انفوبايتس

المريض يشاهد نجاح عمليته -الخيال العلمي في خدمة الطب..الواقع المختلط MR نموذجًا

تثبت أننا أمام ثورة علمية لا يمكن توقع حدودها
xr-expo-ipDhOQ5gtEk-unsplash

الصورة لـ XR Expo عبر Unsplash


من منا لم يقرأ روايات الفرنسي "جول فيرن" أو يسمع على الأقل بأفكاره المتخيلة التي تحولّ بعضها إلى اختراعات حقيقية بعد عشرات السنين؟ لطالما لعب الخيال دورًا بارزًا في تطور البشرية وخاصة على صعيد المبتكرين والعلماء، ولكنه في أيامنا هذه بات جزءًا من الحياة العادية لمعظم البشر. حالياً، تشترك عمالقة التقنية في العالم؛ آبل ومايكروسوفت وغوغل وسامسونج وإنتل و "أي بي أم" في التنافس على تطوير تقنيات الواقع الإفتراضي المعزز والخليط.

إعلان

الواقع الإفتراضي Virtual Reality، الواقع المعزز Augmented Reality والواقع المختلط (الهجين) Mixed Reality ثلاثة مصطلحات شائعة في عصرنا مع نمو سريع في تطبيقاتها. فما هي هذه التقنيات؟ وما أوجه الشبه والاختلاف بينها؟ وهل تقتصر على مجالات الترفيه أم أنها يمكن أن تكون حجر زاوية في تحول القطاع الصحي كما نعرفه حاليًا؟

حتى القرن الماضي، قامت معظم العلوم التجريبية على مبدأ التعلم بالتكرار والملاحظة. في المجال الطبي على سبيل المثل، التزم الطلاب والأستاذة بأسلوب "ويليام هالستيد" الذي يعود إلى العام 1890، حين كان طالبو العلم يراقبون ما يفعله الخبير ثم يحاولون تقليده، بينما يتولى هو عملية تصحيح أخطائهم المحتملة. وبما أن التعليم الطبي يتّم عادة في بيئة سريرية حقيقية، فقد كان من الصعب دائما ضمان اكتساب جميع الطلاب للمعارف والمهارات التطبيقية نفسها.

منذ خمسينات القرن الماضي، اعتمدت مدارس الطيران على تدريب الطيارين بواسطة المحاكاة Simulation. ماذا لو حاولنا تطبيق أسلوب محاكاة شبيه بذلك الذي يعتمده الطيارون في مجال الطب؟قبل الخوض في الإجابة عن هذه الأسئلة، لا بدّ من تعريف أنواع تقنيات الواقع.

تقنيات الواقع: أنواعها وأوجه الاختلاف:

  • تقنية الواقع الافتراضي الواقع الافتراضي Virtual Reality: يُشار إليه اختصارًا بـ VR. هذه التقنية تغمر جميع حواس الإنسان وتخدعها ليظن أنه في عالم أو بيئة مختلفة تمامًا عن العالم الحقيقي. نتفاعل عادة مع هذه التقنية الرائجة بواسطة نظارات ذكية قابلة للارتداء على الرأس، وتكون مزودة بسماعات أيضًا تتيح لنا خوض تجربة افتراضية بالكامل.
  • تقنية الواقع المعزز  Augmented Reality: ويُشار إليه اختصارًا بـ AR. هذه التقنية تضيف مكونات رقمية على عالمنا الحقيقي. هل تذكرون لعبة "بوكيمون غو" Pokemon Go؟ هذه هي إحدى أشهر تطبيقات الواقع المعزز الذي يحافظ على واقع الإنسان ولكنه يعززه بتفاصيل إفتراضية إضافية. 
  • الواقع المختلط Mixed Reality: ويُشار إليه اختصارًا باسم MR. تجمع هذه التقنية بين عالمنا الحقيقي والعناصر الرقمية، فنصبح قادرين على التفاعل والتعامل مع عناصر مادية حقيقية وأخرى افتراضية باستخدام جيل جديد من تقنيات الاستشعار عن بعد  والتصوير. بكلمات أخرى، يتيح لنا الواقع المختلط MR رؤية العالم من حولنا والانغماس فيه والتفاعل مع بيئة افتراضية في الوقت نفسه. الواقع المختلط MR هو التقنية التي تخلط الواقع بالخيال.

إعلان

تختلف الأنواع الثلاثة من تقنيات الواقع في أدواتها كنوع النظارات وسماعات الرأس القابلة للإرتداء أو قدرات جهاز نظام التشغيل، مع تنافس عالمي بين الشركات الكبرى على تطوير أدوات قابلة للتكيف مع أجهزة الهاتف الذكية والأجهزة اللوحية.

للوهلة الأولى قد تبدو هذه التقنيات حكرًا على صناعة الأفلام أو مجرد أدوات جديدة لجيل جديد من الألعاب، ولكن الواقع نفسه صار أغرب من الخيال. نحن هنا نتحدث عن تقنيات أساسية في تطوير قطاعات حيوية كما في الجيوش، السفر والرعاية الصحية؛ موضوعنا الرئيسي.

بين الواقع وخيال..العلم!
في تسعينات القرن الماضي، بدأ معالجون نفسيون باستخدام الواقع الإفتراضي VR في جلسات العلاج السلوكي المعرفي CBT. يتيح الواقع الإفتراضي VR مساعدة المريض أو طالب الخدمة النفسية على مواجهة المواقف التي تثير قلقه. وكلما كانت المحاكاة واقعية كانت النتيجة العلاجية أفضل. من الخوف من الحيوانات إلى الخوف من الأماكن المرتفعة أو المظلمة، كلها اضطرابات ساهم الواقع الإفتراضي VR في علاجها بفعالية.

ولكن الواقع الإفتراضي VR لم يعد كافيًا.

ففي العقود الأخيرة، أسفرت التقنيات الجديدة في مجال الجراحة ومحاولات دمج الروبوت في العمليات الطبية عن مشاكل جديدة في مجال تدريب طلاب الطب. وكما في مدارس الطيران، باتت المحاكاة حلأ ضروريا لتدريب الأطباء أيضًا. توفر محاكاة العمليات الجراحية الفرصة لتطوير المعرفة والمهارات وسلوك الأطباء الذين بمقدورهم استكشاف وتكرار الممارسة الجراحية في بيئة 'تعزز الإذن بالفشل' والتعرف على الأخطاء وتصحيحها، وتجربة أساليب مختلفة من دون تعريض سلامة المريض للخطر. 

استراتيجية التدريب عبر المحاكاة في الطب تتطلب بالدرجة الأولى واقعا مختلطًا MR يجمع ما بين الإفتراضي VR والمعزز AR في آن.

إعلان

تخيلوا التالي: يقف التلميذ الطبيب في بيئة سريرية افتراضية – واقعية للغاية كغرفة العمليات أو وحدة العناية المركزة ويتفاعل مع ما يحيط به، من دون أن يخشى الوقوع في الخطأ. تسمح هذه التقنية بإخضاع المتدربين لسيناريوهات عديدة، والتمرس في اكتساب مهارات محددة عبر التكرار إلى حد الإتقان. وبما أننا نعتمد الواقع الخليط فهذا يعني أنه بمقدورنا دمج مكونات رقمية كـ"مقص" أو "مبضع" مع عضو حقيقي لأغراض التشريح والتعلم. 

ولكن المسألة لا تقتصر على التعلم والتدريب فقط. ماذا لو علمتم أنه بمقدور المرضى أيضًا متابعة ما يقوم به الجراح وفهم حالتهم الصحية بواسطة تقنية الواقع المختلط؟ وهناك ما هو أبعد من ذلك، بمقدور جراحين وأطباء غير متواجدين فيزيائيًا في موقع الحدث المشاركة في القرار والتدخل في الحالات الحرجة. 

ومنذ إعلان مايكروسوفت عن منتجها الثوري Hololense في العام 2016، بات العديد من الأطباء يتسابقون إلى استخدام أداة الواقع المختلط MR هذه في غرف العمليات، من الجراحة الدقيقة في الرأس إلى العمود الفقري والأعصاب. على أن أبرز سمة في أدوات الواقع المختلط MR؛ ومنها Hololense، يكمن في قدرتها على خلق بيئة افتراضية لأصول حقيقية أو ما يُعرف اختصارا بـ RAVE (Real Asset Virtualization Environment).

يمكن تعداد المنافع التالية في المجال الطبي كمثال على هذه القدرة:

  • فهم أوسع للأمراض والعوارض: باستطاعة أدوات الواقع المختلط MR مساعدة المرضى على خلق بيئة مشابهة لما يمرون به خلال نوبات الألم، وبالتالي السماح للأطباء أيضًا بالدخول إلى هذا الواقع نفسه ومساعدة المرضى على مواجهة العوارض بنصائح أفضل بناءً على ما يشاهده الطرفان سويًا.
  • التصوير الطبي: تطبيقات الواقع المختلط MR تساهم بشكل واسع في تحليل صور الرنين المغناطيسي والأشعة السينية والتصوير المقطعي، بل إنها تضيف بعدًا ثلاثيًا لكل أنواع التصوير.
  • صناعة الأطراف والأعضاء: تعتمد شركات الأطراف الصناعية على "الصب" و"القولبة" في تصميم الأطراف، ولكن الواقع المختلط MR يتيح تصميم أطراف أكثر ملائمة للمريض. 
  • المراقبة والتوجيه: يمكن بواسطة الواقع المختلط MR الحصول على مشورة أطباء على بُعد آلاف الكيلومترات في وقت متزامن، بل وإسقاط أيديهم في مجال رؤية نظارات الواقع المختلط كي يتمكن الجراح المتواجد في الغرفة فيزيائيا تقليد العمل الصحيح.

التطبيقات التي تعمل عليها شركات الرعاية الصحية بالاعتماد على الواقع الإفتراضي VR  والمعزز AR والمختلط MR تثبت أننا أمام ثورة علمية لا يمكن توقع حدودها. وإن كان الواقع المختلط MR يبرز يومًا بعد آخر باعتباره الأفضل بين أقرانه في المجال الصحي تحديدًا، فإنّ قيمة سوق هذه التقنيات مجتمعة باتت تلامس سقف 209 مليار دولار عالميًا مع حلول العام 2022، ما يؤذن بنشوء واقع رابع يؤلف بين الثلاثة السابقة ويُعرف باسم الواقع الممتد Extended Reality  أو XR، معلنًا دخول واقعنا عصر التماهي الكامل مع الخيال العلمي.