدات، أو بطريق مباشر عبر المانحين أنفسهم، كما تفعل دولة الإمارات عبر الهلال الأحمر الإماراتي، ومركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية التابع للمملكة العربية السعودية.
دفعنا حديث الدكتورة مكية للتجول في بعض مخيمات النازحين المنتشرة في معظم المدن اليمنية والاستماع إلى شهاداتهم فالتقينا فاطمة أحمد، إحدى النازحات في مديرية اسلم بمحافظة حجة، والتي قالت أنها تسلمت عدة مرات قمح مُقدم من برنامج الغذاء العالمي بشكل وجودة مختلفين في كل مرة: "في إحدى المرات تسلمنا قمح أبيض، والأخرى تسلمنا قمح لونه أسود ورائحته كريهة." وأوضحت فاطمة أنه لم يكن لديها وعائلتها أي خيار سوى تناوله، على الرغم من لونه الغريب وطعمه شديد المرارة، لعدم وجود بديل.أرسلت جمعية حماية المستهلك اليمنية رسالة إلى ممثل برنامج الغذاء العالمي، للاستفسار عن ضبط باخرة مليئة بالقمح الفاسد والمتعفن قبل تفريغها بميناء عدن لتوزيعها علي المستحقين، كما وجهت جمعية المستهلك العالمية رسالة أخرى إلى البرنامج تتضمن استفسارات عن شرائهم مساعدات منتهية الصلاحية.
توزيع متعمدرد برنامج الغذاء العالمي بعد 11 يومًا على رسالة الجمعية العالمية، بالتأكيد على أنهم حريصون على تقديم مساعدات وفقًا لمواصفات قياسية، وبأعلى جودة، وأن حالات رفض دخول الأغذية التابعة للبرنامج متعلقة بتضرر العبوات خلال النقل، وتجاهل البرنامج الرد على رسالة جمعية حماية المستهلك اليمنية.
"تلجأ بعض المنظمات الدولية في اليمن إلى توزيع المساعدات منتهية الصلاحية وغير الصالحة للاستخدام، مع علمهم المسبق أنها لا تصلح، يقول ص. ع، أحد المتطوعين في منظمة إغاثة محلية بمحافظة صنعاء، بعد أن تعهدنا له بعدم الكشف عن شخصيته، أن هناك مساعدات تابعة لمنظمة الاغاثة الإسلامية وصلت إلى إحدى المخازن وقد بدأت تتعفن وبدلاً من أن يتم اتلافها كانت المنظمة المحلية وبعلم من منظمة الاغاثة الاسلامية تتهيأ لتوزيعها على المواطنين في منطقة خولان جنوب صنعاء و منطقة بني الحارث احدى مديريات العاصمة صنعاء.في العام 2017 أرسلت جمعية حماية المستهلك اليمنية رسالة إلى ممثل برنامج الغذاء العالمي، تتضمن استفسارًا عن ضبط باخرة تحمل اسم "إمبريال" مليئة بالقمح الفاسد والمتعفن كانت على وشك التفريغ في ميناء عدن لتوزيعها على المحافظات الخاضعة لسيطرة الشرعية والحوثيين، كما وجهت جمعية المستهلك العالمية رسالة أخرى إلى البرنامج تتضمن استفسارات عن شرائهم مساعدات منتهية الصلاحية، كما هو موضح في الرسالة.
كما حاولنا التواصل مع هيئة المواصفات والمقاييس في صنعاء لنطرح عليهم تساؤلاتنا عن آليات فحص المساعدات ورفضها؛ إلا أننا لم نجد منهم أي تجاوب، فاتجهنا إلى هيئة المواصفات والمقاييس في مدينة عدن، جنوب اليمن، والتي اتخذتها حكومة الرئيس عبدالربة منصور هادي - المعترف به دوليًا - عاصمة مؤقتة. التقينا بمدير عام الهيئة، المهندس حديد الماس، الذي أكد لنا أنه يتم إتلاف مساعدات إنسانية بشكل مستمر للأسباب ذاتها: "نضطر إلى إتلاف شحنات يوميًا وبشكل مستمر، ونرفض ونمنع دخول أي مواد لا تتوافق مع المعايير والشروط اللازمة للجودة، من المواد الغذائية والصناعية، وبعضها تكون شحنات فاسدة او تلفت بسبب سوء التخزين، ولا نتردد أبدًا في إتلاف المواد التي يتم تصنيفها بأنها غير صالحة للاستخدام الآدمي".اتهم برنامج الغذاء العالمي جماعة أنصار الله "الحوثيون" بسرقة المساعدات الإنسانية المقدمة من قبلهم لمستحقيها. ودعا البرنامج إلى الحد من التلاعب بالمساعدات الإنسانية، ودعا ديفيد بيزلي، مدير البرنامج، الحوثيين إلى إيصال الطعام لمن يحتاجونه واصفًا ما يقومون به بـ"سرقة الطعام من أفواه الجائعين".
لا يقتصر الأمر على المواد الغذائية، بل تجاوز ذلك ليشمل أدوية ومستلزمات صحية، وبسبب إغلاق المنافذ البحرية والجوية التي كانت بوابة عبور الأدوية لليمن، أصبح الاعتماد أكثر على ما تقدمه المنظمات الدولية من أدوية لتقديمها لمن يحتاجها. وخلال حديثنا مع الدكتورة مكية الاسلمي، مدير المركز الصحي في مديرية أسلم، قالت "إنه في بداية العام 2019 وزع برنامج الغذاء العالمي خليط صويا مخصص للأمهات الحوامل والمرضعات رغم انتهاء صلاحيته. وجدنا في الخليط مسوس ولونه ورائحته وطعمه كانا متغيرين، إضافة إلى توزيع فاصوليا مسوسة أو فاسدة وذات رائحة كريهة، وكأنها ناتج شحوم."
يقول مصطفى نصر، رئيس مركز الإعلام الاقتصادي، أن هناك قصور في عمل المؤسسات الرقابية وتحول في أحيان كثيرة إلى ابتزاز وتبادل مصالح، حيث كان يكفي أن تكشف حالة فساد واحدة أو صفقة منتهية الصلاحية كي يتم التحقيق فيها، ولكن هناك هشاشة وضعف كبير في أداء المؤسسات الحكومية التي قد تتفق على صفقات مشتركة مع هذه المنظمات. وتقول المنظمات الدولية أنها تتعاقد مع منظمات للرقابة على عملها في البلدان التي تعمل فيها لكن وللأسف لم نرى أي تطبيق عملي لذلك في بلد يستحوذ على الجانب الأكبر من أعمال المنظمات الدولية في العالم خلال السنوات الأخيرة: "على العكس، يتم التغطية على فضائح من هذا النوع أحيانًا، بطريقة تحمي مصالح المنظمات العاملة في اليمن، والتي من المفترض أن تتم الرقابة عليها بشكل مباشر".