موسيقى

مشروع ليلى: "غدًا يوم أفضل" وإن كان الواقع أننا "اتفقنا نضلنا هيك"

يقدم هذا الفريق موسيقى حرة لا تتمسك بتقاليد الموسيقى التقليدية
ليلى

بمصادفة غريبة بعض الشيء، استمعت أول مرة إلى أغنية "فساتين" لمشروع ليلى عام 2011. في صباح رائق ولطيف للغاية كنت أجلس مع شريك مؤقت وكانت الحياة تبدو سعيدة ومبهجة، كان هو يستعد للذهاب الى العمل وكنت أنا أحضر الإفطار وعلى وجهي ابتسامة لم تتكرر بعدها كثيرًا. كان الفتى الذي كان يمتلك عالمي وقتها يتمتع بشعر طويل وناعم وفي لحظة غريبة لم تتكرر بعدها على الإطلاق، جلست لأمشط له شعره قبل أن يبتسم لي في مودة ثم يغلق الباب ليذهب إلى عمله. بعد دقائق وأنا أرتدي ملابسي للذهاب الى العمل، أصدر هاتفي أزيز استقباله لرسالة جديدة من نفس الشخص، فتحت الرسالة لأجد رابط لأغنية على موقع يوتيوب، وكانت هي المرة الأولى التي أستمع فيها الى مشروع ليلى وأغنية "فساتين".

إعلان

"مسكتيلي إيدي ووعدتيني بشي ثورة كيف نسيتي كيف نسيتيني

ومشطيلي شعري وبعتيني عالدوام كيف بتمشطي مشطيني"

اكتشفت فرقة مشروع ليلى بطريقة رومانسية للغاية، وكانت من الصدف المثيرة للتأمل أن الألبوم الأول الذي عرفني عليهم كان يحمل عنوان "الحل الرومانسي"، واكتشفت بعدها أن الأغنية المفضلة الى قلبي كانت من إنتاج عام 2009 أي قبل أن أكتشفها بعامين كاملين.

مشروع موسيقي مستقل، وترتيبات بصرية مبهرة ومجموعة من الموسيقيين المختلفين عن كل ما هو سائد هي الصفات الرئيسية التي تميز فرقة مشروع ليلى، بجانب قدر لا بأس به من المشكلات في أكثر من دولة عربية أهمهما مصر والأردن. أزمة متكررة من الحديث حول الحريات الجنسية - هذا الموضوع الذي لا تطيق المجتمعات العربية التطرق إليه - خاصة مع مجموعة استطاعت في وقت قصير أن تجمع حولها مئات الآلاف من الجماهير العربية وتكتظ حفلاتهم بشباب لا يجد غضاضة في تشجيع فرقتهم بجانب دفاع مجموعات منهم عن ميولهم الجنسية عن طريق رفع علم مجتمع الميم - هذا الأمر الذي يدفعون ثمنه لاحقا بعدد غير قليل من سنوات السجن، الأمر أيضًا الذي أدى الى منعهم من الغناء في دولة مثل الأردن، التي حتى مع التعدد الذي يحظى به مجتمعها إلا أنها لم تطيق انفتاح مطرب الفرقة في حديثه عن ميوله المثلية وقررت منعه مع فرقته من الغناء على أراضيها.

مشروع ليلى يقدمون طوال الوقت ما يمكن أن يُنظر إليه كـ"تحية" الى الثورات العربية والحالمين في كل مكان، إلى حق كل شخص في تفضيلاته الجنسية، إلى قضايا لبنانية وعربية يغنون عنها بحس لا يمكن إغفاله من الفكاهة وخفة الدم، إلى إشارة تضامنية مع شعوب عربية مثل مصر، تعاني من مشكلات قد تختلف بعض الشيء عن مشكلات المجتمع اللبناني؛ إلا أنها تتفق في المعاناة من الظلم والاستخفاف بحقوق الإنسان مثلها مثل نظيرها اللبناني.

إعلان

ظهرت الأغنية الأخيرة لفريق "مشروع ليلى" باللغتين الإنجليزية والعربية، وحملت النسخة الإنجليزية اسم "Cavalry" والتي ترجمها الفريق في نسختها العربية الى عنوان "معاليك". تبدأ الأغنية بمجموعة من الفتيات الصغيرات اللاتي يصرخن في وجوه ضباط يحملون السلاح، ونستمع في وضوح الى إحدى الفتيات هي تقول في حدة "نحنا ما راح نسكت". قد يرى البعض هذه البداية تحمل رسالة مباشرة أكثر من اللازم تشي بالمقاومة ضد القوات العسكرية التي تنتشر في البلاد العربية منذ سنوات طويلة، والتي ترمز بوضوح الى القوى القمعية التي تستخدمها هذه القوات سواء في استخدامها للسلاح أو للسلطة التي تحد من حرية التعبير والقمع المجتمعي. كلا النسختين من الأغنية الأخيرة لمشروع ليلى يقدمان نفس الرسالة، وربما تأت النسخة الإنجليزية كمحاولة للانتشار خارج المنطقة العربية، هذا الأمر الذي نجحت فيه الفرقة بالفعل مع قيامها بعشرات الحفلات في أوروبا وأمريكا.

منذ سنوات، أطلق فريق "مشروع ليلى"أغنية "عبدو"، تلك الأغنية التي تحكي عن عبدو المظلوم، بائع الورد الذي يقع في غرام أرملة وظل يغرقها بالورود والأغاني الحزينة حتى عرف كل أهالي الحي بقصة حبه التي لم تصل الى نهاية مرضية فيما يبدو. تأت هذه الأغنية كإحدى أكثر الأغاني شعبية بين جمهور مشروع ليلى، كما تأتي أيضًا كإحدى أكثر الأغاني الحزينة التي يقدمها الفريق، والتي لا تعطي رسالة مباشرة وإن كانت تلمس مشاعر المستمعين من بلاد مختلفة. تذكرنا هذه الأغنية بقصيدة الشاعر المصري الراحل عبد الرحمن الأبنودي التي تحمل عنوان "الخواجة لامبو" والتي إن لم تحمل قصة حب منكسرة، إلا أنها تتحدث أيضًا عن عجوز يغرق الحي بأغنياته ويموت فقير ويرثاه الجميع. تلك حواديت لا يمكن أن ننساها، حتى إن لم تكن في نظر البعض بنفس قوة أغاني العسكر الذين يحملون السلاح في أوجه الفتيات الصغيرات. ما هو مدهش هنا هو قدرة الفريق على الجمع بين الاثنين دون أن تفقد إحداهما قوتها وأثرها على الجمهور.

إعلان

هناك الكثير من التشابه في تيمات غفلت عنها الأغنيات العربية السائدة بين ما يقدمه فريق "مشروع ليلى" وبين أزمات وجودية عربية وحواديت منسية يتذكرها الجمهور فور أن يستمعوا إلى صوت حامد سنو، المطرب الأساسي بالفريق الذي يتميز بكاريزما كاسحة وحضور غير عادي في حفلاته مع الفريق.

في الأغلب لا ينتظر فريق "مشروع ليلى" تقييم فني سائد يستند الى المعايير الفنية التي تُقيم الفرق العربية التي تقدم موسيقى عادية تتحدث بشكل عام عن قصص حب وهجر وتيمات استُخدمت مئات المرات، وعلى العكس يقدم هذا الفريق موسيقى حرة لا تتمسك بتقاليد الموسيقى التقليدية، وتجنح إلى دمج أنواع موسيقية مختلفة بين البوب والروك والجاز والبلوز مع لمحة من موسيقى شرقية، واستحضار أغاني مصرية ولبنانية قديمة ودمجها مع حيوية موسيقاهم الحديثة وكلمات أغانيهم الجريئة التي، على الرغم من صعوبة فهمها بعض الشيء، إلا أن الجمهور يرددها في حفلاتهم ويغنيها معهم بلا كلل أو ملل.

وبسبب تيمات أغاني مشروع ليلى الجريئة بعض الشيء فالبعض قد يتصور أن جمهور الفريق قد يقتصر على الطبقة المثقفة أو حتى على مجتمع الميم الذي يعتبر من أكثر المشجعين للفرقة بسبب دفاعهم الصريح عن الحريات الجندرية، إلا أن الفريق استطاع بشكل استثنائي أن يصل إلى تنوع ملحوظ في الجمهور الذي يستمع إليهم ويحبهم بشكل غير تنظيري، الأمر الذي من السهل ملاحظته في حفلاتهم في مصر ولبنان. قد يكون هذا التنوع بسبب كاريزما حامد سنو، أو بسبب الإبهار البصري الشديد في حفلات الفريق، أو حتى بسبب الحيوية التي تتصف بها أغانيهم وتدفع الجمهور إلى الاستمتاع بالنغمات الراقصة دون الدخول في تفاصيل سياسية أو مجتمعية تتناولها الأغاني نفسها.

هناك دومًا صورة سينمائية في أغنيات مشروع ليلى، خاصة تلك المصورة أو حتى التي لم يقوموا بإنتاج فيديو مصور لها، هناك صورة غامرة وعاطفية تتدفق في أغنياتهم وتداعب مشاعر مستمعيهم وتدعوهم إلى الانطلاق في رسالة معلنة أحيانًا، وخافتة في أحيان أخرى ونراها في ألحانهم وكلمات أغانيهم. هناك دعوة واضحة للحرية والخروج من بين جدران الأغنيات السائدة والموسيقى الحالية التي أصبحت على قدر كبير من الملل والتكرار، ولهذا أصبح فريق مشروع ليلى هو المشروع الوحيد الذي يعطي هذه الرحابة واللطف لجمهوره، حتى وإن كانت أغنيتهم "غدًا يوم أفضل" لا تحمل عنوان واقعي وتعد بأشياء في الأغلب بعيدة عن أفق المجتمعات العربية في الوقت الحالي والمستقبل القريب، حتى وإن كانت جرأتهم لا تتفق مع ضيق أفق الكثير من المستمعين، وحتى إن هاجمهم من لا يتفقوا أن الحرية رائعة وجميلة خاصة إن جاءتنا في هيئة أغنية ولحن يدفعنا الى لحظات مبهجة بعيدًا عن واقعنا المؤلم.