VICE عربية تعايش آخر معارك "الكرامة" لتطهير درنة من "الدواعش"
عربة عسكرية تابعة للجيش الوطني الليبي تؤمن أطراف مدينة درنة - جميع الصور من قبل ماهر الشاعري

FYI.

This story is over 5 years old.

ليبيا

VICE عربية تعايش آخر معارك "الكرامة" لتطهير درنة من "الدواعش"

عاش سكان المدينة 7 سنوات صعبة عانوا خلالها من إجرام عناصر التنظيم الإرهابي، بدءًا بالسرقة والقتل وحتى الصلب والتمثيل بالجثث

تمكنت أخيرًا من دخول مدينة درنة، شمال شرق ليبيا، بعد قرابة شهر من إعلان تحريرها على يد الجيش الوطني الليبي، بتاريخ الثامن والعشرون من يونيو الماضي. تجولت بالمدينة التي كانت تحت سيطرة التنظيمات الإرهابية طوال 7 سنوات، لأتمكن من التحدث إلى السكان المحليين الذين عاشوا تحت حكم ما يعرف بفرع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في ليبيا، ليصبح اسمها "الإمارة الإسلامية"، وشعارها قطع الرؤوس والأيدي بشكل شبه يومي، عبر أحكام جائرة صادرة عن ما أما أعضاء التنظيم "المحكمة الشرعية"، أو دونها في كثير من الأحيان.

إعلان

كانت درنة واحدة من أجمل مدن الشرق الليبي قبل "عهد الإمارة"، واشتهرت بشلالها الجبلي العريق الذي يعد أحد أهم معالمها، والذي لم يسلم من أيدي عناصر التنظيم، خلال محاولتهم التصدي لحملة الجيش الوطني الليبي لتحرير المدينة من أيديهم، فقاموا بتفجيره لقطع الطريق أمام القوات من جهة الجنوب في مايو الماضي. اشتهرت المدينة بالزراعة والتجارة، وكان الميناء التجاري المعروف بنفس اسمها من أهم مقوماتها الاقتصادية، باعتباره محور حركة التجارة التي لم تكن تتوقف قبل سيطرة التنظيمات الإرهابية عليها، ليتحول الميناء إلى مرسى لقوارب الإرهاب القادم للمدينة، بما يعبر خلاله من عناصر متطرفة من مختلف الجنسيات، وأسلحة ومواد متفجرة استخدمت لقتل الليبيين.

شلال درنة بعد تفجيره لقطع الجسر الجنوبي الواصل للمدينة

على الرغم من إعلان قوات الجيش الليبي عن تحرير المدينة كانت أصوات الرصاص وطلقات المدافع تباغتنا بين الحين والآخر، بعد تجدد الاشتباكات في بعض الأحياء جراء نشاط مباغت لبعض جيوب عناصر التنظيم في محاولة يائسة للتمسك بنواة مقر الخلافة المزعوم داخل الأراضي الليبية. التقيت بشهود عيان عاصروا الفترة العصيبة في درنة لأقرأ على وجوههم آثار ما عايشوا. جانب ليس بالقليل منهم من أبدى تحفظه على الإدلاء بأي تصريحات بخوف لم أعرف مبعثه حتى التقيت الشاعر الشاب مصطفى الطرابلسي - أحد سكان المدينة - الذي فسر تلك الحالة بقولة إنها "آثار سبع سنوات من التيه والظلام".

حدثني الطرابلسي عن جرائم التنظيم في حق السكان واصفا إياها بـ"الأبشع" في تاريخ الإنسانية، من قتل وذبح وصلب بدعوى تطبيق الشريعة، لكن في الحقيقة أن التنكيل المبالغ فيه كان من نصيب من يفكر في معارضة التنظيم ما بث الرعب في قلوب السكان المدنيين فرحل عن المدينة من تمكن من الرحيل وبقى من لم يستطع تحت حكم الإرهاب.

إعلان

الشعر مقاومة
تحدث الطرابلسي عن سخريته من بيان أصدره من يصفهم بـ "الدواعش"، عندما أعلن الجيش الليبي نيته تحرير درنة في العام 2016 وقال: "أصدر مجلس شورى للتنظيم بيانًا فحواه أن "درنة تغزو ولا تُغزا"، وهو ما رد عليه الشاعر الليبي الذي تعرض لاعتداء عناصر التنظيم بسبب قصائدة الساخرة منهم، بقصيدة عنوانها "لا تنغزا لا غازية"، في إشارة إلى أن درنة مدينة تجارية حضرية لم تعرف الحروب والغزوات إلا عندها عرفت التنظيمات الإرهابية. وتذكر بداية أزمته مع التنظيم عن وصفوا المدينة في بدايات إعلان إمارتهم بأنها "مدينة الأسُود" في أحد بياناتهم، فرد عليه بالقول أن "درنة مدينة الورود وليست حديقة حيوان لتضم أسود أو غيرها "كان رد ببيت شعر يقول: (مانك عرين أسود/ أنتي مدينة ورد/ والضمي سحاب وجود/ نار وسلام وبر)".

لم يسلم الطرابلسي من غضبة عناصر التنظيم الإرهابي جراء تحديهم، عن ذلك يقول: "في إحدى ليالي أغسطس 2016 استوقفتني سيارة في الشارع وأجبرني مجموعة مسلحين خرجوا منها على ولوجها بعد أن ربطوا عيناي، وسمعت أحدهم يتحدث عبر جهاز اللاسلكي يقول (تمت العملية يا شيخ) محدثا شخص أعلى منه، ثم التفت إلى ليسألني بسخرية هل أنت مصطفى الطرابلسي، قلت نعم؛ فردد أحدهم بيت من قصيدتي (لا تنغزا لا غازية)، سوف ترى ما سنفعله بك".

وذكر الطرابلسي ما تعرض له على يد عناصر التنظيم من محاولات الإرهاب، بعد اعتداءهم عليه ضربًا وركلًا، ثم أوهموه بأنهم مقبلون على إعدامه، وحفروا قبرًا أمامه، قبل أن يطالبوه بالركوع على ركبتيه وهو معصوب العينين، واضعين فوهة بندقية على رأسه حتى لامست جانب جمجمته، وكرروا التهديد دون إطلاق النار، ثم تركوه على هذه الوضعية في العراء وتحركوا بسياراتهم بعد أن أمروه بعدم فك العصابة قبل مرور 15 دقيقة". لم يصدق الطرابلسي في البداية أنهم غادروا، وقضى الدقائق الخمسة عشر اللاحقة متوقعًا استقرار رصاصات الإرهاب في رأسه مع كل ثانية تمر، لكنهم كانوا قد غادروا فعلًا، ففك العصابة ليجد نفسه عند أطلال محطة درنة البخارية غرب المدينة.

إعلان

تحدث الشاعر الليبي كذلك عن المعاناة التي تعرضت لها المدينة تحت حكم "الدواعش"، من جوع بعد حصار قوات الجيش لها الذي امتد لسنين في محاولة للتضييق على التنظيمات الإرهابية بقطع الإمدادات عنها ما انعكس عليهم وعدد الشاعر الشاب تبعات الظروف التي عايشها وسكان درنة للدرجة التي انعكست على المواد الغذائية الأساسية في العام الماضي لم نجد ما نأكله عدا العنب حتى سمي الصيف الماضي (عام العنب).

الشاعر مصطفي الطرابلسي

لماذا درنة؟
داعش لم يكن أول التنظيمات الإرهابية التي حاولت فرض سيطرتها على المدينة الجبلية، لكنه كان أعتاها وأكثرها إجراما في حق المدنيين وفق ما أكده الناشط دوح الشاعري، والذي سألته عن سبب اختيار درنة دون غيرها لتكون مقر إمارة التنظيم الإرهابي في الأراضي الليبية، فأكد أن اختيار المدينة لم يتم بشكل عشوائي، وإنما كان منطقه معرفة قيادات التنظيم الإرهابي جيدًا مدى ما كان يعانيه أبناء المدينة من تهميش وإهمال متعمدين من نظام القذافي، بالإضافة إلى تركيبة المدينة القائمة على التنوع القبلي الكبير، إذ تعد واحدة من أكثر المدن الليبية من حيث عدد القبائل المختلفة التي تسكنها، وهو ما استخدمه الدواعش للإيقاع بين القبائل عبر خلافات سابقة، ومن ثم استمالة البعض عبر ذلك.

ودلل الشاعري على صحة كلامه بالإشارة إلى المدن قليلة التنوع بالقول: "في المدن التي لا تشهد مثل هذا التنوع يقل التطرف كثيرًا، وتفشل التنظيمات الإرهابية في أن تجد لنفسها موطئ قدم، وهذا دليل على أن هناك دور اجتماعي للقبيلة في السيطرة على أبناءها ضد التطرف، لكن في درنة أغرت التنظيمات الإرهابية على اختلافها الشباب وبعض الأطراف القبلية المتشاحنة بالمال والسلطة المطلقة، ليتسللوا بفكرهم الإرهابي، ويجدون له أرضًا بين سكان المدينة الأصليين، قبل أن يستخدموا السلاح لفرض سيطرتهم عليها".

إعلان

تحدث الشاعري عن أبرز التنظيمات الإرهابية التي تعاقبت على درنة قبل أن يندمج معظمها في النهاية تحت لواء داعش، عدا جماعة أبوسليم، التابعة لتنظيم القاعدة، والتي بقيت في شد وجذب مع الدواعش طوال الوقت. مشيرًا إلى أنها بدأت بتنظيم أنصار الشريعة، وتنظيم بوسليم، والجيش الإسلامي. وقال إن مبايعة تحالف التنظيمات التي بايعت داعش أدخلت المدينة عصر جديد من العنف والقتل واستهداف المدنيين باسم الدين. وأشار إلى أبرز ضحايا الدواعش من الساسة والشخصيات العامة بالمدينة، وعلى رأسهم السيدة فريحه البركاوي - عضو المؤتمر الوطني السابق، وعبدالعزيز الحصادي - النائب العام السابق، ونجيب هويدي - رئيس محكمة استئناف الجبل، والعقيد عبداللطيف المزيني، شعيب الشاعري - رئيس بلدية درنة سابقًا، وغيرهم".

الناشط دوح الشاعري

تحدثت مع شاهد عيان (طلب عدم ذكر اسمه) عن أكبر عملية سطو مسلح حدثت في المدينة عام 2014 على أحد البنوك بحصيلة بلغت أربعة ملايين دينار تقريباً، عبر مسلحين ملثمين، لكن هيئتهم وأسلحتهم تشير إلى الدواعش. يقول مصدرنا الذي كان يعمل في البنك: "دخل أشخاص مسلحون وأجبروا كل من في البنك على الانبطاح، ثم أجبرونا على فتح الخزينة الرئيسية في الطابق السفلي، وطلبوا منا نقل الأموال إلى الطابق الأرضي بالقوة بعد أن استولوا على هواتفنا ومفاتيح سياراتنا". ميز شاهد العيان عناصر التنظيم من هيئتهم ولحاهم التي كانت واضحة خلف ألثمتهم، إلى جانب الرايات السوداء المميزة لهم، وأسلحتهم المتطورة عن الأسلحة المنتشرة في المدينة منذ أحداث الثورة الليبية، والتي يحملها كذلك أعضاء التنظيمات التابعة للقاعدة، فضلًا عن أن حوادث سرقة البنوك بدأت مع إحكام الدواعش سيطرتهم على المدينة، قبل أن يقرروا أغلاق جميع البنوك بعد ذلك.

إعلان

أغلقت بعدها بنوك المدينة مدة عام ونصف، ثم لحقتها الكافيتريات ومحال بيع السجائر وصولًا إلى المرافق الترفيهية، ومعظم مرافق المدينة التجارية، ثم اشتداد صراع تنظيم داعش مع جماعة بوسليم (القاعدة)، ما أدى لوقوع خسائر كبيرة في صفوف الدواعش، لكنهم عادوا مرة أخرى بعد حصولهم على دعم كبير من خارج المدينة، لكن كلا التنظيمين اتحدا في مواجهة الجيش الليبي مع بدء عملية تحرير درنة، قبل أن تتداعى قواتهم وتعود المدينة إلى طبيعتها، إذ افتتحت معظم المرافق التي أغلقها عناصر التنظيمات المتطرفة تباعًا، فيما بدا السكان يتنفسون أخيرًا الصعداء.

عودة محطات الوقود للعمل المدينة بعد تحريرها

المعركة الأخيرة
انتقلت إلى الجهة الغربية من المدينة، حيث مقر إقامة اللواء سالم الرفادي - القائد العسكري للحرب ضد تنظيم داعش، مرورا ببوابتين للجيش الليبي حتى وصلت البوابة الرئيسية لمقر إقامته. استقبلني اللواء الرفادي رغم مروره بوعكة صحية ،وأجريت المقابلة معه وسط طاقم التمريض القائم على متابعة حالته سألته عن سر استمرار الاشتباكات في بعض مناطق وسط المدينة رغم إعلان المشير حفتر تطيرها بالكامل من العناصر الإرهابية ،فأوضح إن السبب هو تمركز قلة من الإرهابيين في المدينة القديمة بعد هزيمة الجانب الأكبر منهم وانسحاب البقية وفسر الأمر باحتمالية امتلاك عناصر التنظيم لـ"سراديب" أسفل المدينة القديمة يتحركون من خلالها .

أضاف اللواء الرفادي: "خاطبنا العناصر المتحصنة عبر مكبرات الصوت لتسليم أنفسهم حقنا للدماء دون جدوى وتباع مصادر تؤكد أن العناصر المتبقية مجموعة من صغار السن المغرر بهم من قبل الإرهابيين يتبعون أمير أجنبي الجنسية وهو من فرض عليهم البقاء والقتال بالقوة". وشدد اللواء الرفادي على أن لا بديل عن تطهير المدينة وعودتها تحت سيادة الدولة "سألته هل تم القبض على إرهابيين من جنسيات أجنبية؟ فأجابني بالإيجاب مؤكدًا انه تم أسر مجموعة من الأجانب بينهم موريتانيين وتوانسه ومصريين وشيشانيين وآخرون.

إعلان

وكشف عن إن من تم القبض عليهم خلال الأيام الماضية الداعية الخاص بالتنظيم وأحد أبرز قياييه، رشدي الموريتاني. سألته عن الموعد المتوقع للانتهاء من تطهير آخر جيوب المدينة من فلول داعش فأكد أن الأمر لن يزيد عن أيام معدودة لتصبح المدينة بالكامل تحت سيطرة القوات الحكومية.

اللواء سالم الرفادي

التقيت الشاب الثلاثيني إبراهيم هويدي من سكان شارع الفنار وسط المدينة الذي اغتيل والده منتصف شهر يوليو من عام 2016. كان الوالد المغدور هو المستشار نجيب هويدي، رئيس محكمة استئناف الجبل الأخضر والتي تمثل المنطقة الشرقية في ليبيا، وتم اغتياله بأعيرة نارية أمام مقر عمله بالمحكمة من قبل عناصر التنظيم الإرهابي "داعش".

عن ملابسات الحادث قال هويدي الابن: "ذهب والدي في أول يوم لتفعيل المحكمة والبدء في جلسات المداولة، في تحدي واضح للجماعات الإرهابية التي طلبت من القضاة الانسحاب من العمل وترك الش الشرعية وحدها، وهو ما رفضه الراحل تمامًا". يتذكر إبراهيم لحظة إبلاغه بخبر اغتيال والده ونقله لمستشفى المدينة في محاولة لم تنجح لإسعافه، ليفارق الحياة بعد وصوله بلحظات". حاول إبراهيم تأليب أهالي المدينة على إرهاب الدواعش في عزاء والده، لكنهم كانوا أحكموا قبضتهم على المدينة، بما يجعل أي محاولة للمقاومة انتحار صريح، لكن ذلك لم يوقف حركة المقاومة طوال سنوات سيطرة الدواعش على المدينة.

ومع انطلاق "عملية الكرامة" برعاية الجيش الوطني الليبي لتحرير المدينة، انخرط إبراهيم نشاطه في دعم الحملة مع عدد كبير من سكان المدينة، حتى تمكن القوات من دخول المدينة بعد معارك ضارية مع عناصر التنظيم. جدد الحملة آمال أهالي المدينة في الخروج من سنوات الظلام. وانعكس ذلك على مظاهر الحياة التي رصدتها خلال تجولي في شوارع المدينة.

عائلة الشهداء
خلال جولتي مررت بمنزل آل الحرير، "عائلة الشهداء" كما يسمونها في درنة، كناية عن عدد من ارتقوا من ابنائها لتحديهم العناصر الإرهابية ومحاولتهم صد عدوانهم. حدثني من التقيت بهم عن بطولاتهم خلال انتفاضتهم في وجه الدواعش. بدأت القصة كما أخبرني أحد أبناء العائلة، بوقوع شجار بين أحد أبناء آل الحرير ومجموعة من عناصر التنظيم تم على إثرها استدعاءه ولكنه رفض، فتم استدعاءه للمرة الثانية، عبر أحد عناصر التنظيم الذي تعامل معه بشكل غير لائق، فتصاعد الأمر إلى شجار ثان انتهى بمقتل العنصر الداعشي.

تجمع الدواعش حول المنزل على إثر ذلك، وبدأت الاشتباكات. حاولت العناصر الإرهابية اقتحام المنزل عبر رتل عسكري بقيادة الإرهابي القيادي "حســن بوذهب"، لكن مقاومة أبناء العائلة بمن فيهم نسائها، أجهضت الخطة، ووصل الأمر إلى مقتل قائد الرتل عن طريق قنبلة محلية الصنع. حاولوا الدواعش الاقتراب من منزل آل الحرير من الشوارع الجانبية، لكن أبناء العائلة تصدوا للهجمات المتتابعة والمتوازية أحيانًا بشراشة الموعد حيث كانوا يقاتلون بشراسة، فلم يجد عناصر التنظيم أمامهم إلا التراجع للوراء، ومطالبة المقاومين المتحصنين في منزلهم عبر مكبرات الصوت بالاستسلام أو تفجير المنزل بمن فيه.

لم يستجب آل الحرير لتهديد عناصر التنظيم الإرهابي الذي طلب الدعم من أجل هجمة أخيرة كاسحة، وتمكنوا بالفعل من الوصول للمنزل هذه المرة، لكنه انفجر بهم عن اقتحامه، في تكتيك أخير من أبناء العائلة بعد نفاذ ذخيرتهم، ليخسر التنظيم عددًا كبيرًا من عناصره، ويسقط أبناء آل الحرير شهداء. شاركت الشهيدتان زكية ونعيمه ال الحرير في هذه الملحمة جنبا إلى جنب مع إخوتهم الثلاثة الذين لقوا نفس المصير، إحداهما لم تلفظ أنفاسها الأخيرة على الفور، ولكن تم تصفيتها داخل المستشفى الذي نقلت إليه للعلاج على أيدي الدواعش، فيما تم صلبهم جثامين الشهداء جميعًِا بوسط درنة، في محاولة لاسترجاع هيبتهم التي فقدوها في هذه الملحمة.

أطلال منزل آل الحرير

فجر جديد
مررت بعد ذلك بـ"محمد الفيتوري"، أحد شباب درنة، والذي عاد لعمله في بيع الخبز خبز التنور الطازج. يلصق محمد العجين على جنبات الفخار الساخن ليتحول العجين خبزًا ناضجًا في لحظات، فيما يصطف العشرات أمامه منتظرين خروج أرغفته الساخنة التي طالما حرموا منها تحت حكم الإرهاب، عاد محمد لعمله بعد سنوات من البطالة رفض خلالها ومعظم أصدقائه وأقاربه محاولات تجنيدهم من قبل عناصر التنظيم الإرهابي مقابل المال، في ظل بطالتهم عن العمل وحاجتهم للمال، ليؤكد أن المدينة التي لم تتوقف يومًا عن المقاومة عادت مجددًا للحياة، بعد أن رفضت إغراءات قوى الظلام المتطرفة.