rouf fida poet kashmir
حياة

هذه الشاعرة لم تذهب إلى المدرسة أبدًا، لذا اخترعت أبجديتها الخاصة لكتابة الشعر

ابتكرت ظريفة جان "لغة الدوائر" لمساعدتها في توثيق قصائدها
RF
إعداد Rouf Fida
RF
تصوير Rouf Fida

سلمتني ظريفة جان ورقة كُتبت عليها عدة دوائر بالقلم الرصاص. كنت قادرة على تمييز الفروق الصغيرة بينهما بمجرد إلقاء نظرة فاحصة - بعضها كان أكبر، وبعضها لم تكن دائرية تمامًا، وبعضها كانت أقرب إلى بعضها البعض، وبدا البعض محاطًا بدائرة مرارًا وتكرارًا. تم تحديد هذه الدوائر بدقة في صفوف. بينما واصلت المحاولة لفك رموز تلك الدوائر، أخرجت ظريفة قلم رصاص وأضافت بعض صفوف الدوائر على ورقة جديدة متكوّمة قليلا - الكتابة كانت من اليمين إلى اليسار، بالطريقة التي تُكتب بها النصوص الأردية والكشميرية.

إعلان

يخبرني شفعت لوني، نجل ظريفة لـ :VICE "لا أحد في العالم يمكنه قراءة هذه السطور باستثناء أمي." هذه "السطور" هي في الواقع لغة مشفرة خاصة بظريفة، وهي لغة طورتها كوسيلة لتوثيق شعرها.

IMG-20210407-WA0006.jpg

يقول شفعت لوني، نجل ظريفة : "لا أحد في العالم يمكنه قراءة تلك السطور باستثناء والدتي."

الشاعرة الصوفية البالغة من العمر 65 عامًا والتي تعيش في منطقة بانديبورا بشمال كشمير في الهند لم تذهب إلى المدرسة أبدًا. ولذلك، على الرغم من أنها تستطيع التحدث بلغتها الأم الكشميرية، إلا أنها لا تستطيع القراءة أو الكتابة بها.

الصوفية هي شكل روحاني من الإسلام، وهي مدرسة غير تقليدية للعبادة تركز أكثر على الجوانب الخفية للحياة الدينية، والتي يسعى فيها الصوفيون إلى خوض تجارب شخصية مباشرة مع الله.

تقول لي بفخر: "هذه لغتي، لغة الدوائر، لقد طورتها على مر السنين."

بدأ دخول ظريفة مجال الشعر بعد سنوات قليلة من زواجها، عندما كانت في أواخر الثلاثينيات من عمرها. كانت قد ذهبت لجلب الماء من ساقية قريبة، قبل أن تسقط مغمياً عليها. وعندما أفاقت، شعرت أيضًا وكأنها إنسانة مختلفة تمامًا. وتقول: "عندما استعدت حواسي، بدأت أردد شعرًا غزليًا."

"الغزل" هو شعر أو قصائد أدبية نشأت في الشعر العربي، وغالبًا ما تتعلق بموضوعات مثل الحب والشوق والحنين. وتضيف: "حتى تلك اللحظة، لم يكن لدي أي فكرة عن ماهية الشعر لأنني لم أقرأه من قبل. لكن منذ ذلك الحين، كتبت مئات القصائد والغزل." تقرأ لي بضعة أسطر من إحدى قصائدها: (لم أدمر شبابي فالنار كانت تُغذيني. شبابي واهي لا قيمة له في هذا العالم العابر).

IMG-20210407-WA0005.jpg

ظريفة تقرأ إحدى قصائدها.

عندما أدركت ظريفة أنها مولعة بالشعر، كان أطفالها في المدرسة. كانوا يتعلمون القراءة والكتابة باللغتين الإنجليزية والأردية. لكن قصائدها كانت باللغة الكشميرية - لغة مهملة يتراجع استخدامها، حتى في كشمير.

إعلان

وتضيف: "كان من العبث والظلم أن نطلب منهم تعلم لغة أخرى. ومن كان سيعلمهم؟ الكشميرية، كمادة دراسية، لم تكن جزءًا من مناهجهم المدرسية مثل الإنجليزية والأردية. أيضًا، لم أكن متأكدة على الإطلاق مما إذا كنت سأشارك شعري معهم."

لقد استغرقت بضع سنوات لتكتسب الشجاعة لتخبر زوجها أولاً ثم أبنائها عن قصائدها. ولدهشتهم ذهلوا من مضمون القصائد. ومع ذلك، كان بإمكانها حفظ وتذكر القليل فقط من أعمالها، معظم تلك القصائد ضاعت من ذاكرتهم لأنه لم يكن لديها وسيلة لتوثيق تلك القصائد.

في البداية، حاول شفعت تسجيل القصائد في شريط. ثم حاولت ابنتها الكبرى، كلثوم، كتابتها باللغة الكشميرية التي تعرف عنها القليل. لكن ظريفة لم تكن راضية عن طريقتهما في توثيق قصائدها.

IMG-20210407-WA0011.jpg

عندما تخطر فكرة على بال ظريفة تمسك أقرب قلم لها وتكتبها بهدوء، حتى لو كتبتها على كف يديها.

وتقول ظريفة: "لا يمكنني اصطحاب أبنائي معي في كل مكان أذهب إليه لقراءة شعري وأطلب منهم أن يهمسوا بالنصوص التي أقوم بكتابتها في أذني حتى أتمكن من قولها بصوت عالٍ للآخرين. أيضًا، لا يمكن لأولادي التواجد معي في كل مرة أفكر فيها وأريد تسجيل قصائدي، إما على شريط تسجيلي أو على الورق."

لذلك، ابتكرت تكنيك آخر.

كلما كان لديها فكرة، كانت تلتقط صفحة وترسم عليها أشكالًا مختلفة من الأشياء. معظمها لها معنى حرفي. وقالت: "إذا كان هناك كلمة تفاحة في قصيدتي، كنت أرسم تفاحة. لو كان هناك قلب، كنت أرسم قلبًا."

بعدها، كلما كان لدى ابنتها الوقت، كانت ظريفة تفك شفرة تلك الأشكال، وكانت كلثوم تكتب القصيدة بالكتابة التقليدية المعتادة.

تقول ظريفة: "أنا أمية لا أجيد القراءة والكتابة، ولم أمسك بقلم قط من قبل، لذلك كان كل شيء رسمته مجرد شكل وحجم مختلف لدائرة. حتى لو رسمت موزة، ستكون دائرية." أثبتت تلك الأشكال الدائرية الغريبة أنها إشارة جيدة لها لتذكر نصوصها وكتاباتها حتى تتمكن ابنتها من تدوينها. إلا أن هذا  توقف قبل ثلاث سنوات، مع وفاة كلثوم المفاجئة.

إعلان

بسبب حزنها، أهملت ظريفة توثيق قصائدها لبعض الوقت، حتى قررت إعادة النظر في هذه الأشكال الدائرية. 

Zareefa jan while reading his coded poetry2.png

ظريفة جان أثناء قراءة شعرها المُشفر.

لقد أدركت ظريفة أن السنوات العديدة التي قضتها في تحديد معاني لدوائرها تعني أنها ابتكرت نوعًا من الأبجدية. هي فقط من كان بإمكانها قراءته، لكنها كانت راضية عن ذلك. إنه ليس حتى قاموسا ثابتًا بحيث يمثل أحد الأشكال دائمًا معنى معينًا. إنها تستمر في التطور حيث تعطي تلك الدوائر معنى هي الوحيدة التي يمكنها تذكره وفك تشفيره.

الآن، تلك الصفحات المليئة بدوائر متعرجة تقبع داخل الكتب التي تحتفظ بهم، وهو مستودع لحوالي 300 قصيدة كتبتها على هذا النحو. تحاول عائلتها نشرها جميعًا بطريقة كتاباتها المشفرة جنبًا إلى جنب مع استخدام الحروف الأبجدية التقليدية.

IMG-20210407-WA0014.jpg

بعض أعمالها المشفرة جنبا إلى جنب مع الكتابات التي تم فك تشفيرها.

يعتقد بعض الخبراء أن ظريفة يمكن أن تكون أول شاعرة في العالم تبتكر أبجديتها الخاصة للحفاظ على إبداعاتها.

ويقول سراج أنصاري، مدرس لغة أوردية: "كطالب ومدرس للشعر، لم أر هذا الشيء في أي مكان في عالم الشعر. إذا كان ما تقوله صحيحًا، فهي على الأرجح أول شاعرة في العالم تفعل ذلك."

أخبرني ابن ظريفة كيف أن بعض الناس يشككون في ادعاء والدته بأن دوائرها تحمل معنى هي الوحيدة التي يمكنها فك تشفيرها. إنهم يتشككون في أنها تتذكر شعرها حقًا وإنها تتظاهر فقط بقراءته من خلال دوائرها.

لكن أحد أقدم الشعراء الصوفيين وأكثرهم احترامًا في كشمير، وهو آب كريم باروانا، يثق ويصدق ظريفة.  ويقول آب كريم  لـ  VICE: "لا يوجد شاعر في العالم يمكنه تذكر كل ما كتبه. لم أر أو أسمع أي شخص في حياتي يقول إنه يتذكر مجموعاته الشعرية بأكملها. إنها شاعرة صوفية، وفي التصوف كل شيء ممكن."