IMG_0067
بدم بارد

لؤي الطائي: طبيب الموت العراقي

ضحاياه كانوا من الجنود العراقيين ورجال الشرطة والذين قام لؤي بإنهاء حياتهم عن طريق فصل أجهزة التنفس عنهم، وإعادة فتح جراحهم أو حقنهم بعقاقير مميتة

بدم بارد: سلسة من المقالات حول قتلة متسلسلين من العالم العربي، نحاول الكشف عن القصص الحقيقية المؤلمة وراء هذه الجرائم التي تجاوزت العناوين الرئيسية وأصبحت جزءًا من الثقافة الشعبية.

كيف يمكن لملاك أن يتحول لشيطان؟ حدث من قبل في قديم الأزمان عندما تحول إبليس من فريق المؤمنين إلى قيادة فريق الشر، وحدث أيضًا في الزمن القريب في كركوك بالعراق، عندما تحول لؤي عمر الطائي من طبيب يعالج الجرحى لسفاح قتل أكثر من 43 شخص وهو يدعي علاجهم.

إعلان

تخرج لؤي من كلية الطب في الموصل عام 2003، واستقر في كركوك بعد الغزو الأمريكي وبداية عمليات الانتحارية والتفجيرات التي ستستمر لسنوات طويلة وستتسبب في قتل الآلاف من العراقيين. على الرغم من الهدوء النسبي في كركوك منذ الغزو الأمريكي عام 2003، فقد شهد عام 2005 تصاعدًا في أعمال العنف في جميع أنحاء المحافظة. وتقول الشرطة إن أكثر من 1،500 شخص قتلوا أو أصيبوا خلال ذلك العام.

بدأ لؤي في ممارسة عمله في مستشفى الجمهورية في كركوك، شمال العاصمة بغداد، كان الجميع يشهدون له باللطف ودماثة الخلق، وكان يشهد له زملائه بالنشاط فهو دائم الحضور عندما يقع حادث كبير أو هجوم انتحاري. كان الصحفيون في المدينة يحبونه نظراً لأنه الطبيب الوحيد الذي يسمح بالتصوير في المستشفى في وقت مناوبته، كما أنه كان يفضل المناوبات الليلية والتي كان يرفضها أغلب الأطباء.

على مدى ستة أشهر (أكتوبر ٢٠٠٥- مارس ٢٠٠٦) تحرك الدكتور لؤي، ٢٦ عاماً في ذلك الوقت، بين برك الدماء في وحدة الطوارئ المزدحمة في مستشفى الجمهورية. ضحاياه كانوا من الجنود العراقيين ورجال الشرطة الذين توافدوا على المستشفى، والذين قام لؤي بإنهاء حياتهم عن طريق فصل أجهزة التنفس عنهم، وإعادة فتح جراحهم أو حقنهم بعقاقير مميتة.

كان من الممكن أن يستمر لؤي في عمله وممارسة أعمال القتل بدون أي دليل، ولكن في مارس 2006 تم اعتقال عناصر من جماعة أنصار السنة، وهي منظمة عراقية مسلحة تعتبر واحدة من أكبر الجماعات الجهادية في العراق التي استهدفت الجيش الأمريكي والحكومة العراقية الموالية للولايات المتحدة. وبينما اهتم المحققين بمعرفة أسماء المتعاونين مع عناصر هذا التنظيم، اهتموا أيضًا بمعرفة الطبيب الذي كان يعالجهم، وبينما كانت كل الأسماء حركية ووهمية، كان اسم الطائي حقيقيًا.

إعلان

لؤي والذي اشتهر في مدينته باعتباره "الطبيب العازب" قبل أن يصبح "طبيب الموت" تم تجنيده بطريقة بطريقة تليق بمهنته من قبل شخص يطلق عليه اسم أبو حجر، توفي ابنه في المستشفى بسبب عدم توفر الأدوية.

يقول لؤي حسب الاعترافات التي نشرتها الغارديان: "أحضر أب ابنه البالغ من العمر أربع سنوات، وكان مريضاً. بقي الصبي في المستشفى لبعض الوقت، لكننا لم نتمكن من توفير الدواء المناسب. عندما واجهني الاب، قلت له "نحن نعيش في دولة محتلة وهذا هو الوضع السائد في دولة محتلة." وعندها أجابني: "لا يجب أن نبقى غير مبالين، يجب أن نفعل شيئًا ويبدو أنك سئمت الوضع الحالي، فلماذا لا تساعدنا؟ نحن من المقاومة، وكلما أردنا مساعدتك سنطلب منك ذلك."

وافق لؤي علي مساعدتهم. حدث الاتصال الأول بينه وبين جماعة أنصار السنة، بعد عدة أسابيع وذلك لعلاج واحد من مقاتلي جماعته أصيب أثناء قيامه بزرع عبوة ناسفة. وتم تجنيده لعلاج جرحاهم، يقول الطائي في المقابلة التلفزيونية الوحيدة التي أجريت معه من جانب قناة كردية تابعة للاتحاد الوطني الكردستاني بعد القبض عليه: "طيلة فترة عملي مع الجماعة كانت أسماؤهم وهمية ولديهم بطاقات شرطة وجيش ومؤسسات حراسة ونفط وبلدية كلها مزورة، إلا أنا الوحيد الذي كان اسمي غير مزور. وفي أحد المرات فشلت في معالجة أحد جرحى المجموع ويدعى أبو يعقوب واضطررنا لإدخاله المستشفى. طلُب مني مراقبة المستشفى ونقل تقارير يومية عن حالة رَجلهم المصاب، وسألوني عن إمكانية تهريبه فأخبرتهم أن قدماه مكسورتان ولن يستطيع الهرب. في النهاية سهلت دخولهم للمستشفى ليلاً وقاموا بتحرير الرجل وإخراجه من المستشفى."

إعلان

 في هذه العملية تم قتل ثلاثة من رجال الشرطة الذين كانوا يحرسون أبو يعقوب، وهو عضو في خلية كانت تخطط لإغتيال قاض في المحكمة التي تحاكم الرئيس المخلوع صدام حسين وقتها.

 بعد تعاونه معهم في تهريب أبو يعقوب، طُلب من لؤي إمداد الجماعة بمعلومات يومية عن إصابات رجال الشرطة والجيش العراقي التي تصل للمستشفى، وهو ما فعله لؤي. بعدها بأيام اتصل به أبو هاجر، وهو من قيادات المجموعة، كما يقول لؤي في اعترافاته: "اتصل بي أبو هاجر وقال لي شرطي كبير قادم إلى مستشفاك الليلة. لقد أطلقوا النار عليه لكنهم فشلوا في إنهاء المهمة. يمكنك القيام بذلك من أجلنا. كنت أعرف ما يقصد."

كان هذا الحادث كان في أكتوبر 2005 وكان المقصود هو الملازم أول أرجمان من شرطة كركوك، كان الأطباء قد نجحوا في انتزاع رصاصة من صدره وظل في غرفة الإنعاش، عاد أطباء الجراحة إلى منازلهم وهم مقتنعين أنهم قد أنقذوا حياة الرجل، ولكن لؤي الموجود في المستشفى ليلاً دخل وأوقف إمداد أرجمان بالأكسجين ليموت بعد نصف ساعة، ليبدأ أول حلقة في سلسلة الدم.

بعد عشر أيام من جريمته الأولى قام لؤي بجريمته الثانية بعد صدور أوامر جديدة من التنظيم، ولكن هذه المرة استخدم الطريقة التي ستصبح المفضلة لديه، كان ضحاياه أربعة من أفراد الحرس الوطني العراقي نقلوا إلى المستشفى بعد إصابتهم في انفجار عبوة ناسفة، قام لؤي بحقنهم بمزيج من الأدوية التي قتلتهم، كما يقول في اعترافاته: "كانوا مصابين بجروح في أجزاء مختلفة من أجسادهم. لذلك صنعت مزيجًا من الفاليوم والفولتارين والديكادرون وحقنتهم به. ماتوا خلال ثلاث ساعات. القسم الطبي ليس لديه المعدات الحديثة لتحليل دمائهم ، لذلك لا أحد يعلم كيف ماتوا."

إعلان

يقول الدكتور لؤي إنه خلال الأشهر التالية جرب جرعات وكوكتيلات مختلفة من الأدوية المتوفرة في المستشفى: "في بعض الأحيان، إذا كانت إصاباتهم خطيرة حقًا وكانوا ينزفون كثيرًا، واستخدمت عقار فولتارين لإبقائهم ينزفون حتى الموت. كنت أقوم بقطع الكهرباء عن غرفة العمليات وأفتح الجروح واحقنها بالسموم كما كنت استخدم التخدير في إصابات الشرطة والجيش حينما تكون بالصدر والرأس بكميات كبيرة تؤدي للوفاة بعد ساعات بالإضافة لرفع جهاز التنفس بعد خروجهم من العمليات في حالات الإنعاش."

يذكر لؤي واحد من أهم ضحاياه: "بين الذين اتذكر انني قضيت عليهم العقيد عجمان عبد الله مساعد قائد شرطة المقداد بعد إصابته في شهر رمضان، قمت ليلاًً بحقنه بمادة قاتلة ورفعت جهاز التنفس عنه وتوفي صباحًا. كما قتلت شقيقه الجندي بعد إصابته بتفجير عبوة ناسفة."

الدكتورة أمل الصفتي، أستاذة الطب المهني والبيئي ومديرة مركز السموم بجامعة القاهرة سابقاً، تصف لـ VICE عربية طريقة القتل التي استخدمها لؤي بأنها سادية للغاية وتضيف: "فتح الجروح وحقنها بالسموم طريقة سادية جداً ويبدو وكأنه يستمتع بما يفعله. استخدام الفولتارين والفاليوم سيمنع ظهور أعراض مميزة على الضحية، فأعراضهم تتشابه مع أعراض أخرى كثيرة، وبالتالي لا يمكن تمييزها بالملاحظة العادية. ولكن الضحايا كانوا مخدرين وبالتالي لم يشعروا بالعذاب والألم."

ولكن كيف استطاع قتل كل هذا العدد، نحن نتحدث عن أكثر من 43 قتيل؟ يقول لؤي "كوني كنت المسيطر في المستشفى في المناوبة الليلية، فقد كنت أقوم بهذا العمل بكل حرية. كما أنني كنت أستطيع الحصول على الحقن السامة من المستشفى وأحمل الكمية التي أريدها بجيبي أو محفظتي."

إعلان

ولكن، ما المقابل؟ لماذا قتل لؤي كل هذا العدد؟ وكم كان يتقاضى مقابل كل روح يزهقها؟ في المقابلة الوحيدة معه قال أنه كان يتقاضى ما بين 10 آلاف إلى 150 ألف دينار عراقي عن كل عملية قتل بالإضافة لمنحه خمس بطاقات موبايل شهريًا -كان يتقاضى ما بين سبعة إلى مئة دولار فقط عن كل شخص يقتله.

وحسب اعترافاته للشرطة، فقد قال أنه كان مقتنعًا بأنه سيفلت من العقاب، لأنه قتل دون ضجة ولم تكن هناك مرافق في المستشفى لإجراء عمليات التشريح المناسبة. لؤي الذي قام بالقتل بدم بارد حتى اللحظات الأخيرة قال أنه لم يشعر بوحشية جرائمه ولم يعتقد أنه سيتم القبض عليه بهذه السهولة، "فقد كان الجميع يحبه." وعندما سئل إن كان قد خان مهنته، رد قائلاً : "اعتقدت أنه يمكنني فعل شيء لتحرير بلادي، لكن في وقت لاحق اكتشفت أنني تعرضت للتضليل، ولكن كان علي الاستمرار في العمل والاستمرار في ارتكاب هذه الجرائم."

منتظر الشريفي، صحفي وإعلامي عراقي يقول لـ VICE عربية إن حالة لؤي لم تكن الوحيدة، ولكنه كان الحالة الأبرز والأكثر قسوة مضيفًا: "هناك نماذج مشابهة من حملة الشهادات كأطباء ومهندسين قد اشتركوا في جرائم الجماعات الإرهابية بعدما غُسلت عقولهم تحت عناوين الجهاد والوطنية."

وعن مصير جماعة أنصار السنة الكردية، ومصير لؤي نفسه، يقول الشريفي: "أغلب الجماعات الإرهابية والمتشددة انضوت وانصهرت تحت عباءة داعش الإرهابية قبل أن تتمكن القوات العراقية من استعادة الأراضي العراقية في ٢٠١٨."

ولكن ماذا عن لؤي نفسه؟ بحثنا كثيراً عن مصيره وإذا ما تمت محاكمته، فلم نجد أي أخبار تتحدث عنه. ولكن بحسب الشريفي: "تم الحكم على لؤي بالإعدام فعلاً وتم حبسه في سجن السلام في الموصل المخصص للمحكوم عليهم بالإعدام، ولكن في 2014 نجحت داعش في اجتياح المدينة وقامت بتهريب السجناء ليخرج لؤي مع أعضاء تنظيم أنصار السنة من السجن. مازال مصيره مجهول حتى الآن."